تَعْرِيفُ اَلْحَدِيثِ اَلصَّحِيحِ
عرفه بن الصلاح فقال (هو الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا )
قَالَ وَهَذَا هُوَ اَلْحَدِيثُ اَلَّذِي يُحْكَمُ لَهُ بِالصِّحَّةِ, بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَهْلِ اَلْحَدِيثِ وَقَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ اَلْأَحَادِيثِ, لِاخْتِلَافِهِم ْ فِي وُجُودِ هَذِهِ اَلْأَوْصَافِ, أَوْ فِي اِشْتِرَاطِ بَعْضِهَا, كَمَا فِي اَلْمُرْسَلِ .

وقال بن كثير في كتابه الباعث الحثيث ( حَدِّ اَلصَّحِيحِ أَنَّهُ اَلْمُتَّصِلُ سَنَدُهُ بِنَقْلِ اَلْعَدْلِ اَلضَّابِطِ عَنْ مِثْلِهِ, حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ r أَوْ إِلَى مُنْتَهَاهُ, مِنْ صَحَابِيٍّ أَوْ مَنْ دُونَهُ, وَلَا يَكُونُ شَاذًّا, وَلَا مَرْدُودًا, وَلَا مُعَلَّلًا بِعِلَّةٍ قَادِحَةٍ, وَقَدْ يَكُونُ مَشْهُورًا أَوْ غَرِيبًا .
وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ فِي نَظَرِ اَلْحُفَّاظِ فِي مَحَالِّهِ, وَلِهَذَا أَطْلَقَ بَعْضُهُمْ أَصَحَّ اَلْأَسَانِيدِ عَلَى بَعْضِهَا فَعَنْ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ أَصَحُّهَا اَلزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ اَلْمَدِينِيِّ والفَلَّاسُ أَصَحُّهَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ عُبَيْدَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مَعِينٍ أَصَحُّهَا اَلْأَعْمَشُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ اَلْبُخَارِيِّ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَزَادَ بَعْضُهُمْ اَلشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ, إِذْ هُوَ أَجَلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ . )

قال بن دقيق العيد في كتاب الاقتراح في فن الاصطلاح (الصحيح :
ومداره بمقتضى أصول الفقهاء والأصوليين على صفة عدالة الراوي في الأفعال مع التَّيقُظ ، العدالة المشترطة في قبول الشهادة ، على ما قُرِّر في الفقه ، فمن لم يقبل المرسل منهم زاد في ذلك أن يكون مسنداً .
وزاد أصحاب الحديث أن لا يكون شاذاً ولا معلَّلاً . وفي هذين الشرطين نَظَرٌ على مقتضى مذهب الفقهاء ، فإن كثيراً من العلل ( التي ) يعلِّل بها المحدثون الحديث لا تجري على أصول / الفقهاء .
وبمقتضى ذلك حُدَّ الحديث الصحيح ، بأَنه : الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه ، ولا يكون شاذاً ولا معلّلاً .
ولو قيل في هذا الحدِّ : الصحيح المجمع على صحته هو كذا وكذا إلى آخره لكان حسناً ، لأَنَّ من لا يشترط بعض هذه الشروط لا يحصر الصحيح في هذه الأوصاف . ومن شَرْطِ الحدِّ أن يكون جامعاً مانعاً .
وقد اختلف أئمة الحديث في أَصحِّ الأسانيد :
فمذهب البخاري : أَنَّ أَصحَّ الأسانيد : مالك عن نافع عن ابن عمر .
وعن يحيى بن مَعِين : أجودها : الأعمش عن إبراهيم ، عن علقمة ( عن ) عبد الله .
وعن عمرو بن عليّ : أصحُّ الأسانيد : محمد بن سِيرين عن عَبِيدة عن عليٍّ .
ثم قيل : أيوب عن محمد .
وقيل : ابن عَوْن ، عن محمد .

