تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: التفرد سبب من أسباب وقوع العلة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    6,048

    افتراضي التفرد سبب من أسباب وقوع العلة

    التَّفَرُّدُ(*)
    وهو مِنْ أَدَقِّ أنواعِ علومِ الحديث، وأصعَبِ أسبابِ العِلَّةِ كَشْفًا؛ ولذا جعلَهُ أهلُ العلم مِنْ أهمِ القرائن التي يُسْتعان بها على إدراك العِلَّة؛ قال ابن الصَّلاح([1]) : «ويُستَعَانُ على إدراكها([2]) بتفرُّدِ الرَّاوي، وبمخالفةِ غَيْرِهِ له، مَعَ قرائنَ تَنْضَمُّ إلى ذلك».

    والدليلُ على دِقَّتِهِ وصعوبتِهِ: كثرةُ اختلافِ الأئمَّةِ في تطبيقِهِ، سواءٌ كان تفرُّدًا مطلقًا، أو مَعَ وجودِ مخالفةٍ.

    أمَّا مع وجود المخالفة: فالخلافُ بين الأئمَّة فيه أقلُّ من خِلاَفهم في التفرُّدِ المطلق، لكنَّه ليس مِنْ مقصودنا هنا، وَيَكْفِينا فيه هذا المثال :
    قال عبدالرحمن بن أبي حاتم([3]) : «وسألتُ أبي عن حديثٍ رواه عبدالأعلى([4])، عن سعيد([5])، عن قتادة، عن سُلَيْمان اليَشْكُرِي، عن جابر، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال : «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، ولاَ تَكَنَّوْا بِكُنْيَتِي» ؟
    قال أبي : رواه شُعْبة، عن قَتَادة، عن سالم بن أبي الْجَعْد، عن جابر، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
    قلت : أيُّهما أشبه ؟
    قال : سعيدُ بنُ أبي عَرُوبَة لحديثِ قتادةَ أحفظُ».

    فهذا يعني ترجيحَ أبي حاتم لرواية سعيد بن أبي عَرُوبة على رواية شُعْبة، وخالفَهُ في ذلك البخاريُّ ومسلمٌ، فأخرَجَا الحديثَ في "صحيحيهما"([6]) من طريق شُعْبة، عن قتادة، عن سالم بن أبي الجَعْد، عن جابر، به.

    وما ذهب إليه البخاريُّ ومسلمٌ هو الصوابُ؛ بدليلِ أنهما أخرجاه أيضًا مِنْ طُرُقٍ - غَيْرِ طريقِ قتادة - عن سالمِ بنِ أبي الجَعْد؛ وهذا يؤكِّد أنَّ الحديثَ حديثُ سالم.

    وقد يخفى التفرُّد مع المخالفة على الإمامِ وإنْ كان كبيرًا؛ مثلُ الحديثِ الذي رواه عبدالله ابن نُمَيْر، عن هاشم بن هاشم، عن عائشة بنت سَعْد، عن سَعْد ؛ قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : «مَنْ تَصَبَّحَ بِسَبْعِ تَمَرَاتٍ عَجْوَةً([7])؛ لَمْ يَضُرَّهُ ذَلِكَ الْيَوْمَ سُمٌّ وَلاَ سِحْرٌ».
    وخالفَهُ أبو أسامةَ حمَّادُ بنُ أسامة، فرواه عن هاشمِ بنِ هاشم، عن عامر بن سَعْد، عن أبيه، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم .
    وسُئِل الإمامُ الدارقُطْنِيُّ([8]) عن هذا الحديث؟ فقال: «يرويه هاشم بنُ هاشم، واختُلِفَ عنه : فرواه أبو أسامة، عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن سعد، وخالفه ابن نُمَيْر، فرواه عن هاشم، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها، وكلاهما ثِقَةٌ، ولعلَّ هاشمًا سمعه منهما، والله أعلم».

