تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة ؟

  1. #1

    افتراضي كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة ؟

    هذا مقال لكاتب وباحث أردني من خلفية أشعرية كتب هذا المقال عن سعيد فودة في نقده لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
    كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة ؟
    محمد العواودة
    من أهم ما يميز الفكر الصادق، أنه فكر حر، لا يبحث إلا عن الحقيقة، وهو ما يُلزم الذات بالاتصال والانفصال معرفيا مع موضوعها عند نقد المعرفة - التي تطلب الحق والحقيقة - بحسب ما يتوافر لها من حق على مطلب البحث ، الذي تكون فيه الحقيقة مطلبا رئيسيا ليس إلا .
    وتأسيسا على ذلك ، فليس أظلم من ناقد للمعرفة ، وهو يمارس النقد تحت طائل طلب الحقيقة ، أن يدعي سلفا أنه توصل للحق " مطلقا " ، والأظلم منه ، أن يدعي الحق من فكر جاهز ، فتكون الحقيقة هي ما تمثله تلك الأفكار والأحكام المعدة سلفا ، والملقنة في اللاوعي تلقينا ؛ حيث تكون الحقيقة امتصت امتصاصا من معارف مسبقة لتصديرها إلى الوعي العام كحقائق ويقينيات مطلقة ، وإذ ذاك فان دعوى البحث الحر تكون تكرارا ، وتكريسا للانتصار لتلك للمعرفة المعدة سلفا ،أوتشويشا على الحقائق الأخرى التي تكون ضدا على مفاهيمه ، أو حقائقه التي يرى أنها مطلقة ، حيث يجب أن لا تخضع للخطأ أو للنقد .
    هذا على الأقل ، ما يمكن للمطالع في كتابات سعيد فودة أن يخرج به من تصورات وفهوم من تلك الكتابات ، ومن تشخيص للذهنية التي يتحرك فيها هاجس الكاتب في صياغته للمعرفة التي يسميها " نقدا " لاستخلاص الحق من بين الفكر المضطرب ، ولكن القاريء المدقق لتلك الكتابات ،لا يحتاج إلى كبير جهد حتى يعرف من صريح عباراته انه لا ينتمي بشكل من الأشكال إلى الفكر الحر الذي يبحث عن الحقيقة ، التي من أهم شروطها فصل الذات عن الموضوع كما قلنا ، حتى يتسنى استخلاص الحق من بين اضطراب الأفكار .
    كرس فودة معظم كتاباته في نقد المعارف الدينية التي أسس لها ابن تيمية، وهذا من حقه كباحث عن الحقيقة، ولكن النقد عندما ينطلق من هاجس معرفي آو موجه ايدولوجي، كما سيتبين لاحقا ، فانه لا مجال لحاذق أن يسمي ذلك النقد نقدا ولا الحقيقة حقيقة وحقا ، لأن الحقيقة ببساطة ستكون متصلة في الذات المتوترة ، الملقنة بالأفكار والآراء المسبقة تلقينا ، وهو بالضبط ما ينطلق به فودة في كتاباته .
    وحيث أنه ليس من مقصود هذا المقال الدفع عن آراء وأفكار ابن تيمية وإن كانت جديرة بذلك، فيما أنتجه من معارف مميزة في دقيق المعرفة وجليلها، كباحث ومفكر غير ملقن ، مع اعتقادنا أنه يطرد عليه من سنن الكون كما يطرد على غيره في غير المعصومين من احتمال للصواب والخطأ ، وهو ما يستوجب على المنصف الدفع عما أصاب فيه وعذره فيما أخطأ فيه ، إلا أن هذا المقال يحاول الكشف عن منهجية النقد التي مارسها فودة على آراء وأفكار ابن تيمية ونقدها ، فإذا أبطلنا هذه المنهجية بالحكمة التي تقول " ما بني على باطل فهو باطل "، فلا حاجة للقاريء عندئذ أن يبحث في تفاصيل ما كتبه فودة .
