تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 3 123 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 59

الموضوع: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

  1. #1

    افتراضي ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    السلام عليكم؟

    ذات مرة في الجامعة , كنت أتكلم فقلت : علينا أن نتبع الكتاب والسنة ..فقاطعتني الأستاذة وقالت : نعم ! ولكن بفهم من ؟
    وأنا أعرف أنها كانت تنتظر مني أن أقول : بفهم سلف الأمة...

    لكنني لم أقول ذلك و لسبب بسيط : أنني لم أفهم لحد الآن ما المقصود بهذا المفهوم ؟
    إن كان إجماع السلف فلا إشكال هنا , وليس بعد هذا إلا الإشكالات ولربما عند أحد الأفاضل جوابات استشكالاتي...

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jun 2009
    المشاركات
    503

    Question رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    أضم صوتي فهذا السؤال مهم ففيه اشكالات ..
    و لعله من المو ضوعات المهمة ..التي سيطرقها علماء الجلس و با حثيه
    و اسال الله من فضله التو فيق الى تمام الصواب
    فانه (وما تو فيقي الا بالله)
    و جزى الله جميع من يشارك خير الجزاء

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2007
    المشاركات
    7,909

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    حقيقة لم أكن أتصور أن هذه القضية عويصة في الفهم إلى هذا الحد الذي طرحه الإخوة، لكن أحب قبل الخوض أن أبين أن فهم هذه المسألة شيء ومناقشتها شيء آخر.
    روى الشافعي رحمه الله في "الرسالة" (ص450): أخبرني أبو حنيفة بن سماك بن الفضل الشهابي قال: حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن ابن شريح الكعبي أن النبي قال - عام الفتح -: من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إن أحب أخذ العقل وإن أحب فله القود، قال أبو حنيفة: فقلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا يا أبا الحارث؟ فضرب صدري وصاح علي صياحا كثيرا ونال مني وقال: أحدثك عن رسول الله وتقول: تأخذ به؟ نعم آخذ به وذلك الفرض علي وعلى من سمعه إن الله اختار محمدا من الناس فهداهم به وعلى يديه واختار لهم ما اختار له وعلى لسانه فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك قال وما سكت حتى تمنيت أن يسكت.

    فقد اختار الله محمدًا صلى الله عليه وسلم من بين خلقه فأنزل عليه الرسالة وآتاه من القوة في البيان والصحة في الفهم ما لا يصح أن يقاربه أو يساويه غيره فقد كان معصومًا وغيره ليس كذلك.
    واختار له أصحابه فكانوا أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكثرهم فهمًا لمراد الله ومراد رسوله وأحرصهم على التأسي والمتابعة، بحيث لا يضاهيهم في ذلك جيل غيرهم، فالدين الذي نحتكم إليه هو ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه.
    فما كان عليه الصحابة هو الدين الذي لا يجوز الخروج عنه فما أجمعوا عليه فالخروج عنه بدعة لا يستقيم دين المرء معها ، وما اختلفوا فيه فيسع من بعدهم الاختلاف فيه ولا يجوز الخروج عن اختلافهم في تلك الأمور.
    ولا شك أن أشد الناس انضباطًا في تلك القاعدة هم أتباع الصحابة : أبناؤهم وتلامذتهم الذين ساروا على طريقهم واستنوا بسنتهم ، ومن تبع هؤلاء بإحسان هم أهل السنة في كل زمان ومكان وهم اتباع السلف ، نسأل الله أن يحشرنا معهم وأن يميتنا على ما ماتوا عليه غير مغيرين ولا مبدلين.
    أكتب هذا بعيدًا عن الفلسفات والفذلكات والتنطع وقيل وقال، فما هو الإشكال في هذا الفهم البسيط وما يعكر على هذا المعنى الواضح ، بارك الله فيكم؟!
    قال أبو عبدِ الله ابنِ الأعرابي:
    لنا جلـساء مـا نــمَلُّ حـدِيثَهم *** ألِبَّاء مأمونون غيبًا ومشهدا
    يُفيدوننا مِن عِلمهم علمَ ما مضى *** وعقلًا وتأديبًا ورأيا مُسدَّدا
    بلا فتنةٍ تُخْشَى ولا سـوء عِشرَةٍ *** ولا نَتَّقي منهم لسانًا ولا يدا
    فإن قُلْتَ أمـواتٌ فلـستَ بكاذبٍ *** وإن قُلْتَ أحياءٌ فلستَ مُفَنّدا


  4. #4

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] " أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" .وقال سفيان رحمه الله في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النحل:59]" هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" .وفي منزلة علمهم واجتهادهم وفتاواهم قال الشافعي رحمه الله:... فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً، وعزما وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله .
    حسابي على تويتر https://twitter.com/mourad_22_

  5. #5

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    أحسنت يا شيخ عليا ، زادك الله بصيرة.

  6. #6

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    ماذا نفعل إن اختلفوا
    إذا لم تخش عاقبة الليالي ,,ولم تستح فاصنع ماتشاء
    فلا و الله ما في العيش خير,,والدنياإذاذ هب الحياء

  7. #7

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    ^^^
    لا نأتي بأقوال لم يقولوها
    "
    أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق، فإن طال فإلى الكعبين، فإن طال ففي النار "
    فاتقوا النار ..

  8. #8

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    أحسن الله إليكم جميعا...

    أقول للأخ أبو خالد : ما ذكرته هو محل الإشكال : إن أجمعوا أخذنا بفهمهم : ونحن في الحقيقة إنما أخذنا بمدلول الإجماع.
    وإن اختلفوا لم يجز إحداث قول ثالث : بمعنى أن فهوم بعض السلف هي التي تصير حجة لا كلهم , وبما أنه لا أسبقية لفهم أحد على الآخر : فالحجة تكون مع من وافق الدليل الشرعي , وعليه فنحن إنما عملنا بمقتضى الدليل.
    فصار هذا المفهوم بلا معنى...ففي الولى عملنا بالإجماع وفي الثانية عملنا بالمرجح...

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمان المغربي مشاهدة المشاركة
    وإن اختلفوا لم يجز إحداث قول ثالث : بمعنى أن فهوم بعض السلف هي التي تصير حجة لا كلهم , وبما أنه لا أسبقية لفهم أحد على الآخر : فالحجة تكون مع من وافق الدليل الشرعي , وعليه فنحن إنما عملنا بمقتضى الدليل.
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبد الرحمان المغربي مشاهدة المشاركة

    فصار هذا المفهوم بلا معنى...ففي الولى عملنا بالإجماع وفي الثانية عملنا بالمرجح...
    القضيَّة ليست بهذا التسهيل!


    كلامنا ونقاشنا ليس عن أنَّنا أخذنا بإجماعهم في مسألة فيها نصٌّ قاطعٌ للنِّزاع!
    بل عندنا مسألة فيها دليل أوأدلَّة -من كتاب أوسنَّة- يحمل على وجهين أوأوجه، ولكلّ منها حظٌّ من النَّظر في الظَّاهر؛ فوجدنا السَّلف قد أطبقوا على أحد هذين الوجهين وإبطال الآخر؛ فلا شكَّ أنَّ أخذنا بفهمهم واجبٌ، وليست القضيَّة أنَّهم وافقوا الدليل أو خالفوه، بل لأنَّ فهمهم له هنا هو الصواب؛ لأنَّ لهم معرفة يفقدها أويضعف فيها من تأخر عنهم، كالعرف اللغوي والشَّرعي وسبب النزول والسياق ... الخ.

