بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على أشرف الأنبياء و المرسلين ، سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين ، و على من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ،
أمـا بعـد :
فنظرًا لأهمية هذا المتن ، و بخاصة في أيامنا الأخيرة ، حيث أصبحت الصحف تنشر مقالاتٍ لأصحاب الأفكار الخاطئة ، و تلك المقالات مليئة بالكفريات ، و الله أعلم بنوايا أصحابها ، فبعضهم جاهل لا يعلم ، و بعضهم يعلم و لكنه أخرج ما في قلبه ، و هناك من العوام من لا يدري فيُكرر كلامهم ، جاهلا أن في كلام أؤلئك الكُتّاب كفرا و ردة عن الإسلام ، نسأل الله أن يثبتنا على دينه إلى أن نلقاه .
فمن أجل ذلك كلِّه ، حرصتُ على أن أدرسَ هذا المتن ، و إني هنا أطلب المساعدة من الإخوة ، لأجل أن يُعين بعضنا بعضا في المذاكرة .
و سأذكر هنا ما توصلتُ إليه من فوائدَ أراها مهمةً يجب أن تُفهم و تُحفظََ و تُقيد ، و نسألكم التصويب و الإفادة ، بارك الله فيكم .
ملاحظة : ما كان باللون الأحمر فهو من المتن .
*- أهميـة هذه الرسالة :
معرفة هذه النواقض من الأهمية بمكان ، و قد جاء أن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – كان يقول : " كان الناس يسألون رسول الله – صلى الله عليه و سلم – عن الخير ، و كنتُ أسألُه عن الشرِّ مخافةَ أن أقعَ فيه " .
و يقول الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - : " يوشَكُ أن تُنقضَ عُرى الإسلام عروةً عروةً إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية " .
و يقول الشـاعر :
عرفتُ الشرَّ لا للشرِّ لكن لتوقيهِ *** ومن لا يعرف الشرَّ من الناس يقعْ فيهِ
( بسم الله الرحمن الرحيم: اعلم أن نواقض الإسلام عشرة نواقض ) :
*- الكلام عن البسملة :
1- وردت في البسملة أحاديثٌ قولية ، منها حديث " كلُّ أمرٍ ذي بال لا يُبدأُ فيهِ ببسم الله الرحمن الرحيم فهو أبتر " و في رواية : " أجذم " و في رواية : " أقطع " ، و المعنـى : إن كلَّ أمرٍ ذي شأن و حال يُهتم به شرعا لا يُبدأ فيه بالبسملة فهو ناقص البركة .
وجمهور أهل العلم يُضعِّفون هذا الحديث ، ومنهم الإمام الألباني – رحمه الله - ، و صححه بعض أهل العلم كالإمام النووي – رحمه الله - .
و من كثرة الاستشهاد به فكأن الأمة تلقته بالقَبول .
2- دلَّ على البداءة بالبسملة أمران :
الأول : كتاب الله – عزَّ وجلَّ - ، فهو مبدوءٌ بالبسملة .
الثاني : سنة النبي – صلى الله عليه و سلم – الفعلية ، حيث كان يبدأُ كتبَه و رسائلَه بالبسملة ، فعن أبي سفيان – رضي الله عنه – أنه قال : " كتب النبي – صلى الله عليه و سلم – إلى هرقل : ( بسم الله الرحمن الرحيم ، من محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم ) " .
3- ابتدأَ المصنف – رحمه الله – رسالتَه بالبسملة للتبرك و الاستعانة .
4- اقتصر المصنِّف – رحمه الله – على البسملة لأنها من أبلغ الثناء و الذكر .
5- إعـرابُ البسملة :
- بسم : جارٌّ ومجرور ، متعلِّقان بمحذوف يُقدَّرُ فعلا مضارعا مؤخَّرًا مناسبا للمقام للأسباب التالية :
أولا : يُقدَّرُ فعلا لأن الأصل في العمل الأفعال .
ثانيا : يُقدر مضارعا لأنه يدل على الاستمرار و التجدد .
ثالثا : يُقدَّر مؤخرًا لحصول فائدتين :
الأولى : التبرك بالبداءة باسم الله – سبحانه و تعالى - .
الثانية : إفادة الحصر ، لأن تقديم المتعلِّق يُفيد الحصر .