    أقام فودة منهجيته النقدية على أربعة أعمدة هي : الهدم بالتهمة ، والبناء على الادعاء ، والتغبيش على الواقع ، والمصادرة على المطلوب بالحشو الفلسفي الزائد ، وهذه المنهج يمكن لبسيط الدراية أن يتوصل إليه من كتابات الرجل بمجرد قراءة مقدمات كتبه ، " نقض الرسالة التدمرية " ، " الموقف " ،" تدعيم المنطق " وهي الكتب التي تكشف بوضوح عن تلك التقية التي مارسها على متنه في نقد ابن تيمية .
    الهدم بالاتهام
    عندما يقبل الباحث على مشروع كتابة نقدية ، يجب أن يتحلى بالإنصاف والتساوق مع المنهجية العلمية الصارمة التي تفصل الذات عن الموضوع، وتجعل الموضوع خاضعا بالكلية للجهاز المعرفي الذي يشتغل عليه في تحليله ونقده، كما يكون التفكيك بغيته الهدم والبناء معا بما توافق وتنافر مع ذلك الجهاز الذي يشتغل عليه ، وليس مناطه الهوى والرغبة والاشتهاء ، والتلبيس والمقايسة على فهوم معرفية مسبقة متوترة بهواجس المعرفة المؤدلجة ، وهو ما نجده بتمام الكلام وكماله عند السيد فودة .
    وبينما يكون من ضرورات المقدمة عند الكاتب المنصف أن يفصح عن جهازه المعرفي للقاريء الذي يرسم به مناهجيته في النقد والتحليل التي يميز بها الحق من بين الفكر المضطرب ، لم يقدم فودة شيئا من ذلك ، واستعاض بدلا منه بمنهجية الهدم بالاتهام المباشر على فكر ابن تيمية ، انطلاقا من الملقن في الذهن ، والممتص من المسبق ، كقوله في مقدمة " نقض الرسالة التدمرية " وأما عندنا ، فما كتبه – ابن تيمية – واضح في مذهب الضلال ، ونص صريح في نصرة مذاهب المجسمة والكرامية المبتدعة ، ونحن في ردنا عليه ونقضنا لكلامه لا يتوقف هجومنا لصد أفكاره وتوهماته على موافقة الناس لنا (...) ولذلك فإنهم لما ناظروه وبينوا له أنه لا دليل له على ما يقول طلبوا منه الكف عن الدعوة لهذا المذهب البطال فلما أبى حكموا عليه بالسجن ، وهو عقاب أمثاله ممن ناقض أهل الحق وتفرد برأيه ودعا الناس إليه من غير وجه حق ، لما يحدث ذلك من اضطرابات وفتن " وكان الأجدى بفوده من هذا الاتهام والهجوم الذي يثير الفتن بين الناس الصادر عن تفرده وإعجابه برأيه ، الذي لا يتوقف على موافقة الناس لفكره كما يقول ، أن يثبت لهم هذه التهمة بما يضفيه من مصداقية على صفاءه المعرفي الخالص لوجه الله تعالى ، وليس انطلاقا من أحكام ماضوية مسبقة .
    البناء على الادعاء
    وبينما يكون من واجبات البحث الأصيل أن لا يبنى على ادعاءات مسبقة ، حتى لا تكون نتيجة البحث إعادة لمقولات مكرره ، ومعاودة الاتصال بالمؤدلج ، يصر فودة على السير في طريق سلفه من المخاصمين لابن تيمية ، فمن خلال هذا الادعاء الذي لا يستند إلى منهجية معززة بجهاز معرفي ، فان ذلك قد أعطى فودة قدرة على الحركة الاعتبارية والممارسة العقلية الغائية ، التي تلتصق التصاقا بالسابق والمؤدلج ، وباعتباره كذلك ، فإنه سعى سعية في إلصاق السابق والمؤدلج بابن تيمية بادعاء أنه " ألف بين قطع مذهب التجسيم ورتبه ونظمه حتى أسس أركانه وكان يسميه بمذهب السلف مجانبة منه للصواب ، وتعصبا لرأيه ومحض عناد ، وقد ألف كتبه لنصرة المذهب والتبس الأمر على كثير من الخلق من العلماء والعوام " وهذا البناء المبني على اتهام مسبق بتضليل ابن تيمية يجعل القاريء يتعفف من الخوض في البناء الذي قامت عليه تفاصيل كتاباته .
    التغبيش على الواقع