وفي كتاب تدريب الراوي بشرح تقريب النووي للسيوطي ذكر الصحيح فقال ( الأولى في حده وهو ما اتصل سنده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة سبق الخطابي إلى تقسيمه المذكور وإن كان في كلام المتقدمين ذكر الحسن وهو موجود في كلام الشافعي والبخاري وجماعة ولكن الخطابي نقل التقسيم عن أهل الحديث وهو إمام ثقة فتبعه ابن الصلاح قال شيخ الإسلام ابن حجر والظاهر أن قوله عند أهل الحديث من العام الذي أريد به الخصوص أي الأكثر أو الذي استقر اتفاقهم عليه بعد الاختلاف ( تنبيه ) قال ابن كثير هذا التقسيم إن كان بالنسبة لما في نفس الأمر فليس إلا صحيح وكذب أو إلى اصطلاح المحدثين فهو ينقسم عندهم إلى أكثر من ذلك وجوابه أن المراد الثاني والكل راجع إلى هذه الثلاثة ( الأول الصحيح ) وهو فعيل بمعنى فاعل من الصحة وهي حقيقة في الأجسام واستعمالها هنا مجاز واستعارة تبعية ( وفيه مسائل الأولى في حده وهو ما اتصل إسناده ) عدل من قول ابن الصلاح المسند الذي يتصل إسناده لأنه أخصر وأشمل للمرفوع والموقوف ( بالعدول الضابطين ) جمع باعتبار سلسلة السند أي بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه كما عبر به ابن الصلاح وهو أوضح من عبارة المصنف إذ توهم أن يرويه جماعة ضابطون عن جماعة ضابطين وليس مرادا قيل كان الأخضر أن يقول بنقل الثقة لأنه من جمع العدالة والضبط والتعاريف تصان عن الإسهاب ( من غير شذوذ ولا علة ) فخرج بالقيد الأول المنقطع والمعضل والمعلق والمدلس والمرسل على رأي من لا يقبله وبالثاني ما نقله مجهول عينا أو حالا أو معروف بالضعف وبالثالث ما نقله مغفل كثير الخطأ وبالرابع والخامس الشاذ والمعلل )
ذكر الشروط الخمسة للحديث الصحيح وشرحها من كتاب التذكرة في علوم الحديث*

(، العلماء رحمهم الله ذكروا أن الحديث الصحيح لا بد أن يكون مستوفيا خمسة شروط: الأول منهـا: عدالة الراوي.


والثاني منها: حفظه وتمام ضبطه.


والثالث منها: اتصال إسناده.


والرابع منها: سلامته من الشذوذ.


والخامس منها: سلامته من العلة.


فهذه الشروط الخمسة اتفق العلماء -رحمهم الله- على أن الحديث لا يصحح إذا اختل واحد منها، فالعدالة معناها أن يكون أكثر أحوال العبد مطيعا لله -تعالى-، ولا يضره ما يقع من بعض الخطايا؛ لأن العصمة ليست لأحد من الخلق إلا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام.


والثانــي: أن يكون الراوي -وهو راوي الحديث الصحيح- ضابطا، وإذا أطلقوا ضابطا فإنهم يريدون به أن يكون تام الضبط، الضابط هو الحافظ، وليس معنى ذلك أنه لا يقع منه خطأ في الرواية، فما من إمام من الأئمة إلا وقد أخطأ في الرواية، لكن يقصدون بذلك أن تكون غالب أحاديث الراوي صحيحة مستقيمة لا يخالف فيها غيره، فإذا وقع منه الخطأ في بعض الأحيان فإن ذلك لا يضر الراوي نفسه وإن كان يضر الرواية في الموضع الذي أخطأ فيه.


فها هو حماد بن زيد والإمام مالك وسفيان الثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وغيرهم من سادات الحفاظ الذين بلغوا في الحفظ غاية كبيرة، قد ثبت أنهم أخطئوا في بعض الأحاديث، وهذا لا يعني إذا أخطأ الراوي في حديثٍ ما أن نبطل جميع أحاديثه أو أن نقضي عليه بأنه ضعيف، ولكن يريدون أن الراوي إذا كانت غالب أحاديثه صحيحه مستقيمة فإنهم يحكمون عليه بأنه ضابط، وأن حديثه الأصل فيه إذا ورد أن يكون صحيحا، والموضع الذي أخطأ فيه يكون حديثه فيه ضعيفا.


فلا بد في راوي الحديث الصحيح أن يكون تام الضبط، العدالة وتمام الضبط يعبر عنهما العلماء بالثقة، فإذا أطلقوا على راوٍ بأنه ثقة فإنهم يقصدون أنه جمع بين الحفظ والعدالة، فإذا لم يكن عدلا فإن حديثه يسقط بالكلية ولا يقبل لا في المتابعات ولا في الشواهد، إذا ثبت أنه غير عدل بأن ثبت عليه الفسق، وأما إذا لم يكن كذلك وإنما جهلنا حاله، لا ندري أهو ثقة أو ضعيف فإن هذا يكون مجهولا، فصار عندنا ضد العدل قسمان: قسم نجهل حاله ولا ندري أثقة هو أو ضعيف، وهذا هو الذي يسمى المجهول، يعني: لم يثبت فيه ما يطعن فيه، ولم يثبت فيه ما يوثقه، فصار مجهولا.


فالمجهول درجتان: مجهول الحال، ومجهول العين، مجهول الحال: هو الذي روى عنه اثنان ولكن لم يوثق، ولم يُجرَّح، ومجهول العين: من لم يروِ عنه إلا واحد، ولم يجرح أو يعدل ويدخل في النوع الثاني وهو مجهول العين المبهم، وهو الذي ورد في الإسناد بأن قيل: رجل، أو عن فلان أو أخو فلان أو ابن فلان أو نحو ذلك، فمثل هذا يسمى المبهم وهو قسم من مجهول العين.


إذا كان الراوي مجهولا فإن حديثه لا يكون صحيحا؛ لأننا فقدنا شرطا من شروط صحة الحديث وهي ثبوت العدالة، ولأن العدالة في الحديث لا بد أن تثبت، إما أن ينصص عليها العلماء أو يكون الرجل مستفيضا مشهورا بالعدالة، فإذا نص على أن فلانا عدل قبلناه وصار حديثه من أحاديث.. أو داخل في حيز الحديث الصحيح، إذا لم تثبت العدالة بأن كان مجهولا لكن لم يثبت فيه الطعن فإننا عندئذ نجعل حديثه حديثا صحيحا.


بعد ذلك يأتينا شرط الضبط وهو القسم الثاني مما يناقض العدالة: وهو أن يثبت على هذا الراوي ما يناقض العدالة، إما بفسقه أو كذبه واتِّهامه في الحديث، إذا ثبت أنه فاسق بكبيرة من كبائر العلماء يضعف حديثه ولا يُقبَل؛ لأنه ساقط العدالة، كأن يكون شرَّابا للخمر أو مشهورا بالفواحش، وقد وجد من هؤلاء في الرواة من هو كذلك، وأسقط العلماء أحاديثهم، أو ثبت عليه أنه يكذب في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا ثبت ولو مرة واحدة قضينا على أحاديثه بأنها.. أو قضينا عليه بأنه ساقط العدالة، أو كان متهما بالكذب، إما أن تقوم القرائن على كذبه في حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن لم نقطع بها، أو أنه يكون معروفًا بالكذب في حديث الناس، فمثل هذا يسمى المتهم، إذا كان متهما كان ساقط العدالة.


