فائدة في : أقسام تراجم أبواب المصنفات الحديثية
قال ابن دقيق العيد – رحمه الله – في إحكام الأحكام ( 1 / 293 مع حاشية الصنعاني ) : والتراجم التي يترجم بها أصحاب التصانيف على الأحاديث إشارة إلى المعاني المستنبطة منها على ثلاث مراتب :
منها : ما هو ظاهر في الدلالة على المعنى المراد ، مفيدٌ لفائدةٍ مطلوبة ،
ومنها : ما هو ظاهر الدلالة على المراد ، بعيدٌ مستكره ، لا يَتَمَشَّى إلا بتعسُّف ،
ومنها : ما هو ظاهر الدلالة على المراد ، إلا أنَّ فائدته قليلة لا تكاد تُسْتَحْسَن ، مثل ما ترجم ( باب السواك عند رمي الجمار ) .
وهذا القسم – أعني : ما لا تظهر فيه الفائدة – يَحسُنُ إذا وجد معنى في ذلك المراد يقتضي تخصيصه بالذكر ، ويكون عدم استحسانه في بادي الرأي لعدم الاطلاع على ذلك المعنى .
فتارة يكون سببه الرد على مخالفٍ في المسألة لم تَشْتهر مقالته ، مثل : ما ترجم على أنه يقال : ( ما صلينا ) ، فإنه نقل عن بعضهم أنه كره ذلك ، وردَّ عليه بقوله – صلى الله عليه وسلم – : " إن صليتها ، أو ما صليتها " .
وتارةً يكون سببه الرد على فعلٍ شائعٍ بين الناس لا أصلَ له ، فيذكر الحديث للرد على مَنْ فعل ذلك الفعل ، كما اشتهر بين الناس في هذا المكان التحرز عن قولهم : ( ما صلينا ) إن لم يصح أن أحداً كرهه .
وتارةً يكون لمعنى يخص الواقعة ، لا يظهر لكثيرٍ من الناس في بادي الرأي ، مثل : ما ترجم على هذا الحديث : ( استياك الإمام بحضرة رعيته ) فإن الاستياك من أفعال البِذْلَةِ والمهنة ، ويلازمه – أيضاً – من إخراج البصاق وغيره ما لعل بعض الناس يتوهم أنَّ ذلك يقتضي إخفاءه ، وتركه بحضرة الرعية ، وقد اعتبر الفقهاء في مواضع كثيرة هذا المعنى ، وهو الذي يسمونه : بحفظ المروءة ، فأورد هذا الحديث لبيان أنَّ الاستياك ليس من قبيل ما يُطْلَب إخفاؤه ، ويتركه الإمام بحضرة الرعايا ، إدخالاً له في باب العبادات والقربات ، والله أعلم .