    فجوابُ الدارقطنيِّ هذا يَدُلُّ على أنه خَفِيَ عليه تفرُّدُ ابن نمير بهذا الوجه، وأنَّ أبا أسامة قد تُوبِعَ مِنْ عدد مِنَ الرواة؛ ولذا كان جوابُ أبي زرعة أَسَدَّ منه، فقد سأله ابن أبي حاتم([9]) عن رواية عبدالله بن نمير هذه ؟ فقال: «هكذا قال ابن نُمَيْر! وقال مَرْوانُ بن معاوية وأبو أسامة وأبو ضَمْرَةَ([10]): عن هاشم بن هاشم، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ؛ وهو الصحيحُ».

    والحديثُ على هذا الوجه الذي رجَّحه أبو زُرْعة أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ في "صحيحيهما"([11]) مِنْ بعضِ هذه الطرقِ وغَيْرِها.

    وأما التفرُّدُ المُطْلَقُ: فهو الذي يكثُرُ اختلافُهُمْ فيه:
    ومِنْ أمثلةِ ذلك : ما أخرجَهُ الشيخان([12])، مِنْ حديثِ عمرو بن عاصم؛ حدَّثنا هَمَّام، عن إسحاق بن عبدالله بن أبي طَلْحة، عن أنس قال: جاءَ رَجُلٌ إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فقال : يا رَسُولَ اللهِ، أَصَبْتُ حَدًّا، فَأَقِمْهُ عليَّ، قال: وحضَرَتِ الصلاةُ، فصلَّى مع رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ، فلمَّا قضى الصلاةَ، قال: يا رسولَ الله، إنِّي أَصَبْتُ حَدًّا، فأَقِمْ فيَّ كتابَ الله؛ قال: «هل حَضَرْتَ الصلاةَ معنا ؟»، قال : نعم؛ قال : «قد غُفِرَ لك».

    فهذا الحديثُ صحَّحه البخاريُّ ومسلم كما سبق، وخالفهما أبو حاتم الرازيُّ والبَرْدِيجيُّ:
    أما أبو حاتم : فحكَى عنه ابنُهُ عبدالرحمن([13]) أنه قال : «هذا حديثٌ باطلٌ بهذا الإسناد».

    وأما البَرْدِيجيُّ: فنقَلَ عنه ابنُ رجب([14]) أنه قال : «هذا عندي حديثٌ مُنْكَرٌ، وهو عندي وَهَمٌ من عمرو بن عاصم».

    قال ابن رجب([15]) - عَقِبَ ذكره لكلامِ أبي حاتمٍ والبَرْدِيجي - : «وهذا الحديثُ مُخَرَّجٌ في الصحيحَيْنِ مِنْ هذا الوجه، وخرَّج مسلم([16]) معناه أيضًا مِنْ حديثِ أبي أمامة، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ فهذا شاهدٌ لحديثِ أنس.

    ولعلَّ أبا حاتمٍ والبَرْدِيجيَّ إنما أنكرا الحديثَ ؛ لأنَّ عمرو بن عاصمٍ ليس هو عندهما في مَحَلِّ مَنْ يُحْتَمَلُ تفرُّدُهُ بمثلِ هذا الإسناد، والله أعلم».

    ثم نقَلَ ابنُ رجب([17])، عن يحيى بن سعيد القَطَّان والإمامِ أحمد بعضَ الأمثلةِ التي تَدُلُّ على مِثْلِ ما ذهب إليه أبو حاتم والبَرْدِيجيُّ، وقال : «وهذا الكلامُ يَدُلُّ على أنَّ النَّكَارة عند يحيى القطان لا تزولُ إلا بمعرفة الحديثِ مِنْ وجه آخر، وكلامُ الإمامِ أحمد قريبٌ من ذلك... وأمَّا تصرُّف الشيخين والأكثرين فيدُلُّ على خلاف هذا، وأنَّ ما رواه الثقةُ عن الثقة إلى منتهاه، وليس له عِلَّةٌ، فليس بمنكر».

    وفي هذا دَلاَلةٌ على أنَّ الحديثَ الذي يتفرَّدُ به راوٍ من الرواة الذين لا يُحْتَمَلُ تفرُّدُهُمْ مطلقًا، أو في ذلك الحديثِ بعينِهِ، يُعَدُّ حديثًا منكرًا.