كذلك إذا ثبت أنه يسرق الحديث فهذا ينافي العدالة، فإذا وصف بأنه يسرق الحديث أسقطنا عدالته، إذا سقطت العدالة سقط حديثه بالكلية، إذا أسقطنا العدالة وقضينا عليه بأنه ساقط العدالة أسقطنا الحديث كلية فلا يقبل، أما إذا جهلنا حاله أو عينه لا ندري عن هذا الرجل.. لا ندري هل هو عدل أو ضعيف، فإننا عندئذ لا نسقط حديثه بالكلية وإن كنا لا نقبله بل نرده ونجعله حديثا ضعيفا، ولكن ليس إسقاطه كإسقاط الذي قبله؛ لأن مجهول العدالة، يبقى عند العلماء فيبقى حديثه قابلا للاعتضاد إذا جاء ما يعضده، خاصة في مجهول الحال.


الشرط الثالث: اشترطوا في الحديث الصحيح أن يكون إسناده متصلا، واتصال الإسناد معناه: أن يأخذ كل راو ممن فوقه بإحدى طرق التحمل الصحيحة، يعني: لا بد أن يكون كل راوٍ قد روى عن شيخه، وهو الذي فوقه، أو روى عمن حدّث عنه بطريقة صحيحة من طرق التحمل إما بالسماع أو بالقراءة أو بالإجازة المقرونة بالمناولة، أما إذا كان ثبت أنه لم يسمع منه فإننا حينئذ نحكم على الحديث بأنه منقطع ولا يكون حديثا صحيحا، فإذا كان في الإسناد انقطاع بأي وجه من الوجوه سواء كان بإعضال أو إرسال أو تدليس فإننا لا نحكم على الحديث بأنه صحيح؛ لفقده شرطا من شروط الحديث الصحيح وهو اتصال السند.


كذلك إذا كان الراوي قد تحمل الحديث ممن فوقه وأخذه بطريقة من طرق التحمل غير الصحيحة؛ لأن طرق التحمل ثمان: منها ما هو صحيح ومنها ما هو ضعيف كما سيأتي إن شاء الله، فإذا تحمل عن طريق الوجادة، أو عن طريق الوصية، أو عن طريق الإعلام الذي ليس مقرونا بإجازة، فإنه يقال: هذا تحمل ضعيف، ويكون في حكم الإسناد المنقطع، فصار عندنا الحديث الصحيح لا بد أن يكون إسناده متصلا، وهذا يخرج ما إذا كان الإسناد منقطعا أو كان الإسناد متحملا بطريقة من طرق التحمل الضعيفة أو التي لا تصح.


الشرط الرابع: وهو أن يكون الحديث سالما من الشذوذ، والشاذ عرفوه بأنه مخالفة الثقة لمن هو أوثق منه، ومرادهم بسلامته من الشذوذ: أن يكون الشذوذ منتفيا عنه في إسناده ومتنه، وسيأتي إن شاء الله بيان للشاذ في الأنواع القادمة، لكن الذي يجب أن يعرف هو أن يكون الحديث قد انتفى عنه الشذوذ، كذلك يجب أن يكون الحديث الصحيح قد انتفت عنه العلة، والعلة كما سيأتينا إن شاء الله سبب خفي يقدح في الحديث مع أن الظاهر السلامة منه، وسيأتي إن شاء الله بيان للحديث المعلل.


لكن الذي يجب أن يعرف هنا: يجب أن يكون الحديث الصحيح سالما أيضا من العلة، فإن كان في الحديث شذوذ أو علة فإنه لا يحكم عليه بأنه حديث صحيح، إنما يحكم عليه بأنه حديث صحيح إذا سلم من الشذوذ والعلة مع استيفائه الشروط الثلاثة المتقدمة، فصار الحديث الصحيح لا بد أن يكون مستوفيا هذه الأشياء الخمسة، الأول منها والثاني والثالث، هذه قد تكون أسهل الجميع في الإدراك، الأول والثاني يعرف بممارسة كلام العلماء في الجرح والتعديل، ومن معرفة الألفاظ التي يطلقونها.


فإذا أطلقوا على رجل بأنه ثقة عرفنا أنه يجمع بين العدالة والحفظ، وإذا أطلقوا على رجل بقولهم: إمام من أئمة المسلمين، أو فلان لا يسأل عنه.. أو نحو ذلك فهذه من العبارات الدالة على العدالة والضبط، أما إذا وصف بأنه حافظ ولم يوصف بأنه عدل فهذا لا يقتضي أن يكون الراوي ثقة؛ لأنه قد يكون حافظا ولا يكون عدلا، وإذا وصف بأنه عدل ولم يوصف بأنه حافظ فلا يلزم منه أن يكون ثقة، وإنما يحتمل أن يكون عدلا في دينه ولكنه غير حافظ، الثالث وهو اتصال الإسناد هذا أيضا إدراكه قريب في اليُسْر من النوعين الأولين وإن كان هو أعسر قليلا منهما، وهذا إن شاء الله سيأتينا في اتصال الحديث بأي شيء يعرف اتصال الحديث.


وأما الشرط الرابع والخامس: فهذان من أصعب العلوم، وهما يعتبران أدق علوم الحديث، وهذا النوع وهو معرفة الشذوذ والعلة لا يدرك إلا بكلام أهل العلم الأئمة كالإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو زرعة ونحوهم..،


الصحيح لذاته والصحيح لغيره


الحديث إذا استوفى هذه الشروط حكمنا عليه بأنه حديث صحيح )


وإذا أطلقوا الحديث الصحيح فإنهم يريدون الحديث الصحيح لذاته، معنى "لذاته" يعنى: أنه صحيح بمفرده لا يحتاج إلى غيره ليرفعه من درجة إلى درجة، بل هو بمجرد مجيئه بهذا الإسناد فإنه صحيح، فالصحيح لذاته معناه الصحيح بمفرده لا يحتاج إلى غيره لأن يرقيه إلى رتبة الصحة، يقابله الصحيح لغيره، الصحيح لغيره فهو الحديث الذي لا يصح إلا بوجود عاضد له يرقيه من الدرجة التي دون الصحة وهي الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره.




بعض المسائل التي تتعلق بالصحيح من كتاب الباعث الحثيث


أَوَّلُ مَنْ جَمَعَ صِحَاحَ اَلْحَدِيثِ
أَوَّلُ مَنْ اِعْتَنَى بِجَمْعِ اَلصَّحِيحِ أَبُو عُبَيْدَةَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ اَلْبُخَارِيُّ, وَتَلَاهُ صَاحِبُهُ وَتِلْمِيذُهُ أَبُو اَلْحَسَنِ مُسْلِمُ بْنُ اَلْحَجَّاجِ اَلنَّيْسَابُور ِيُّ فَهُمَا أَصَحُّ كُتُبِ اَلْحَدِيثِ وَالْبُخَارِيُّ أَرْجَحُ; لِأَنَّهُ اِشْتَرَطَ فِي إِخْرَاجِهِ اَلْحَدِيثَ فِي كِتَابِهِ هَذَا أَنْ يَكُونَ اَلرَّاوِي قَدْ عَاصَرَ شَيْخَهُ وَثَبَتَ عِنْدَهُ سَمَاعُهُ مِنْهُ, وَلَمْ يَشْتَرِطْ مُسْلِمٌ اَلثَّانِيَ, بَلْ اِكْتَفَى بِمُجَرَّدِ اَلْمُعَاصَرَةِ وَمِنْ هَاهُنَا يَنْفَصِلُ لَكَ اَلنِّزَاعُ فِي تَرْجِيحِ تَصْحِيحِ اَلْبُخَارِيِّ عَلَى مُسْلِمٍ, كَمَا هُوَ قَوْلُ اَلْجُمْهُورِ, خِلَافًا لِأَبِي عَلِيٍّ اَلنَّيْسَابُور ِيِّ شَيْخِ اَلْحَاكِمِ, وَطَائِفَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ اَلْمَغْرِبِ .
ثُمَّ إِنَّ اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا لَمْ يَلْتَزِمَا بِإِخْرَاجِ جَمِيعِ مَا يُحْكَمُ بِصِحَّتِهِ مِنَ اَلْأَحَادِيثِ, فَإِنَّهُمَا قَدْ صَحَّحَا أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابَيْهِمَا, كَمَا يَنْقُلُ اَلتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ اَلْبُخَارِيِّ تَصْحِيحَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ عِنْدَهُ, بَلْ فِي اَلسُّنَنِ وَغَيْرِهَا .

اَلتَّعْلِيقَات ُ اَلَّتِي فِي اَلصَّحِيحَيْنِ
وَتَكَلَّمَ اَلشَّيْخُ أَبُو عَمْرٍو عَلَى اَلتَّعْلِيقَات ِ اَلْوَاقِعَةِ فِي صَحِيحِ اَلْبُخَارِيِّ, وَفِي مُسْلِمٍ أَيْضًا, لَكِنَّهَا قَلِيلَةٌ, قِيلَ إِنَّهَا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَوْضُوعًا .
وَحَاصِلُ اَلْأَمْرِ : أَنَّ مَا عَلَّقَهُ اَلْبُخَارِيُّ بِصِيغَةِ اَلْجَزْمِ فَصَحِيحٌ إِلَى مَنْ عَلَّقَهُ عَنْهُ, ثُمَّ اَلنَّظَرُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْهَا بِصِيغَةِ اَلتَّمْرِيضِ ([1]) فَلَا يُسْتَفَادُ مِنْهَا صِحَّةٌ وَلَا تُنَافِيهَا أَيْضًا; لِأَنَّهُ وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ وَهُوَ صَحِيحٌ, وَرُبَّمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَمَا كَانَ مِنْ اَلتَّعْلِيقَات ِ صَحِيحًا فَلَيْسَ مِنْ نَمَطِ اَلصَّحِيحِ اَلْمُسْنَدِ فِيهِ, لِأَنَّهُ قَدْ وَسَمَ كِتَابَهُ (بِالْجَامِعِ اَلْمُسْنَدِ اَلصَّحِيحِ اَلْمُخْتَصَرِ فِي أُمُورِ رَسُولِ اَللَّهِ r وَسُنَنِهِ وَأَيَّامِهِ) .
فَأَمَّا إِذَا قَالَ اَلْبُخَارِيُّ "قَالَ لَنَا" أَوْ "قَالَ لِي فُلَانٌ كَذَا", أَوْ "زَادَنِي" وَنَحْوَ ذَلِكَ, فَهُوَ مُتَّصِلٌ عِنْدَ اَلْأَكْثَرِ .
عدد ما في صحيح البخاري من أحاديث كما ذكره بن حجر في ففتح الباري *

فجميع أحاديثه بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات على ما حررته وأتقنته سبعة آلاف وثلاث مائة وسبعة وتسعون حديثا


فجميع ما في الكتاب على هذا بالمكرر تسعة آلاف واثنان وثمانون حديثا وهذه العدة خارج عن الموقوفات على الصحابة والمقطوعات عن التابعين



في الكتاب من التعاليق ألف وثلاث مائة واحد وأربعون حديثا وأكثرها مكرر



فجميع ما في صحيح البخاري من المتون الموصولة بلا تكرير على التحرير ألفا حديث وستمائة حديث وحديثان ومن المتون المعلقة المرفوعة التي لم يوصلها في موضع آخر من الجامع المذكور مائة وتسعة وخمسون حديثا فجميع ذلك ألفا حديثا وسبعمائة وأحد وستون حديثا


إِطْلَاقُ اِسْمِ "اَلصَّحِيحِ" عَلَى اَلتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيِّ
وَكَانَ اَلْحَاكِمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ وَالْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيّ ُ يُسَمِّيَانِ كِتَابَ اَلتِّرْمِذِيِّ "اَلْجَامِعَ اَلصَّحِيحَ" وَهَذَا تَسَاهُلٌ مِنْهُمَا فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ كَثِيرَةً مُنْكَرَةً وَقَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ اَلسَّكَنِ, وَكَذَا اَلْخَطِيبُ اَلْبَغْدَادِيّ ُ فِي كِتَابِ اَلسُّنَنِ لِلنَّسَائِيِّ إِنَّهُ صَحِيحٌ, فِيهِ نَظَرٌ وَإِنَّ لَهُ شَرْطًا فِي اَلرِّجَالِ أَشَدُّ مِنْ شَرْطِ مُسْلِمٍ غَيْرَ مُسَلَّمٍ, فَإِنَّ فِيهِ رِجَالًا مَجْهُولِينَ إِمَّا عَيْنًا أَوْ حَالًا, وَفِيهِمْ اَلْمَجْرُوحُ, وَفِيهِ أَحَادِيثُ ضَعِيفَةٌ وَمُعَلَّلَةٌ وَمُنْكَرَةٌ, كَمَا نَبَّهْنَا عَلَيْهِ فِي (اَلْأَحْكَامِ اَلْكَبِيرِ) .
مُسْنَدُ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ
وَأَمَّا قَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي مُوسَى مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ اَلْمَدِينِيِّ عَنْ مُسْنَدِ اَلْإِمَامِ أَحْمَدَ إِنَّهُ صَحِيحٌ, فَقَوْلٌ ضَعِيفٌ, فَإِنَّ فِيهِ أَحَادِيثَ ضَعِيفَةً, بَلْ وَمَوْضُوعَةً, كَأَحَادِيثِ فَضَائِلِ مَرْوٍ, وَعَسْقَلَانَ, وَالْبَرْثِ اَلْأَحْمَرِ عِنْدَ حِمْصٍ, وَغَيْرِ ذَلِكَ, كَمَا قَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ اَلْحُفَّاظِ .
ثُمَّ إِنَّ اَلْإِمَامَ أَحْمَدَ قَدْ فَاتَهُ فِي كِتَابِهِ هَذَا -مَعَ أَنَّهُ لَا يُوَازِيهِ مُسْنَدٌ فِي كَثْرَتِهِ وَحُسْنِ سِيَاقَتِهِ- أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ جِدًّا, بَلْ قَدْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَقَعْ لَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ اَلصَّحَابَةِ اَلَّذِينَ فِي اَلصَّحِيحَيْنِ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْنِ .
(اَلْكُتُبُ اَلْخَمْسَةُ وَغَيْرُهَا)
وَهَكَذَا قَوْلُ اَلْحَافِظِ أَبِي طَاهِرٍ اَلسَّلَفِيِّ فِي اَلْأُصُولِ اَلْخَمْسَةِ, يَعْنِي اَلْبُخَارِيَّ وَمُسْلِمًا وَسُنَنَ أَبِي دَاوُدَ وَاَلتِّرْمِذِي ِّ وَالنَّسَائِيِّ إِنَّهُ اِتَّفَقَ عَلَى صِحَّتِهَا عُلَمَاءُ اَلْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ تَسَاهُلٌ مِنْهُ وَقَدْ أَنْكَرَهُ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَغَيْرُهُ قَالَ اِبْنُ اَلصَّلَاحِ وَهِيَ ذَلِكَ أَعْلَى رُتْبَةً مِنْ كُتُبِ اَلْمَسَانِيدِ كَمُسْنَدِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ, وَالدَّارِمِيِّ , وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَأَبِي يَعْلَى, وَالْبَزَّارِ, وَأَبِي دَاوُدَ اَلطَّيَالِسِيّ ِ, وَالْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ, وَعُبَيْدِ اَللَّهِ بْنِ مُوسَى, وَغَيْرِهِمْ; لِأَنَّهُمْ يَذْكُرُونَ عَنْ كُلِّ صَحَابِيٍّ مَا يَقَعُ لَهُمْ مِنْ حَدِيثِهِ .




* خارج عن كتاب الباعث الحثيث إنما هو إضافة