بسم الله الرحمن الرحيم
العلمانية والاقتصاد
[لم أخض في التفاصيل حتى لا تعمي عن الفائدة وحتى يظهر الخطأ من تلقاء نفسه وحتى يستنبط القارئ بنفسه]
قال ابن القيم رحمه الله في فوائده :
قال تعالى:{ وكذلك نفصّل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}[الأنعام 55], وقال:{ ومن يشاقق الله والرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نولّه ما تولّى} [النساء115]. والله نعالى قد بين في كتابه سبيل المؤمنين مفصّلة, وسبيل المجرمين مفصّلة, وعاقبة هؤلاء مفصّلة, وأعمال هؤلاء وأعمال هؤلاء وأولياء هؤلاء, وأولياء هؤلاء وخذلانه لهؤلاء وتوفيقه لهؤلاء, والأسباب التي وفق بها هؤلاء, والأسباب التي خذل بها هؤلاء, وجلا سبحانه الامرين في كتابه وكشفهما وأوضحهما, وبيّنهما غاية البيان, حتى شاهدتهما البصائر كمشاهدة الأبصار للضياء والظلام.اهـ.
العلمانية :
والعلمانية من المحدثات ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالة . وما من ضلالةٍ في الكون إلا قد بينها الله تعالى في كتابه .
فما هي ضلالة العلمانية في القرآن ؟
تجدها في قوله تعالى : {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30].
ضلالة العلمانية : اتخاذ القرآن مهجوراً . وليس هجر القرآن ، فشتان بين المعنيين .
السؤال : ولكن أوربا لم تعرف القرآن ، فكيف تتخذه مهجوراً ؟
الجواب : ولكنها عرفت "الحق" وأنكرته ، فهذا هو اتخاذه مهجوراً ، لا هجره ، لأنه لو صح أن يُهجر لما كان حقاً.
عرفه ورقة بن بن نوفل ، وعرفه هرقل ، وعرفته الأندلس ، وعرفه المستشرقون ، وعرفه المستعمرون.
وأنواع اتخاذ القرآن مهجوراً موجودة في كلام ابن القيم تحت عنوان "هجر القرآن" في كتاب "الفوائد" كالتالي :
أحدهما: هجر سماعه والايمان به والاصغاء اليه.
والثاني: هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وان قرأه وآمن به.
والثالث: هجر تحكيمه والتحاكم اليه في أصول الدين وفروعه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين,, وأن أدلته لفظية لا تحصّل العلم.
والرابع: هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه.
والخامس: هجر الاستشفاء والتداوي في جميع أمراض القلوب وأدوائها, فيطلب شفاء دائه من غيره, ويهجر التداوي به, وكل هذا داخل في قوله :{ وقال الرسول يا رب ان قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا} الفرقان 30. وان كان بعض الهجر أهون من بعض.
----------------------
المطابقة:
- شبهات العلمانية الصريحة من أوربا:
[ أيها الناس ، إنما ضلالكم هو في بحثكم عن الحق ، وليس ثمة ما يسمى بالحق أصلاً . إنما هو صوابٌ وخطأ –وشتان بين الحق والصواب-. فالحقيقة نسبية .
وسبيل النجاة هو الحوار و تقبل الآخر. فما تراه أنت صواباً أراه أنا خطأً والعكس . فليس لأحدٍ أن يتعصب لرأيه وينكر على الآخرين أخطاءهم ، بل الكل مصيب ! أو العكس إن شئت بنفس المبدأ .
وقالوا : الإنسان هو معيار الصواب والخطأ . ويَعرف المرء الصواب والخطأ بـالضمير وهو ما يحسه من نفسه . فما أحسست به أنه الصواب لا يمكن أن يكون خطأً . وبحسب قوة إحساسك يكون إيمانك بما تعتقد من الصواب والخطأ .
إن سبب شقاء الناس هو الله –تعالى الله عما يقولون علواً كبيرا- الذي اختلفتم فيه . فاصطلحوا فيما بينكم كبشر بعيداً عن ربكم –الذي فيه تختلفون-.
"فاهجروا" الآخرة التي اختلفتم فيها واعملوا للدنيا التي أجمعتم على حبها.
انبذوا عنكم الدين فهو سبب المشاكل ، وعاملوا الناس على أنه إنسان "غاضاً طرفك" عن اعتقاده]
فهذا النوع من أنواع اتخاذ القرآن مهجوراً هو : هجر سماعه والايمان به والاصغاء اليه .
وقد رد الله تعالى عليهم بقوله : {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ}[المؤمنون:71]
- ومن الشبهات :
[الدين شيءٌ جميل ، ومقدس ، وطاهر . فكيف ندخله في السياسة القذرة ؟ أو في معاملات التجارة الشاطرة ؟ فإنما نحن مكرمون له عن التدنيس . لا ندعيه ، ولكنّا لا نستغله لتحقيق مصالحنا . فلذلك حصرناه في المسجد مع احترامنا له].
هذا من ضرب أقوالهم . ونوعه من أنواع اتخاذ القرآن مهجوراً هو : عدم العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه, وإن قرأه وآمن به .
ومثالٌ عليه : رجلٌ أخذ المصحف فوضعه في صندوق من الذهب الخالص ، ووضعه في أربى أركان بيته . بل وكل يومٍ ينشره ويقرأ منه ، ويقبّله ، ويحترمه ، وقد لا ينام في الغرفة معه تكريماً له.
- ومن الشبهات:
[الحديث عن الدين في الحلال والحرام ، ولكننا لا نتحدث في الدين الآن عنه .لا تدخل الدين في الحوار لتكسب به نقاطاً ، أو تتكلم بما لا نفهم حتى تغلبنا. ولا تتكلف للدين في العلوم الإنسانية حتى تقنعنا بعظمته ، فنحن نحترمه بل ونلتزم حدوده وأحكامه]
وهذا الضرب نوعه من أنواع اتخاذ القرآن مهجوراً هو : ألا يتحاكم اليه واعتقاد أنه لا يفيد اليقين, وأن أدلته لفظية لا تحصّل العلم.
مثال ذلك : رجلٌ تناقشه في موضوعٍ عام ، فتستشهد بآية {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}[الحج:46] . فيقول المقدمة التي ذكرتها سابقاً ويضيف : ووظيفة القلب هي ضخ الدم كما دلت عليه البحوث وعمليات زراعة القلب تتم بنجاح .
أو رجلٌ تناقشه في علمٍ من العلوم ، فتستشهد بالقرآن استباقاً للنتيجة بما دلالته قطعية ، فيجيب بتلك المقدمة .
أو رجلٌ تناقشه في شؤون الناس أو (الشؤون الاجتماعية) فتنتنصر للزواج دون علاقة قبله بالقرآن والسنة فيجيب بتلك المقدمة وأن هذه من قبيل العادات والتقاليد .
أو رجلٌ تحاوره في التاريخ فلا يأخذ بما استدللت عليه من القرآن .
- ومن الأنواع : هجر تدبّره وتفهّمه ومعرفة ما أراد المتكلم به منه .
فسبيل السلف هي الانتصار للكتاب والسنة . أما سبيل الخلف فهي الانتصار لآرائهم بالكتاب والسنة .
- وبهذا يزول الاضطراب في حكم العلمانية الشرعي . "فإن بعض الهجر أهون من بعض" .
------------------
وإن نوعاً جديداً من أنواع اتخاذ القرآن مهجوراً قد غفل عنه الناس ، ألا وهو : اتخاذ ألفاظ القرآن مهجورةً .
فأما ما استبان من ذلك فكاستحلال الحرام بغير اسمه .
وأما ما خفي فهو تسمية المحدثات بغير اسمها . كتعريف العلمانية بأنها : فصل الدين عن الدولة أو عن الحياة . فهي ترجمةٌ تقر الكفار على ما أقروه . ولو أقررنا الكفار على ما وصفوا به أنفسهم لقلنا عن اليهود إنهم أولياء الله وأحباؤه .
والصحيح أن تعريف العلمانية هو : هجر القرآن . وإنما ضلوا باتخاذهم هذا القرآن مهجوراً .
فلو سمينا الأشياء بما سماها القرآن لاستبان لنا سبيل المجرمين وسبيل المؤمنين . ولعلمنا ماذا تعني "الحنيفية".
------------------
- تطبيق عملي "علم الاقتصاد":
بعد أن كفر الروم بربهم إذ بعث من الأميين رسولاً ، استغنوا عن الله . فنتجت عندهم العلوم "الإنسانية" التي اتخذت القرآن مهجوراً .
فتعريف الاقتصاد هو : علمٌ إنساني يعنى بتحليل طرق إنتاج وتقسيم الثروات . ولا أريد تدنيس المقال بالإنجليزية .
فإذا رددنا ألفاظهم إلى ألفاظ القرآن لخرجنا بالتالي :
- "علمٌ إنساني" والإنسان إن لم يكن من المصلين وإن لم يكن من الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر فهو : هلوع ، ظلوم ، كفور ، جهول ، ضعيف ، بربه كنود .
- "الثروات" يعنون بها : الأرزاق .
فتعريف الاقتصاد هو : زعمٌ بتقدير الرزق وقسمته. وضلالته : الكفر بالله الرزاق ، إما إنكاراً لوجوده ، وإما كفراً بأنه هو "الرزاق" .
ومثاله في القرآن هو كما قال قارون : {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي...}[القصص: من الآية78]
قال تعالى : {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف:36] . فقد ادعوا للدولة أن تكون هي "الرزاق" ، تقدِّر الرزق وتقسمه بينهم .
فحقيقته هو : الاشتغال بما أراد الله بنا –القضاء والقدر والرزق- عما أراده الله منا .
ولا يعني بالضرورة أن كل ما لدى الروم له مقابلٌ عند الإسلام .فإن ملتنا هي "الحنيفية" .
وما أمِرنا بالاشتغال به هو "الحلال والحرام" فغايتنا ليست الدنيا . وإنما يجب على المسلم ألا يدخل "السوق" حتى "يتفقه في الدين" بما يمنعه عن الوقوع في الحرام . وذلك لا يمت إلى الاقتصاد بصلة .
فليس ثمة اقتصادٌ إسلامي . فإن الله تعالى رزق الأحمق ليعلم العاقل أن الرزق ليس بالفطنة . ومن لم يفهم ذلك فلعمري إنه لجهول !