إحساس الميت بالزائرين
، هذه المسألة كما سيأتينا بها نصوص صريحة صحيحة ومع ذلك ترى في هذا الحين من يرفع صوته بلا حياء من رب العالمين ولا توقير لأئمة المسلمين فيرى بالابتداع والبدعة من قال الأموات يسمعون وأن الأموات يعلمون بحال الزائرين ويستبشرون بهم ويستأنسون وهذا الأمر إخوتي الكرام أمر غيبي لا دخل فيه لأي عقلٍ بشري والإنسان إذا أراد أن يتلكم في هذه القضية فإن كان مهتديا ينبغي أن يحتكم إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقد قرر نبينا عليه الصلاة والسلام سماع الأموات وعلمهم بمن يزورهم وفرحهم واستبشارهم بالزائرين في أحاديثه الكثيرة الصحيحة الوفيرة ، صرح نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الأموات يسمعون وأخبرنا أن سماعهم أعظم وأدق من سماع الأحياء ووردت النصوص الصحيحة عن خاتم الأنبياء وعليه صلوات الله وسلامه ففي مسند الإمام أحمد والصحيحين وسنن النسائي من رواية أنس ابن مالك رضي الله عنه ، والحديث رواه البخاري من رواية أنس عن أبي طلحة ، ورواه الإمام أحمد ومسلم في صحيحه والنسائي في سننه من رواية أنس عن عمر ابن الخطاب ، ورواه الشيخان في صحيحيهما من رواية عبد الله بن عمر ، ورواه الإمام أحمد في المسند بسندٍ رجاله ثقات عن أمنا الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله أمنا عائشة على نبينا وعليها وعلى سائر آل نبينا وصحبه صلوات الله وسلامه ، ولفظ الحديث من رواية هؤلاء الصحابة الخمسة الكرام أنس وأبي طلحة وعمر وعبد الله ابن عمر وأمنا عائشة رضي الله عنهم أجمعين أن النبي بعد أن انتهى من موقعة بدرٍ أقام ثلاثاً
أنى يسمعوا وكيف يجيبوا فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يجيبون
وتوجه إلى القتلى فوقف عليهم وقد قتل سبعون من المشركين في أول موقعة حكم الله بها وفيها بين الموحدين والكافرين فوقف عليهم وهو على ناقته المباركة على نبينا صلوات الله وسلامه فقال يا أبا جهل ابن هشام يا أمية ابن خلف يا عتبة ابن ربيعة يا شيبة ابن ربيعة هل وجدتم وما وعد ربكم حقاً فإني وجدت ما وعدني ربي حقاً فقال سيدنا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه يا رسول الله تخاطب أقواماً قد جيفوا فقال النبي عليه الصلاة والسلام ما أنتم بأسمع لما أقول منهم غير أنهم لا يجيبون
يقول شيخ الإسلام النووي في شرحه على مسلم قال بعض الناس الميت يسمع عملا بظاهر الحديث ثم أنكره المازري وقال هذا الحديث خاص في هؤلاء ورد عليه القاضي عياض وقال يحمل سماعهم على مايحمل عليه سماع الموتى وقال النووي هذا المختار الذي يقتضيه أحاديث السلام على القبور
وقد بوب الإمام البخاري على هذا في كتاب ( الجنائز ) فقال ( باب الميت يسمع خفق النعال ) ،ثم ذكر الحديث( فإذا تولى عنه أصحابه أتاه ملكان منكر ونكير فيقعدانه ويقولان له ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم.......)
وقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يأمرهم إذا دخلوا المقابر ان يقولوا (سلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ) إذاً الزائر زائر والميت مزور ، قال شيخ الإسلام الإمام ابن القيم في كتابه( الروح )في أول الكتاب يقول وهذا اللفظ يعني الزيارة والزائر زائر والميت مزور يقول لا يقال إلا إذا علم المزور بزيارة الحي وسمع صوته شعر به واستأنس به ، لا يصح غير هذا البته في جميع لغات الأمم ، فلا يسمى الإنسان زائر لمن يزوره إلا إذا علم به المزور إلا إذا شعر به إلا إذا سمع سلامه إلا إذا علم بزيارته أما أنك أمواتاً ويقال ، أنت زائر وهو مزور هذا لا يصح
وقد ذكر حديثا خرجه بنأبي الدنيا في كتاب القبور باب معرفة الموتى بزيارة الأحياء من رواية عائشة أنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما من رجل يزور قبر اخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم)
روى الإمام ابن عبد البر في كتاب الاستيعاب والتمهيد وأقره شيخ الإسلام ابن تيمية في ( مجموع الفتاوى ) في الجزء الرابع والعشرين صفحة واحد وثلاثين وثلاثمائة 24/331 ومنهم الإمام ابن القيم في أول كتابه ( الروح )و السيوطي والإمام القرطبي ولفظه من رواية عبد الله ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال سمعت النبي يقول [ ما من أحدٌ يمر بقبر الرجل الذي كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ] . قال الإمام ابن القيم عليه رحمة الله في كتابه ( الروح ) وهذا نص صريح في أن الميت يسمع ويعرف من زاره بل ويرد عليه سلام.
واما قوله تعالى (وما أنت بمسمع من في القبور) يقول بن القيم رحمه الله في الروح أن هذا يراد منه الكافر لا تقدر على إسماعه سماعا ينتفع به وحقيقة المعنى أنك لاتستطيع أن تسمع من لم يشأ الله ان يسمعه
وختاما لهذه المسالة ان النصوص فيها صحيحة وثابتة وهي تتعلق في امر غيبي فلا يجب أن نكثر الشكوك حولها
والله اعلم