نصيحة إلى أهل الجرح... والتجريح
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
فقد عمت وطمت
وطار شررها
ومن لا يعرفها
فتنة عمياء
لا يعرف من ايقظها
لكنها استيقظت, أو أنها كانت مستيقظة, ربما...
وقد وصل شرها وشررها إلى هنا..
وفتنت جملة من شبابنا وإخواننا...وأخوا نا
أغرتهم الشبهة, وحلَت على ألسنتهم شهوتها..نعم.. ومن لا يعرفها.
رُفِعت لها رايات الجرح..والتجريح.
ورميت بها بيوتات فاضلة لثلة الخير والصلاح.
زعموا..وقالوا..
وبئس ما قالوا..
كلهم رؤوس..وكلهم أذناب..
فالكل له صلاحية الكلام...!
مبتدئا أو ناقلا...!
فتنة الجرح والتجريح...فتنة ممسوخة مشوهة الأطراف.وكل الفتن كذلك.
رفع لواءها مغررون.. ومغرر بهم.
فنالوا من بعض كبارنا, ولعلهم ودوا لو نالوا منهم كلهم.
احتجوا لكونه إمام الجرح والتعديل...ولهم في ذلك كلام لشيخ الشام وإمامه.
أوليس الذي شهد له أعلم منه بذلك. فإنه متخصص وأهل لذلك.
والآخر محكوم له...وإن حُمِّل الحكم فوق ما لا يحتمل.
غرضي هنا مناقشة مسوغاتهم في الطعن والتنفير والتحذير والتشهير وووو..والقائمة تطول.
فلنبدأ بما يعرفه الجميع
فـ[لكل جواد كبوة ولكل صارم نبوة ولكل حليم هفوة ][1] و[ ما من عالم إلى وله زلة][2]
و [ما من شرط العالم أنه لا يخطئ ][3][فأرني إماما سلم من الخطأ والوهم ][4]بل [ما من أحد من أعيان الأمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا لهم أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوغ إتباعهم فيه ][5]
فلم الوقيعة فيهم والطعن عليهم .
فـ[الذي أقول به : إن المجتهد المخطئ لا يأثم إذا قصد الحق , وكان ممن له الاجتهاد وأرجوا أن يكون له في قصده الصواب وأراد به له أجر واحد إذا صحت نيته في ذلك والله أعلم] [6]و [ما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها لا يوجب اطراح أقوالهم جملة وتنقصهم والوقيعة فيهم][7] و[لا ينبغي أن ينسب صاحبها إلى التقصير ولا أن يشنع عليه بها ولا ينتقص من أجلها أو يعتقد فيه الإقدام على المخالفة بحتا فإن هذا كله خلاف ما تقتضي رتبته في الدين][8]
فمن[كان موصوفا بالدين والورع والتأله منظورا إليه في الفضل والعلم وبدت منه هفوات خفيفة لم تغير رتبته إن شاء الله][9]]
و[لو قدر أن العالم الكثير الفتاوى أخطأ في مائة مسألة لم يكن ذلك عيبا وكل من سوى الرسول ] [10]فإنه [لا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفور للأمة وإن كان ذلك في المسائل العلمية ولولا ذلك لهلك اكثر فضلاء الأمة وإذا كان الله يغفر لمن جهل تحريم الخمر لكونه نشأ بأرض جهل مع كونه لم يطلب العلم فالفاضل المجتهد في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه إذا كان مقصوده متابعة الرسول بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته ويثيبه على اجتهاداته ولا يؤاخذه بما يصيب ويخطئ تحقيقا لقوله {ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا][11]
فـإن [الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه وعلم تحريه للحق واتسع علمه وظهر ذكاؤه وعرف صلاحه وورعه واتباعه والله يغفر له ولا نضلله ونطرحه وننسى محاسنه , نعم ولا نقتدي به في بدعته وخطئه ونرجو له التوبه من ذلك ][12]
و[ من له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ولا يجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين ][13]
[ ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لاتباع الحق أهدرناه وبدعناه لقل من يسلم من الأئمة معنا رحم الله الجميع ][13]
بل [لو قدر أن العالم الكثير الفتاوى أفتى في عدة مسائل بخلاف سنة رسول الله e الثابتة عنه وخلاف ما عليه الخلفاء الراشدون لم يجز منعه من الفتيا مطلقا بل يبين له خطؤه فيما خالف فيه فما زال في كل عصر من أعصار الصحابة والتابعين ومن بعدهم من علماء المسلمين من هو كذلك][14]
فالذي ينبغي في مثل هذا أن يرد خطؤه إلى ما يعرف عندنا من أصوله, وتغرق هفوته في بحار صوابه.فإن العبرة بالغالبفـ[إذا كان الأغلب الطاعة فهو المعدل وإذا كان الأغلب المعصية فهو المجرح][15]فـ[ ليس من شريف ولا عالم ولا ذي سلطان إلا وفيه عيب لا بد ولكن من الناس من لا تذكر عيوبه من كان فضله أكثر من نقصه وهب نقصه لفضله ][16]
وبعبارة أخرى [ إذا غلبت محاسن الرجل على مساوئه لم تذكر المساوئ وإذا غلبت المساوئ على المحاسن لم تذكر المحاسن][17]
وإنما يتجاوز هذا الصغار وأهل الهوى, تجدهم يغلب الهوى في أحكامهم ولا يراعون حرمة في جرحهم وتعديلهم
فلابد من سلوك مهيع الإنصاف, لتفادي الظلم والإجحاف. ورد الأمور إلى ما قرره الأئمة الأعلام, وأعلنه أكابر الإسلام
[وإنما يضيق عن ذلك أحد رجلين رجل جاهل بمقاديرهم ومعاذيرهم أو رجل جاهل بالشريعة وأصول الأحكام وهذا المقصود يتلخص بوجوه أحدها إن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكانة عليا قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل مأجور لا يجوز أن يتبع فيها مع بقاء مكانته ومنزلته في قلوب المؤمنين][18]
وقد صار الكلام في العلماء اليوم كما البارحة[مفتقرا إلى الوزن بالعدل والورع ][19]
فـ[نعوذ بالله سبحانه مما يفضي إلى الوقيعة في أعراض الأئمة أو انتقاص لأحد منهم أو عدم المعرفة بمقاديرهم وفضلهم أو محادتهم وترك محبتهم وموالاتهم ونرجو من الله سبحانه أن نكون ممن يحبهم ويواليهم ويعرف من حقوقهم وفضلهم ما لا يعرفه أكثر الاتباع وأن يكون نصيبنا من ذلك أوفر نصيب وأعظم حظ ولا حول ولا قوة إلا بالله]فـ[إن أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكرا لخطايا الناس][20]
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب
و [الكلام في الناس يجب أن يكون بعلم وعدل لا بظلم وجهل كحال أهل البدع][21]
والقاعدة عندنا :
أن [العالم المعلوم بالأمانة والصدق والجري على سنن أهل الفضل والدين والورع إذا سئل عن نازلة فأجاب أو عرضت له حالة يبعد العهد بمثلها أو لا تقع من فهم السامع موقعها أن لا يواجه بالاعتراض والنقد فإن عرض إشكال فالتوقف أولى بالنجاح وأحرى بإدراك البغية إن شاء الله][22]
ومن خالف هذا و[جعل كل مجتهد في طاعة أخطأ في بعض الأمور مذموما معيبا ممقوتا فهو مخطئ ضال مبتدع][23]
ألا يعلم أولئك أن [ كل من تأول فأتى شيئا مستحلا كان فيه حد أو لم يكن لم ترد شهادته بذلك ألا ترى أن ممن حمل عنه الدين ونصب علما في البلدان من قد أستحل المتعة ومنهم من يستحل الدينار بعشرة دنانير يدا بيد ومنهم من قد تأول فاستحل سفك الدماء ومنهم من تأول فشرب كل مسكر غير الخمر ومنهم من أحل إتيان النساء في أدبارهن ومنهم من أحل بيوعا محرمة عند غيره …هؤلاء مع ما وصفت أهل ثقة في دينهم وقناعة عند من عرفهم وقد ترك عليه ما تأولوا فأخطؤوا فيه ولم يجرحوا بعظيم الخطأ ][24]
وإنما سبب مرض الجرح والتجريح هذا إما تسرع عن جهل , و[ ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به][25] وغالب هؤلاء صغار
وقد قيل
صغار الناس أكثرهم فسادا وليس لهم لصالحــة
ألم تر في سباع الطير سـرا تسالمنا ويأكلنا البعوض
وإما هوى والعياذ بالله.
وليس مع هؤلاء شيء من الإنصاف
فالمعروف أن [المنصف من اغتفر قليل خطإ المرء في كثير صوابه] [26] وهم بعكسه, يحاولون إذابة جبال الخير في قطرة ماء عكر
وقد ضاقت حويصلات هؤلاء , وضاقت معه رؤيتهم للأشياء , فصار النجم عندهم لكونه يرى صغيرا في أعينهم صغيرا,
والنجم تستصغر الأبصار رؤيته والذنب للطرف لا للنجم في الصغر
وأقول لك أخي المورط في هذا:
[ مالك أنت ولذكر الأئمة][27] و[إنما نحترمك ما احترمت الأئمة][28]
أخي :
لن تجد ولو استقرأت حياة الناس كلها إلا والخطأ سمة في كتب حياتهم.
لسنا نرى من ليس فيه غميزة أي امرئ إلا وفيه مقال
من ذا الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
55قيل لبزرجمهر ـ بضم الموحدتين وسكون الراء وكسر الجيم وفتح الميم وسكون الهاء ـ الحكيم : هل من أحد ليس فيه عيب ؟ قال لا , إن الذي لا عيب فيه لا ينبغي له أن يموت أبدا][29]
بل عد الناس أن [ الكامل من عدت سقطاته ][30]
فاشتغل بعيوبك. ودع عنك كلام الأقران بعضهم في بعض:
ودع كلام العلماء بعضهم في بعض
فالمعترك صعب
ولست أطمع أن تخرج جريحا
إنما هو القتل في ساحة الغيبة والنميمة والسب
فاتق الله تعالى
وراجع نفسك
وقلب صفحات أعمالك
لعلك تجد فيها ما يشغلك عن غيرها.
1-كما في [ وفيات الأعيان 1/253] وفي المجالسة للدينوري [ 1674] عن الأصمعي عن بعض حكماء العرب بمثلها سوى أنه قال : [ ولكل عالم هفوة ]
2- القاضي إسماعيل الجهضمي كما في سير أعلام النبلاء [13 / 465 ]
3- ابن الذهبي في [ السير 19/339]
4- ابن الذهبي في [ السير 6/36]
5- شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى [ 3 /179]
6- الحافظ ابن عبد البر في [جامع بيان العلم وفضله ص338 ]
7-قال ابن القيم [ الإعلام 3/358]
8- الشاطبي في [ الموافقات 4/123]
9- إسماعيل ابن علية منا في [ السير 9/110 ]
10-شيخ الإسلام في [ الفتاوى 27/311 ]
11-شيخ الإسلام في [ الفتاوى 20/165]
12-ابن الذهبي في [ السير 5/ 271]
يتبع الهوامش