    أو مسألة فيها نصوص متضاربة في الظَّاهر يخالف إعمال إحداها للآخر؛ فوجدنا السَّلف قد أطبقوا على إعمال أحد النَّصَّين على الآخر، وحمل الآخر على خلاف ما قد يراه المتأخِّر، كالاستحباب خلافًا للوجوب.. الخ..
    فكذلك يجب الرجوع إلى إجماعهم هنا؛ ليس لأنَّهم وافقوا النَّصَّ وغيرهم خالفه، ولكن لأنَّ فهمهم لذلك الدليل (المزعوم كونه نصًّا غير قابل للنِّقاش) = هو الصواب الواجب المصير إليه؛ لما تقدَّم من ذكر المرجِّحات الخارجة عن قضيَّة التمسُّك بالنصِّ أومخالفته.
    وهكذا..



    وأمَّا عند الخلاف (فيما بينهم) فكلامنا ونقاشنا ليس عن أنَّ أحدهما أخذ بالنَّص والآخر خالفه! أولم يقف عليه مثلًا؛ بل لأنَّ أحدهما وافق الدَّليل بفهم يوافق عليه بأمور خارجة عن مجرَّد الأخذ بالنَّص أوالإعراض عنه..

    وكل هذا فيما لو كان النَّاظر في الخلاف متأهِّلًا للنَّظر في الحجاج لا متعصِّبًا لرأي متأخِّر عنهم مقلِّد لقوله.
    وإلَّا فيُقال إنَّ المسألة إذا كانت للتَّقليد دون فهم للحجاج =فيجب عليه الأخذ بقول السَّلف أيضًا؛ لأنَّ المقلِّد يجب عليه الأخذ بقول الأعلم أوالأورع؛ وهاتان الصِّفتان أرجح في السَّلف عند تنازعهم مع الخلف.


    ومن نظر في مسائل الخلاف بين الأئمَّة الأعلام المحتجِّ كل واحد منهم بالأدلة من كتاب وسُنَّة ونظر (فهم) لهما= تبيَّن له هذا الأمر بجلاء.



    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    وقد قال صاحب جوهرة التَّوحيد (منظومة العقيدة الأشعرية) في آخر منظومته:
    وكل خيرٍ في اتِّباع مَن سلف وكل شرٍّ في ابتداع من خلف
    وكأنَّ هذا البيت قد نقض به صاحب المنظومة أغلبها. (ابتسامة)
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    إذا اختلف أهل القبلة وتنازعوا الحق والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة، فإن أجدر الفرق بالصواب وأولاها بالحق وأقربها إلى التوفيق من كان في جانب أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا كان الكتاب الكريم حمال أوجه في الفهم مختلفة؛ فإن بيان أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم له حجة وأمارة على الفهم الصحيح. أبر الأمة قلوباً، وأعمقها علما، وأقلها تكلفاً، وأصحها فطرة، وأحسنها سريرة، وأصرحها برهاناً، حضروا التنزيل وعلموا أسبابه، وفهموا مقاصد الرسول صلى الله عليه وسلم وأدركوا مراده، اختارهم الله تعالى على علم على العالمين سوى الأنبياء والمرسلين، "فكان من له لسان صدق من مشهور بعلم أو دين، معترف بأن خير هذه الأمة هم الصحابة رضي الله عنهم ."فمن أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم، فرضي عنهم، وأنزل السكينة عليهم، فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم، أو الشك فيهم البتة" .قال قتادة رحمه الله في قوله تعالى: {وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [سبأ: 6] " أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" .وقال سفيان رحمه الله في قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} [النحل:59]" هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم" .وفي منزلة علمهم واجتهادهم وفتاواهم قال الشافعي رحمه الله:... فعلموا ما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم عاماً وخاصاً، وعزما وإرشاداً، وعرفوا من سنته ما عرفنا وجهلنا، وهم فوقنا في كل علم واجتهاد، وورع وعقل، وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا عند أنفسنا، ومن أدركنا ممن يرضى أو حكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه سنة إلى قولهم إن اجتمعوا، أو قول بعضهم إن تفرقوا، وهكذا نقول، ولم نخرج عن أقاويلهم، وإن قال أحدهم ولم يخالفه غيره أخذنا بقوله .
    وأفضل علم السلف ما كانوا مقتدين فيه بالصحابة.يقول ابن تيمية رحمه الله: ولا تجد إماماً في العلم والدين، كمالك، والأوزاعي، والثوري، وأبي حنيفة، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، ومثل: الفضيل وأبي سليمان، ومعروف الكرخي، وأمثالهم، إلا وهم مصرحون بأن أفضل علمهم ما كانوا فيه مقتدين بعلم الصحابة، وأفضل عملهم ما كانوا فيه مقتدين بعمل الصحابة، وهم يرون الصحابة فوقهم في جميع أبواب الفضائل والمناقب .ثم إن التابعين وتابعيهم قد حصل لهم من العلم بمراد الله ورسوله ما هو أقرب إلى منزلة الصحابة ممن هم دونهم؛ وذلك لملازمتهم لهم، واشتغالهم بالقرآن حفظا وتفسيراً، وبالحديث رواية ودراية، ورحلاتهم في طلب الصحابة وطلب حديثهم وعلومهم مشهورة معروفة، "ومن المعلوم أن كل من كان بكلام المتبوع وأحواله وبواطن أموره وظواهرها أعلم، وهو بذلك أقوم كان أحق بالاختصاص به، ولا ريب أن أهل الحديث أعلم الأمة وأخصها بعلم الرسول صلى الله عليه وسلم" .والمسلمون في شأن العقيدة يحتاجون إلى" معرفة ما أراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بألفاظ الكتاب والسنة، وأن يعرفوا لغة القرآن التي بها نزل، وما قاله الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر علماء المسلمين في معاني تلك الألفاظ، فإن الرسول لما خاطبهم بالكتاب والسنة، عرفهم ما أراد بتلك الألفاظ، وكانت معرفة الصحابة لمعاني القرآن أكمل من حفظهم لحروفه، وقد بلغوا تلك المعاني إلى التابعين أعظم مما بلغوا حروفه، فإن المعاني العامة التي يحتاج إليها عموم المسلمين، مثل معنى التوحيد، ومعنى الواحد والأحد والإيمان والإسلام، ونحو ذلك.. فلابد أن يكون الصحابة يعرفون ذلك، فإن معرفته أصل الدين" .
    فمذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم، لا كما يدعيه المخالفون، باختلاف نحلهم ومذاهبهم، فتارة يقول أهل السياسة والملك: إنهم لم يمهدوا قواعد الحكم والسياسة والتدبير لانشغالهم بالعلم والعبادة، وتارة يدعي أهل التصوف أنهم ما حققوا المقامات والأحوال لانشغالهم بالجهاد والقتال وهكذا...والحق أن "كل هؤلاء محجوبون عن معرفة مقادير السلف، وعمق علومهم، وقلة تكلفهم، وكمال بصائرهم، وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكلف والاشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها، وضبط قواعدها، وشد معاقدها، وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء، فالمتأخرون في شأن، والقوم في شأن آخر، وقد جعل الله لكل شيء قدراً .وقال ابن رجب رحمه الله: فمن عرف قدر السلف، عرف أن سكوتهم عما سكتوا عنه من ضروب الكلام، وكثرة الجدل والخصام، والزيادة في البيان على مقدار الحاجة؛ لم يكن عيا، ولا جهلا، ولا قصورا، وإنما كان ورعاً وخشية لله، واشتغالاً عما لا ينفع بما ينفع .وفي تحديد مفهوم السلف، قال سبحانه: {وَالسَّابِقُون الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]، فالسلف اسم يجمع الصحابة فمن بعدهم ممن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وفي الصحيح: ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم..)) .وهذه الخيرية خيرية علم وإيمان وعمل، ولقد حكى ابن تيمية رحمه الله الإجماع على خيرية القرن الأول ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. وأنهم أفضل من الخلف في كل فضيلة .
    ولقد اعتصم أهل السنة والجماعة بحجية فهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين فعصمهم هذا من التفرق والضلال، فقالوا بما قال به السلف، وسكتوا عما سكتوا عنه، ووسعهم ما وسع السلف.أما أهل الضلال والابتداع، فمذهبهم الطعن في الصحابة وتنكب طريق السلف، قال الإمام أحمد رحمه الله: "إذا رأيت الرجل يذكر أحداً من الصحابة بسوء، فاتهمه على الإسلام" .فالصحابة يكفرهم الرافضة تارة، والخوارج أخرى، والمعتزلة يقول قائلهم وهو عمرو بن عبيد – عليه من الله ما يستحق -: لو شهد عندي علي وطلحة والزبير وعثمان، على شراك نعل ما أجزت شهادتهم! .وصدق أبو حاتم الرازي رحمه الله حين قال: علامة أهل البدع الوقيعة في أهل الأثر .ورضي الله عن أبي زرعة الرازي حيث قال: إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدّى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا، ليبطلوا الكتاب والسنة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة

    علم التوحيد عند أهل السنة والجماعة لمحمد يسري - ص266
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    518

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    بسم الله الرحمن الرحيم :

    للإمام الأشم ابن حزم - رحمه الله - في هذا الباب أقوال نفيسة يطول سوقها،

    و حتى الإخوة الذين تكلموا في مشاركتاهم تكلموا في أمور لم يتحققوها ، و نقلوا دون أن يعوا موطن التنازع ،

    و أما من أورد كلامه حول فهم السلف في العقيدة ، و لعل هذا سبب منشأ هذه المقولة ، إذ أرادوا بها أن يجددوا عقائد الناس التي انهد ركنين من أركانها ، و هما : توحيد الألوهية و توحيد الأسماء و الصفات ، فراموا أن يعيدوهم إلى الأمر الأول الذي كان عليه الصحابة - رضي الله عنهم - و يستندوا على فهمهم في هذين الركنين ..، متنكبين عن سبل أهل الضلال التي ظهرت بعدهم ..،

    و هذا أمر لا يخالف فيه من يدعو إلى الأخذ بفهم السلف في هذا الموطن ..،

    و سؤالي : هل معنى فهم السلف الاعتماد على تفسير السلف للنصوص ، و الركون إلى فقههم و فهومهم دون تخطيها و الاقتصار عليها ...؟؟؟




    بل عندنا مسألة فيها دليل أوأدلَّة -من كتاب أوسنَّة- يحمل على وجهين أوأوجه، ولكلّ منها حظٌّ من النَّظر في الظَّاهر؛ فوجدنا السَّلف قد أطبقوا على أحد هذين الوجهين وإبطال الآخر؛ فلا شكَّ أنَّ أخذنا بفهمهم واجبٌ، وليست القضيَّة أنَّهم وافقوا الدليل أو خالفوه، بل لأنَّ فهمهم له هنا هو الصواب؛ لأنَّ لهم معرفة يفقدها أويضعف فيها من تأخر عنهم، كالعرف اللغوي والشَّرعي وسبب النزول والسياق ... الخ.


    هذا هو الإجماع عينه أخي الفاضل ...،

  13. #13

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    خير القرون قرني .....

    عليكم بسنتي .....
    طالب الحق يكفيه دليل وصاحب الهوى لا يكفيه ألف دليل
    الجاهل يتعلم وصاحب الهوى ليس لنا عليه سبيل

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    الدولة
    المملكة العربية السعودية - مدرس بدار الحديث بمكة
    المشاركات
    6,863

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحُميدي مشاهدة المشاركة
    للإمام الأشم ابن حزم - رحمه الله - في هذا الباب أقوال نفيسة يطول سوقها

    ولغيره أقوال يطول سوقها، وليس المقصود هنا هو مجرَّد النَّقل، بل النَّظر في تحرير الصواب من هذه النقول.

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحُميدي مشاهدة المشاركة
    وحتى الإخوة الذين تكلموا في مشاركتاهم تكلموا في أمور لم يتحققوها ، و نقلوا دون أن يعوا موطن التنازع

    هذه الدعوى سهلة الإطلاق، ولمنازعك أن يقول: أنك لم تعِ موطن النِّزاع وتكلَّمت في أمرٍ لم تتحقَّقه.. وننهي الحوار بسهولة، بادِّعاء كلِّ طرف على الآخر ما ليس بصوابٍ.
    وأنا لم أنقل حرفًا حتى يورد على كلامي مثل هذه التعبيرات السَّهلة..
    أمَّا مواضع النِّزاع فقد تقدَّم الكلام عليها سابقًا بالتَّفصيل في تعقيبي السَّابق.
    أمَّا قولك:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحُميدي مشاهدة المشاركة
    و سؤالي : هل معنى فهم السلف الاعتماد على تفسير السلف للنصوص ، و الركون إلى فقههم و فهومهم دون تخطيها و الاقتصار عليها ...؟؟؟
    الجواب المتقدِّم بالتَّفصيل كان على السؤال المطروح في تعقيب رقم 8 ..
    وهذا سؤال جديد.

    وأمَّا قولك:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحُميدي مشاهدة المشاركة
    فهذا هو الإجماع عينه أخي الفاضل ...،

    أين موضع النِّزاع الآن؟
    ليس النِّزاع في تسميته إجماعًا !
    ولكن.. إجماعٌ على ماذا؟
    هل على الأخذ بهذا القول؛ لأنَّه أيَّده دليلٌ أوبُنِي على دليل، أوعلى فهم هذا القول في هذا الدَّليل دون غيره من الأفهام؟!
    مدرّس بدار الحديث بمكة
    أرحب بكم في صفحتي في تويتر:
    adnansafa20@
    وفي صفحتي في الفيس بوك: اضغط على هذا الرابط: عدنان البخاري

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Aug 2008
    الدولة
    بلاد الحرمين
    المشاركات
    3,043

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    عبارة (فهم السلف) هي في الأساس عبارةٌ أتت مفهوم مخالفةٍ لأي فهمٍ آخر مخالف لفهمهم _ طبعا الصحيح السليم _.
    فلذلك قال أهل العلم: ولما كان أصل السنة التمسك بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح ونبذ بدع أهل الأهواء.

    طبعاً لماذا؟ أعتقد أن الجميع يعرف لماذا يؤخذ بفهم السلف دون سواهم.
    فسلف الأمة وأئمتها؛ _ وهم: أئمة العلم والدين من شيوخ العلم والعبادة _ في مقابلة سقط الأمة وحثالتها _ وهم أهل البدع والضلال والزيغ والفساد فيها _.

    فأين الخلل والخطر وعدم الإستيعاب لفهم الشرع ونصوصه بفهمهم رحمهم الله، في خضم هذه الأفكار والفهوم الباطلة المخذولة التي تبناها الشيطان وأعوانه؟!