    التغبيش على الواقع هو ثالث أثافي المنهج الذي اتبعه فودة ، فالواقع أن أفكار ابن تيمية لاقت رواجا كبيرا في هذا العصر ، وذلك لأسباب عدة ، أهمهما أنها مؤطرة بجهاز معرفي تمفصلي ، حيث مارس النقد على الفكر الإسلامي هدما وبناء على الجذر المعرفي الطبيعي للعصمة ، وبالتالي فإنه مهما افترق أو اتفق مع الآخر ، فإنه يبقى في المجال التداولي لذلك الجذر ، وهو ما يبعد عنه تهمة التضليل والتعاند التي يتهمه بها فوده ، عوضا عن ميزة التجديد التي تتمتع بها كتابات ابن تيمية ، التي أتت على العرفان الباطني والبيان الفلسفي الكلامي ، الذي غرقت به الأمة منذ الصدر الإسلامي الأول .
    إن منهج التغبيش على الواقع الذي ابتدعه فودة ، " ومن هذا الباب اهتممت أن أنقد بعض الكتب التي كتبها ابن تيمية ، وذلك للأثر الكبير الذي يلاحظ لفكره على كثير من الناس في هذا العصر " يفسر غائية مضمرة في نفسه ، وهو بالضبط ما ينكره عن نفسه وعن سابق معرفته وتلقينه " وقد ظن كثير من العوام وتابعهم على ذلك من انتسب إلى العلماء إن علماءنا المتقدمين الذين قاوموا أفكار ابن تيمية إنما فعلوا ذلك حسد من عند أنفسهم " ، ونكرانه لهذا ، هو في محل الإثبات بما اعترف به من انتشار فكر ابن تيمية في هذا العصر ، وحسد له علاقة بالصعود الإسلامي الذي اتكأ على أفكار ابن تيمية في العصر الحديث .
    المصادرة على المطلوب بالحشو الفلسفي الزائد
    وهذا فن من فنون الفلسفة ، تمكن المتفلسف من المراوغة وتتيح له الحركة خشية الاحتباس الفكري ، الذي يمكن للخصم أن يثبته فيه ، كما تمنحه مساحة ذهنية لممارسة التقية المعرفية التي تستبطن الذات ، وتفريغها فلسفيا على الموضوع ، وإن كان فودة يحاول إلصاق هذا النوع الفلسفي على ذات ابن تيمية " لأنه اعتاد إتباع أساليب لفظية تتيح له التهرب عند المسائلة ، وتترك لمن لم يتيقن فهم مراده التشكك فيما قصده ، والرجل لا نظن نحن فيه إلا أنه تقصد ذلك ،"، لكن القاريء لكتابات فودة ، سيرى مدى التصاق ما وصف فيه ابن تيمية ملتصقا في كتاباته ، هي نفسها التي اعتمد فيها اعتمادا كبيرا على الحشو الكلامي والفلسفي ، فيما قد ينجيه عند المتابع من الهروب من تقية التكريس للمذهب الأشعري " المتأخر " واحيائية جديدة لعلم الكلام ، الذي كان ما كان منه في صناعة الفتن بين الأمة الإسلامية .
    أخيرا، سيكشف المطالع في كتابات سعيد فودة مقدار الظلم الذي مارسه على ابن تيمية فيما اسماه " نقدا " باسم طلب الحقيقة ، وفي حقيقتها ما هي إلا هدم يقوم على الادعاء من تلقينات كلامية وفلسفية مسبقة ،وتغبيش على واقع انتشار فكر ابن تيمية كمصلح ومجدد في الأمة ، وحشو فلسفي للتشويش على الحقيقة التي حاول نقضها وترسيمها بالتلقين من خصوم الإمام السابقين منهم واللاحقين .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Sep 2006
    المشاركات
    964

    افتراضي رد: كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة ؟

    بارك الله فيكم ..
    وأسأل الله للكاتب التوفيق لما يُحب ويرضى .

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    587

    افتراضي رد: كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة ؟

    جزى الله الشيخ سليمان خيرا
    ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ

  4. #4

    افتراضي رد: كيف يبحث سعيد فودة عن الحقيقة ؟

    جزاكم الله خيرا وبارك فيكم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •