السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
[justify]يقال للأمر المألوف , الجاري مجرى العادة : أمرٌ عاديٌّ .[/justify][justify]
ويقال للأمر القديم البائد : عاديّ , نسبة إلى " عاد " في القدم .
فهل النسبة إلى "عادة" صحيحة ؟..
وإن لم تكن صحيحة فهل كلمة "عادة" -قياساً- مثل "كافّة" ؟.. التي رجح جمعٌ من العلماء أنه لا تأتي إلا حالاً ؟..
الأصل في النسبة إلحاق ياء النسب , كما هو في : عاد , عاديّ .
والنسبة للمختوم بتاء التأنيث , تكون بحذف التاء , ثم إلحاق الياء , فتكون أيضاً -قياساً- في عادة : عاديّ .
ولكنّ هذا الأمر قد يشكل على المتلقي والقارئ إذا جاء الكلام مجرداً بدون قرينة تدل على أحد الأمرين , العادة أو القِدَم .
وبالنظر في المعاجم يُدرك أن النسبة للعادة أمرٌ " مُولّدٌ " , لم تنطقه العرب في القرون الثلاثة الأول لهذا المعنى .
إنما نطقته نسبة إلى القدم .
قال في لسان العرب :
(....والعادي الشيء القديم نسب إلى عاد ؛ قال كثير :
وما سال واد من تهامة طيب به قلب عادية وكرور ...)
وفي الحديث المرسل عند بعض العلماء , والضعيف عند بعضهم : (عاديُّ الأرض لله ولرسوله) .
ولم أقف -بحسب علمي القاصر- على شاهدٍ واحد في عصر الاحتجاج يؤيد مذهب النسبة إلى "عادة" !.
إنما الذي ورد كان بعد ذلك , في العصور المتأخرة , حيث ظهر في كلام العلماء والمؤلفين , كالشاطبي -رحمه الله- في الاعتصام , حين ذكر أفعال المكلفين بحسب النظر الشرعي فيها , فقال : (وأما الثاني : وهو العادي فظاهر النقل عن السلف الأولين أن المسألة تختلف فيها ، فمنهم من يرشد كلامه إلى أن العاديات كالعباديات ، فكما أنا مأمورون في العبادات بأن لا نحدث فيها ، فكذلك العاديات).
ثم ورد بعد ذلك في كلام الناس , حتى في بعض " المعاجم " الحديثة , كقاموس " المنجد , في اللغة العربية المعاصرة ", حيث جاء في مادة : (عود) : (.... عاديّ: شيءٌ مألوفٌ أو معهود , ما درجت عليه العادة , "حديث عاديّ": لا قيمة بارزة له , غير متجاوز مستوى عامة الناس , وقدره على قدرهم ...).
· فظهرت معان جديدة لـ(عاديّ) , إضافة إلى ما تقدم , منها :
1. الشيء الذي ليست له أهمية , أو غير المتعدي للأمور الهامة . [كقولهم : أفكارٌ عاديّة].
2. الشيء قليل القيمة التافه . [كقولهم : طعامٌ عاديّ].
3. الشيء البسيط , الذي ليس فيه شيء مثير . [كقولهم : جلسةٌ عاديّة].
والذي يظهر أن هذا كله من اللغويّ المُحْدَث , ولا وجود له في لغة العرب الأقحاح .
ولا أدري إن تمخضت المعاني السابقة عن معاني أخرى .
نعود لإشكالنا بعد هذا العرض الموجز , فنقول :
أمامنا مذهبان , المذهب الأصل الذي لا خلاف فيه , في النسبة إلى عاد .
والمذهب الآخر , وهو النسبة إلى " عادة " , وكذلك -يصح- قياساً , وجرياً على القاعدة المطّردة .
ولكن الإشكال وارد إن جاءت بغير قرينة تدلّ على أحد من المعنيين , ومعلومٌ في كلام العرب : البيان والإفصاح وعدم الإيهام في الألفاظ , وهذا ما لم يوجد في موضوعنا .
ثم وجود ذلك في كلام العلماء المتأخرين كالشاطبي وغيره من الفقهاء كان بقرينة دلت عليه, وإن وجد بغير قرينة فهل يدخل ضمن قول أبي البقاء الكفوي في (الكليات) [4/132] و [5/174] , (...أن استعمال الثقات لألفاظ المعاني يُجعل بمنزلة نقلهم وروايتهم , وإن لم يوجد في كتب اللغة أو استعمالات العرب , وذكر أمثلة منها قول : "كافة الأبواب" بالإضافة) ؟!..
ولو لم تصح النسبة إلى (عادة) للإيهام وعدم الإفصاح , فهل تقاس (كافّة) التي وردت في قوله تعالى (وما أرسلناك إلا كافّة للناس ...) ؟ في أنها لا تجيء إلا حالا , ويكون مجيئوها مضافة عن بعض العلماء من المدخول على العربية ؟!..
حيث أشار الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله- إلى بعض مباحثها في (الطرة على الغرة) [ص89-90] , وفي (مجلة الضياء) [ص180-181] السنة الرابعة, عام 1901م, وفي تهذيب الأسماء واللغات للنووي [مادة : كفف], وفي (نظرات في اللغة والأدب) للعلامة الغلاييني [ص55-56] , وكذلك في (شرح درة الغواص) للشهاب الخفاجي [ص70].
والخلاف في ذلك يطول , ولا أدري إن تطرق أحدٌ لهذه المسألة [وهي نسبة : عادي] بشيء من التفصيل !..
ولكني توصلت إلى أن هذه الكلمة ليست فصيحة , ومن الأفضل أن نعدل إلى ذكرها حالاً , أو نأتيَ بكلمة أخرى توافقها في المعنى , ومن ذلك قولنا في الأمر الـ(عائد) , عائدي ..
· ملحظ شرعي لغوي :
كما يقال : أمرٌ طبيعي !.
ولا أدري ماذا يقصد بالطبيعي هنا ؟.. هل النسبة لفعل الطبيعة ؟!.. وأنها هي الفاعلة ؟!..
أو النسبة إلى الطبع والسجية وموافقة الأمر لها ؟!..
إن كان الأول فهو غير جائز شرعاً . وقد ذكر ابن قيم –رحمه الله- حكم قول ذلك في (مفتاح دار السعادة ص/282-283. وطريق الهجرتين ص/217-218) [نقلاً عن معجم المناهي اللفظية للشيخ بكر أبو زيد –رحمه الله-]
وإن كانت النسبة للثاني , ففِعْلُ ذلك خطأٌ لغوي كما في الأولى.
حيث أن النسب إلى : ( فَعِيلَة ) يكون بحذف يائها , إذا لم تكن العين معتلة أو مضعفة .
فيقال في (طبيعة) : طَبَعِي , وليس طبيعي !.
أخيراً : أترك المجال لإخوتي في هذا المجلس العلمي لمناقشة هذا الأمر , والإدلاء بدلوهم .
[/justify]