و القاعدة في متعلق الجار و المجرور أنه يُقدَّرُ مقدما ، و لكن في البسملة يُقدَّر مؤخَّرا لحصول الفائدتين السابق ذكرهما .
رابعا : يُقدَّرً مناسبا للمقام لأنه أدل على المراد .
- لفظ الجلالة ( الله ) : هو الاسم المفرد العلم الدال على جميع الأسماء الحسنى و الصفات العلى ، فكل الأسمـاء الحسنى تُنسب إليه ، فلا نقول الله من أسماء الملك ، و لكن نقول الملك من أسماء الله .. فهو الاسم الذي تتبعه بقية الأسماء . قال – تعالى - : " و لله الأسمـاء الحسنى " .
و هو مشتق من الإله ، و الإله هو المعبود الذي يستحق وحده أن يُفرد بالعبادة و الأُلوهية .
وقد سئل سيبويه عن لفظ (( الله )) فقال : " أعرف المعارف غنيٌ عن التعريف " .
وهو مضافٌ إليه مجرور و علامة جرِّه الكسرة الظاهرة على آخره .
- الرحمن : اِسمٌ من أسماء الله المختصة به ، ولا يُطلق على غيره ، و معناه : ذو الرحمة الواسعة .
وهو على وزن فعلان الذي يدل على الامتلاء بهذه الصفة ، مثل غضبان و عطشان و جوعان و نعسان .
وهو نعت مجرور و علامة جرِّه الكسرة الظاهرة على آخره .
- الرحيم : يُطلق على الله – عزَّ وجلَّ - ، و يُطلق على غيره ، و معناه : الموصل رحمتَه إلى من يشاء من عباده .
وهو على وزن فعيل ، و هو من صيغ المبالغة .
وهو نعتٌ مجرور و علامة جرِّه الكسرة الظاهرة على آخره .
*- الفرق بين الرحمن و الرحيم :
- قال ابن القيم – رحمه الله - : " الرحمن دالٌّ على الصفة القائمة به سبحانه ، و الرحيم دالٌّ على تعلقها بالمرحوم ، فكان الأول للوصف ، و الثاني للفعل ، فالأول دالٌّ على أن الرحمة صفته ، و الثاني دالٌّ أنه يرحم خلقه برحمته ، و إذا أردتَّ فهمَ هذا فتأمل قولَه – تبارك و تعالى - : " وكان بالمؤمنين رحيما " ، ولم يجيءَ قطُّ : رحمن بهم . فعُلِمَ أن رحمن هو الموصوف بالرحمة ، و رحيم هو الراحم برحمته " .
- قال عبد الله بن المبارك : " الرحمن الذي إذا سئل أعطى ، و الرحيم إذا لم يُسأل يغضب " .
6- ذكر الإمام القرطبي سبعا و عشرين مسألة في البسملة و ذلك في كتابه ( الجامع لأحكام القرآن الكريم ) .
7- من اللطائف أن البسملة قد حوت على طرق الجر الثلاثة ، و هي :
أ- الجرُّ بحرف الجر ( بسم ) .
ب- الجرُّ بالإضافة ( الله ) .
ج- الجرُّ بالتبعية ( الرحمن الرحيم ) .
*- الكلام عن العلم :
1- اِعلم : فعل أمرٍ من العلم ، مجزوم و علامة جزمه السكون الظاهر على آخره .
2- من تعاريف العلم :
أولا : هو حكم الذهن الجازم المطابق للواقع ، و هو تعريف العقيدة الصحيحة ، و قد ذكره الشيخ ابن قاسم في حاشية الأصول الثلاثة .
ثانيا : هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما ، و قد ذكره الشيخ ابن عثيمين في شرحه المطبوع على الأصول الثلاثة .
ثالثا : هو إدراك المعاني ، و قد ذكره الشيخ أحمد الحازمي في شرحه الصوتي على الأصول الثلاثة .
3- كلمة اِعلم يُؤتى بها عند ذكر الأشياء المهمة التي ينبغي على المتعلِّم أن يُصغيَ إليها و يعتنيَ بها ، و معناها : أي كن متهيئا و متفهما لما سيُلقى إليك من العلوم .
*- فائدة : مراتب الإدراك ستٌّ :
الأولى : العلم : و هو إدراك الشيء على ما هو عليه إدراكا جازما .
الثانية : الجهل البسيط : و هو عدم الإدراك بالكلية .
الثالثة : الجهل المركب : و هو إدراك الشيء على وجهٍ يُخالف ما هو عليه .
الرابعة : الوهم : و هو إدراك الشيء مع احتمال ضدِّ راجحٍ .
الخامسة : الشك : و هو إدراك الشيء مع احتمال ضدٍّ مساوٍ .
السادسة : الظنٌّ : و هو إدراك الشيء مع احتمال ضدٍّ مرجوح .
*- الكلام عن ( النواقض ) :
1- النواقض جمع ناقض ، و هو المبطل و المفسد ، متى طرأ على الشيء أفسده ، و أبطله ، مثل نواقض الوضوء التي من فعلها بطل وضوءه ، و لزمه إعادته ، ومثلُه نواقض الإسلام إذا فعلها العبد فسد و بطل إسلامه .
2- نواقض الإسلام التي ذكرها المصنِّف عشرة ، و النواقض أكثر من ذلك ، و لكن هذه العشرة هي أخطرها ، و أعظمها ، و أكثرها وقوعا ، و كثير من نواقض الإسلام يرجع إلى هذه النواقض العشرة ، و قد اتفق العلماء على هذه النواقض العشرة .
3- العلمـاء يُبوبون في كتب الفقه بابا يُسمونه ( باب حكم المرتد ) ، يُبينون فيه هذه النواقض ، و قد أوصل بعض العلمـاء نواقض الإسلام إلى أربعة مئة ناقض ، و أوسع من كتب في ذلك هم علماء الحنفية .
4- إذا دلَّ الدليل على شيء أنه ناقض ، فلا مدخل للاستحلال في لزومه ، فارتكاب هذه النواقض كفرٌ و إن لم يستحلها ، و أما ارتكاب الزنا و غيره من سائر المحرمات فلا يكون كفرا إلا بالاستحلال ، فهذه المحرمات ليست بنواقض ، بل الناقض استحلالها ، فمن استحلَّها و لو لم يرتكبها فقد كفر .
5- تعريف الردة و المرتد :
- الرِّدة : هي الرجوع عن دين الإسلام .
- المرتد : هو الذي رجع عن دين الإسلام ، و بدَّل دينَه .
- لا يُسمى من خرج عن اليهودية مرتدًّا ، إذ إنَّه كافر أصلي .
6- أصول الردة :
أولا : قول الكفر : كأن يسبَّ الله .
ثانيا : فعل الكفر : كأن يذبح لغير الله ، و إن لم يتلفظ .
ثالثا : اعتقاد الكفر : كأن يعتقد أن الصلاة ليست واجبة ، و إن أدّاها .
رابعا : الشك بالدين : كأن لم يكن جازما بصحة ما جاءت به الرسل .
- الشك يكون فيه تردد ، و لكن الاعتقاد جزم .
- الوساوس مختلفة عن الشك ، فهي لا تضر ، وعلى صاحبها الاستعاذة .
- المرجئة لا يُكفرون إلا بالاعتقاد .
- نقل الكفر على سبيل الإخبار لا يكون كفرا ، و لكن إن كان على سبيل التندر و الضحك فإنه أمرٌ خطير .
7- المرتدُّ تُطبق عليه بعض الأحكام ، منها :
أولا : يُفرَّق بينه و بين زوجته المسلمة ، لقول الله – عزَّ وجلَّ - : " لا هنَّ حل لهم ولا هم يحلون لهنَّ " ، فلا تبقى المسلمة في عصمة الكافر .
ثانيا : لا يُزوَّج المسلمات ، لقوله – تعالى - : " ولا تُنكحوا المشركين حتى يؤمنوا " .
ثالثا : إذا مات على كفره فإنَّه لا يُصلَّى عليه ، ولا يُغسَّل ، و لا يُدفن في مقابر المسلمين ، ولا يُدعى له بالرحمة .
رابعا : لا يدخل مكة ، لقوله – تعالى - : " يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا " .
خامسا : لا يرث ، و لا يُورَث ، فمالُه لبيت مال المسلمين إلا إن كان له ولدٌ كافرٌ فإنه يرثه .
سادسا : يُقتل حدًّا إن لم يتب .
البقية في أقرب فرصة - إن شاء الله - .
و جزاكم الله خيرًا .