    فإن قلت: مقتضى كلامك أننا في هذه الحالة فهمنا النص نفسه.
    قلت: نعم، لكن يحتاج النص للسان يبينه ويفهمه، ولا أصدق لسانا من لسان السلف لتوضيح ذلك وتفهيمه.
    حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه فالقوم أعداءٌ له وخصوم
    كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسداً وبغضاً إنه لذميم

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Sep 2007
    الدولة
    السعودية
    المشاركات
    3,215

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    بالمثال يتضح المقال
    كيف فهم الصحابة النصوص وكيف فهمها غيرهم
    مناظرة ابن عباس للخوارج
    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ، أما بعد
    أثناء الحرب التي دارت بين علي و معاوية ، خرج فريق كفّر عليا ومعاوية وجاءوا بأمور لم تكن معروفة من قبل ،
    وذهب ابن عباس إليهم ليوضح الحق ، ويكشف الشبهة وهي قصة مشهورة .
    قال ابن عباس : دخلت عليهم وهم قائلون ، فإذا هم مسهمة وجوههم من السهر ، قد أثّر السجود في جباههم ، كأن أيديهم ثفن الإبل ( ثفن الإبل : ما يقع على الأرض من الإبل كالركبتين ) ، عليهم قُمص مرحضة ( أي مغسولة ) ، فقالوا : ما جاء بك يا بن عباس ؟ وما هذه الحلة التي عليك ؟
    قال : قلت : ما تعيبون من ذلك ، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه أحسن ما يكون من الثياب اليمنية ، قال : ثم قرأت هذه الآية ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) .
    فقالوا : ما جاء بك ؟
    قال : جئتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس فيكم منهم أحد ، ومن عند ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليهم نُزّل القرآن ، وهم أعلم بتأويله ، جئت لأبلغكم عنهم وأبلغهم عنكم .
    فقال بعضهم : لا تخاصموا قريشا ، فإن الله يقول (( بل هم قوم خصمون )) .
    قال بعضهم : بلى فلنكلمنه ، قال : فكلمني منهم رجلان أو ثلاثة .
    قال : قلت : ماذا نقمتم عليه ؟
    قالوا : ثلاثا .
    فقلت : ما هنّ ؟
    فقالوا : حكّم الرجال في أمر الله ، وقال الله تعالى (( إن الحكم إلا لله )) .
    قال : هذه واحدة ، وماذا أيضا ؟
    قالوا : فإنه قاتَلَ ، فلم يسبِ ولم يغنم ، فلئن كانوا مؤمنين ما حلّ قتالهم ، ولئن كانوا كافرين ، لقد حلّ قتالهم وسبيهم .
    قال : قلت : وماذا أيضا ؟
    قالوا : ومحا نفسه من أمرة المؤمنين ، فإن لم يكن أمير المؤمنين ، فهو أمير الكافرين .
    قال : قلت : أرأيتم إن أتيتكم من كتاب الله وسنة رسوله بما ينقض قولكم هذا أترجعون ؟
    قالوا : وما لنا لا نرجع .
    قال : قلت : أما قولكم : حكّم الرجال في أمر الله ، فإن الله قال في كتابه (( يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم )) ، وقال في المرأة وزوجها (( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها )) ، فصيّر الله ذلك إلى حكم الرجال ، فناشدتكم الله ، أتعلمون حكم الرجال في دماء المسلمين وفي إصلاح ذات بينهم أفضل ، أو في أرنب ثمنه رُبع درهم ؟ وفي بُضع امرأة ؟
    قالوا : بلى ، هذا أفضل .
    قال : أخرجتم من هذه ؟
    قالوا : نعم .
    قال : أما قولكم : قاتل ولم يسبِ ولم يغنم . أتسْبونَ أمّكم عائشة ؟
    فإن قلتم : نسبيها ، فنستحلّ ما نستحلّ من غيرها فقد كفرتم ، وإن قلتم : ليست بأمّنا فقد كفرتم ، فأنتم ترددون بين ضلالتين ، أخرجتم من هذه ؟
    قالوا : بلى .
    قال : أما قولكم : محا نفسه من إمرة المسلمين . فأن آتيكم بمن ترضون ، إن نبي الله يوم الحديبية حين صالح أبا سفيان وسهيل بن عمرو ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اكتب يا علي : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله )) فقال أبو سفيان وسهيل بن عمرو : ما نعلم إنك رسول الله ولو نعلم إنك رسول الله ما قاتلناك .
    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( اللهم إنك تعلم أني رسولك ، يا علي اكتب : هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وأبو سفيان وسهيل بن عمرو )) .
    لقد كان ابن عباس بحرا زخّارا ، كشف الشبهة ودحضها ، وأتى بالأدلة البينة من الكتاب والسنة ، ولقد أثمرت جهوده فرجع منهم عن باطلهم ألفان .
    وما أحوج المسلمين اليوم إلى علماء أمثال ابن عباس ،
    كي يقارعوا أهل الباطل ويكشفوا عن شبهاتهم ، ويوضحوا الطريق الحق ، وفي الأمة بقية خير ، والله غالب على أمره .
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
    قال الامام المنذري رحمه الله :
    وناسخ العلم النافع :
    له أجره وأجر من قرأه أو كتبه أو عمل به ما بقي خطه ،
    وناسخ ما فيه إثم :
    عليه وزره ووزر ما عمل به ما بقي خطه .

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    الحمد لله وحده ..
    هذا تعقيب فيه فوائد لعلها تتعلق بمجرى الحوار، فيه مناقشة لاستدلالات ابن حزم رحمه الله في كتابه الإحكام في "فصل فيمن قال: ما لا يعرف فيه خلاف فهو إجماع، وبسط الكلام فيما هو إجماع" .. جاء في سياق مشاركة هذا رابطها:
    http://majles.alukah.net/showpost.ph...41&postcount=8
    فرأيت سوقه إليكم سائلا الله عز وجل أن يكشف به الحق، وأن يلهم الإخوة الصبر على قراءته على طوله..

    ان أول ما يؤخذ على كلام الامام رحمه الله أنه يجعل انكاره على الواحد من الأئمة وأهل العلم في عصر من العصور ادعاءه الاجماع بناءا على قوله عن نفسه "لا أعلم فيه خلافا" مسوغا للانكار كذلك على قوله "لا يُعلم فيه مخالف"، فضلا عن ورود ذلك القول عن غيره من الأئمة المعاصرين له المماصرين أو غير المماصرين له وتراكم ذلك عند من جاءوا بعده، فضلا عن عدم ورود أي نص بقول مخالف بداية من ذلك القرن ووصولا الى الصدر الأول.. فهو بذلك يسوي في النكير بين صورتين لا تستويان!
    فنحن نوافقه على البطلان العقلي لجعل مجرد خروج إمام أو عالم ليقول لا أعلم فيه مخالفا = دليلا على وجود الإجماع القاطع للنزاع! فقد يأتينا من طرق أخرى أقوال لبعض الصحابة والتابعين تخالف ما ذهب إليه وعده هو أو أتباعه إجماعا! فغلو أتباع الأئمة في اتباعهم إياهم، بدعواهم الإجماع على مثل هذه المقولة من أئمتهم، حتى وإن لزم من ذلك إنكار ما قد يأتيهم من أقوال مخالفة من ذات العصر أو مما قبله، ومن ذات الطبقة أو مِن طبقة أعلى منها، هذا منكر نكرهه ولا شك، ولا نرى كلاما أقوى في إبطاله من هذا الذي سطره ابن حزم رحمه الله في هذا الفصل .. فمجرد بلوغ القول لمسامع الفقيه، وثبوته عمن هو منسوب إليه ممن يناظرونه أو ممن هم أعلى منه، هذا يجب أن يكفي لإبطال دعوى الاجماع عنده! أما أن يقال وما يدريكم لعل هناك من خالف، اعتراضا بذلك على قولنا بأنه بعد استقراء أقوال الصحابة الواردة عنهم وأقوال فقهاء الأمصار وغيرهم المتراكمة عبر القرون الفاضلة وما بعدها، تبين لنا بأنه "لا يُعلم في المسألة مخالف"، وبالتالي اعتُبر أنه "إجماع"، فهذا كلام ينقض عصمة إجماع الأمة من الضلالة، وهو باب لو فتح لانجر معه فساد الدين كله!! ولأمكن لكل صاحب بدعة أن يحتج به ويقول: وما يدريكم لعل هناك من الصحابة من قال بمثل قولي هذا وغفلتم كلكم عنه أو مات وقوله معه ولم يبلغه للناس!!
    ونقول نعم، لعل هناك من خالف .. ولكن نحن لم نكلف بما لا نطيق، فان جاءنا نص وثبت، فهو طلبتنا، وعليه يتغير نظرنا، ولكن إن لم يأتنا، وقد أفرغنا الوسع في استقراء الأقوال والأدلة والنصوص والمذاهب التي تراكمت عبر قرون من قول أئمة صنعة العلم في الأمة وعملهم، أفيسوغ لنا بعد كل هذا أن نستحدث قولا جديدا خارجا عن كل ما اجتمع لدينا ونقول لعله قال بمثله بعض الصحابة ولم يبلغنا (مع أنه لم يبلغنا حقيقة أي أثر بمثل ذلك)؟؟ هذا رجم بالغيب! وخرق لما جرى عليه عمل الأمصار عبر الأعصار بلا دليل إلا اتباع الظن والافتراض!!
    فحتى وإن افترضنا أنه قد ألهم الله واحدا من مجتهدي الصحابة بمثل هذا القول الذي اهتديت أنت إليه، ولكنه مات ولم ينتشر قوله ذاك ولم يتناقله الناس عنه، ألا يكفي هذا ليكون قرينة واضحة على أن الحق لم يكن فيه؟ بل هو دليل معتبر على هذا المعنى..
    وإلا فكيف خلت منه كتب الأولين والآخرين ولم يبلغ الخبر به أحدا من فقهاء الأمصار عبر القرون، على توافر الدواعي وشدة العناية والقرب من مورد العلم والنص وما يلزم لضبط الفهم فيه من علوم، إلا أن يكون ذلك القول قولا ذاهبا قد كتب الله له الفناء، وكان الحق في خلافه، لعموم الأدلة الدالة على أن الأمة لا تتفق على ضلالة لا سيما خير القرون فيها؟
    سبحان الله، حتى تلك القرون التي طغى فيها التقليد، لو تأملها رجل عميق النظر والفهم لوجد أنها والله كان فيها خير للأمة من وجه قد يغفل عنه الكثيرون.. نعم! ليس في كون أكثر الناس فيها مقلدين، فالتقليد شر ولا شك، ولكن في سهولة إثبات أن هذه الأقوال التي اجتمعت بين أيدي الفقهاء من لدن الصحابة والتابعين وحتى عصر الأئمة المتبوعين، قد شاعت وذاعت في جميع بلاد المسلمين حتى استحكمت ولم يكد يظهر في مصر من الأمصار من يخالفها أو يخرج عليها، وأنها قد جرى عمل الأمة بها قرونا طويلة دونما التفات لمن يخرج عليها! فما بال هذه القرون من الأمة التي هلكت على تقليد تلك الأقوال دون غيرها، أماتوا على ضلالة والحق خارج عما كان بين أيديهم جميعا؟؟ كلا ولا ريب، وإلا لكذبنا الوحي ولأفسدنا الجماعة!!
    فلهذا نقول أنه لا يسوغ لنا خرم ما اتفق عليه أئمة الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة (أئمة خير القرون).. وتأمل: أئمة الصحابة، لا عامتهم، فهؤلاء القلة منهم الذين نقلت إلينا فتاواهم وأقوالهم لا نقول بأنه لم تنقل فتياهم هم دون غيرهم بسبب كون غيرهم قد ضاعت فتاواهم كما يفهم من كلام ابن حزم رحمه الله، ولا لأسباب سياسية مثلا كما يدعي الروافض الأنجاس، وإنما لأن هؤلاء المنقول عنهم كانوا أئمة علماء أهلا للفتيا والنظر، مقدمين على غيرهم من الصحابة في ذلك، كما يكون في سائر الأعصار وفي سائر طبقات الأمة من عامة وخاصة، وفي كل صنعة من صناعات البشر! فهؤلاء الخاصة هم الذين بهم الاعتبار في الاجماع والاتفاق وخلافه، ولهذا كان عمر رضي الله عنه إذا ما حزبه أمر جمع له أهل بدر – وهم أهل علم ونظر – واستفتاهم، فما اتفقوا عليه عده إجماعا وقضى به، مع أنه يعلم ولا شك بأنه ربما كان هناك صحابي آخر في بلد آخر عنده قول مخالف لهذا .. ولكنه رضي الله عنه لم يتكلف ما لا يطيق، ولم يبطل الاحتجاج بقول الجماعة لمجرد احتمال – لا يخفى مثله على مثله – أن يكون هناك من يخالفون ذلك المذهب من الصحابة في المشرق أو في المغرب! ولم يبعث في طلب سائر الصحابة من جميع أقطار الأرض ليتحقق من صحة ما عدوه اتفاقا وإجماعا!! وهو لم يزل رضي الله عنه وقافا على الحق، فكلما بلغه قول من أحدهم يرفعه إلى النبي عليه السلام، تراجع عما معه من خلافه وعمل بذلك القول، وهكذا مضى حالهم رضي الله عنهم، حتى اجتمعت السنة من طرقهم الكثيرة في حجور تابعيهم وفي صدورهم وقراطيسهم، ومن تابعيهم إلى تابعيهم وهكذا، لا يشذ عنها شاذ إلا علموا شذوذه وأنكروه، وإن خفي ذلك على أحدهم علمه غيره منهم، فلا يخرج الحق عن مجموعهم، وهكذا ..
    والواقع والحس يشهدان بأن من ظهر عليه العلم والتحديث من الصحابة والتابعين فإن الناس تتوافد عليه طلبا لذلك منه، والأسباب والدواعي تتوافر عندهم وبشدة كما لم يكن في قرن من قرون المسلمين بعدهم، لاحتمال العلم والحديث عن هذا البارز المبرز منهم وتناقل الخبر به، فإن خفي كلامه في عصر من الأعصار فإنه ولا شك سيظهر في عصر لاحق.. لا سيما وهي قرون فاضلة لا شغل للناس فيها بشيء كشغلهم بالقرءان والحديث وطلب العلم وجمع مسائل الدين وتتبع مصادرها، وقد كانت سيرتهم فيما احتملوا من المشاق في سبيل ذلك مما تتصاغر إليها قمم الجبال وتنكسر دونها رقاب الرجال!
    فالداعي للنقل ولفشو الخبر بالقول داع قوي شديد القوة، ما دام القائل به ممن يعتد ويعتبر بقوله فيهم، حتى وإن دعت ضرورة إلى إخفائه في قرن من القرون لمثل ما ضرب ابن حزم به المثل في هذا الفصل من آثار، فحتى لو وقع ذلك، أفيبقى القول خافيا في بقية القرون الفاضلة جميعا حتى مع زوال الداعي لذلك الإخفاء؟؟! كلا والله لا يكون هذا، ولو كان لما بلغنا نحن اليوم الخبر بتلك الأقوال المخالفة بتلك الأسانيد التي ساقها الإمام رحمه الله نفسه ليحتج بها على بطلان دعوى الإجماع في تلك المسائل بعينها! وكيف يبقى على دعوى الإجماع فيها من وصلت إليه تلك الأخبار التي ساقها الإمام هنا إلا معاند مماحك؟؟ فالحجة ولله الحمد مقلوبة عليه في ذلك!
    القول المندثر لا يكون هو الحق في مسألة من المسائل أبدا عظمت أو صغرت والإ بطل بذلك كل نص يثبت أن الأمة لا تجتمع على ضلالة!

    إن الإجماع الذي به تقوم الحجة على العباد، ليس إجماع سائر من بلغ رتبة الاجتهاد من المسلمين - من الصحابة أو غيرهم في غير عصرهم - فهذا لا يتصور في البشر القدرة على استقرائه ومعرفته أصلا!! من ذا الذي يملك أن يسأل كل صحابي من صحابة النبي عليه السلام عن رأيه في مسألة بعينها مما نقل إلينا إجماع الصحابة فيه، حتى يجزم بيقين بأن الصحابة ليس منهم من خالف ذلك الإجماع؟؟ هذا مستحيل! فإذا علم ذلك، تبين أن الإجماع الذي به تكليفنا، إنما هو في الحقيقة ما قام على أصل صحيح، واتفق أئمة العلم المجمع على إمامتهم فيه (من الصحابة والتابعين) على قبوله ورد ما يخالفه، ولم يظهر في الأمة - فيما يسعنا كمكلفين العلم به ومعرفته - مجتهدٌ منهم يخالفه!
    علماء الأمة
    ومجتهدوها في جميع العصور مكلفون في اجتهادهم بما يسعهم، لا بما يفوق مقدرتهم أو تصورهم! فيا ليتنا نفهم هذا المعنى! ينبغي أن نفهم أن كل دعوى إجماع تأتينا من إمام عالم، وتكون موافقة للنصوص والأصول ولا نعلم لها - بعد البحث في المنقول عن الأئمة المعتبر بخلافهم - خارما معتبرا، فهي معتبرة صحيحة، لأنه لا يتصور في الإجماع أكثر من هذا: قول لا يعلم علماء الأمة، أئمة الصناعة المجمع على إمامتهم فيها، من خالفه من أهل النظر المعتبر بكلامهم في العلم!
    لهذا فإننا نقول بأن هذا القول المندثر الذي لم يصل إلينا من أي طريق قط، فهو قول ساقط ولابد، إذ لم يجتمع على توارثه والعمل به جماعة من علماء المسلمين في عصر من الأعصار ولم ينتشر به الخبر على توافر الداعي عبر أجيال الأمة لنقله ومدارسته! فخفاء القول عن علماء الأمة المتقدمين وتخلفه عن خرق اتفاق القرون الأولى وما تلاها ومن نقل عنها: دليل ظاهر على بطلانه! ولا حجة في واحد من الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم، فلا يعنينا أن مات من الصحابة واحد له رأي مخالف لسائر ما بلغنا اجتماع الناس عليه من أقوال ولم يبلغنا قوله هذا! فلو كان هو الحق لبلغنا أن من الأئمة أو العلماء من قال به وعمل به، ولكان من جملة الأقوال التي اجتهدت قرون وأجيال من العلماء في جمعها ومقارنتها وموازنتها والترجيح فيما بينها.. ولكن لم يكن!

    أما أن يفنى جميع الصحابة ومن تبعوهم ومن تبعوا أتباعهم، ولا ينقل عنهم إلا جمع من الأقوال معلوم مستقر في بلاد المسلمين، ثم يأتي بعدُ من يقول بقول ويدعي أنه ربما كان له فيه سلف منهم، فنعم ربما كان له سلف، ولكنه كان ولابد سلفا لا يعتد الناس بخلافه لقلة علمه، وإن كان صحابيا، أو كان إماما فيهم ولكن كان قوله هذا شاذا مردودا عليه لذا لم ينتشر في أقرانه من العلماء في زمانه ولم يعتنِ الطلاب من التابعين وتابعيهم به، إذ لم يكتب الله له البقاء في الأرض كغيره من الأقوال..

    ومن هنا يتبين أن قولنا بالاجماع على التقيد بجملة ما بين أيدينا من منقول الأقوال في القرون الفاضلة وعدم الاعتداد بما يخرج عنها، هذا قول حق موافق لما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم .. فإن ثبت لنا بأثر صحيح السند انخرام ما كنا من قبل نعده إجماعا، فلن نكابر كما يكابر المقلدة الذين ينكر عليهم ابن حزم هنا، وهكذا أيضا كان نهج علماء الصحابة رضي الله عنهم وفقههم: ايتونا بخارم معتبر بالدليل ممن نعتبر بخلافهم لما عددناه إجماعا (إذ اتفق عليه القوم وجرى عليه في المنقول إلينا عمل الجماعة) = نقر لكم حينئذ ونذعن بأنه ليس بإجماع.. وإلا فما أسهل الكلام في الدين وما أهونه إذا!!!
    الإجماع لا يجتمع للأمة إلا على ما وسع جماهير أهل النظر فيها معرفته من الأقوال في كل مسألة.. فهذا ما يجري عليه العمل حتى يثبت - إن ثبت - أنه ليس بإجماع! هو اتفاق، يغلب الظن على أنه لم يكن هناك قول خارج عنه، فهذا تكليفنا، ألا نخرج عنه، إن كان قولا واحدا لزمنا المصير إليه، وإن كانت عدة أقوال لم نخرج عن مجموعها، لا تقليدا وإنما اجتهادا في حدودها، على اعتقاد بأن الحق لن يخرج عن جملة تلك الأقوال .. فإن أدى بنا اجتهادنا إلى قول خارج عنها جميعا، ولم نسمع به سلفا من قبل عبر قرون الأمة الطويلة، اتهمنا فهمنا، وعلمنا أنه قول ساقط باطل وأننا قد أخطأنا فيه وإن رأيناه صحيحا، وسنجد من يثبت لنا بطلان استدلالنا الذي أدى بنا إليه إن أخلصنا وتأنينا في البحث والنظر لا محالة، لماذا؟ لأنه لا تزال طائفة من الأمة ظاهرين على الحق إلى يوم الدين، وغفلة القرون والأمصار عن هذا القول الجديد وعن العمل به هذه حجة تكفي لإسقاطه!
    فلا يكون لنا حجة إذا في قولنا "لعله قال به أحد قبلي"! نعم لعله، ولكن لو كان هو الصواب لما اندثر، وإن قال به إمام من أئمة الصحابة.. ولما خلت منه قرون المسلمين! فكيف اهتديت أنت يا متأخر يا مسكين إلى ما غفلت عنه قرون الأمة الفاضلة واحتجب عن جماهير علمائها؟؟
    لو كان القول حقا لقيض الله من ينشره في المسلمين ليكون له اعتبار بين أقوالهم المعمول بها في أمصارهم.. أما أن يخفى ويشذ ويندثر فلا!
    ألا ترى أن الله قد جبل الناس على عناية أهل كل صنعة بالصالح والمعتبر من الأقوال فيها وإهمال الشاذ والساقط منها؟ ألا ترى أننا نستبعد أن يقال بأن أهل صنعة من صنائع الدنيا أيا كانت، لما اختلفوا في مسألة من المسائل، وتوفرت لهم في زمانهم سائر الدواعي المعينة على معرفة الحق فيها وسائر المعارف اللازمة لذلك جاز أن تمر عليهم القرون الطويلة دون أن يهتدي أحد منهم إلى هذا القول الجديد؟ هذا مستبعد في صنائع مادتها علوم الدنيا التي تزيد بمر الزمان تراكما ولا تنقص.. فكيف إذا كانت مادة تلك الصنعة، مادة البحث والنظر فيها تنقص ولا تزيد ؟؟ فهي كلام نظري وتطبيق عملي لم يحظ بسماعه ولا برؤية تطبيقه الأول إلا هذا الجيل الأول من العالمِين به المختصين بأمره، ولا يعقل أن يتوفر لمن يأتي من بعدهم مثل ما توفر لهم من دواعي معرفة الحق فيه لبعد العهد وتناقص الطرق المؤدية إلى تلك المشكاة، فهل يتصور أن يأتي من بعد تلك القرون، - وهم من هم في الحرص على معرفة الحق وتحقيق الخلاف في الفتيا والمسائل وجمع الأقوال فيها عن أئمة تلك المشكاة - من يهتدي إلى ما لم ينقله أهل الصنعة عن هؤلاء ولم يعرف بينهم قطّ؟؟
    نعم قد يكون لك سلف بمثل هذا، ولكنه سلف ساقط غير ذي بال ولا شأن، ولو كان ذا بال وشأن لاعتنى أئمة القرون الفاضلة بقوله ولاعتدوا بخلافه ولأظهره الله! رأس الهرم في هذه الصنعة هناك، من قِبَلِ الأوائل السالفين لا من جهتنا نحن، فتأملوا يا أولي الألباب!!
    فليكن أن القول هذا قد اهتدى إليه أحد الناس في القرون الفاضلة ولم يبلغنا، فكان ماذا؟ كان هذا دليلا على وهائه أصلا وبطلانه وعدم اعتباره هو وصاحبه!! فالأمة لا تجتمع على ضلالة في جميع أعصارها فكيف بخير القرون وأعلمها وأقربها إلى المشكاة؟؟
    ولا يعنينا إذن أن كان قد ذهب إليه فقيه من فقهاء الإنس أو الجن ولم يبلغنا، فالعبرة بما عليه الجماعة: ما بلغنا منه وصح ثبوته، بعد إفراغ الوسع في تحريه .. وهذا هو الذي لزم ألا يخرج الحق عنه، أما استبطان أقوال من شذ من فقهاء الإنس والجن، انتصارا لنقض ما جرى عليه عمل الأمة، فلا نقبله من ابن حزم ولا من غيره، رحمة الله على الجميع!!

    والواقع أن في قوله هنا حجة عليه إذ يقول: "ثم انقضى عصر الصحابة رضي الله عنهم وأتى عصر التابعين فملؤوا الأرض بلاد خراسان وهي مدن عظيمة كثيرة وقرى لا يحصيها إلا خالقها عز وجل وكابل وفارس وأصبهان والأهواز والجبال وكرمان وسجستان ومكران والسودان والعراق والموصل والجزيرة وديار ربيعة وأرمينية وأذربيجان والحجاز واليمن والشام ومصر والجزائر وإفريقية وبلاد البربر وأرض الأندلس ليس فيها قرية كبيرة إلا وفيها من يفتي ولا فيها مدينة إلا وفيها مفتون فمن الجاهل القليل الحياء المدعي إحصاء أقوال كل مفتي في جميع هذه البلاد مذ أفتوا إلى أن ماتوا إن كل واحد يعلم ضرورة أنه كذاب افك ضعيف الدين قليل الحياء"

    قلت مهلا يا إمام، عفا الله عنك .. ليس بالسباب والرجم والتنقص من دين المخالف تقوم الحجة! من الذي ادعى أنه لم يكن هناك مخالفٌ قط في تلك الأمصار فيما يفتي به الناس؟؟ ليس كذلك! بل إن هذه الكثرة الوافرة لأهل العلم لمدعاة واضحة والله لخلاف ما تدعيه لأنه لو وجد قول مخالف له اعتبار وحظ من النظر لتلقته تلك الجماعة بالقبول ولانتشر في المسلمين ولتوارثته العصور التالية لعصره منقولا عن السالفين به!! ويكفي أن يدعي أحدهم أن هناك إجماعا على كذا، وينشر ذلك الزعم – حتى ولو كان انتشاره يحتاج إلى أكثر من قرن من الزمان فهو واقع لا محالة والحال كما تذكر – حتى يخرج من بلغه علم ناقض لذلك الإجماع المزعوم بسند عنده فينقضه ويكذبه، بل ويؤلف وينافح في الرد عليه ويدرس ذلك لتلامذته من بعده!!
    فلو كان القول المخالف حقا لوجد من ينافح عنه بين هؤلاء الجبال الشوامخ الكثيرين في زمان التابعين ومن تبعهم ومن تتلمذ عليهم، ولبقي في الأرض له أثر ولا شك!
    أما أن يندثر على هذا النحو ولا يبقى له ذكر، ثم يقال لعل أحدهم قال به وأفتى به في قريته ولم يتناقله الناس، فلا يمتنع أن يكون الحق فيه وأن ينتقض به الإجماع، فما رأينا أضعف من هذا ولا أوهن احتجاجا والله!!!
    هذا الذي يحتج به الإمام والله لهو أظهر على عظم الداعي لتناقل الفتاوى والأقوال على اختلافها ونشرها وطيرانها في الآفاق والأمصار بين حملة تلك العلوم، وليس على ضد ذلك!!! فرحمه الله وعفا عنه.

    يجب أن نميز بين دعوى وقوع الإجماع حقيقة بإطلاق على جميع من هم أهل للنظر في الأمة بلا مخالف، وبين دعوى عدم العلم بالمخالف.. فكل مجتهد مكلف بما انتهى إليه علمه، وإن كان قاصرا في ذلك عن إحصاء بعض أفراد الأدلة وآحادها، فنحن بشر على أي حال ولم نكلف إلا بما في وسعنا! وكل من ادعى وجود إجماع على مسألة بعينها وبلغنا مع ذلك خلاف معتبر فيها، فدعوى الإجماع مردودة عليه، كائنا من كان، ولا إشكال! فلا تأثير لتلك الحرب الضروس التي شنها الإمام رحمه الله على الذين يدعون العلم بامتناع وجود المخالف مطلقا في أي مكان في الأرض! فهي دعوى لا يقول بها عاقل أصلا وليست هي ما ينطلق منه مخالفوه!

    وأما قوله رحمه الله: " فإن قالوا إنما يقول المرء هذا إجماع عندي فقط قلنا قوله هذا كلا قول لأن الإجماع عنده إذا لم يكن إجماعا عند غيره فمن الباطل أن يكون الشيء مجمعا عليه عند غير مجمع عليه معا وأيضا فإن قوله هذا إجماع عندي باطل لأنه منهي عن القطع بظنه"

    فهذا تناقض من الإمام رحمه الله، لأن قول القائل "عندي" = دليل على بنائه كلامه على ظنه هو واجتهاده، لا على القطع!! ونحن مكلفون باتباع غلبة الظن ولا إشكال في ذلك! هذا هو ما انتهى إليه اجتهاده فكان الحق عنده، فلو ألزمناه بأن قوله "عنده" يلزم منه القطع واتباع الظن، لهدمنا باب الاجتهاد كله من أوله إلى آخره!!

    وكل ما ساقه بعد ذلك في الفصل من ذكر لأقوال للصحابة خالفوا فيها ما اجتمع عليه غيرهم هو احتجاج في غير محجة، لأننا نوافقه على أن وصول ذلك القول المخالف إلينا بسند صحيح فيه دلاله على أنه لم ينعقد الإجماع ابتداءا، ولولا توفر الداعي الحامل على نقل قول هذا المخالف لما نُقل، ولما كان سائغا لمن جاء من بعده أن يخالف هو الآخر موافقة لهذا القول!
    فالضابط في النهاية يبقى هو جملة ما وصل إلينا واجتمع بين أيدينا، وقامت به الحجة، لا ما هو موجود في الحقيقة ولا ما افترضناه من إمكان كذا وإمكان كذا وغفلة قرون الأمة عنه!!

