الإسراف في اعطاء الألقاب : كـ ( العلامة ) ، و( الإمام ) ، و( المحدث ) ، و( محدث العصر) ، و( الشيخ العلامة ) ، و( الفقيه المجتهد ) ، و( مفتي زمانه ) ، وغير ذلك من الألقاب والتي يفترض أن لا تعطى لأحد إلا بعد أن يثبت أحقيته بهذا اللقب وأنه هو في الحقيقة بلغ هذه الدرجة من العلم وفنونه مع التقوى و الصلاح ، وله أثره في الإسلام ، أو وصل مرتبة العلم والاجتهاد فيه .
فهذه الألقاب لا يستحقّها أي أحد إلا من أفنى عمره في طلب العلم مع التحقيق والتمحيص ، وكان له الأثر فيه من خلال مصنفاته ، وتآليفه ، ودروسه مع الصلاح والتقوى والقدوة الحسنة ، وكان بحق إماماً في علمه وفنه أحاط بإصوله وفروعه .
ومما يلحظ اليوم على كثير من طلبة العلم أو من تلاميذ طلبة العلم إطلاق هذه الألفاظ دون مراعاة لمن تطلق في حقهم ، فهذا يسمي شيخه بالإمام ، وذاك بالعلامة ، وذاك بالمحدث أو محدث العصر ، وربما من أطلقت عليه هذه الألقاب أو هذه الأوصاف لا يرضى بذلك ولا يرغب في إطلاقها عليه ، بل هو الظن وهو المعروف عن كثير منهم ، لأن هذه الألقاب ربما تدعو إلى الزهو بالنفس والإعجاب بها وهو من أعظم مداخل الشيطان على العبد .
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين ـ رحمه الله ـ : عن التسمي بالإمام ؟ .
فأجاب بقوله : التسمي بالإمام أهون بكثير من التسمي بـ ( شيخ الإسلام ) لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، سمى إمام المسجد إماماً ولو لم يكن معه إلا واحد ، لكن ينبغي أن لا يتسامح في إطلاق كلمة ( إمام ) إلا على من كان قدوة وله أتباع كالإمام أحمد وغيره ممن له أثر في الإسلام ، ووصف الإنسان بما لا يستحقه هضم للأمة ، لأن الإنسان إذا تصور أن هذا إمام وهذا إمام ممن يبلغ منزلة الإمامة هان الإمام الحق في عينه . أهـ
وحتى لقب ( الشيخ ) أمتهن اليوم وأصبح يطلق على كل ( من هب ودب ) .
أنا أقول هذا لأننا نشاهد اليوم من طلبة العلم في كثير من المنتديات عند النقل للعلم عمن أخذه عنه أو في حال التلمذة على أحد ؛ الإفراط في إطلاق هذه الألقاب ، وربما كان شيخه لايزال طالباً للعلم ، بل لم تطلق هذه الألقاب على مشايخ شيخه الذين أخذ العلم عنهم ، وهذا هو المشاهد .
نعم ـ والله ـ إن هناك من العلماء من يستحق مثل هذه الألقاب وهم أهل لها ، عاشوا أعمارهم في طلب العلم ، والتأليف ، والتدريس ، والنصح للأمة مع التقوى والصلاح ، وماتوا على ذلك ، ومازالت آثارهم ،وأعمالهم ، وما ورثوه للأمة باق ، ، مؤلفاتهم يتتلمذ عليها كل من جاء بعدهم ، أقوالهم يرددها القاصي والداني ، لا يخلو كتاب من ذكرهم ، ولا مجالسُ علم من الاحتجاج بأقوالهم ، والترحم عليهم . حتى صدق في حقهم قول الشاعر :
قد ماتقوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات
رحمهم الله رحمة واسعة .
فالتنبه من إطلاق هذه الألقاب وامتهانها ( وأنزلوا الناس منازلهم ) .
هذا والله أعلم .