    وليس للحديثِ المنكَرِ تعريفٌ متفقٌ عليه بين الأئمَّة المتقدِّمين ؛ ولذا يقولُ الحافظ ابن رجب([18]) : «ولم أقفْ لأحدٍ من المتقدِّمين على حدِّ المُنْكَرِ من الحديثِ وتعريفِهِ، إلا على ما ذكره أبو بَكْرٍ البَرْدِيجي الحافظ - وكان من أعيان الحفاظِ المبرِّزين في العلل -: أنَّ المنكر: هو الذي يحدِّث به الرجلُ عن الصحابة، أو عن التابعين عن الصحابة، لا يُعْرَفُ ذلك الحديثُ - وهو مَتْنُ الحديث - إلا مِنْ طريقِ الذي رواه؛ فيكونُ منكرًا.
    ذكَرَ هذا الكلامَ في سياقِ ما إذا انفرَدَ شُعْبة، أو سعيدُ بنُ أبي عَرُوبة، أو هشامٌ الدَّسْتَوائي؛ بحديثٍ عن قتادة، عن أنس، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وهذا كالتصريحِ بأنَّ كُلَّ ما ينفردُ به ثقةٌ عن ثقة، ولا يُعْرَفُ المتنُ مِنْ غيرِ ذلك الطريق، فهو مُنْكَرٌ؛ كما قاله الإمامُ أحمد في حديثِ عبدالله بن دينار، عن ابن عمر، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم : في النَّهْيِ عن بيعِ الوَلاَء وهِبَته....
    قال البَرْدِيجي بعد ذلك : فأمَّا أحاديثُ قتادة التي يرويها الشيوخ؛ مثلُ حَمَّادِ بنِ سَلَمة، وهَمَّامٍ، وأَبَانَ، والأوزاعيِّ؛ ننظُرُ في الحديث: فإنْ كان الحديثُ يُحْفَظُ مِنْ غيرِ طريقهم عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ، أو عن أنسِ بنِ مالك من وجه آخر؛ لم يُدْفَعْ، وإنْ كان لا يُعْرَفُ عن أحد، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ، ولا مِنْ طريقٍ عن أنس، إلا مِنْ روايةِ هذا الذي ذكَرْتُ لك ؛ كان منكرًا.
    وقال أيضًا: إذا روى الثقةُ من طريقٍ صحيحٍ عن رجل من أَصْحَاب النَّبيّ صلى الله عليه وسلم حديثًا لا يصابُ إلا عند الرجلِ الواحد؛ لم يَضُرَّهُ ألاَّ يرويَهُ غيرُهُ إذا كان متنُ الحديثِ معروفًا، ولا يكونُ منكرًا ولا معلولاً». اهـ.

    ولمسلم بن الحجَّاج كلامٌ في مقدمة "صحيحه"([19]) يبيِّن مراده بالحديث المنكر يحسُنُ إيراده هنا:
    قال رحمه الله: «وعلامةُ المُنْكَرِ في حديث المحدِّث: إذا ما عَرَضْتَ روايتَهُ للحديث على روايةِ غيره مِنْ أهلِ الحفظ والرِّضَا خالَفَتْ روايتُهُ روايتَهُمْ، أو لم تَكَدْ توافقها، فإذا كان الأغلبُ من حديثِهِ كذلك ؛ كان مهجورَ الحديثِ غيرَ مقبولِهِ، ولا مُسْتَعْمَلِهِ، فمِنْ هذا الضَّرْبِ من المحدِّثين : عبدُاللهِ بنُ مُحَرَّرٍ، ويحيى بنُ أبي أُنَيْسة، والجَرَّاحُ بنُ المِنْهَال أبو العَطُوف، وعبَّادُ بنُ كَثِير، وحُسَيْنُ بنُ عبدالله ابنِ ضُمَيْرة، وعمرُ بنُ صُهْبان، ومَنْ نحا نَحْوَهُمْ في رواية المنكر من الحديثِ، فلَسْنا نُعَرِّجُ على حديثهم، ولا نتشاغَلُ به ؛ لأنَّ حُكْمَ أهلِ العلم، والذي نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبهم في قَبُولِ ما يتفرَّدُ به المحدِّثُ من الحديثِ: أنْ يكونَ قد شارَكَ الثقاتِ مِنْ أهل العلم والحفظِ في بعض ما رَوَوْا، وأَمْعَنَ في ذلك على الموافقةِ لهم، فإذا وُجِدَ كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أَصْحَابه ؛ قبلتْ زيادَتُهُ، فأمَّا مَنْ تراه يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ في جلالتِهِ، وكثرةِ أَصْحَابِهِ الحفاظِ المتقنين لحديثه وحديثِ غيره، أو لِمِثْلِ هشامِ بن عُرْوة - وحديثُهُمَا عند أهلِ العلمِ مبسوطٌ مشترَكٌ، قد نقَلَ أَصْحَابُهُما عنهما حديثَهُمَا على الاتفاقِ منهم في أكثره - فَيَرْوِي عنهما، أو عن أَحَدِهما، العَدَدَ مِنَ الحديثِ ممَّا لا يعرفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابهما، وليس مِمَّنْ قد شاركَهُمْ في الصحيحِ مما عندهم، فغَيْرُ جائزٍ قبولُ حديثِ هذا الضَّرْبِ من الناس، والله أعلم».اهـ.

    وقد حكى ابنُ رَجَب([20]) كلامَ مسلمٍ هذا، ثم علَّق عليه بقوله: «فصرَّح بأنَّ الثقةَ إذا أمعَنَ في موافقةِ الثقات في حديثهم، ثم تفرَّد عنهم بحديث ؛ قُبِلَ ما تفرَّد به، وحكاه عن أهلِ العلم. وقد ذكرنا فيما تقدَّم([21]) قولَ الشافعيِّ في الشاذِّ، وأنه قال : ليس الشَّاذُّ من الحديثِ أنْ يروي الثقةُ مِنَ الحديثِ ما لا يروي غيره، إنما الشَّاذُّ أن يروي الثقةُ حديثًا يخالفُ الناسَ، وكذا قال أبو بَكْرٍ الأثرمُ.
    وحكى أبو يَعْلَى الخَلِيلي([22]) هذا القولَ عن الشافعيِّ وجماعةٍ من أهلِ الحجاز، ثم قال : الذي عليه حُفَّاظُ الحديث : أنَّ الشاذَّ ما ليس له إلا إسنادٌ واحد، يَشِذُّ بذلك شيخٌ؛ ثقةً كان أو غَيْرَ ثقة، فما كان عن غَيْرِ ثقة فمتروكٌ لا يُقْبَلُ، وما كان عن ثقة، يُتَوَقَّفُ فيه، ولا يُحْتَجُّ به.
    وكذلك ذكَرَ الحاكمُ : أنَّ الشَّاذَّ هو الحديثُ الذي ينفردُ به ثقةٌ من الثقات، وليس له أصلٌ متابِعٌ لذلك الثقةِ، ولم يُوقَفْ له على عِلَّة.
    ولكنَّ كلامَ الخَلِيلي: في تفرُّد الشيوخِ، والشيوخُ في اصطلاحِ أهل هذا العلم : عبارةٌ عمَّن دون الأئمَّةِ والحفاظ، وقد يكونُ فيهم الثقةُ وغيره، فأمَّا ما انفرَدَ به الأئمَّةُ والحفاظُ فقد سمَّاه الخليلي : فَرْدًا، وذكَرَ أنَّ أفرادَ الحفاظِ المشهورين الثقاتِ، أو أفرادَ إمامٍ عن الحفاظ والأئمَّة صحيحٌ متفَقٌ عليه، ومثَّله بحديثِ مالكٍ في المِغْفَرِ([23]).
    فتلخَّص مِنْ هذا : أنَّ النكارةَ لا تزولُ عند يحيى القَطَّانِ، والإمامِ أحمد، والبَرْدِيجي، وغَيْرِهِمْ من المتقدِّمين إلا بالمتابعةِ، وكذلك الشذوذُ كما حكاه الحاكم.
    وأمَّا الشافعيُّ وغيره: فيرَوْنَ أنَّ ما تَفَرَّدَ به ثقةٌ مقبولُ الروايةِ ولم يخالفْهُ غيرُهُ، فليس بشاذٍّ، وتصرُّفُ الشيخَيْنِ يدُلُّ على مثل هذا المعنى.
    وفرَّقَ الخليليُّ بين ما ينفردُ به شيخٌ من الشيوخِ الثقاتِ، وما ينفرِدُ به إمامٌ أو حافظٌ: فما انفرَدَ به إمامٌ أو حافظٌ؛ قُبِلَ واحتُجَّ به، بخلافِ ما تفرَّد به شيخٌ من الشيوخ، وحكى ذلك عن حُفَّاظ الحديث، والله أعلم». اهـ كلام ابن رجب.

    والإعلالُ بالتفرُّدِ كثيرٌ عند أهلِ العلمِ بالحديث ؛ ولذا نَجِدُ البخاريَّ، والعُقَيْليَّ، وابنَ عَدِيٍّ كثيرًا ما يُعِلُّونَ الحديثَ بقولهم: «لا يتابَعُ عليه»([24]).
    وأكثَرُ ما يُعِلُّونَ بالتفرُّد: إذا تفرَّد خفيفُ الضبط عن إمامٍ مُكْثِرٍ ممَّن يَحْرِصُ أهلُ العلم على جمعِ حديثه وروايتِهِ؛ كالزُّهْري، وقتادة، والأعمش، والثَّوْري، وشُعْبة، ومالك، ونحوهم، أو تفرَّدَ بحديثٍ من أحاديثِ الأحكامِ التي يَحْرِصُ أهلُ العلم على روايتها:
    مثال ذلك: قولُ عبدالرحمن بن أبي حاتم([25]): «وسألتُ أبي عن حديثِ أَوْسِ بنِ ضَمْعَج، عن أبي مسعود، عن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم ؟
    فقال: قد اختَلَفُوا في متنه؛ رواه فِطْرٌ، والأعمش، عن إسماعيل بن رجاء، عن أوس ابن ضَمْعَج، عن أبي مسعود، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ قال : «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ، فَإِنْ كَانُوا فِي القِرَاءَةِ سَوَاءً؛ فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ».
    ورواه شُعْبة، والمَسْعودي، عن إسماعيلَ ابنِ رَجَاء، لم يقولوا : «أعلمهم بالسُّنَّة».
    قال أبي: كان شُعْبة يقول : إسماعيلُ بنُ رَجَاء كأنَّه شيطان؛ من حُسْنِ حديثه، وكان يهابُ هذا الحديثَ؛ يقولُ: حُكْمٌ من الأحكامِ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يشاركْهُ أحدٌ([26]).
    قال أبي: شُعْبةُ أحفظُ من كُلِّهم.
    قال أبو محمد: أَلَيْسَ قد رواه السُّدِّيُّ عن أوس بن ضَمْعَج ؟
    قال: إنما رواه الحسَنُ بن يَزِيد الأَصَمُّ، عن السُّدِّيِّ، وهو شيخ، أين كان الثَّوْري وشُعْبة عن هذا الحديث ؟! وأخافُ ألاَّ يكونَ محفوظًا»([27]).

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــــــــ[الحواشي]ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ــــــ
    (*) من مقدمة تحقيق علل ابن أبي حاتم بإشراف الدكتور سعد الحميد، والدكتور خالد الجريسي.

    ([1]) في "مقدمته" (1/502).

    ([2]) أي: العِلَّة.

    ([3]) في "العلل" (2251).

    ([4]) هو: ابن عبد الأعلى السَّامي.

    ([5]) هو: ابن أبي عروبة.

    ([6]) "صحيح البخاري" (3114)، و"صحيح مسلم" (2133).

    ([7]) العَجْوَةُ: نوع من تمر المدينة. "النهاية" (3/188).

    ([8]) في "العلل" (610).

    ([9]) في "العلل" (2505).

    ([10]) هو: أنس بن عياض.

    ([11]) انظر "صحيح البخاري" (5445 و5768 و5769 و5779)، و"صحيح مسلم" (2047).

    ([12]) "صحيح البخاري" (6823)، و"صحيح مسلم" (2764).

    ([13]) في "العلل" (1364)، ونقله عنه ابن رجب في "شرح علل الترمذي" (2/654).

    ([14]) في "شرح علل التِّرْمذي" (2/654).

    ([15]) في الموضع السابق (2/655).

    ([16]) في "صحيحه" (2765).

    ([17]) في "شرح علل الترمذي" (2/656-657).

    ([18]) في "شرح علل الترمذي" (2/653-654).

    ([19]) (1/7).

    ([20]) في "شرح العلل" (2/658-659).

    ([21]) في "شرح العلل" (2/582)، وانظر قول الشافعي في "آداب الشافعي ومناقبه" لابن أبي حاتم (ص 233- 234)، و"الكفاية" للخطيب البغدادي (1/419).

    ([22]) في "الإرشاد" (1/176).

    ([23]) يعني: ما أخرجه البخاري في "صحيحه" (1846)، ومسلم (1357) من طريق الإمام مالك، عن ابن شهاب الزُّهْري، عن أنس رضي الله عنه: أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دخَلَ مَكَّةَ وعلى رأسه المِغْفَرُ.

    ([24]) انظر على سبيل المثال: "التاريخ الكبير" للبخاري (1/110 رقم313)، و(2/86 رقم1779)، و(3/16 رقم67)، و(4/18 رقم1817)، و(5/79)، و(6/19 رقم1553)، و(7/27 رقم116)، و(8/378 رقم3389)، و"الضعفاء" للعقيلي (1/31)، و(2/3)، و(3/30)، و(4/12)، و"الكامل" لابن عدي (1/193)، و(2/7)، و(3/16)، و(4/4)، و(5/4)، و(6/15)، و(7/24).

    ([25]) في "العلل" (248).

    ([26]) وكان شعبة يقول في هذا الحديث إذا حَدَّث به عن إسماعيل بن رجاء: هو ثُلُثُ رأس مالي. انظر "الكامل" (2/326).

    ([27]) هناك أمثلة كثيرة شبيهة بهذا؛ فانظر - على سبيل المثال - "العلل" للخلال (11 و16 و37 و77 و80 و93 و137)، و"العلل" لابن أبي حاتم (48 و117 و399 و617 و886 و1392/أ و1811 و2654 و2686 و2697 و2816).
    وآفة العقلِ الهوى ، فمن علا *** على هواه عقله ، فقد نجا
    ابن دريد

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    587

    افتراضي رد: التفرد سبب من أسباب وقوع العلة

    بارك الله فيك...
    وهناك رسالة علمية للشيخ عبد الرحمن السلمي في(المنكر عند النقاد) رائعة...
    حقيقة بالإقتناء...
    وتحقيق العلل الذي بإشراف الشيخين من أحسن طبعات العلل...
    وقد كنت أقتنيت العلل التي بإشراف الشيخ العدوي... ثم لما رأيت الطبعة الأخيرة رأيتها من أحسن الطبعات كما شهد بذلك أهل العلم بالحديث والتحقيق...
    ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2009
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    845

    افتراضي رد: التفرد سبب من أسباب وقوع العلة

    بحث طيب ومفيد ، بارك الله فيك يا شيخ عبد الله ونفع بك .
    واجعَل لوجهكَ مُقلَتَينِ كِلاَهُما مِن خَشيةِ الرَّحمنِ بَاكِيَتَانِ
    لَو شَاءَ رَبُّكَ كُنتَ أيضاً مِثلَهُم فَالقَلبُ بَينَ أصابِعِ الرَّحمَنِ


  4. #4

    افتراضي رد: التفرد سبب من أسباب وقوع العلة

    بارك الله فيك

    إن أمكن التفصيل في هذه الفقرة لمن لديه إطلاع:

    وفي هذا دَلاَلةٌ على أنَّ الحديثَ الذي يتفرَّدُ به راوٍ من الرواة الذين لا يُحْتَمَلُ تفرُّدُهُمْ مطلقًا، أو في ذلك الحديثِ بعينِهِ، يُعَدُّ حديثًا منكرًا.



    ما رأي الإخوة في تفرد الراوي عن شيخ بحديث لم يروه من عرفوا بإحاطتهم بأحاديث هذا الشيخ ؟ و هل في الصحيحين مثل هذا و إن امكن أمثلة عن أحاديث أعلت بهذه العلة

    بارك الله فيكم
    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jul 2008
    المشاركات
    6,048

    افتراضي رد: التفرد سبب من أسباب وقوع العلة

    وآفة العقلِ الهوى ، فمن علا *** على هواه عقله ، فقد نجا
    ابن دريد

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •