قال الشيخ أبا بطين : الأدلة الدالة على أن الله يتكلم حقيقة أكثر من أن يمكن ذكرها هاهنا، منها أن الله - سبحانه- فرق بين الإيحاء المشترك بين الأنبياء وبين التكليم الخاص لموسى فقال تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} 1 إلى قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 2. فلو لم يكن موسى سمع كلام الله منه بلا واسطة لم يكن له مزية على غيره من الرسل، ولم يكن في تخصيصه بالتكليم فائدة، ولم يسم كليم الله. وقد قال تعالى: {يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي} 3،
فائدة : وأيضا فقد قال الفراء: إن الكلام إذا أكد بالمصدر ارتفع المجاز، وثبتت الحقيقة، وقد أكد الفعل بالمصدر في قوله: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً} 4، وقال تعالى: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى} 5، وقال: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} 6، وقال: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} 7، وقال تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الأَيْمَنِ} 8 الآية. ففي هذا ونحوه دلالة صريحة أن الله كلم موسى، وناداه بنفسه بلا واسطة، وموسى سمع كلام الله، ونداءه، لأنه لا يجوز لغير الله أن يقول: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} 9.
وقد ذكر الإمام أحمد - رضي الله عنه- في كتاب الرد على الجهمية: عن الزهري قال: لما سمع موسى كلام الله قال: يا رب هذا الكلام الذي سمعته هو كلامك؟ قال: نعم يا موسى، هو كلامي، وإنما كلمتك بقوة عشرة آلاف لسان، ولي قوة الألسن كلها، وأنا أقوى من ذلك، وإنما كلمتك بقدر ما يطيق بدنك، ولو كلمتك بأكثر من ذلك لمت. فلما رجع موسى إلى قومه قالوا: صف لنا كلام ربك. فقال: سبحان الله، وهل أستطيع أن أصفه لكم. قالوا: فشبهه، قال: هل سمعتم أصوات الصواعق التي تقبل في أحلى حلاوة سمعتموها، فكأنه مثله. الــخ ... ) اهـ .
ولهذا كانت عقيدة أهل السنة والجماعة أن الله يتكلم بكلام حقيقي متى وكيف شاء بما شاء بحرف وصوت لا يُمَاثِلُ أصوات المخلوقين ، والدليل على أنه لا يُمَاثِل أصْوَاتَ المَخْلُوقين ، قوله تعالى : ( ليس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وهو السَمِيعُ البَصِير ) الشورى/11 ، فَعُرِفَ ابْتِداءً أن هذه العقيدة هي عقيدة أهل السنة والجماعة ، وأهل السنة والجماعة يَعْتَقِدون أن القرآن كلام الله ، ومن الأدلة على هذا الاعتقاد قول الله تعالى : ( وإنْ أحَدٌ من المشْرِكين استجارك فأجِرْه حتى يَسْمَع كلام الله ) التوبة /6 والمراد القرآن بالاتفاق ، وأضاف الكلام إلى نفسه فدل على أن القرآن كلامه . ( الإسلام سؤال وجواب ) .

فائدة : قال الشيخ ابن عثيمين :
واعلم أن ابن القيم رحمه الله ذكر أننا إذا أنكرنا أن الله يتكلم؛ فقد أبطلنا الشرع والقدر.
- أما الشرع؛ فلأن الرسالات أنما جاءت بالوحي، والوحي كلام مبلغ إلى المرسل إليه، فإذا نفينا الكلام؛ انتفى الوحي، وإذا انتفى الوحي؛ انتفى الشرع.
أما القدر؛ فلأن الخلق يقع بأمره بقوله: كن فيكون؛ كما قال تعالى: { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } [ يس:82 ].
ـــــــ
1 سورة النساء آية: 163.
2 سورة النساء آية: 164.
3 سورة الأعراف آية: 144.
4 سورة النساء آية: 164.
5 سورة الشعراء آية: 10.
6 سورة مريم آية: 52.
7 سورة طه آية: 11.
8 سورة القصص آية: 30.
9 سورة القصص آية: 30.