    إلى أن قال: "وأما تنظيركم بأهل مذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة والبلاد التي ظهر فيها وغلب عليها قول ما فهذا أعظم حجة عليكم لأنه لا يختلف اثنان أن جمهور القائلين بمذهب رجل ممن ذكرتم لم يخلو قط من خلاف لصاحبهم في المسألة والمسألتين والمسائل وكذلك لم تخل قط البلاد المذكورة من مخالف لمذهب أهلها ولا أكثر من غلبة مذهب مالك على الأندلس وإفريقية وقد كان طوائف علماء مخالفون له جملة قائلون بالحديث أو بمذهب الظاهر أو مذهب الشافعي وهذا أمر مشاهد في كل وقت ولا أكثر من غلبة الإسلام على البلاد التي غلب عليها ولله الحمد وإن فيها مع ذلك يهود ونصارى وملحدين كثيرا جدا فظهر فساد تنظيرهم عيانا وعاد ما موهوا به مبطلا لدعواهم وثبت بهذا حتى لو انتشر القول وعرفه جميع العلماء وإن في الممكن أن يخالفه جمهورهم أو بعضهم ...."

    قلنا وحينئذ ينظر في القول المخالف لو كان مستندا على نظر في الدليل، وكان له سلف في القرون الفاضلة، (والقرون الفاضلة يدخل فيها الأئمة الأربعة كما هو معلوم) كان قولا مقبولا، يسوغ الخلاف به، ولكن ما خرج عن تلك الصفة، عددناه من الشذوذ عن جملة ما اتفقت عليه جماعة القرون الفاضلة .. أما من ادعى أن هناك إجماعا على قول تمذهب هو به من أقوال بعض الأئمة أيا ما كان واقع الحال وطبيعة خلاف من يخالفونه في ذلك القول ومستنداتهم، وحتى مع وجود من وصل إلينا النقل بخلاف قوله ممن يعتبر بخلافهم، فهذا زعمه ساقط منه لا التفات إليه ولا شك!!
    وأما هل يعذر صاحب هذه الدعوى بدعواه تلك أم لا، فنقول لو أنه علم - دونما تفريط منه في البحث والنظر - بأن هناك مخالف لقوله وأصر على دعوى الإجماع فيه فإنه يلام على ذلك ويرد عليه قوله، وإلا فهو مجتهد من أهل الأجر الواحد، ونحن نحسن الظن بأئمة المسلمين جميعا، وهذا منهجنا الذي ندين الله به ولله الحمد والمنة..
    انتهى.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    518

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    ولغيره أقوال يطول سوقها، وليس المقصود هنا هو مجرَّد النَّقل، بل النَّظر في تحرير الصواب من هذه النقول.


    ألا أريتني بعضا من هذه النقولات ..،أم أن لذكر الإمام الأشم في هذا الموطن شأن ...،




    هذه الدعوى سهلة الإطلاق، ولمنازعك أن يقول: أنك لم تعِ موطن النِّزاع وتكلَّمت في أمرٍ لم تتحقَّقه.. وننهي الحوار بسهولة، بادِّعاء كلِّ طرف على الآخر ما ليس بصوابٍ.
    وأنا لم أنقل حرفًا حتى يورد على كلامي مثل هذه التعبيرات السَّهلة..
    لا ليست دعوى بل كلام محقق ..، و أنا لم أقصدك أنت فقط بل انت و غيرك ..، و ما قلتُه يظهر بأدنى تمعن ..،وليس كلامي من الإطلاقات السهلة ..، لأنك انتَ و غيرك ممن فاه في المسألة ..، لم يحدد الموطن الذي يؤخذ فيه بفهم السلف ..، بل رأيتكم بين مشرق و مغرب ..، فذا يتكلم في العقيدة و آخر في غيرها ..، و هذا خبط يجب أن يضبط ..،




    أمَّا مواضع النِّزاع فقد تقدَّم الكلام عليها سابقًا بالتَّفصيل في تعقيبي السَّابق.
    أمَّا قولك:

    الجواب المتقدِّم بالتَّفصيل كان على السؤال المطروح في تعقيب رقم 8 ..
    وهذا سؤال جديد.
    نعم سؤال جديد ..، ولكنه بيت القصيد في المسألة ..، و لم أر من اجاب عنه و لا حام حوله ..،



    أين موضع النِّزاع الآن؟
    ليس النِّزاع في تسميته إجماعًا !
    ولكن.. إجماعٌ على ماذا؟
    هل على الأخذ بهذا القول؛ لأنَّه أيَّده دليلٌ أوبُنِي على دليل، أوعلى فهم هذا القول في هذا الدَّليل دون غيره من الأفهام؟!
    سبق لي ان قلت لك أن هذا من صور الإجماع ..،و لعلك لم تحرر صور الإجماع بعد ..،لهذا أدخلت صور الإجماع في ( فهم السلف)..،

    و هذه الصورة من الأخذ بفهم السلف ، يتفق في الأخذ بها السلفي و الحنبلي و الشافعي الأشعري و الحنفي الماتريدي و.و.،

    وهذا مقرر عندهم في كتب ( أصول الفقه) لمن طالعها، و هو متى حمل السلف نصا شرعيا على محمل دون خلاف بينهم ، كان هذا إجماعا تقوم به الحجة ..،


    و قبل الخوض في هذه المسألة ..،يجب تحديد المحل الذي يؤخذ به بفهم السلف..، ثم نرى دليله على تحديده ..،

    و أما عن سؤالي فلا زلت أنتظر مجيبا مصيبا ..؟؟؟

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Dec 2007
    المشاركات
    518

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    أخي الفاضل أبو الفداء كلامك فيه من المغالطات و الجهالات الشيء الكثر ..، و هو يدل دلالة واضحة على أنك لم تفهم أصول الإمام الأشم ..، و هو يحتاج إلة غربلة و لعلي أتفرغ لذلك ..، و إن شئت وضعت موضوعا على الألوكة لبيان ذلك بالحجج ..، بشرط عدم حذفه كما هي عادتكم الموقرة..،

    انتظر الموافقة ..،

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Jan 2008
    المشاركات
    3,278

    افتراضي رد: ما المقصود بقولهم : فهم سلف الأمة؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحُميدي مشاهدة المشاركة
    أخي الفاضل أبو الفداء كلامك فيه من المغالطات و الجهالات الشيء الكثر ..، و هو يدل دلالة واضحة على أنك لم تفهم أصول الإمام الأشم ..، و هو يحتاج إلة غربلة و لعلي أتفرغ لذلك ..، و إن شئت وضعت موضوعا على الألوكة لبيان ذلك بالحجج ..، بشرط عدم حذفه كما هي عادتكم الموقرة..،

    انتظر الموافقة ..،
    بارك الله فيك .. لا أقبل منك دعواك أن الكلام فيه جهالات ومغالطات إلا بالبينة والدليل .. ولا أوافق على فتح موضوع مستقل لهذه "الغربلة"!
    فتفضل في هذه الصفحة - بارك الله فيك - بالمناقشة و"الغربلة"، ولن نحذف لك شيئا من ذلك ما التزمت بشروط الكتابة العلمية المنضبطة ، وفقك الله.
    أبو الفداء ابن مسعود
    غفر الله له ولوالديه

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •