تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 3 من 3 الأولىالأولى 123
النتائج 41 إلى 57 من 57

الموضوع: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

  1. #41
    تاريخ التسجيل
    Aug 2007
    المشاركات
    147

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    الشيخ الفاضل سلمان تتميما للفائدة
    فقد بدأت الاستفادة من الموضوع من أوله
    فأحببت أن أسهم في النفع تحت إشرافكم ,
    قلتم
    :
    لم أجد ترجمة لمحمد بن عمرو بن خالد

    وقد أورده ابن القطان الفاسي في كتابه"بيان الوهم والإيهام (1315) ووثقه وقال :
    عَمْرو بن خَالِد الْحَرَّانِي روى عَنهُ البُخَارِيّ فِيمَن روى عَنهُ
    وَأما ابْنه مُحَمَّد ، فيكنى أَبَا علاثة ، حدث عَن أَبِيه وَغَيره ، وَكَانَ ثِقَة ،
    قَالَه أَبُو سعيد بن يُونُس فِي كِتَابه فِي تَارِيخ المصريين ، قَالَ : وَقد رَأَيْته ، وَذكر وَفَاته سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَمِائَتَيْنِ

  2. #42
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    تنبيه :
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد بن عبدالله مشاهدة المشاركة
    الأخ (سلمان) ناقلٌ لا كاتب، وقد صرَّح باسم كاتب هذه السلسلة في صدر هذا الموضوع.
    وجزاكُم اللَّـهُ خَيرًا ،ونفعَ بكُم جميعًا.
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  3. #43
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    46- (1/184، 185) ("و" الخامس "الترتيب" على ما ذكر الله -تعالى-؛ لأن الله أدخل الممسوح بين المغسولات، ولا نعلم لهذا فائدة غير الترتيب، والآية سيقت لبيان الواجب، والنبي -صلى الله عليه وسلم- رتَّب الوضوء، وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»).

    حديثٌ واهٍ.

    لم أجده بهذا السياق (بذكر ترتيب الوضوء، ثم قوله في عدم قبول الصلاة إلا به)، قال الألباني: (لا أعلم له أصلا بذكر الترتيب فيه...)[1]، والذي وجدته إنما فيه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، وقال قولته تلك، وربما ورد في بعض الروايات[2] تفصيل الأعضاء المغسولة، لكن الترتيب غير مذكور فيه[3].

    1- تخريج حديث عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما-:
    أ- رواية معاوية بن قرة عنه:
    أخرجه أبو داود الطيالسي (ص260)، والعقيلي (2/288) من طريق عمرو بن عون[4]، وابن أبي حاتم في العلل (1/45) من طريق أسد بن موسى، وابن عدي في الكامل (3/300) -ومن طريقه البيهقي (1/80)- من طريق أبي الربيع الزهراني، وابن عدي (3/300) من طريق عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، والدارقطني (1/80) من طريق زافر بن سليمان، وقبيصة بن عقبة، وشبابة، وابن بشران في أماليه (633) من طريق خالد بن أبي اليزيد، ثمانيتهم عن سلام بن سلم الطويل، وابن ماجه (419) عن أبي بكر بن خلاد، والطبراني في الأوسط (6288) من طريق بشر بن عبيس بن مرحوم، كلاهما عن مرحوم بن عبدالعزيز العطار، وأبو يعلى في مسنده (5598) ومعجمه (46) -ومن طريقه الخطيب في تلخيص المتشابه (1/316)- عن محمد بن بشير المذكر، وأبو عروبة الحراني في حديثه برواية أبي أحمد الحاكم عنه (59) من طريق عتاب بن بشير، والعقيلي في الضعفاء (2/288) والطبراني في الكبير (13/234) وابن عبدالبر في التمهيد (20/260) من طريق عبدالله بن عبدالوهاب، وابن حبان في المجروحين (2/162) من طريق محمد بن موسى، وابن الأعرابي في معجمه (143، 748) من طريق سوار بن عمارة، والبيهقي في السنن الصغرى (112) والخلافيات (283) وابن عساكر في معجمه (1350) من طريق محمد بن سعيد بن زائدة، سبعتهم عن عبدالرحيم بن زيد العمي، والدارقطني (1/79) من طريق محمد بن الفضل، ثلاثتهم -سلام الطويل وعبدالرحيم بن زيد ومحمد بن الفضل- عن زيد بن الحواري العمي، وعبدالغني الأزدي في إيضاح الإشكال -كما ذكر ابن الملقن في البدر المنير (2/133)- من طريق عباد بن صهيب، عن مسعر، كلاهما -مسعر وزيد العمي- عن معاوية بن قرة، عن عبدالله بن عمر، قال: دعا النبي -صلى الله عليه وسلم- بماء، فتوضأ واحدةً واحدة، فقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ثم دعا بماء، فتوضأ مرتين مرتين، فقال: «هذا وضوء من يؤتى أجره مرتين»، ثم دعا بماء، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، فقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي». لفظ سلام الطويل، وللآخرين نحوه، وقال بعضهم في الوضوء مرةً مرة: «هذا وضوءُ مَنْ لا يقبل الله صلاته إلا به»، وقال بعضهم: «هذا وظيفة الوضوء الذي لا يقبل الله صلاة إلا به»، وقد زاد عبدالرحيم فيه ألفاظًا في الذكر بعد الوضوء، إلا أن أسد بن موسى قال: عن سلام بن سليم، عن زيد بن أسلم، عن معاوية بن قرة، به، وقال بشر بن عبيس، عن جده مرحوم بن عبدالعزيز: عن عبدالرحيم بن زيد، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن جده، فذكره.

    ب- رواية نافع عن ابن عمر:
    أخرجه أحمد (2/98) -ومن طريقه الدارقطني (1/81)- عن الأسود بن عامر، عن أبي إسرائيل، عن زيد العمي، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «من توضأ واحدةً؛ فتلك وظيفة الوضوء التي لا بد منها، ومن توضأ اثنتين؛ فله كفلان، ومن توضأ ثلاثًا؛ فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي».

    ج- رواية عبدالله بن دينار عن ابن عمر:
    أخرجه الحسن بن سفيان في الأربعين (17) -ومن طريقه الدارقطني (1/80) والبيهقي في معرفة السنن (1/298)-، وأبو عروبة الحراني في حديث برواية أبي أحمد الحاكم عنه (58) -ومن طريقه ابن المقرئ في حديثه عن شيوخه (3-ضمن جمهرة الأجزاء الحديثية) والبيهقي (1/80) ومن طريق ابن المقرئ: ابن عساكر في تاريخ دمشق (58/201)-، والدارقطني (1/80) من طريق العباس بن الفضل، والبيهقي في السنن (1/80) والخلافيات (284) وابن عساكر في تاريخ دمشق (58/201) من طريق أبي بكر بن أبي داود، أربعتهم -الحسن بن سفيان وأبو عروبة والعباس بن الفضل وابن أبي داود- عن المسيب بن واضح، عن حفص بن ميسرة، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر، قال: توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرةً مرة، وقال: «هذا وضوء من لا يقبل الله منه الصلاة إلا به»، ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: «هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين مرتين»، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: «هذا وضوئي ووضوء المرسلين من قبلي».

    د- رواية أبي حازم عن ابن عمر:
    أخرجه ابن عدي في الكامل (3/246) عن محمد بن تمام بن صالح البهراني، عن المسيب بن واضح، عن سليمان بن عمرو أبو داود النخعي، عن أبي حازم، عن ابن عمر، نحوه.

    هـ- رواية أبي سنان القسملي عن ابن عمر:
    أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (24) من طريق النضر بن كثير، عن عبدالله بن عرادة، عن أبي سنان القسملي، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وظيفة الوضوء مرةً مرة، فمن توضأ مرتين؛ كان له كفلان من الأجر، ومن توضأ ثلاثًا؛ فهو وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي».

    2- تخريج حديث أبي بن كعب -رضي الله عنه-:
    أخرجه ابن ماجه (420) عن جعفر بن مسافر، وابن المنذر في الأوسط (413) والعقيلي في الضعفاء (2/288)، كلاهما عن ابن أبي مسرة، والشاشي في مسنده (1498) عن إسحاق بن إبراهيم، والآجري في الأربعين (14) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (20/260)- من طريق أحمد بن عمرو بن السرح، ومحمد بن عبدالله بن عمرو الغزي، والدارقطني (1/81) من طريق يحيى بن عثمان بن صالح، ستتهم عن إسماعيل بن مسلمة بن قعنب، عن عبدالله بن عرادة، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم توضأ، فتوضأ مرةً مرة، ثم قال: «هذا وظيفة الوضوء الذي لا يقبل الله صلاةً إلا به»، ثم توضأ مرتين مرتين، فقال: «هذا وضوءٌ من توضأه أعطاه الله -عز وجل- كفلين من الأجر»، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ثم قال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي».

    دراسة الأسانيد:
    أ- رواية معاوية بن قرة ونافع وأبي سنان عن ابن عمر، وحديث أبي بن كعب -رضي الله عنهما-:
    مدار هذه الرواية على زيد العمي، قال الدارقطني: (يرويه زيد العمي، وقد اختُلف عنه:
    فرواه سلام بن سلم الطويل وعبدالرحيم بن زيد العمي ومحمد بن الفضل بن عطية عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر،
    ورواه أبوإسرائيل الملائي، عن زيد العمي، عن نافع، عن ابن عمر...
    وقال مرحوم بن عبدالعزيز العطار: عن عبدالرحيم بن زيد العمي، عن أبيه، عن معاوية بن قرة مرسلاً.
    ورواه عبد الله بن عرادة، عن زيد العمي، عن معاوية بن قرة، عن عبيد بن عمير، عن أبي بن كعب)[5].

    والرواية التي ذكرها الدارقطني عن مرحوم بن عبدالعزيز العطار لم أجدها، والذي وجدت أنه اختُلف عليه في الحديث:
    فرواه أبو بكر بن خلاد عنه، عن عبدالرحيم بن زيد، عن أبيه، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر.
    ورواه ابن ابنه: بشر بن عبيس بن مرحوم عنه، عن عبدالرحيم، عن أبيه، عن معاوية، عن أبيه، عن جده.
    وأبو بكر بن خلاد أوثق من بشر، وروايته أصح.

    وقد روى الحديثَ أسدُ بن موسى، عن سلام بن سليم، عن زيد بن أسلم، كذا قال؛ جعله زيدَ بنَ أسلم، وقد بيَّن أبو حاتم أنه عنى: زيدَ العمي، قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: فإن الربيع بن سليمان حدثنا بهذا الحديث عن أسد بن موسى، عن سلام بن سليم، عن زيد بن أسلم، عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: (هو سلام الطويل -وهو متروك الحديث-، وهو زيد العمي -وهو ضعيف الحديث-)[6].

    وجاء الحديث عن عبدالله بن عرادة على وجه آخر -غير الذي ذكره الدارقطني-، فروي عن النضر بن كثير، عن ابن عرادة، عن أبي سنان القسملي، عن ابن عمر، والرواية الأولى أصح، وإن كان احتمال اضطراب ابن عرادة واردًا؛ فإنه منكر الحديث.

    وأما الخلاف على زيد العمي؛ فقد عقَّب الدارقطني رواية أبي إسرائيل الملائي (التي ذكر نافعًا فيها) بقوله: (وهم فيه، والصواب قول من قال: عن معاوية بن قرة)، وقال في رواية عبدالله بن عرادة: (ولم يتابع عليه)، وزيد العمي ضعيف، والرواة عنه بين ضعيفٍ ومتروكٍ ومنكرٍ حديثُه: سلام الطويل، وعبدالرحيم بن زيد، ومحمد بن الفضل، وأبو إسرائيل الملائي، وعبدالله بن عرادة، ولا يبعد أن هذه الأوجه اضطرابات من زيد نفسه.

    وأما متابعةُ مسعر لزيدٍ عن معاوية بن قرة عن ابن عمر؛ فرواها عن مسعر: عباد بن صهيب، متروك الحديث منكَرُه[7].

    وفي الحديث علة أخرى؛ قال أبو زرعة: (معاوية بن قرة لم يلحق ابن عمر)[8]، وذكر الحاكم هذا الحديث قال: (وشاهده -يعني: حديثًا أخرجه- الحديثُ المرسل المشهور عن معاوية بن قرة، عن ابن عمر)[9].

    ب- رواية عبدالله بن دينار وأبي حازم عن ابن عمر:
    رواه المسيب بن واضح، عن حفص بن ميسرة، عن عبدالله بن دينار، به، قال الدارقطني: (تفرد به المسيب بن واضح عن حفص بن ميسرة، والمسيب ضعيف)[10]، وقال البيهقي: (وهذا الحديث من هذا الوجه ينفرد به المسيب بن واضح، وليس بالقوي)[11]، وقال: (ورواه المسيب بن واضح، عن حفص بن ميسرة، عن عبدالله بن دينار، عن ابن عمر...، وهذا أيضًا ضعيف)[12].

    وقد اختُلف عن المسيب:
    فرواه عنه جماعة فيهم بعض الحفاظ على الوجه المذكور.
    ورواه محمد بن تمام بن صالح البهراني عنه، عن أبي داود النخعي، عن أبي حازم، عن ابن عمر.

    والبهراني راوي الوجه الثاني قال فيه الذهبي: (المحدِّث العالم)، ونقل قول ابن منده فيه: (حدَّث عن محمد بن آدم المصيصي بمناكير)، ثم عقب قائلاً: (قلت: لا أظن به بأسًا)[13].

    والأولى تحميل هذا الاضطراب المسيبَ بن واضح نفسه؛ فإنه ضعيف، وقد تفرد بهذين الوجهين الغريبين، والنكارة عليهما لائحة؛ لتفرد الضعيف مع تأخر الطبقة.

    3- تخريج حديث بريدة بن الحصيب -رضي الله عنه-:
    أخرجه الطبراني في الأوسط (3661) عن سيف بن عمرو الغزي، عن محمد بن أبي السري، عن أبي هنيدة، عن ابن لهيعة، عن عبدالله بن هبيرة، عن ابن بريدة، عن أبيه، قال: دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء، فتوضأ واحدةً واحدة، فقال: «هذا الوضوء الذي لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ثم توضأ ثنتين ثنتين، فقال: «هذا وضوء الأمم قبلكم»، ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، فقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي».

    دراسة الإسناد:
    قال الطبراني: (لا يروى هذا الحديث عن ابن بريدة إلا بهذا الإسناد، تفرد به محمد بن أبي السري)، وشيخ الطبراني مجهول[14]، ولم أعرف أبا هنيدة شيخ ابن أبي السري، وابن أبي السري تقدم -غير مرة- أنه كثير الغلط والوهم، وقد غلط في هذا الحديث غلطًا شنيعًا، فجعله بهذا الإسناد، وإنما هو حديث ابن عمر السابق، وغلط كذلك بقوله في الوضوء ثنتين ثنتين: «هذا وضوء الأمم من قبلكم»، وإنما الذي في الحديث: «هذا وضوء من يؤتى أجره مرتين»، أو: «هذا وضوء من يضاعف الله له الأجر مرتين».

    4- تخريج حديث عكراش بن ذؤيب:
    أخرجه ابن عدي (7/28) وابن المقرئ في معجمه (1098) -ومن طريقه الخطيب في تاريخ بغداد (11/28)-، كلاهما عن عبدالوهاب -قال ابن عدي: عبدالله- بن أبي عصمة، وابن عدي (7/28) عن محمد بن الحسين بن شهريار، كلاهما عن النضر بن طاهر، عن عبيدالله بن عكراش، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرة مرة، فقال: «هذا لا يقبل الله الصلاة إلا به».

    دراسة الإسناد:
    حديث عكراش عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديث مشهور، وقد ضعفه جمع من الأئمة[15]، واستعظم الحافظ محمد بن يحيى النيسابوري أن يحدث مثلَه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-[16]؛ لشدة نكارته، وليس في أكثر طرقه ذكر المتن الذي ذكره النضر بن طاهر عن عبيدالله بن عكراش، بل جاء عن النضر بن طاهر وليس فيه ذلك، بل الذي فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غسل يده ومسح ببلل كفيه وجهه وذراعيه ورأسه، فقال: «يا عكراش، هذا الوضوء مما مست النار».

    والحديث على أيٍّ شديد النكارة -إن لم يكن موضوعًا-؛ فالمتفرد به: النضر بن طاهر؛ "معروفٌ بأنه يَثِبُ على حديث الناس ويسرقه، ويروي عمن لم يلحقهم، والضعف على حديثه بيِّن"[17].

    5- تخريج حديث قرة بن إياس -رضي الله عنه-:
    قال ابن عدي -في الكامل (3/99)-: (وروى داود بن محبر، عن أبيه، عن جده، عن معاوية بن قرة، عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا آخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ مرةً مرة، فقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به»، ثم توضأ مرتين... الحديث).

    دراسة الإسناد:
    داود بن المحبر متروك، شبه لا شيء، والحديث حديث ابن عمر السابق.

    6- تخريج حديث زيد بن ثابت وأبي هريرة -رضي الله عنهما-:
    أخرجه ابن المظفر في غرائب حديث مالك (34)، والدارقطني في غرائب مالك -كما ذكر الزيلعي في نصب الراية (1/29)-، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/258)، والحسن بن أبي طالب الخلال في المجالس العشرة (95)، والخطيب في تاريخ بغداد (3/357) وأسماء الرواة عن مالك -كما في البدر المنير (2/140)-، كلهم من طريق علي بن الحسن، عن مالك، عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، عن سعيد بن المسيب، عن زيد بن ثابت وأبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا بالماء، فتوضأ مرةً مرة، وقال: «هذا الذي لا يقبل الله العمل إلا به»، وتوضأ مرتين، وقال: «هذا يضاعف به الأجر»، وتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»، لفظ ابن المظفر.

    دراسة الإسناد:
    قال الدارقطني: (تفرد به علي بن الحسن -وكان ضعيفًا-)، وقال الخطيب: (تفرد به عن مالك عليُّ بن الحسن السامي، وغيره أوثق منه)، وعلي بن الحسن السامي هذا كذاب يروي البواطيل عن مالك وغيره[18]، قال ابن حجر -عقب ذكره هذا الحديث-: (وهو مقلوب، ولم يروه مالك قط)[19]، وقال: (وهو مختَلَقٌ على مالك)[20]، وهو كما قال.

    7- تخريج حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
    أخرجه ابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (23) عن ابن أبي داود، عن محمد بن مصفى، أخبرنا ابن أبي فديك، عن طلحة بن يحيى، عن أنس بن مالك، قال: دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوئه، فغسل وجهه مرةً، ويديه مرةً، ورجليه مرةً مرةً، وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله -عز وجل- الصلاة إلا به»، ثم دعا بوضوء، فتوضأ مرتين مرتين، وقال : «هذا وضوء؛ من توضأ ضاعف له الأجر مرتين»، ثم دعا بوضوء، فتوضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: «هكذا وضوء نبيكم ووضوء النبيين قبله»، أو قال: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»[21].

    دراسة الإسناد:
    إن صح الحديث عن طلحة بن يحيى -إذ في النفس من تفرد محمد بن مصفى به وغرابة إسناده مع تأخر الطبقة-؛ فطلحة صدوق فيه ضعف، وغالب شيوخه من أتباع التابعين، فروايته عن أنس منقطعة، بل معضلة.

    خـلاصة:
    تبين أن كافة طرق الحديث تدور على الهلكى والمتروكين والأسانيد الضعاف المناكير، وقد وهَّى الأئمة هذا الحديثَ بطرقه وضعَّفوه، قال أبو زرعة: (هو عندي حديثٌ واهٍ)، وقال أبو حاتم: (لا يصح هذا الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)[22]، وأسند العقيلي وجهين عن زيد العمي، وقال: (كلاهما فيه نظر)[23]، وقال البيهقي: (وروي من أوجه كلها ضعيف)[24]، وقال ابن عبدالبر: (وحديث: «هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي»؛ فإنما يدور على زيد بن الحواري العمي والد عبدالرحيم بن زيد، وهو انفرد به، وهو ضعيف ليس بثقة ولا ممن يحتج به، وقد اختلف عليه فيه أيضًا... وهو حديث لا أصل له)، ثم أسند رواية عبدالله بن عرادة وعبدالرحيم بن زيد، ثم قال: (هذا كلُّه منكرٌ في الإسناد والمتن...)[25]، وقال ابن العربي: (... فإن قيل: فقد توضأ النبي -صلى الله عليه وسلم- مرة مرة، وقال: «هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به...»)، وساق الحديث، ثم قال: (قلنا: هذه الأحاديث لم تصح، وقد ألقيت إليكم وصيتي في كل وقت ومجلس؛ ألا تشتغلوا من الأحاديث بما لا يصح سنده، فكيف ينبني مثلُ هذا الأصل على أخبارٍ ليس لها أصل؟!)[26]، وقال الحازمي: (وقد روي من أوجه عن غير واحد من الصحابة، وكلها ضعيفة)[27]، وذكر ابن الملقن له عدة طرق، ثم قال: (وهو حديث ضعيفٌ بمرة، لا يصح من جميع هذه الطرق)[28].

    ــــــــــــــ
    [1] إرواء الغليل (1/125).

    [2] وهو حديث أنس عند ابن شاهين، ويأتي.

    [3] ورأيتُ ذِكْرَ الحديث بذكر الترتيب وقع قديمًا لابن عبدالبر في التمهيد (2/82)، قال: (وبدليل قوله أيضًا -وقد توضأ على الترتيب-: «هذا وضوء لا يقبل الله صلاة إلا به»).

    [4] وقع في إسناده سقط، واستدركته من طبعة السرساوي (3/298).

    [5] العلل (13/226).

    [6] العلل (1/45).

    [7]انظر: لسان الميزان (3/230).

    [8] علل ابن أبي حاتم (1/45).

    [9]المستدرك (1/150).

    [10]السنن (1/80).

    [11] السنن (1/80).

    [12]الخلافيات (1/488، 489).

    [13] سير أعلام النبلاء (14/468).

    [14] انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص329).

    [15] انظر: تهذيب التهذيب (7/33)، المسند الجامع (9967).

    [16] سؤالات البرذعي لأبي زرعة (2/748).

    [17] الكامل، لابن عدي (7/28).

    [18] انظر: لسان الميزان (4/212، 213).

    [19]التلخيص الحبير (1/82).

    [20]لسان الميزان (4/213).

    [21] وذكر ابن الملقن -في البدر المنير (2/140)- أن أبا علي ابن السكن أخرجه في كتاب "السنن الصحاح المأثورة" عن أنس، ولم يذكر إسناده، وذكر لفظًا قريبًا من هذا اللفظ، فالظاهر أنه أخرجه بنفس إسناده.

    [22]علل ابن أبي حاتم (1/45).

    [23] الضعفاء (2/288).

    [24] معرفة السنن والآثار (1/299).

    [25]التمهيد (20/260).[

    [26]أحكام القرآن (2/583).

    [27] البدر المنير (2/138).

    [28] البدر المنير (2/133).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  4. #44
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    47- (1/186) ("و" السادس "الموالاة"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدمه لمعةٌ قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره أن يعيد الوضوء، رواه أحمد وغيره).


    1- تخريج حديث الرجل من الصحابة

    أخرجه أحمد (3/424) عن إبراهيم بن أبي العباس، وأبو داود (175) - ومن طريقه: البيهقي في السنن (1/83)، والخلافيات (261) - عن حيوة بن شريح، كلاهما - إبراهيم وحيوة - عن بقية بن الوليد، عن بحير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن بعض أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم[4]: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً يُصلِّي وفي ظهر قَدَمه لمعةٌ قدرُ الدِّرهم لم يصبْها الماء، فأمره رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُعيدَ الوضوء"؛ لفظ إبراهيم، زاد حيوة: والصَّلاة.

    دراسة الإسناد:
    يرويه بقية بن الوليد، وقد أُعلَّ بعلل:
    الأولى: حال بقية، قال ابن حزم: "هذا خبرٌ لا يصح؛ لأنَّ راويَه بقيَّةُ، وليس بالقوي"[5]، وقال عبدالحق الإشبيلي: "في حديث خالد: بقيَّة بن الوليد، وقد تُكلِّم فيه، ولا يُحتج به"[6]، وقال المنذري: "في إسناده بقية، وفيه مقال"[7]، لكن الصحيح أنَّه ثقة ما لم يروِ عن المجاهيل، أو يتركْ ذِكْر التصريح بالسماع عن شيخه، إذ هو مدلِّس.

    قال ابن القَيم: "هكذا علَّل أبو محمد المنذري وابن حزم هذا الحديث برواية بقيَّة له، وزاد ابن حزم تعليلاً آخر...، والجواب عن هاتين العِلَّتين:
    أمَّا الأولى: فإن بقيَّة ثقة في نفسه، صدوق حافظ، وإنَّما نقم عليه التدليس مع كثرة روايته عن الضُّعفاء والمجهولين، وأمَّا إذا صرَّح بالسماع فهو حجَّة..."[8].

    العلَّة الثانية: تدليس بقية، قال مغلطاي: "وأعلَّه بعض الحفَّاظ من المتأخِّرين بأنَّ بقية، وإن كان حديثه في الصحيح، فعنعنتُه لا تُقبل؛ لتدليسه"[9]، وقد قال النَّسائي فيه: "إذا قال: "حدَّثنا"، و"أخبرنا"، فهو ثقة، وإذا قال: "عن فلان"، فلا يُؤخذ عنه؛ لأنَّه لا يُدرَى عمَّن أخذه"[10]، وبقية كان يروي عمَّن كان أصغرَ منه، ويأخذ الحديث عن المجاهيل والضُّعفاء والمتروكين عن شيوخهم الثِّقات، ثم يتركهم ويقول: قال فلان - الثِّقة - فجاء تلامذته من بعده، فجعلوا الأسانيد: عن بقية، عن ذاك الثِّقة.

    وقد شرح هذا ابنُ حبَّان بما لا مزيد عليه، قال: "سمعت ابن خزيمة يقول: سمعت أحمدَ بن الحسن الترمذيَّ يقول: سمعت أحمد بن حنبل يقول: توهمت أنَّ بقيَّة لا يحدِّث المناكير إلاَّ عن المجاهيل، فإذا هو يحدِّث المناكير عن المشاهير، فعلمنا من أين أُتي.

    قال ابن حبان: "لم يسبر أبو عبدالله - رحمه الله - شأنَ بقيَّة، وإنَّما نظر إلى أحاديثَ موضوعة رُويت عن أقوام ثقات، فأنكرها، ولعمري إنَّه موضع الإنكار، وفي دون هذا ما يسقط عدالة الإنسان في الحديث، ولقد دخلتُ حمص وأكثرُ همِّي شأن بقية، فتتبعتُ حديثَه، وكتبتُ النسخ على الوجه، وتتبعتُ ما لم أجد بعلوٍّ من رواية القدماء عنه، فرأيتُه ثقة مأمونًا، ولكنَّه كان مدلِّسًا: سمع من عبيدالله بن عمر، وشعبة، ومالك أحاديثَ يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذَّابين ضعفاء متروكين عن عبيدالله بن عمر، وشعبة، ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسَّري بن عبدالحميد، وعمر بن موسى الميتمي وأشباهِهم، وأقوامٍ لا يُعرفون إلاَّ بالكُنى، فروى عن أولئك الثِّقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضُّعفاء[11].

    وكان يقول: قال عبيدالله بن عمر عن نافع، وقال مالك عن نافع كذا، فجعلوه: بقيَّة عن عبيدالله، وبقية عن مالك، وأُسقِط الواهي بينهما، فالْتزق الموضوع ببقية، وتخلَّص الواضع من الوسط، وإنَّما امتُحن بقيةُ بتلاميذَ له كانوا يُسقِطون الضعفاءَ من حديثه ويُسوونه، فالْتزق ذلك كلُّه به"[12].

    ورُدَّت علَّةُ تدليس بقية من وجهين:
    الأول: أنَّ بقيَّة صرَّح بسماعه من بحير بن سعد في رواية أحمد، قال ابن دقيق العيد: "قلت: في المستدرك[13] من طريق بقية: "حدَّثنا بحير"، فعلى هذا يَسلم من تهمة التدليس من بقية في روايته عن بحير"[14]، وقال نحوَه مغلطاي[15]، وقال ابن القيم: "وقد صرَّح في هذا الحديث بسماعه له"[16]، ثم نقله من المسند.

    وأجيب عنه: بأنَّ بقيَّة يدلِّس تدليس تسوية؛ فلا يكفي تصريحُه عن شيخه، وهذا مبنيٌّ على ما شهر عندَ المتأخِّرين من اتهام بقية بتدليس التسوية مطلقًا.

    والصواب: أنَّ التسوية عند بقية قليلة نادرة، ولا يُحكم بها إلاَّ بثبوتها من طرق أخرى أو بنصٍّ إمام[17]، ويدلُّ على هذا ما سيأتي من حُكم الإمام أحمد بجودة هذا الإسناد، مع كون بقيَّة لم يصرِّحْ فيه إلاَّ عن شيخه.

    الجواب الثاني عن تدليس بقية: ما قاله الحافظ ابن عبدالهادي: "ورواية بقية عن بحير صحيحة؛ سواء صرَّح بالتحديث أم لا"[18]، وهذا يؤخذ - ولعلَّ ابن عبدالهادي أخذه - من أمور:
    الأول: قول بقيَّة: "أشهد أني سمعته: حديث بحير عن ابن معدان"[19]، ففي هذا تصريحٌ من بقيةَ أنَّه سمع من بحير بن سعد ما حدَّث به عن خالد بن معدان، فلا حاجة إذًا لتطلُّب سماعه في كلِّ حديثٍ بعينه.

    الثاني: أنَّ شعبة بن الحجاج قال لبقية: "إنِّي لأسمع منكَ أحاديث لو لم أحفظْها عنك لطرت"، وفي لفظ: قال بقيَّة: لَمَّا قرأت على شعبة كتاب بحير بن سعد، قال لي: "يا أبا يحمد، لو لم أسمعْ هذا منك لطرت"، قال بقيَّة: "واستهداني شعبةُ أحاديثَ بحير بن سعد"، وكان شعبة يقول له: "بحِّر لنا، بحِّر لنا"، يعني: حدِّثنا عن بحير بن سعد، وقال له: "تمسَّك بحديث بحير"، ورفع شعبةُ شأنَ حديث بقيَّة عن بحير[20].

    وقال أبو داود: سمعتُ أحمد قال: "بلغني أنَّ شعبة قال لبقيَّة: "اكتب إليَّ أحاديث بحير"، قال أحمد: "كان يُعجبه الإسناد" - يعني: شعبة - قال أحمد: "رأى أسانيدَ منها، فأُعجب بها شعبةُ؛ لحُسن أسانيدها"[21].

    هذا مع أنَّه استفاض عن شعبةَ شدةُ المذهب في التدليس، وإيقافه مشايخَه المدلِّسين ليُبيِّنوا سماعهم، ولو كان شعبةُ يرى أنَّ بقية يدلس هذه الأحاديث عن بحير، ما كان ليُعجب بها، ويحرِص عليها، ويرفع شأنَها، ويوصي بقيةَ أن يتمسَّك بها.

    الثالث: أنَّ لبقية إكثارًا عن بحير واختصاصًا به، وقد تقرَّر أنَّ من قرائن قَبول رواية المدلِّس عن شيخه، ولو لم يصرِّح بسماعه: أن يكون المدلِّس مكثرًا من الرِّواية عن شيخه؛ إذ تكون روايته عن شيخه ذاك محمولةً على الاتِّصال، حتى يتبيَّن في حديثٍ معيَّن أنه دلَّسه عنه[22].

    وقد قال الإمام أحمد: "بقية إذا حدَّث عن قوم ليسوا بمعروفين؛ فلا تقبلوه، وإذا حدَّث بقية عن المعروفين - مثل بحير بن سعد وغيره - قُبِل"[23].

    وقال الحافظ عبدالحق بن الخراط الإشبيلي: "أحسنُ حديث بقيةَ ما كان عن بحير بن سعد"[24].

    وقال ابن رجب: "إذا حدث عن الثِّقات المعروفين ولم يدلِّس، فإنَّما يكون حديثه جيِّدًا عن أهل الشام - كبحير بن سعد ومحمد بن زياد وغيرهما"[25]، فنصُّوا على أنَّ حديث بقية عن بحير جيِّدٌ مقبول[26].

    العلة الثالثة مما أُعلَّ به الحديث:
    الإرسال، عبَّر به البيهقي، قال: "وهو مرسل"[27]، قال ابن دقيق العيد: "يريد: لعدم ذكْر اسم الصحابي الراوي له"[28]، ووافقه على ذلك ابنُ حزم، قال: "وفي السَّند مَن لا يُدرَى من هو"[29].

    قال ابن دقيق العيد: "وليس هذا - يعني: عدم ذكْر اسم الصحابي - ممَّا يجعل الحديث في حُكم المرسل المردود عندَ أهل الحديث، فإن سمَّاه مرسلاً مع أنَّ حُكمه حُكمُ الموصول، فلا يضر المستدلَّ به"[30]، وقال ابن عبدالهادي - بعد نقلِه كلامَ البيهقي -: "وليس كما قال؛ فإنَّ المرسَل ما رواه التابعيُّ عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا من رواية بعضِ أصحابه عنه، وجهالةُ الصحابي لا تضرُّ"[31]، وقال: "وتَكلَّم فيه - يعني: هذا الحديثَ - البيهقيُّ وابنُ حزم وغيرُهما بغير مستندٍ قويٍّ"[32]، وقال الذهبي: "ما أراه إلاَّ متصلاً"[33]، وقال مغلطاي: "والذي عليه المحدِّثون قاطبةً: أنَّ جهالة الصحابي غيرُ قادحة في الإسناد، ولا سيّما مع شهادة التابعي المعروف له بالصُّحبة"[34]، وقال ابن القَيِّم عن العلَّة التي ذكرها ابن حزم: "وأمَّا العلَّة الثانية، فباطلةٌ أيضًا على أصل ابن حزم، وأصل سائر أهل الحديث، فإنَّ عندهم جهالة الصحابي لا تقدح في الحديث؛ لثبوتِ عدالتهم جميعًا..."[35].

    وقد قال الأثرم: قلت له - يعني: أحمد -: هذا إسنادٌ جيِّد؟ قال: "نعم"، قلت لأبي عبدالله: إذا قال رجلٌ من التابعين: "حدَّثني رجلٌ من أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم"، ولم يسمِّه، فالحديث صحيح؟ قال: "نعم"[36]، فهذا التجويدُ من أحمدَ لإسناد هذا الحديث يدلُّ على عدم اعتبار العِلل السابقة عندَه، وهو دليلٌ جيِّد لعدم اشتراط ذِكْرِ بقيةَ السماعَ بين شيخه وشيخ شيخه إلى آخر الإسناد، وقد قال ابن عبدالهادي: "وإسناد هذا الحديث جيِّد"[37]، وقال ابن كثير: "وهذا إسنادٌ جيِّدٌ قويٌّ صحيح"[38].

    وربما أورد: أنَّ خالد بن معدان لم يُصرِّح بسماعه من الصحابي، وخالد وإن كان لقي جمعًا من الصحابة، فإنَّه كان يُرسِل عن بعضهم، إذ لم يسمع منهم[39]، ولم يتبيّن مَنْ هذا الصحابي الذي روى هذا الحديث؛ ليُنظر هل هو ممن سمع منهم خالد، فيكون متصلاً، أم لا، فيكون مرسلاً.

    وهذا الإيراد له وجهُه، إلاَّ أنَّ تجويد أحمد للإسناد، مع كون سؤال الأثرم بعقبِ ذلك فيه تصريحُ التابعي بالتحديث من الصحابيِّ، يُشير إلى أنَّ رواية خالد بن معدان هذه جيِّدة، ولعلَّه وقع في روايةِ للأثرم - إذ قد أخرج هذا الحديث[40] - تصريح خالد بالتحديث، والله أعلم.

    2 - تخريج حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -

    أ - رواية جابر بن عبدالله عن عمر:
    أخرجه أحمد (1/23)، وأبو عوانة في مستخرجه (693) عن الصغاني، كلاهما عن الحسن بن موسى الأشيب، وأحمد (1/21) عن موسى بن داود، وابن ماجه (666)، وابن حزم في المحلَّى (2/71 - 72) من طريق بكر بن مضر، كلاهما عن حرملة بن يحيى، وأبو عوانة (537) من طريق أصبغ، كلاهما عن عبدالله بن وهب، وابن ماجه (666) من طريق زيد بن الحُبَاب، أربعتُهم - الحسن بن موسى، وموسى بن داود، وابن وهب، وزيد بن الحُبَاب - عن عبدالله بن لهيعة.

    ومسلم (243)، والبزار (232)، وأبو عوانة (691) عن عبدالله خردلة، وشعيب بن عثمان، وأبو نعيم في مستخرجِه على مسلم (571) من طريق عبدالله بن محمد بن العبَّاس، والبيهقي في السنن (1/70) والخلافيات (257) من طريق إبراهيم بن محمد الصيدلاني، وفي السنن (1/83) من طريق أبي الفضل أحمد بن سلمة[41]، سبعتُهم عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن محمَّد بن أعين، عن معقل بن عبيدالله الجزري، كلاهما - عبدالله بن لهيعة، ومعقل بن عبيدالله - عن أبي الزُّبير، عن جابر بن عبدالله، أخبرني عمر بن الخطَّاب: أنَّ رجلاً توضَّأ، فترك موضعَ ظُفر على قَدَمه، فأبصره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((ارجعْ فأحسن وضوءَك))، فرجع، ثم صلَّى، لفظ معقل - عند مسلم، ونحوه للباقين - وابن لهيعة - في رواية الأكثر عنه - وقال زيد بن الحباب وابن وهب - في رواية ابن ماجه - كلاهما عن ابن لهيعة: رأى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - رجلاً توضَّأ، فترك موضعَ الظُّفر على قَدَمه، فأمره أن يُعيدَ الوضوء والصَّلاة.

    وأخرجه ابن أبي شيبة (454) عن أبي معاوية، وأبو يعلى (2312) من طريق محمد بن عبيد، والبيهقي في السنن (1/84) والخلافيات (263) من طريق سفيان الثوري[42]، ثلاثتهم عن الأعمش، عن أبي سفيان طلحة بن نافع، عن جابر بن عبدالله: "أنَّ عمر رأى في قَدَمِ رَجُلٍ مثلَ موضع الفِلس لم يصبْه الماء، فأمره أن يُعيد الوضوء، ويُعيد الصلاة"؛ لفظ أبي معاوية، وقال محمد بن عبيد: "إنَّ عمر رأى رجلاً توضَّأ، فترك موضع الظُّفر على قَدَمه، فأمره بالإعادة"، وقال الثوري: "رأى عمر رجلاً يتوضَّأ، فبقي في رِجْله لمعة، فقال: أعدِ الوضوء"؛ وقفه أبو سفيان عن جابر على عمر.

    ب - رواية أبي المتوكل عن عمر:
    أخرجه البيهقي في الخلافيات (262) من طريق محمد بن عبدالله المخرمي، عن قراد أبي نوح، عن شعبة، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكِّل، قال: توضَّأ عمر[43]، وبقي على رِجْله قطعة لم يصبها الماء، فأمره النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُعيدَ الوضوء والصلاة.

    ج - رواية أبي قلابة عن عمر:
    أخرجه عبدالرزاق (118) عن معمر، وابن أبي شيبة (447)، والطبري في تفسيره (10/54) عن يعقوب، كلاهما عن إسماعيل بن عُليَّة، والطبري في تفسيره (10/52) من طريق يزيد بن زريع، والبيهقي (1/84) من طريق سفيان الثوري، أربعتُهم عن خالد الحذَّاء، عن أبي قلابة: أنَّ عمر بن الخطَّاب رأى رجلاً يصلِّي، وقد ترك من رِجْليه موضعَ ظُفر، فأمره أن يُعيدَ الوضوء والصلاة؛ لفظ معمر، ونحوه للباقين، موقوفًا على عمر.

    د - رواية عبيد بن عمير عن عمر:
    أخرجه ابن أبي شيبة (446) - ومن طريقه الدَّارقطني (1/109) - عن عبدالرحيم بن سليمان، والدارقطني (1/109) - ومن طريقه البيهقي في السنن (1/84) والخلافيات (266) - من طريق هُشيم، كلاهما - عبدالرحيم وهُشيم - عن الحجَّاج، والدارقطني (1/109) - ومن طريقه البيهقي في السنن (1/84) والخلافيات (266)، من طريق هُشيم، عن عبدالملك، كلاهما - الحجَّاج وعبدالملك - عن عطاء، عن عُبيد بن عُمَير: "أنَّ عمر بن الخطَّاب رأى رجلاً في رِجْله لمعةٌ لم يصبْها الماء حين تطهر، فقال له عمر: بهذا الوضوء تحضر الصلاة؟! وأمره أن يغسل اللمعةَ ويُعيد الصلاة"؛ لفظ عبدالرحيم عن الحجَّاج، وقال هُشيم عن الحجَّاج وعبدالملك: أنَّ عمر بن الخطَّاب رأى رجلاً، وبظهر رِجْله لُمعةٌ لم يصبْها الماء، فقال له عمر: أبهذا الوضوء تحضُر الصلاة؟! قال: يا أميرَ المؤمنين، البردُ شديد، وما معي ما يُدَفِّيني، فَرَقَّ له بعد ما همَّ به، فقال له: اغسل ما تركت من قَدَمك وأعد الصلاة، وأمر له بخميصة"؛ موقوفًا في الروايتين.

    دراسة الأسانيد:
    أ - رواية جابر بن عبدالله عن عمر:
    اختُلف في هذا الحديث على جابر:
    فرواه معقلُ بن عُبيدالله وابن لهيعة عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمر، مرفوعًا.
    ورواه الأعمش عن أبي سفيان، عن جابر، عن عمر، موقوفًا.

    قال البزَّار في الوجه المرفوع: "وهذا الحديثُ لا نعلمُ أحدًا أسنده عن عمر إلاَّ من هذا الوجه..."[44]، وقال الحافظ أبو الفضل ابن عمَّار الشهيد الهروي: "ووجدت فيه - يعني: صحيحَ مسلم - من حديث ابنِ أعين، عن معقِل، عن أبي الزُّبير، عن جابر، عن عمر بن الخطَّاب: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً توضَّأ، فترك موضعَ ظُفر على قَدَمه...[45]، وهذا الحديث إنَّما يُعرف من حديث ابن لهيعة عن أبي الزُّبير بهذا اللَّفظ، وابن لهيعة لا يُحتجُّ به"[46]، وقال ابن رجب في معقل بن عُبيدالله: "كان أحمدُ يضعِّف حديثَهُ عن أبي الزُّبير خاصَّة، ويقول: "يُشبه حديثُهُ حديثَ ابن لهيعة"، ومَن أراد حقيقةَ الوقوف على ذلك، فلينظرْ إلى أحاديثه عن أبي الزُّبير؛ فإنَّه يجدها عند ابن لهيعة، يرويها عن أبي الزُّبير كما يُرويها معقل سواء"[47]، وقال: "وظَهر مِصداقُ قول أحمد في أن أحاديثَه عن أبي الزبير مثلُ أحاديث ابن لهيعة سواء، كحديث اللُّمعة في الوضوء، وغيره"[48]، وهذه كلماتِ نفيسة من ابن رجب، وهذا الحديث مثال صحيح لما ذكره - كما ذكر هو أيضًا.

    وفي كلمة الحافظ ابن عمَّار الشهيد، ثم كلمة أحمد وبيانها لابن رجب، ما يشير إلى أنَّ معقلاً أخذ هذه الأحاديثَ من ابن لهيعة، ثمَّ رواها عن أبي الزُّبير؛ إمَّا خطأً أو تدليسًا، والظاهر أنَّه كانت عنده - أو أُدخِلت عليه - نسخةُ ابن لهيعة عن أبي الزُّبير عن جابر[49]، فرواها عن أبي الزُّبير ظانًّا أنَّها من حديثِهِ هو عنه، فسارتْ بذلك بين الرُّواة نسخةُ معقل عن أبي الزُّبير عن جابر، قال ابن عدي: "ولمعقل هذا عن أبي الزُّبير عن جابر نسخة يَرويها عنه الحسن بن محمد بن أعين، وحدَّثنا أبو عقيل بعلوٍّ من هذه النُّسخة بأحاديثَ عن سعيد بن حفص عن معقِل"[50].

    ومعقلٌ مذكورٌ بالخطأ، وقال فيه ابن معين - في رواية -: "ضعيف"، وقال أحمد والنَّسائي - في رواية عنهما -: "صالح"، وقال ابن حبَّان: "وكان يخطئ"، وقال: "ربَّما وهم"[51]، وجاء عن جمعٍ - فيهم يحيى وأحمد والنسائي - أنَّهم وثَّقوه ولم يَروْا به بأسًا[52]، والظاهرُ أنَّ هذا فيما لم يروِهِ عن أبي الزُّبير، وأنَّ مِن ضعفِه وخطئِه ما كان من روايته حديثَ ابن لَهيعة عن أبي الزُّبير - كما سبق - إذ لم يَضبط حديثَه من حديث غيره؛ ولذا فقد أُنكر عليه غيرُ حديثٍ عن أبي الزُّبي؛، منها: حديثنا هذا[53].

    وهذا يُعيد الحديثَ إلى ابن لهيعة، وهو نصُّ ابن عمَّار الشهيد، حيث قال: "وهذا الحديث إنَّما يعرف من حديث ابن لهيعة عن أبي الزُّبير بهذا اللَّفظ، وابن لهيعة لا يُحتجُّ به".

    وعليه؛ فالحديث لا يصحُّ مرفوعًا عن أبي الزُّبير؛ لضعفِ ابن لهيعة الرَّاوي عنه، وأمَّا كون عبدالله بن وهب رواه عنه، فالمعتمد أنَّ روايته والعبادلة عنه أقوى من غيرها، والجميع ضعيف[54].

    وقد رجَّح الرِّوايةَ الموقوفةَ من رواية أبي سفيان عن جابر عددٌ من الأئمَّة:
    فأشار إلى ذلك البزَّار، قال - بعدَ أن أخرج الرِّواية المرفوعة -: "وهذا الحديث لا نعلم أحدًا أسنده عن عمرَ إلاَّ من هذا الوجه، وقد رواه الأعمش، عن أبي سفيان، [عن جابر]، عن عمرَ موقوفًا"[55].

    وقال الحافظ أبو الفضل ابنُ عمَّار الشهيد - بعد أنَّ ذكر الرِّواية المرفوعة -: "وهو خطأٌ عندي؛ لأنَّ الأعمش رواه عن أبي سفيان، عن جابر، فجعله من قول عمر"[56].

    ونقل الدقَّاق الأصبهانيُّ الحافظ عن الحافظ أبي عليٍّ النيسابوري[57] أنَّ الحديث المرفوع ممَّا عِيب على مسلم إخراجه، وقال: "الصواب ما رواه أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، قال: رأى عمرُ في يدِ رَجُلٍ مثلَ موضع ظُفر... فذكره، موقوفًا"، قال أبو علي: "هذا هو المحفوظ، وحديثُ معقِل خطأٌ، لم يُتابَعْ عليه"[58].

    وأشار إليه البيهقي، قال - بعد أن أخرج الرِّواية المرفوعة -: "ورواه أبو سفيان عن جابر بخلاف ما رواه أبو الزُّبير"[59].

    ومِن أوجه هذا الترجيح وجهان:
    أحدهما: أنَّ الحديث لم يصحَّ عن أبي الزُّبير مرفوعًا - كما سبق - بل الظاهر أنَّ الحديث كان عنده موقوفًا - كما كان عندَ أبي سفيان - فغلط ابن لَهيعة، فرفعه.

    الثاني: أنَّ الحديث جاء عن عمرَ بن الخطَّاب - رضي الله عنه - موقوفًا من غير وجه.

    وربَّما أُعلت هذه الرِّواية الموقوفة بأمور:
    الأول: حال أبي سفيان، قال ابن حزْم: "أمَّا الرواية عن عمرَ أيضًا فلا تصحَّ...؛ وأبو سفيان ضعيف"[60]، وهذا فيه نظرٌ؛ ذلك أنَّ ابن معين انفرد بقوله في أبي سفيان: "لا شيء"، وأمَّا أحمد والنَّسائي فقالا: "ليس به بأس"، وقال ابن المديني: "يُكتب حديثُه، وليس بالقوي"، وقال العِجليُّ: "جائزُ الحديث، وليس بالقوي"[61]، وقال أبو زُرعة: "روى عنه الناس"، ولم يعطِه مرتبةَ الثِّقة، وقال البزَّار: "هو في نفسه ثقة"، وذكره ابن حبَّان في ثقاته، وقال في موضع آخرَ: "وكان يَهِم في الشيء بعدَ الشيء"[62]، وقال ابن عدي: "لا بأس به"[63]، ومثل هذا لا يُطلق القول بضعْفه، بل هو صدوق، وهو مُكثِر عن جابر بن عبدالله، معروفٌ بالرواية عنه.

    الأمر الثاني: سماع أبي سفيان مِن جابر، إذ لم يصرِّحْ بسماعه في هذه الرِّواية، وقد قال شعبة: "لم يَسمع أبو سفيان من جابر إلاَّ أربعةَ أحاديث"، واستفاده منه ابنُ المديني، ونقل عن يزيد الدَّالانيِّ قولاً كقول شُعبةَ، وقال ابن حجر: "لم يخرجِ البخاري له سوى أربعة أحاديث عن جابر، وأظنُّها التي عناها شيخُه عليُّ بن المديني، منها حديثانِ في الأشربة؛ قرَنَه بأبي صالح، وفي الفضائل حديث: ((اهتزَّ العرْش...))؛ كذلك، والرابع في تفسير سورة الجُمُعة؛ قرَنَه بسالم بن أبي الجعد"[64].

    وهذا لم يرضَه بعضُ الأئمة، فقد صرَّح أبو حاتم: أنَّ أبا سفيانَ قد سمع من جابر، إلاَّ أنَّ تصريحه ذاك لا يُفيد نفيَ هذا القول، وسيأتي كلامُه - إن شاء الله.
    وقال البخاري: "كان يزيدُ أبو خالد الدالانيُّ يقول: "أبو سفيان لم يَسمع من جابر إلاَّ أربعةَ أحاديث"، وما يدريه؟! أولا يَرضَى أن ينجوَ رأسًا برأس، حتى يقول مثلَ هذا؟!"[65]، قال ابن رجب: "يُشير البخاري إلى أنَّ أبا خالد في نفسه ليس بقوي، فكيف يتكلَّم في غيره؟!"، قال ابن رجب: "وأثبت البخاريُّ سماعَ أبي سفيان من جابر، وقال في "تاريخه": "قال لنا مُسدَّد، عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان: "جاورتُ جابرًا بمكَّة سِتةَ أشهر"[66]، قال: وقال عليٌّ: سمعتُ عبدالرحمن، قال: قال لي هُشَيم، عن أبي العلاء، قال: قال لي أبو سفيان: "كنتُ أحفظ، وكان سليمان اليَشْكُريُّ يكتب"؛ يعني: عن جابر[67]، وخرَّج مسلم حديثَ أبي سفيان عن جابر، وخرَّجه البخاريُّ مقرونًا"[68].
    وقال مسلم: "سمع جابرًا"[69].

    وأثبتَ بعضُ الأئمة أنَّ رواية أبي سفيان عن جابر صحيفةٌ لم يسمعْها - أو لم يسمع أكثرَها - قال شعبة، وابن عيينة: "حديثُ أبي سفيان عن جابر إنَّما هي صحيفة"[70]، وفي رواية عن شُعبة: "إنَّما هو كتابُ سُليمانَ اليشكري"[71]، وقال أبو حاتم: "جالس سليمانُ اليَشكري جابرًا، فسمع منه، وكتب عنه صحيفة، فتُوفِّي، وبَقيتِ الصحيفة عندَ امرأته، فروى أبو الزُّبير وأبو سفيان والشَّعْبي عن جابر - وهُم قد سمعوا من جابر - وأكثرُهُ من الصحيفة، وكذلك قتادة"[72].

    ولأجل ذلك - مع كثرة رواية أبي سفيان عن جابر - ذَكَره الحاكم في المدلِّسين؛ لكنَّه جعله فيمَن كان لا يدلِّس إلاَّ عن ثقة، قال: "فمن المدلِّسين من دلَّس عن[73] الثِّقات الذين هم في الثقة مثل المحدِّث، أو فوقه، أو دونه...، فمنهم من التابعين: أبو سفيان طلحة بن نافع..."، ثم أسند عن ابن مهديٍّ قوله: "كان شعبة يرى أحاديثَ أبي سفيان عن جابر صحيفة، إنَّما هو من كتاب سليمان اليشكري"[74]، فبيَّن الحاكم أنَّ رواية أبي سفيان أحاديثَ صحيفة سليمان اليشكري عن جابر مباشرة - ولم يَسمعها - جنسٌ من التدليس، لكنَّه تدليسٌ عن سليمان اليشكري، وسليمانُ ثقة، والتدليس عن الثِّقات غير قادح.

    فيتحصَّل من هذا أنَّ أبا سفيان سمع جابرًا، وصرَّح بأنَّه كان يجالسه عدَّة أشهر؛ لكنْ فيما روى عنه ما لم يسمعْه، وهذا الانقطاع معلومُ الواسطة، إذ كان يروي ما كتبه سليمان اليشكري عن جابر، وسليمان ثقة من أصحاب جابر[75]، وقدِ اعتمد على صحيفته غيرُ واحد من أصحاب جابر الذين سمعوا منه، وهذا يُصحِّح رواية أبي سفيان عن جابر.

    وأبو سفيان أحدُ المعروفين بالرِّواية عن جابر، وكان يُقارَن بينَه وبينَ أبي الزُّبير فيه، وقد مشَّى له الأئمَّة روايتَه عنه وقَبِلوها، فمن ذلك ما سبق، ومنه: تصحيحُ التِّرمذيِّ لغير حديثٍ عنه عن جابر، وقول العُقيليِّ - في إسنادٍ من طريق حفص بن غِياث، عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر -: "وهذا إسنادٌ صالح"[76]، وقول ابن عدي في أبي سفيان: "روى عن جابر أحاديث صالحة، رواها الأعمش عنه"[77]، ومن ذلك: تضافرُ إشارات ونصوص الأئمَّة في تقديم روايةِ أبي سفيان عن جابر في حديث الباب على رواية معقِل، وابن لَهِيعة عن أبي الزُّبير عن جابر.

    الأمر الثالث: سماعُ الأعمش من أبي سفيان، إذ قد نقل الكرابيسيُّ عن ابن المديني والشاذكوني قولهما: "روى الأعمشُ عن أبي سفيان أكثرَ من مائة، لم يسمعْ منها إلاَّ أربعة"، قال ابن المديني: "سمعتُ يحيى يقول ذلك"[78]، وقال البزَّار: "الأعمش لم يسمعْ من أبي سفيان، وقد روى عنه نحوَ مائة حديث"[79]، وقال ابن حبَّان في أبي سفيان: "وكان الأعمش يدلِّس عنه"[80].

    فأمَّا عدم السَّماع، ففيه نقل الكرابيسيُّ، وكلمة البزَّار:
    أمَّا نقْل الكرابيسي، فالظاهر أنَّه في كتاب المدلِّسين له، وهذا الكتاب ذمَّه الإمام أحمد ذمًّا شديدًا، وأنكره عليه أبو ثور، وغيره من العلماء، قال ابن رجب: "وقد تسلَّط كثيرٌ ممَّن يطعن في أهل الحديث عليهم بذكْرِ شيء من هذه العِلل، وكان مقصودُه بذلك: الطَّعن في أهل الحديث جملةً والتشكيك فيه، أو الطَّعن في غير حديث أهل الحِجاز، كما فعله حسينٌ الكرابيسي في كتابه الذي سمَّاه بـ"كتاب المدلِّسين"، وقد تسلَّط بهذا الكتاب طوائفُ من أهل البِدع من المعتزلة وغيرهم في الطَّعن على أهل الحديث، كابن عبَّاد الصاحب ونحوه، وكذلك بعضُ أهل الحديث ينقل منه دسائسَ - إمَّا أنَّه يَخفَى عليه أمرها، أو لا يَخفى عليه - في الطعن في الأعمش ونحوه، كيعقوب الفسوي ونحوه"[81]، وانفرادُ مَن هذه حالُه بالنقل عن هؤلاء الأئمَّة لا يصحُّ الاعتماد عليه، ولم يُجب ابنُ رجب عن نقله؛ فالظاهر أنَّه لم يعتمدْه، ولم ينظر إليه؛ لظهورِ حال الناقل، وحال كتابه.

    وأمَّا كلمة البزَّار؛ فقال ابن رجب: "كذا قال، وهو بعيدٌ، وحديث الأعمش عن أبي سفيانَ مخرَّج في الصحيح"[82]، وقال الهيثمي: "عجبتُ من قوله: لم يسمعِ الأعمش من أبي سفيان"[83]، وقال أبو زرعة ابن العراقي: "وهذا غريبٌ جدًّا؛ فإنَّ روايته عنه في الكتب الستَّة، وهو معروف بالرِّواية عنه، لَمَّا ذكر المِزيُّ رواية الأعمش عنه قال: "وهو رَاويتُه"[84].

    قلت: ولا يكاد الأعمش أن يكون من أقران أبي سفيان"[85]، وأخشى أنَّ البزَّار استفاد كلمتُه من نقل الكرابيسي السابق، والله أعلم.

    وأمَّا التدليس، فتدليس الأعمش عن أبي سفيان مغتفَر؛ لأمرين:
    أحدهما: أنَّ ابن عدي نصَّ على أنَّ رواية الأعمش عن أبي سفيان مستقيمة، قال في أبي سفيان: "روى عن جابر أحاديثَ صالحة؛ رواها الأعمش عنه، ورواها عن الأعمشِ الثِّقاتُ، وهو لا بأسَ به، وقد روى الأعمشُ عنه أحاديثَ مستقيمة"[86]، واستقامة الحديث دليلٌ على عدم وجود التدليس القادح فيه.

    الثاني: أنَّ الأعمش أكَثَر عن أبي سفيان، واختصَّ به، حتى صار يُنسب إليه: "صاحب الأعمش"[87]، وحتى قيل في الأعمش: "رَاويتُه"[88]، وقد مرَّ أنَّ رواية المدلِّس عمَّن أكثر عنه واختصَّ به محمولةٌ على الاتصال، ورواية الأعمش عن أبي سُفيان من هذا الضرب.

    الأمر الرابع - مما قد تُعلُّ الرواية الموقوفة به:
    درجة أبي سفيان في جابر، إذ قد فضَّل أحمدُ وابنُ معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي - أبا الزُّبير على أبي سفيان في جابر؛ قال أحمد: "لأنَّ أبا الزبير أعلمُ بالحديث منه"[89]، وهذا يُفيد ترجيحَ رواية أبي الزُّبير لهذا الحديث مرفوعًا على رِواية أبي سفيان الموقوفة.

    والجواب: أنَّ رواية أبي الزُّبير لم تصحَّ عنه أصلاً؛ إذ سبق أنَّ طريقيها عنه عائدتانِ إلى ابن لهيعة، وقد عُلم ضعفُه، بل الظاهر أنَّ أبا الزُّبير موافق لأبي سفيان في وقْف الحديث، وأخطأ عليه ابن لِهيعة فرفَعَه - كما سبق أيضًا - والله أعلم.

    ب - رواية أبي المتوكل عن عمر:
    رواه قُرَاد أبو نوح، عن شُعبةَ، عن إسماعيل بن مسلم، عن أبي المتوكِّل، به.

    قال أبو حاتم: "إسماعيل هذا ليس به بأسٌ"[90]، وقال ابن عبدالهادي: "وإسماعيل بن مسلم هذا: هو العبديُّ البصري، روى له مسلم في صحيحه، ووثَّقه الإمام أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأبو زرعة، وأبو حاتم، والنَّسائي، وغيرُهم، وقال أبو حاتم عن مسلم بن إبراهيم: كان شُعبةُ يقول لنا: اذهبوا إلى إسماعيل بن مسلم العبديِّ، ولم يَذكر شُعبةَ في الرُّواة عن إسماعيلَ هذا البخاريُّ في تاريخه، ولا ابنُ أبي حاتم في كتابه، ولا شيخُنا أبو الحجَّاج في كتاب "تهذيب الكمال"، ولم يذكر الحافظُ أبو عبدالله محمد بن إسحاق بن مندَه في "معجم شعبة" أنَّه روى عن إسماعيل هذا شيئًا، بل قال: "شُعبة عن إسماعيل بن مسلم العبدي: بصري، سمع أبا الطفيل. أخبرنا أحمد بن سعد البغدادي - بتِنِّيس - ثنا أبو مُلَيل محمد بن عبدالعزيز بن ربيعة الكلابي، ثنا أبي، ثنا عبدالعزيز بن أَبَان، ثنا إسماعيل بن مسلم العبدي - قال عبدالعزيز: وكان شُعبة يُثني عليه"، لم يزد على هذا"[91].

    وأَبَانَ أبو حاتم عن علَّة الأثر، قال: "أبو المتوكِّل لم يسمعْ من عمر"[92]، وقال البيهقي: "وهذا منقطِع"[93]، والظاهر أنَّ العلَّة أبعدُ من الانقطاع بين أبي المتوكِّل وعمر، إذ ظاهر لفظ أبي المتوكِّل أنَّه يحكي الواقعةَ بين النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعمر، ثم قولَ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا مرسل.

    ج - رواية أبي قلابة عن عمر:
    أبو قلابة لم يدركْ عمر[94].

    د - رواية عبيد بن عمير عن عمر:
    رواه عبدالرحيم بن سليمان وهُشيم عن الحجَّاج "هو ابن أرطاة" - زاد هشيم: وعبدالملك "هو ابن أبي سليمان".

    وفي النَّفس شيء من ذِكْر عبدالملك؛ لأنَّ هُشيمًا موصوف بتدليس العطف، وهو أن يُحدِّث عن شيخ سمع الحديث منه، ويعطف عليه شيخًا لم يسمعْه منه[95]، وصورة هذا موجودة هنا، حيث روى هُشيم عن الحجَّاج بن أرطاة - وهو معروف عنه؛ إذ تابع هُشيمًا عبدُالرحيم بن سليمان - ثم عطف هُشيمٌ عبدَالملك بن أبي سليمان على الحجَّاج.

    فإن صحَّ هذا، فالحجَّاج بن أرطاة ضعيفٌ مدلِّس[96]، وانفراده عن عطاء ضعيف، ويؤيِّد هذا: أنَّ المتن مخالفٌ لِمَا رواه جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - وأبو قلابة عن عمر - على انقطاع رواية أبي قلابة؛ إذ في تلكما الرِّوايتين الأمر بإعادة الوضوء، لا بغسل الموضع فقط.

    وإن لم يصحَّ ما ذُكر من تدليسِ هُشيمٍ تدليسَ العطف، فرواية الحجَّاج تتقوى برواية عبدالملك بن أبي سليمان، ويكون هذا الإسنادُ حسنًا، قال البيهقي: "إسناده جيِّد"[97].

    وقد فسَّر به البيهقي ما ورد في الرِّوايات الأخرى عن عمر، قال: "هذا يدلُّ على أنَّ الذي أمر به عمر - رضي الله عنه - من إعادة الوضوء على طريق الاستحباب"[98]، إلاَّ أنَّ في إثبات هذا بهذه الرِّواية نظرًا، حيث إنَّ الذي في رواية جابر وأبي قِلابة عن عمر: الأمر المطلق بإعادة الوضوء - كما سبق - وروايتاهما أَوْلى بالصِّحة والتقديم؛ لجلالةِ جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - واتفاقِهما، وموافقتِها للمرفوع عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكونِ إسنادِ هذه الرِّواية ليس بالصحيح جدًّا.

    3 - تخريج حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -

    أخرجه أحمد (3/146)، وأبو داود (173)، ومن طريقه أبو عوانة في مستخرجه (692) والبيهقي (1/83) ، وعبدالله بن أحمد في زوائده على مسند أبيه (3/146)، وأبو يَعلَى (2944)، ومن طريقه أبو نعيم في الحِلية (8/330)، والضياء في المختارة (7/32)، وأبو عَوانة (692) والبيهقي (1/70) من طريق الصغاني، والبيهقي في الخلافيات (258) من طريق أحمد بن يوسف، سِتَّتُهم عن هارون بن معروف، وابن ماجه (665)، وابن حزم في المحلَّى (2/71)، والبيهقي في الخلافيات (259) من طريق حرملة بن يحيى، وابن خزيمة (164) والدارقطني (1/108) - ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (260) - من طريق أحمد بن عبدالرحمن بن وهْب، وابن خزيمة (164) من طريق أصبغ بن الفرج، والطبراني في الأوسط (6525) وابن عدي (2/126)، والسهمي في تاريخ جرجان (ص: 361)، من طريق أحمد بن عمرو بن السَّرح، وأبو الشيخ في طبقات المحدِّثين بأصبهان (3/422، 423)، وعنه أبو نعيم في أخبار أصبهان (1/123)، من طريق هارون بن موسى، والدارقطني في الأفراد (975 – أطرافه)، ومن طريقه الضياء في المختارة (7/31 - 32)، من طريق يونس بن عبدالأعلى، سَبعتُهم عن عبدالله بن وهب، حدَّثني جرير بن حازم: أنَّه سمع قتادة بن دعامة، حدثنا أنس بن مالك: أنَّ رجلاً جاء إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد توضَّأ وترك على قَدَمه مثلَ موضع الظُّفر، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ارجعْ فأَحِسنْ وُضوءَك».

    دراسة الإسناد:
    قال أبو داود: "وهذا الحديث ليس بمعروف [عن جرير بن حازم]، ولم يروِه إلاَّ ابنُ وهب"[99]، قال البيهقي: "يعني: بهذا الإسناد"[100]، وقال الطبراني: "لم يروِ هذا الحديثَ عن قتادة إلاَّ جريرُ بن حازم، تفرَّد به ابن وهب"[101]، وقال ابن عدي - بعد أن ذكره وحديثًا آخَرَ: "وهذان الحديثانِ تفرَّد بهما ابنُ وهب عن جرير بن حازم"[102]، وقال الدارقطني: "تفرَّد به جرير بن حازم عن قتادة، وهو ثقة"[103]، وقال: "تفرَّد به جريرُ بن حازم عنه - يعني: قتادة - ولم يروه عنه غيرُ ابن وهب"[104]، وقال أبو نعيم: "غريب من حديث جرير عن قتادة، لم يروِه عنه إلاَّ ابن وهب"[105].

    وفي هذا إجماعٌ من هؤلاء الأئمَّة على أنَّ الحديث فَرْد؛ رواه ابن وهب، عن جرير، ولم يُتابَع أيٌّ منهما عليه.

    وإن اغتُفر تفرُّد ابن وهب عن جرير؛ لجلالة ابن وهب، واعتمادِ الشيخَين وغيرهما روايتَهُ عنه، وحفظِهِ لهذا الحديث من غير وجه، فإنَّ في تفرُّد جرير - مع ثقته - عن قتادة نظرًا، فقد قال ابن معين: "ليس بشيء، هو عن قتادة ضعيف"، وقال أحمد: "كأنَّ حديثَه عن قتادة غيرُ حديث الناس، يُوقِف أشياء، ويُسنِد أشياء"، وقال: "كان يحدِّث بالتوهُّم أشياءَ عن قتادة يسندها؛ بواطيل"، وقال الأثرم: "حديثُه عن قتادة مضطرب"، وقال عبدالله بن أحمد - لَمَّا أجابه ابنُ معين بأن جريرًا ليس به بأس -: "يُحدِّث عن قتادة عن أنس أحاديثَ مناكير"، وقال ابن عدي: "وهو مستقيم الحديث، صالحٌ فيه، إلاَّ روايته عن قتادة؛ فإنَّه يروي أشياء عن قتادة لا يرويها غيرُه"[106].

    وحديث الباب بعضُ هذا، وإلى هذا أشارت كلماتُ الأئمَّة - الآنف نقلُها - في تفرُّد جرير عن قتادة به، وقال الذهبي: "مع غرابته؛ رواتُه ثقات، ولجرير ما يُنكَر عن قتادة، هذا منه"[107]، وقال ابن رجب: "وقد أنكر عليه أحمدُ ويحيى وغيرُهما من الأئمَّة أحاديثَ متعدِّدة يرويها عن قتادة عن أنس عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وذكروا أنَّ بعضها مراسيل أسندها؛ فمنها: حديثُه بهذا الإسناد في الذي توضَّأ، وترك على قَدَمه لُمعةً لم يصبْها الماء..."[108].

    وقد أسند أبو داود عقبَ حديث جرير هذا مباشرة: مرسلَ الحسن - الآتي إن شاء الله - والظَّاهر أنَّه أراد بذلك بيان منشأ وهْم جرير؛ إذ الظاهر أنَّ جريرًا وقع له هذا المرسل، فرواه على سبيل التوهُّم مسندًا عن قتادة عن أنس، وربَّما كان الذي وقع لجرير غيرُه، إلاَّ أنَّ روايته عن قتادة عن أنس - بكلِّ حال - متوهَّمة خاطئة.

    فالحديث منكرٌ عن أنس، وإن كان بعض العلماء - كابن خُزيمةَ وابن حزم والبيهقي[109] - نظر إلى ظاهر الإسناد؛ فلم يفطن إلى علَّته.

    4 - تخريج حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -

    أخرجه أبو عوانة في مستخرَجه (694)، والدارقطني (1/109) عن ابن صاعد، كلاهما عن أبي فروة يَزيد بن محمد بن يزيد بن سنان، والعقيلي في الضُّعفاء (4/182) عن علي بن الحسين بن الجنيد، وأحمد بن محمد بن أبي موسى، وابن أبي حاتم في العلل (1/67) عن محمد بن عوف، وأبو عمرو السمرقندي في الفوائد المنتقاة (69) عن أبي أمية، والطبراني في الأوسط (2219) والصغير (27) عن أحمد بن عبدالوهاب، وابن عدي في الكامل (6/359، 7/96) عن عمر بن الحسن بن نصر، والدَّارقطني (1/109) من طريق عبدالكريم بن الهَيثم، سبعتُهم عن أبي خَيثمة مصعب بن سعْد، وابن عدي (6/359) من طريق أحمد بن عبدالله بن ميسرة، والدارقطني (1/109) وابن شاهين في الناسخ والمنسوخ (128)، والرافعي في التدوين في أخبار قزوين (4/148) من طريق الحارث بن بَهْرام، أربعتُهم - أبو فَروة وأبو خيثمة وابن ميْسرة والحارث بن بَهْرام - عن المغيرة بن سقلاب، عن الوازع بن نافع، عن سالم بن عبدالله بن عمر، عن أبيه، عن جَدِّه عمر، عن أبي بكر الصِّدِّيق، قال: بينا أنا جالس مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذ جاءه رجل قد توضَّأ، وبقي على ظهْر قَدَمه مثلُ ظفر إبهامه، فأبصره رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ، فقال: ((ارجع فأتِمَّ وضوءَك))، قال: ففعل؛ لفظ أبي عوانة.

    إلاَّ أنَّ أحمد بن عبدالوهاب المِصِّيصي في روايته عن مصعب بن سعيد، عن المغيرة بن سقلاب - لم يَذكُرْ عمر بن الخطَّاب في الإسناد؛ جعله عن ابن عمرَ عن أبي بكر مباشرة، وقال الحارث بن بَهْرام عن المغيرة: عن ابن عمر، عن أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما...

    دراسة الإسناد:
    أسنده العُقيلي في ترجمة المغيرة بن سقلاب، وقال: "ولا يتابعُه إلاَّ مَن هو نحوُه"، وقال الطبراني: "لا يُروى عن أبي بكر الصِّدِّيق إلاَّ بهذا الإسناد، تفرَّد به المغيرة بن سقلاب"[110]، وقال ابن عدي: "ولا أعلم رواه عن الوازع بهذا الإسناد غير مغيرة هذا"[111]، وقال الدَّارقطنيُّ: "غريب من حديث سالم بن عبدالله بن عمر عن أبيه عن جَدِّه عن أبي بكر، تفرَّد به الوازع بن نافع عنه، وتفرَّد به المغيرة بن سقلاب عن الوازع"[112].

    وقد اخُتلف على المغيرة، فجُعل عن سالم، عن أبيه، عن جَدِّه، عن أبي بكر، وعن سالم، عن أبيه، عن أبي بكر، وعن سالم، عن أبيه، عن أبي بكر وعمر.

    والمغيرة بن سقلاب ضعيفٌ يروي مناكير[113]، والوازع بن نافع أسوأُ حالاً منه، تركه بعض العلماء[114]، وأعلَّ الدَّارقطنيُّ الحديثَ عقب تخريجه بضعْف الوازع.

    فهذا الحديث منكر جدًّا؛ للتفرُّد، والضعْف، والاختلاف.

    5- تخريج حديث أبي أمامة - رضي الله عنه -

    أخرجه الرُّوياني (1244) عن عمرو بن علي، والطبراني في الكبير (8/348) من طريق زيد بن الحريش، كلاهما عن ميمون بن زيد، عن ليثِ بن أبي سُليم، عن عبدالرحمن بن سابط، عن أبي أُمامة قال: نظر رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى رجل يتوضَّأ للصلاة، وترك موضعَ الظُّفر من الوضوء، فأمَرَه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يُسبِغ الوضوء، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلٌ للأعقاب من النار))؛ لفظ عمرو بن علي، وقال زيد بن الحريش: ((ويلٌ للعراقيب...)).

    دراسة الإسناد:
    الحديثُ معروف عن لَيْث عن ابن سابط، رَواه عنه عليُّ بن مُسهِر[115]، وجَرير[116]، وخالد بن عبدالله الواسطي[117]، وزائدة بن قُدامة[118]، وعبدالواحد بن زياد[119]، وجماعة غيرهم، ولم يَسُق أحدُهم الحديثَ كما ساقه ميمون بن زيد عن ليث، حيث اقتصر بعضُهم على لفظ: ((ويلٌ للأعقاب من النار))، وذَكَر بعضُهم قصَّة ذلك: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى قومًا يتوضؤون، فيبقى على أعقاب أحدِهم مثلُ موضع الدِّرهم لم يصبْه الماء، فقال ذلك، وزاد بعضُهم: فكان أحدُهم يَنظر، فإن رأى في عَقبِه موضعًا لم يصبْه الماء، أعادَ الوضوء، وفي لفظ: فخرج مَن كان بتلك المنزل، فتوضؤوا ورجعوا، ولم يذكر أحدٌ مِن هؤلاء الرُّواة أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أمَرَهم بإعادة الوضوء، قال البيهقي: "وهذا - إن صحَّ - فشيءٌ اختاروه لأنفسهم..."[120].

    وقد اختُلف على لَيْث بن أبي سُلَيم في صحابي الحديث، حيث قيل عنه: عن أبي أُمامة، وقيل: عن أخي أبي أُمامة، وقيل: عن أبي أُمامة أو أخيه، وليس هذا موضعَ التفصيل في ذلك.

    وميمون بن زيد راوي الحديث هو أبو إبراهيم السَّقاء، قال فيه البزَّار: "ليس به بأس"[121]، وقال أبو حاتم: "لَيِّن الحديث"، وقال الأزدي: "سيِّئ الحفظ، كثير الخطأ، فيه ضعْف"، وذكره ابن حبَّان في الثِّقات، وقال: "يخطئ"[122]، فالرَّجل ضعيف، وسياقه منكر، هذا على أنَّ ليث بن أبي سليم نفسَه ضعيف، وأنَّ يحيى بن معين نَفَى سماع عبدالرحمن بن سابط من أبي أمامة - إن كان هو صحابيَّ الحديث.

    6- تخريج حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنه -

    أخرجه البيهقي في الخِلافيات (269) عن علي بن أحمد بن عَبْدان، عن أحمد بن عُبيد - هو الصَّفَّار - عن ابن ناجية، عن الوليد بن مسلم[123]، أخبرني رجلٌ، عن عمرو بن دينار، عن جابر: أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال لذلك الرَّجل - يعني: رجلاً توضَّأ، فَتَرك في رِجْليه موضعَ دِرهم لم يصبْه الماء -: ((انطلق فأحْسِن وضوءَك))، فرجع الرَّجل، فغسل ذلك المكان.

    دراسة الإسناد:
    فيه الرَّجل الذي أبهمه الوليد بن مسلم.

    والحديثُ بهذه السِّياقة منكر؛ فإنَّه معروف عن جابر بسياقة أخرى، حيث رواه أبو سفيان طلحةُ بن نافع[124] وسعيدُ بن أبي كرب[125]، كلاهما عن جابر، قال: رأى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قومًا يتوضؤون فلم يمسَّ أعقابَهم الماءُ، فقال: ((ويلٌ للأعقاب من النار))، وأمَّا أمرُه بإحسان الوضوء، فإنَّما جاء عن جابر عن عمر - وقد سبق.

    7- تخريج مرسل الحسن البصري

    أخرَجَه ابنُ أبي شَيْبة (445) عن ابن عُليَّة، وأبو داود (174) - ومن طريقه البيهقي (1/83) - من طريق حمَّاد، كلاهما عن يونس، وأبو داود (174) - ومن طريقه البيهقي (1/83) - من طريق حُميد، كلاهما - يونس وحُميد - عن الحسن: أنَّ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى رجلاً تَرَك من قَدَمه موضعَ ظُفر، فقال له رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أَحْسِنْ وُضوءَك))، قال يونس: فكان الحسنُ يغسل ذلك المكان؛ لفظ ابن أبي شَيْبة، وأحال أبو داود على لفظ حديث جَرير عن قتادةَ عن أنس - وقد سبق.

    دراسة الإسناد:
    صحيحٌ عن الحسن، مرسَل.

    الخلاصة

    صحَّ الحديث مرفوعًا عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - من حديث خالد بن مَعْدان، عن بعض أصحاب النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وفيه الأمر بإعادة الوضوء والصلاة.

    وصحَّ موقوفًا على عمر من حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - عنه، وفيه الأمر بإعادة الوضوء والصلاة - كما في المرفوع - وجاء بطريق محتملة للتحسين من حديث عُبيد بن عمير عن عمر، وفيه الأمر بغسل الموضعِ الذي ترك غسلَه وإعادة الصلاة، إلاَّ أنَّ رواية جابر أولى بالتقديم؛ لوجوه سبق ذِكرُها في الكلام على رواية عبيد بن عمير.

    وصحَّ عن الحسن مرسلاً، وفيه الأمر بإحسان الوضوء.

    ولم يصحَّ الحديث من وجه آخَرَ.
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  5. #45
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    ـــــــــــــــ ــــ الهوامش ـــــــــــــــ ــــ
    [1] المغني (1/192).
    [2] شرح النووي على صحيح مسلم (3/132).
    [3] إعلاء السنن (1/120).
    [4] وقع في نقل بعض العلماء عن رواية المسند: عن بعض أزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والذي في المسند وأطرافه لابن حجر (8/266)، كما أثبت، وقد ذكره أحمد في سياق أحاديث بعض الصحابة ممن لم يُسَمَّ، لا في مسانيد النساء.
    [5] المحلى (2/71).
    [6] الأحكام الوسطى (1/184).
    [7] مختصر سنن أبي داود (1/128).
    [8] تهذيب السنن (1/204).
    [9] شرح ابن ماجه (3/220).
    [10] تهذيب الكمال (4/198).
    [11] أي: روى بطريق التدليس أحاديثَ سمعها من هؤلاء الضعفاء؛ رواها عن أولئك الثقات الذين رآهم، فكان يقول...
    [12] المجروحين (1/200 - 201)، ونقله السمعاني في الأنساب (5/119) وغيره، وفي كلام ابن حبان هذا إلقاء لتبعة تدليس التسوية على بعض تلامذة بقية، لا عليه هو، وقد اشتهر عند المتأخرين أن بقية يدلس تدليس التسوية، واعتمادهم في ذلك على حديث أو حديثين حكم فيهما أبو حاتم الرازي - في العلل (2/133 – 154) - بأن بقية دلَّس تدليس تسوية، إلاَّ أنَّ ضمَّ ذلك إلى كلام ابن حبَّان، مع عدم وجود أمثلة صحيحة غير ما ذكر أبو حاتم - وإن وجد فنادر - يدلُّ على أنَّ تدليسَ بقيةَ التسويةَ إن ثبت فنادر، وربَّما لا يتعدَّى هذين المثالين، وعليه؛ فإن الأرجح: أن يُنفَى تدليس بقية إذا صرَّح بالتحديث عن شيخه، إلاَّ أن يتبين أنه سوَّى الإسناد بجمع طرقه، أو بنصٍّ من أحد الأئمة في الحديث بعينه، وقد أطال في نفي صحة تدليس التسوية عن بقية الشيخُ الألباني - رحمه الله - في الضعيفة (12/107 - 111)، وانظر: مقدمة الشيخ عبدالله السعد على كتاب منهج المتقدِّمين في التدليس (ص: 28).
    [13] هكذا عزَا غيرُ واحد من المتأخِّرين الحديث إلى المستدرك، قال ابن الملقِّن - بعد أن نقل هذا الكلام لابن دقيق العيد في البدر المنير (2/240): وقوله: قلت­: في المستدرك... لعلَّه وهم من الناسخ؛ فإن هذا الحديث ليس له ذكرٌ فيه، وإنما صوابه: في المسند؛ يعني: لأحمد بن حنبل؛ فإنه أخرجه كذلك فيه.
    [14] الإمام (2/11).
    [15] شرح ابن ماجه (3/221).
    [16] تهذيب السنن (1/204).
    [17] كما سبق في الحاشية 12.
    [18] تعليقة على عِلل ابن أبي حاتم (ص: 157) في التعليق على هذا الحديث، وقال نحوه في تنقيح التحقيق (4/658) في التعليق على حديث آخر، وقال فيه: حسنة أو صحيحة.
    [19] المعرفة والتاريخ، ليعقوب الفسوي (2/387).
    [20] انظر: تاريخ أبي زرعة الدمشقي (1/398 - 399)، الجرح والتعديل (2/435 - 436)، الكامل، لابن عدي (2/73 - 74).
    [21] سؤالات الآجري لأبي داود (2/241)، سؤالات أبي داود لأحمد (ص: 260 - 261).
    [22] انظر: الاتصال والانقطاع، للشيخ إبراهيم اللاحم (ص: 336 - 340)، وفيه نقل أقوال الأئمة متقدِّميهم ومتأخِّريهم في تقرير ذلك، التدليس، لصالح الجزائري (ص: 155 - 157).
    [23] ضعفاء العقيلي (1/162).
    [24] الأحكام الوسطى (2/27)، (4/106)، ووقع في الموضعين تصحيف، تصويبه من بيان الوهم والإيهام، لابن القطَّان (4/166).
    [25] شرح علل الترمذي (2/774).
    [26] وليس قول أحمد وابن رجب: حدَّث يُراد به: التصريح بالتحديث، بل هذا الإطلاق يشمل ما لم تكن فيه صيغة الرِّواية صريحة في السَّماع؛ لأنَّه يصدق عليه أنه حدَّث به، ومثله قول الرواة: سمعت فلانًا يحدِّث عن فلان؛ أي: أنه سمع شيخه - وجلس في مجلس التحديث - ساق حديثًا عن فلان، ولا يُدرَى مصرحًا بالسماع أم لا، وانظر: الجوهر النقي (10/168).
    [27] السنن (1/83)، معرفة السنن (1/312)، وعبَّر عن ذلك في السنن الصغرى (1/166) بالانقطاع.
    [28] الإمام (2/11)، وهذا مذهب للبيهقي، ردَّه كثير من أهل الحديث، وانظر من ذلك: الجوهر النقي (1/190)، 191)، النكت، لابن حجر (2/563 - 564)، ويأتي طرف منه.
    [29] المحلى (2/71).
    [30] الإمام (2/11).
    [31] تعليقة على علل ابن أبي حاتم (ص: 157).
    [32] تنقيح التحقيق (1/225).
    [33] المهذب في اختصار سنن البيهقي (1/88).
    [34] شرح ابن ماجه (3/221).
    [35] تهذيب السنن (1/205)، وذكر بعدَهُ أصلَ ابن حزم في توثيق وتعديل كل نساء النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وهذا فرعٌ عن كون الرِّواية في مسند أحمد: عن بعض أزواج النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - وتقدَّم أن الذي في المسند غير ذلك.
    [36] نقله بفقرتيه: ابن دقيق العيد في الإمام (2/11)، وعنه - فيما يظهر - ابن الملقِّن - في البدر المنير (2/239)، ونقل الفقرة الأولى: ابن قدامة في المغني (1/186)، وابن عبدالهادي - في تنقيح التحقيق (1/225) وتعليقته على علل ابن أبي حاتم (ص: 158، وابن القيم - في تهذيب السنن (1/204)، وغيرهم.
    [37] تعليقة على علل ابن أبي حاتم (ص: 157).
    [38] تفسيره (3/56).
    [39] انظر: تهذيب التهذيب (3/102 - 103).
    [40] ذكره ابن قدامة - في المغني (1/186)، ولم أخرجه منه لأنَّه لم يسق من إسناده شيئًا.
    [41] هو النيسابوري البزاز، رفيق مسلم في رحلته، وقد وقع في مطبوعة البيهقي: ... أحمد بن سلمة البزاز، نا الحسن بن محمد بن أعين...، والظاهر أنه سقط سلمة بن شبيب بينهما، فإن أحمد بن سلمة لم يلحق ابن أعين، وعامَّة الروايات تدور على سلمة بن شبيب، فالظاهر أنه المتفرد به عن الحسن بن محمد بن أعين.
    [42] قال الذهبي مختصِرًا هذه الطريق - في اختصار سنن البيهقي (1/89) -: الثوري في الجامع: عن الأعمش...، فالظاهر أنَّ هذا الإسناد هو إسناد البيهقي إلى جامع الثوري.
    [43] وقع فيه: ابن عمر، وصوَّبه محققه.
    [44] مسنده (1/350).
    [45] يُلاحظ أن مسلمًا أخرج الحديث في آخر أحاديث غسل الرِّجْلين في الوضوء، فالظاهر أنه لم يكن بالمعتمد عليه، إن لم يكن فعل ذلك ليشير إلى علَّته.
    [46] علل أحاديث مسلم (5).
    [47] شرح علل الترمذي (2/793).
    [48] السابق (2/866)، وانظر: جامع العلوم والحكم له (2/451).
    [49] قال ابن عدي - في الكامل (4/146) -: ولابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر نسخة، يحدِّث بذلك ابن بكير وقتيبة وغيرهما من المتأخرين، وانظره (6/432)، وانظر: مسند أحمد (3/335، 337، 339، 342، 345 ، 349، 360، 386، 387، 393، 397)، وقد سئل ابن معين عن هذه النسخة، قال الدارمي - في تاريخه عنه 533 -: قلت: كيف رواية ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر؟ فقال: ابن لهيعة ضعيف الحديث، ونصُّه على تضعيفه مع كون السؤال عن هذه النسخة يُفيد أنَّ فيها ما يُضعَّف بسببه.
    [50] الكامل (6/453).
    [51] مشاهير علماء الأمصار (ص: 186 - ولم ينقل في التهذيبين.
    [52] انظر: تهذيب التهذيب (10/210).
    [53] قاله ابن رجب - في شرح العلل (2/794) - وانظر: بيان الوهم والإيهام (5/505).
    [54] وفي ذلك تفصيل ليس هذا محلُّه، ويُنظر: النقد البناء لحديث أسماء في كشف الوجه والكفين للنساء، للشيخ طارق بن عوض الله (ص: 43 - 50)، وللشيخ أحمد معبد عبدالكريم بحث معروف مطوَّل - في تعليقه على النفح الشذي، لابن سيد الناس (2/792 – 863) خلص فيه إلى ما ذُكر، وسبق - في الحاشية 49 - تضعيف ابن معين لرواية ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر خاصَّة.
    [55] مسنده (1/350)، وما بين المعقوفين ساقط منه، والصواب إثباته.
    [56] علل أحاديث مسلم (5).
    [57] انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء (16/51 - 59).
    [58] نقله ابن حجر في النكت الظراف (8/16 - 17).
    [59] السنن (1/84).
    [60] المحلى (2/71).
    [61] معرفة الثقات (1/481).
    [62] مشاهير علماء الأمصار (ص: 109 - ولم يذكر في التهذيبين).
    [63] انظر: تهذيب التهذيب (5/24).
    [64] انظر: شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/852)، تهذيب التهذيب (5/24 - 25).
    [65] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص: 388).
    [66] وأخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي - في المعرفة والتاريخ (3/229) - من طريق عيسى بن يونس، عن الأعمش، ولفظه: "كنا نأتي جابرًا وهو مجاور ستة أشهر".
    [67] التاريخ الكبير (4/346).
    [68] شرح علل الترمذي (2/852 - 853).
    [69] الكنى والأسماء (1/386).
    [70] تهذيب الكمال (13/440).
    [71] مقدمة الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (1/144).
    [72] الجرح والتعديل (4/136).
    [73] في المطبوع: على، والتصويب من نسخة ابن سعدالله الحنبلي - وهي إحدى نسخ المحقق، ولم يشر في الحاشية إلى خلاف بين النسخ.
    [74] معرفة علوم الحديث (ص: 339 - 340).
    [75] انظر: تهذيب التهذيب (4/188).
    [76] ضعفاء العقيلي (2/220).
    [77] الكامل (4/113).
    [78] شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/855).
    [79] كشف الأستار (2/36)، واحتمل محققه أن في نقل كلمة البزار خطأً، وأنه أراد: أن أبا سفيان لم يسمع من جابر، وربما أيد ذلك أنه عقب هذه العلة بقوله: وإنما نذكر من حديثه ما لا نحفظه عن غيره لهذه العلة، وهو في نفسه ثقة، وهو يعني بكلمته الأخيرة أبا سفيان لا غير.
    [80] الثقات (4/393).
    [81] شرح علل الترمذي (2/892 - 893).
    [82] السابق (2/856).
    [83] كشف الأستار (2/36).
    [84] تهذيب الكمال (13/439).
    [85] تحفة التحصيل (ص: 137).
    [86] الكامل (4/113)، ووقع فيه تصحيف واضطراب، تصويبه من مختصره، للمقريزي (ص: 440 - 441)، ومن النقل في تهذيب الكمال (13/440)، وهدي الساري (ص: 411)، وغيرها.
    [87] العلل ومعرفة الرجال، لأحمد (3/225) - رواية عبدالله - تاريخ ابن معين - برواية الدوري – (2865)، المعرفة والتاريخ (2/797)، (3/236).
    [88] سبق من كلام المزي.
    [89] انظر: تهذيب الكمال (13/439)، (26/406 - 409)، سنن النسائي الكبرى (2/443) - وهو مما يستدرك على التهذيبين في ترجمة أبي سفيان وأبي الزبير.
    [90] العلل، لابنه (1/54).
    [91] تعليقة على علل ابن أبي حاتم (ص: 156 - 157).
    [92] العلل (1/54)، المراسيل (ص: 139).
    [93] الخلافيات (1/460).
    [94] المحلى (2/71)، تهذيب الكمال (14/543).
    [95] انظر: مقدمة الشيخ عبدالله السعد لكتاب منهج المتقدِّمين في التدليس (ص: 30 - 31)، حيث ذكر مثالاً جيِّدًا لتدليسِ هشيم تدليسَ العطف، سوى المثال المعروف.
    [96] انظر: تهذيب التهذيب (2/172 - 174).
    [97] الخلافيات (1/463).
    [98] الخلافيات (1/463)، السنن (1/84).
    [99] السنن (1/44)، وما بين المعقوفين اختلفت المصادر الناقلة في ذكره وإسقاطه، ولم يُذكر في تحفة الأشراف (1/302)، وزاد أبو عوانة في نقله كلام أبي داود - عقب إسنادِهِ الحديثَ عنه -: ولا عن قتادة، والظاهر أنَّ هذا الاختلاف من رواة السنن، انظر: شرح مغلطاي على ابن ماجه (3/218).
    [100] السنن (1/83).
    [101] المعجم الأوسط (6/323).
    [102] الكامل (2/126).
    [103] السنن (1/108).
    [104] أطراف الغرائب والأفراد (1/206).
    [105] حلية الأولياء (8/330).
    [106] انظر: سير أعلام النبلاء (7/103)، شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/699 - 784)، تهذيب التهذيب (2/61 - 62).
    [107] المهذب في اختصار سنن البيهقي (1/89).
    [108] شرح علل الترمذي (2/784 - 785).
    [109] المحلى (2/71)، الخلافيات (1/454 - 456)، وتبعهم بعض المتأخِّرين والمعاصرين، وقد قال الشيخ الألباني - رحمه الله - بعد نقل بعض كلام الأئمة في رواية جرير عن قتادة - في صحيح أبي داود (1/309) - الأم -: قلت: "ونحن نرى أنَّ الحديث صحيح؛ فإنَّ جريرًا ثقة حجَّة بالاتفاق إلا في روايته عن قتادة، وليس عندنا ما يدل على أنه وهم في روايته هذه عنه، بل الأحاديث في الباب تشهد له".
    وتطلُّب دليل على وهمه مناقضٌ لتضعيف روايته عن قتادة، إذ روايته عن قتادة إذًا كرواية أيِّ راوٍ ضعيف، ولا يُقال في رواية الضعيف: إنَّه لا دليل على وهمه، مع أنه ربما أصاب؛ إذ إن تضعيفَه دليلٌ على كثرة وهمه وغلطه، وعليه؛ فالأصل في روايته: ألا يُقبل ما يرويه إلا إن ظهر دليلٌ على إصابته، ولا دليل هنا على ذلك، بل قد دلَّت الدلائل على غلط جرير فيه؛ منها: تفرده عن قتادة دون سائر أصحابه، ومعرفة الحديث في البصرة عند أصحاب الحسن مرسلاً عنه، وهذا - مع ضعف جرير في قتادة - يفيد نكارة هذه الرواية، والمنكر لا يستفيد التعضيد والتقوية؛ لأنه أبدًا منكر - كما قال الإمام أحمد.
    [110] المعجم الصغير (1/39).
    [111] الكامل (6/359).
    [112] أطراف الغرائب والأفراد (1/33).
    [113] انظر: لسان الميزان (6/78).
    [114] انظر: لسان الميزان (6/213).
    [115] مصنف ابن أبي شيبة (272)، المعجم الكبير (8/347).
    [116] تاريخ ابن أبي خيثمة (2550) - السفر الثاني، الآحاد والمثاني (1251)، المعجم الكبير (8/348).
    [117] مسند الروياني (1240).
    [118] تفسير الطبري (10/74).
    [119] المعجم الكبير (8/348 - 349)، سنن الدارقطني (1/108)، سنن البيهقي (1/84).
    [120] السنن (1/84).
    [121] مسنده (11/146) - وهو مما يستدرك على اللسان.
    [122] انظر: لسان الميزان (6/141) - وقد خلطه ابن حجر بآخر مدني، الثقات (9/173).
    [123] وقع فيه: ابن ناجية، ثنا أبو الوليد بن مسلم، والظاهر أنَّ شيخَ ابن ناجية الراويَ عن الوليد بن مسلم هنا: أبو الوليد القرشي؛ أحمد بن عبدالرحمن بن بكار، وسبق نظر الناسخ، أو الطابع، فكتب: أبو الوليد بن مسلم. ولابن ناجية روايةٌ عن أبي الوليد عن الوليد، انظر: الكامل، لابن عدي (7/21)، تاريخ بغداد (4/241).
    [124] مصنف ابن أبي شيبة (268)، مسند أحمد (3/316)، مسند أبي يعلى (2308)، تفسير الطبري (10/71)، مستخرج أبي عوانة (689)، المعجم الصغير (781)، وغيرها.
    [125] مسند الطيالسي (ص: 248)، الطهور، لأبي عبيد (378)، (379)، (380)، مصنف ابن أبي شيبة (271)، مسند أحمد (3/369، 390، 393)، التاريخ الكبير، للبخاري (5/209)، سنن ابن ماجه (454)، مسند أبي يعلى (2065)، (2145)، ومعجمه (15)، تفسير الطبري (10/69 - 71)، شرح معاني الآثار (1/38)، أحكام القرآن، للطحاوي (40)، الأوسط، لابن المنذر (404)، المعجم الأوسط (2830)، (5650)، حلية الأولياء (9/25)، التمهيد (24/253)، وغيرها.
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  6. #46
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    48-(1/189، 190) ("والنية... شرط... لطهارة الأحداث كلها"؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات»).


    أخرجه البخاري (1، 54، 2529، 3898، 5070، 6689، 6953) ومسلم (1907) من طرق عن عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر بن الخطاب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: « إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها؛ فهجرته إلى ما هاجر إليه», لفظ البخاري في الموضع الأول.
    وانظر: المسند الجامع (10626).

    قال ابن رجب: (هذا الحديث تفرد بروايته يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن علقمة بن وقاص الليثي، عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وليس له طريق يصح غير هذا الطريق، كذا قال علي بن المديني وغيره، وقال الخطابي: "لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في ذلك"، مع أنه قد روي من حديث أبي سعيد وغيره[1]، وقد قيل: إنه روي من طرق كثيرة، لكن لا يصح من ذلك شيء عند الحفاظ.

    ثم رواه عن الأنصاري الخلق الكثير والجم الغفير، فقيل: رواه عنه أكثر من مائتي راوٍ، وقيل: رواه عنه سبعمائة راوٍ؛ ومن أعيانهم: الإمام مالك، والثوري، والأوزاعي، وابن المبارك، والليث بن سعد، وحماد بن زيد، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم. واتفق العلماء على صحته وتلقيه بالقبول...)[2].

    49-(1/208، 209) ("ويغسل الأقطع بقية المفروض"؛ لحديث: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، متفق عليه).


    أخرجه البخاري (7288) ومسلم في الفضائل؛ باب باب توقيره -صلى الله عليه وسلم- وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه... (1337) من طريق أبي الأعرج، ومسلم في الحج؛ باب فرض الحج مرة في العمر، وفي الفضائل؛ باب باب توقيره -صلى الله عليه وسلم- وترك إكثار سؤاله عما لا ضرورة إليه... (1337) من طريق محمد بن زياد، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وسعيد بن المسيب، وأبي صالح، وهمام بن منبه، كلهم عن أبي هريرة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم». لفظ البخاري.
    وانظر: المسند الجامع (13367، 14514-14520).

    50-(1/209، 210) ("ثم يرفع نظره إلى السماء" بعد فراغه[3]، "ويقول ما ورد"؛ ومنه: «أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله»).


    أخرجه مسلم (234) من طريق عبد الرحمن بن مهدي، وزيد بن الحباب، كلاهما عن معاوية بن صالح، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني وأبي عثمان، عن جبير بن نفير، عن عقبة بن عامر قال: كانت علينا رعاية الإبل، فجاءت نوبتي، فروحتها بعشي، فأدركت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائمًا يحدث الناس، فأدركت من قوله: «ما من مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه، ثم يقوم فيصلي ركعتين مقبل عليهما بقلبه ووجهه؛ إلا وجبت له الجنة»، فقلت: ما أجود هذه! فإذا قائل بين يدي يقول: التي قبلها أجود، فنظرت، فإذا عمر، قال: إني قد رأيتك جئت آنفًا، قال: «ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ -أو: فيسبغ- الوضوء، ثم يقول: "أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبد الله ورسوله"؛ إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية، يدخل من أيها شاء». لفظ ابن مهدي عن معاوية، وقال زيد بن الحباب: «من توضأ فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله».
    وانظر: المسند الجامع (9814-9817).

    51-(1/214، 215) ("يجوز[4] يومًا وليلة" لمقيم ومسافر لا يباح له القصر، "ولمسافر" سفرًا يبيح القصر "ثلاثة" أيام "بلياليها"؛ لحديث علي يرفعه: للمسافر ثلاثة أيام بلياليهن، وللمقيم يوم وليلة، رواه مسلم).


    أخرجه مسلم (276) من طريق شريح بن هانئ، قال: أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب، فسله؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسألناه، فقال: جعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم.
    وانظر: المسند الجامع (10013).

    52-(1/220) ("وجورب صفيق[5]"، وهو ما يلبس في الرِّجْل على هيئة الخف من غير الجلد؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين والنعلين، رواه أحمد وغيره، وصححه الترمذي).

    منكـر.


    1- حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-:
    أ- رواية هزيل بن شرحبيل عنه:
    أخرجه ابن أبي شيبة (1973)، وأحمد (4/252) -ومن طريقه ابن حزم في المحلى (2/81، 82)، ومسلم في التمييز (79) عن يحيى بن يحيى، وأبو داود (159) عن عثمان بن أبي شيبة، والترمذي (99) عن هناد، ومحمود بن غيلان، والنسائي في الكبرى (129) - ومن طريقه ابن حزم في المحلى (2/81، 82) عن إسحاق بن راهويه، وابن ماجه (559) عن علي بن محمد، وابن خزيمة (198) عن سلم بن جنادة، والطبراني في الكبير (20/415) من طريق يحيى بن عبدالحميد الحماني، عشرتهم عن وكيع بن الجراح، وعبد بن حميد (398)، وابن خزيمة (198) عن بندار، ومحمد بن الوليد، وابن المنذر في الأوسط (488) والبيهقي (1/283، 284) من طريق علي بن الحسن، والعقيلي في الضعفاء (2/327) عن إبراهيم بن عبدالله، والطحاوي في شرح المعاني (1/97) عن أبي بكرة، وإبراهيم بن مرزوق، والطبراني في الأوسط الكبير (2/414) والأوسط (2645) عن أبي مسلم الكشي، والبيهقي (1/284) من طريق محمد بن أحمد بن أنس، تسعتهم عن أبي عاصم الضحاك بن مخلد، وابن خزيمة (198) -وعنه ابن حبان (1338)- عن محمد بن رافع، وابن خزيمة (198) عن أحمد بن منيع، والطبراني في الكبير (20/415) من طريق يحيى الحماني، ثلاثتهم عن زيد بن الحباب، والطبراني في الكبير (20/415) من طريق عبدالحميد الحماني، وابن المبارك، وعبدالله بن أحمد في العلل لأبيه (3/366، 367) -تعليقًا- عن الأشجعي، ستتهم -وكيع وأبو عاصم وزيد بن الحباب والحماني وابن المبارك والأشجعي- عن سفيان الثوري، عن أبي قيس عبدالرحمن بن ثروان الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. لفظ أحمد.

    ب- رواية عمرو بن وهب عن المغيرة:
    أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في طبقات المحدثين بأصبهان (4/13) من طريق إسماعيل بن يزيد، عن أبي داود، عن سعيد بن عبدالرحمن، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، عن المغيرة بن شعبة، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على العمامة والجوربين والخفين.

    ج- رواية فضالة بن عمرو عن المغيرة:
    أخرجه الإسماعيلي في معجم شيوخه (327) عن عبدالرحمن بن محمد بن الحسن بن مرداس، عن أحمد بن سنان، قال: سمعت عبدالرحمن بن مهدي يقول: عندي عن المغيرة بن شعبة ثلاثة عشر حديثًا في المسح على الخفين، فقال أحمد الدورقي: حدثنا يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة بن عمرو الزهراني، عن المغيرة بن شعبة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. قال: فلم يكن عنده -يعني: ابن مهدي-؛ فاغتمّ.

    دراسة الأسانيد:
    أ- رواية أبي قيس، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة:
    قال الثوري: (لم يجئ به غيره)[6] -يعني: أبا قيس-، وقال أحمد: (ليس يُروى هذا إلا من حديث أبي قيس)[7]، وقال الطبراني: (لم يروِ هذا الحديث عن أبي قيس إلا سفيان)[8]، وقال الدارقطني: (لم يروه غير أبي قيس)[9].

    وقد أنكر هذا الحديثَ جماعةٌ من الأئمة:
    قال ابن المبارك: (عرضت هذا الحديث -يعني: حديث المغيرة من رواية أبي قيس- على الثوري، فقال: لم يجئ به غيره؛ فعسى أن يكون وهمًا)[10]، وقال الثوري -فيما روى عبدالرحمن بن مهدي عنه-: (الحديث ضعيف -أو: واهٍ، أو كلمة نحوها-)[11].
    وقال أحمد: (أبىٰ عبدُالرحمن بن مهدي أن يحدث به، يقول: "هو منكر" -يعني: حديث المغيرة هذا-، لا يرويه إلا من حديث أبي قيس)[12]، وقال أبو داود: (كان عبدالرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث؛ لأن المعروف عن المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين)[13]، وقال أبو قدامة السرخسي عن ابن مهدي: (قلت لسفيان الثوري: "لو حدثتني بحديث أبي قيس عن هزيل ما قبلته منك...")[14].
    وقال البخاري -بعد أن ساق حديثًا من رواية أبي قيس-: (وكان يحيى ينكر على أبي قيس حديثين: هذا، وحديث هزيل عن المغيرة: مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- على الجوربين)[15].
    وقال أحمد بن حنبل: (المعروف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه مسح على الخفين، ليس هذا إلا من أبي قيس، إن له أشياء مناكير)[16]، وقال: (أحاديث أبي قيس ليست صحيحة، المعروف عن المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين)، وقال عن أبي قيس: (ليس به بأس، قد أنكروا عليه حديثين، أحدهما: حديث المغيرة في المسح...)[17].
    وقال المفضل بن غسان: سألت أبا زكريا -يعني: يحيى بن معين- عن هذا الحديث، فقال: (الناس كلهم يروونه: "على الخفين" غير أبي قيس)[18].
    وقال ابن المديني: (حديث المغيرة بن شعبة في المسح رواه عن المغيرة أهلُ المدينة وأهلُ الكوفة وأهلُ البصرة، ورواه هزيل بن شرحبيل عن المغيرة، إلا أنه قال: "ومسح على الجوربين"؛ وخالف الناس)[19].
    وقال مسلم: (ذكر خبر ليس بمحفوظ المتن)، ثم ساقه، ثم قال: (حدثنا أبو بكر، ثنا أبومعاوية، عن الأعمش، عن مسلم، عن مسروق، عن المغيرة قال: كنت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر...، وساقه. الأسود بن هلال، عن المغيرة. وعلي بن ربيعة، خطبنا المغيرة. وإياد بن لقيط، عن قبيصة بن برمة، عن المغيرة بن شعبة. وعن حمزة بن المغيرة، عن أبيه. وعروة بن المغيرة، عن أبيه. والزهري، عن عباد، عن عروة وبكر بن عبدالله، عن ابن المغيرة، عن المغيرة. وسليمان التيمي، عن بكر، عن الحسن، عن ابن المغيرة بن شعبة، عن أبيه. وشريك، عن أبي السائب، عن المغيرة. ومحمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن المغيرة. وعروة بن المغيرة، عن أبيه. وعامر وسعد بن عبيدة، قالا: سمعنا المغيرة. وأبو العالية، عن فضالة، عن المغيرة. وعمرو بن وهب، عن المغيرة. وابن عون، عن عامر، عن عروة، عن المغيرة. وابن سيرين، عن المغيرة. وقتادة، عن الحسن وزارة بن أبي أوفى، عن المغيرة. وحريز بن حية الثقفي عن المغيرة)، قال مسلم: (قد بيَّنَّا مِنْ ذِكْرِ أسانيد المغيرة في المسح بخلاف ما روى أبو قيس عن هزيل عن المغيرة= ما قد اقتصصناه -وهم من التابعين وأجلتهم؛ مثل مسروق-)، وذَكَرَ من قد تقدم ذكرهم، (فكل هؤلاء قد اتفقوا على خلاف رواية أبي قيس عن هزيل، ومن خالف خلاف بعض هؤلاء بَيِّنٌ لأهل الفهم من الحفظ في نقل هذا الخبر وتحمل ذلك، والحمل فيه على أبي قيس أشبه؛ وبه أولى منه بهزيل؛ لأن أبا قيس قد استنكر أهل العلم من روايته أخبارًا غير هذا الخبر، سنذكرها في مواضعها -إن شاء الله-)[20].
    وقال يحيى بن منصور[21]: رأيت مسلم بن الحجاج ضعف هذا الخبر، وقال: (أبو قيس الأودي وهزيل بن شرحبيل لا يحتملان هذا مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة، فقالوا: مسح على الخفين)[22].
    وقال النسائي: (ما نعلم أن أحدًا تابع أبا قيس على هذه الرواية، والصحيح عن المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين)[23].
    وترجم العقيلي لأبي قيس الأودي، وذكر له حديثه هذا، ثم قال: (والرواية في الجوربين فيها لين)[24].
    وقال الدارقطني: (ولم يروه غير أبي قيس، وهو مما يغمز عليه به؛ لأن المحفوظ عن المغيرة: المسح على الخفين)[25].
    وقال البيهقي: (وذاك حديث منكر، ضعفه سفيان الثوري، وعبدالرحمن بن مهدي, وأحمد بن حنبل, ويحيى بن معين, وعلي بن المديني، ومسلم بن الحجاج، والمعروف عن المغيرة: حديث المسح على الخفين)[26].

    فهؤلاء نحو أحد عشر إمامًا من سفيان الثوري، إلى البيهقي؛ اجتمعت كلماتهم على إنكار الحديث، وردِّه وتضعيفه، ووجه ذلك عندهم أمور:
    الأول: حال أبي قيس؛ عبدالرحمن بن ثروان، فإنه صدوق يخالف، وله ما ينكر -مع قلة حديثه-، وقلة الحديث مع وجود هذا مظنة للخطأ والوهم.
    الثاني: تفرد أبي قيس به مع عدم المتابعة المعتبرة له عن هزيل، ولهزيل عن المغيرة، وتفرده -مع ما وصف من حاله- دليل ظاهر على خطئه ووهمه.
    الثالث: عدم ذكر لفظة الجوربين في أيٍّ من طرق حديث المغيرة في المسح، والحديث مشهور مستفيض عن المغيرة، وقد سبق تعداد مسلم لما يربو على خمسة عشر راويًا رووه عن المغيرة، لم يذكر أحد منهم الجوربين، والحديث متفق عليه من رواية عروة بن المغيرة، ومسروق، كلاهما عن المغيرة به بذكر الخفين[27].

    وهذا من الدلائل الأكيدة على وقوع الخطأ في هذا الحديث، فإن اجتماع الناس على رواية الحديث، وفيهم بعض الثقات الأعلام، وفيهم بعض أهل بيت المغيرة ممن له اختصاصٌ به ومعرفة بحديثه= يقضي بأن الصواب ما رووه، وأن انفراد بعض الرواة بذكر الجوربين خطأ.

    والذي انفرد عن المغيرة بذكره: هو الهزيل بن شرحبيل، إلا أنه ثقة، وقد نصَّ مسلم على أن تحميل الخطأ أبا قيس الأودي أشبه، وهو بذلك أولى؛ إذ في حديثه ما ينكره الأئمة.

    يتلـوه -بعون الله- ذكرُ بعض أجوبة مصححي الحديث عن تضعيفه، ومناقشتها، ثم دراسة بقية طرق الحديث عن المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-.

    ـــــــــــــــ ــــــــ

    [1] أخرجه من حديث أبي سعيد: أبو نعيم في حلية الأولياء (6/342)، والخليلي في الإرشاد (1/233-منتخبه)، والقضاعي في الشهاب (1173)، والسلفي في الطيوريات (908)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/235)، كلهم من طريق عبدالمجيد بن عبدالعزيز بن أبي رواد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد، به. وقد أعلَّه وأبطله وخطَّأ ابنَ أبي رواد فيه جماعة، فانظر: علل ابن أبي حاتم (1/131)، علل الدارقطني (2/193، 11/253)، حلية الأولياء (6/342)، الإرشاد (1/167، 233-منتخبه)، التمهيد (21/270)، نصب الراية (1/302)، البدر المنير (1/658-660).
    [2] جامع العلوم والحكم (1/59-61).

    [3] يعني: من الوضوء.

    [4] يعني: مسح الخفين.

    [5] عبارة الزاد: (يجوز -يعني: المسح- يومًا وليلة، ولمسافر ثلاثة بلياليها من حدث بعد لبس، على طاهر، مباح، ساتر للمفروض، يثبت بنفسه، من خفٍّ، وجورب صفيق، ونحوهما).

    [6] التمييز، لمسلم (ص204).

    [7] العلل ومعرفة الرجال (3/366-رواية عبدالله).

    [8] المعجم الأوسط (3/112).

    [9] العلل (7/112).

    [10] التمييز، لمسلم (ص203، 204).

    [11] سنن البيهقي (1/284).

    [12] العلل ومعرفة الرجال (3/367-رواية عبدالله)، ووقع فيه: أتى عبدالرحمن...، وهو خطأ، وقوله: (لا يرويه...) كذلك وقع، وقد نقله المحقق نفسه -في حاشيته على العلل ومعرفة الرجال لأحمد برواية المروذي وغيره (ص219)- فجاء: (لا يروونه...). وانظر رواية مهنا عن أحمد -بنحو رواية عبدالله- في شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/278).

    [13] السنن (1/224، 225).

    [14] سنن البيهقي (1/284).

    [15] التاريخ الكبير (3/137)، ولم أتبين على وجه الدقة يحيى هذا، وللبخاري إطلاق كهذا على القطان، وعلى ابن معين، وانظر: حاشية د. بشار عواد على تهذيب الكمال (4/442).

    [16] العلل ومعرفة الرجال (ص219-رواية المروذي وغيره).

    [17] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/278).

    [18] سنن البيهقي (1/284).

    [19] سنن البيهقي (1/284).

    [20] التمييز (ص202، 203)، وقارن بنقل مغلطاي في شرح ابن ماجه (2/278).

    [21] ترجمته في سير أعلام النبلاء (16/28).

    [22] سنن البيهقي (1/284).

    [23] السنن الكبرى (1/124).

    [24] الضعفاء (2/327).

    [25] العلل (7/112)، وقارن بنقل ابن دقيق العيد -في الإمام (2/201)-.

    [26] معرفة السنن والآثار (2/122).

    [27] انظر: المسند الجامع (11723-11739).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  7. #47
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    توطئة:
    مضى في الحلقة السابقة تخريج حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه- في المسح على الجوربين، وتبيَّن أنه قد تفرد به أبو قيس الأودي، عن هزيل بن شرحبيل، عن المغيرة، وأن الأئمة قد أنكروه وردُّوه.

    وأعرض في هذه الحلقة أجوبة بعض المتأخرين عن تضعيف الحديث، مع مناقشتها، ثم أدرس بقية طرق الحديث. والله الموفق.

    قد أجاب بعض من صحح حديث المغيرة في المسح على الجوربين بأجوبة:
    الأول: قال ابن التركماني: (وأبو قيس عبدالرحمن بن ثروان وثقه ابن معين، وقال العجلي: "ثقة ثبت"، وهزيل وثقه العجلي، وأخرج لهما معًا البخاري في صحيحه)[1].

    والجواب عن هذا من وجوه:
    أحدها: أن حال أبا قيس لا يكفي فيها هذا الإجمال، وقد سبق أنه صدوق له ما ينكر -على قلة حديثه-.
    ثانيها: أن وجود حديث الراوي في الصحيح، وتوثيق الأئمة له لا يمنع خطأه، ولا بد للثقة من الوهم.
    ثالثها: أن هذا احتجاجٌ بأقوال الأئمة على أقوالهم أنفسهم؛ فالبخاري الذي أخرج حديث أبي قيس؛ قد نقل إنكار بعض الأئمة لحديثه بما يشبه الإقرار، وأحمد الذي قال عن أبي قيس -في رواية-: (ليس به بأس)؛ أنكر حديثَه هذا وخطَّأه، وكذلك أشار إلى خطئه ابن معين مع أنه وثقه، وغمز الدارقطني أبا قيس بهذا الحديث؛ مع أنه قال فيه: (ثقة)، ولا يستقيم مع ذلك أن يُحتَجَّ بأحد قولي الإمام على قوله الآخر؛ إذ إنهم كانوا يعرفون حين غلَّطوا أبا قيس -للعلل السابقة- أنه ثقة، وليس من شرط الثقة عندهم ألا يخطئ، وهذا نصُّ أحمد، قال -وقد سبق-: (ليس به بأس، قد أنكروا عليه حديثين، أحدهما: حديث المغيرة في المسح...)، فالنظر إلى توثيق الراوي وصدقه -فحسب- نظر إلى العموم دون اعتبار للخصوص، والخاص مقدَّم على العام.

    الجواب الثاني:
    قال ابن دقيق العيد: "من صححه يعتمد -بعد تعديل أبي قيس- على كونه ليس مخالفًا لرواية الجمهور مخالفةَ معارضة، بل هو أمر زائد على ما رووه ولا يعارضه، وهو طريق مستقل برواية هزيل عن المغيرة، لم يشارك المشهورات في سندها"[2].

    وقال الشيخ أحمد شاكر: "وهو حديث آخر غير حديث المسح على الخفين، وقد روى الناس عن المغيرة أحاديث المسح في الوضوء، فمنهم من روى المسح على الخفين، ومنهم من روى المسح على العمامة، ومنهم من روى المسح على الجوربين، وليس شيء منها بمخالف للآخر؛ إذ هي أحاديث متعددة، وروايات عن حوادث مختلفة. والمغيرة صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو خمس سنين، فمن المعقول أن يشهد من النبي -صلى الله عليه وسلم- وقائع متعددة في وضوئه ويحكيها، فيسمع بعض الرواة منه شيئًا، ويسمع غيره شيئًا آخر، وهذا واضح بديهي"[3]، وأخذ بعض المتأخرين يناقش في شأن الحديث الشاذ وتعريفه والمراد به[4].

    والجواب عن ذلك:
    أولاً: أنه يُنازع في كون ما في الحديث زيادة، إنما هو مخالفة، فالرواة ذكروا الخفين، وخالفهم أبو قيس عن هزيل؛ فذكر الجوربين.
    قال المباركفوري: "فإن الناس كلهم رووا عن المغيرة بلفظ: مسح على الخفين، وأبو قيس يخالفهم جميعًا؛ فيروي عن هزيل عن المغيرة بلفظ: مسح على الجوربين والنعلين، فلم يزد على ما رووا، بل خالف ما رووا، نعم لو روى بلفظ: مسح على الخفين والجوربين والنعلين؛ لصح أن يقال: إنه روى أمرًا زائدًا على ما رووه، وإذ ليس؛ فليس"[5].

    وقد ردَّ هذا الشيخ أحمد شاكر، قال: "هكذا قال، وهي انتقال نظر، فليس المراد أنه روى زيادة في لفظ الحديث، بل أراد القائلون بأنها زيادة: أنه روى حكمًا آخر زائدًا على ما رواه غيره، فرووا هم المسح على الخفين، وروى هو المسح على الجوربين، ولم ينفِ رواية المسح على الخفين، فروايته على الحقيقة زيادة على روايات غيره، وهذا واضح"[6].

    والمفصل في هذا -فيما يظهر-: أن المباركفوري يرى أن الحديث حديثٌ واحد، وأن من قال بالزيادة يرى أنهما حديثان مستقلان.

    ثانيًا: أن اعتبار الحديث حديثين مختلفين، وطريقين مستقلَّين منهج مخالفٌ لما عليه أهل الحديث من أئمته النقاد في التعامل مع هذا الحديث؛ فقد صرَّح الثوري وابن مهدي وأحمد وابن معين وابن المديني ومسلم والنسائي والدارقطني والبيهقي بأن الحديث حديثٌ واحد، وأنه يُنظر فيه - مع اتحاد مخرجه - إلى الراجح عن المغيرة، والمعوَّل على إجماع هؤلاء واتفاقهم.

    وأما ما ذهب إليه بعض المتأخرين من التفريق بين الحديثين، فلعله من تأثير منهج الفقهاء والأصوليين عليهم؛ حيث اعتبر مَن سبق ذكره مِن الأئمة في تعليل الحديث كونَهُ حديثًا واحدًا عن المغيرة، واعتبروا روايةَ الجمع الكثير الحديثَ عنه بذكر المسح على الخفين، وانفرادَ هذا الراوي - المتكلم فيه - بذكر الجوربين، وأما بعض المتأخرين؛ فتخلَّص من ذلك بالتجويزات العقلية، وطرحِ احتمالات تعدد الحادثة، وإمكانية التحمل والأداء على غير وجه، وهذه التجويزات - كما هو لائح في التعامل مع هذا الحديث وغيره - "لا يلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله...، ولهم ذوقٌ لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات"[7]، وما دام الحديث في مسائل التصحيح والتضعيف، والكلام في الأسانيد؛ فالقول قول أولئك الأئمة؛ فهم أئمة هذا الفن وروَّاده الأوائل ومؤسسوه وواضعو قواعده، وهم أعلم به ممن جاء بعدهم - بلا شك -.

    وقولهم في كون حديث المغيرة واحدًا أوجه وأعدل وأولى؛ لأمور:
    أحدها: أن القصة التي ذكرها الجمهور عن المغيرة مذكورة في بعض طرق رواية أبي قيس عن هزيل عنه، إذ ذكر يحيى الحماني عن أبيه وابن المبارك، وذكر هو ومحمد بن رافع عن زيد بن الحباب، بإسناد ثلاثتهم عن المغيرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بال، فتوضأ، ومسح على الجوربين والنعلين. فذكر قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم- حاجته، ووضوءه، ومسحه، وهذا ما ذكره عامة الرواة عن المغيرة.
    ثانيها: أن الاختصار في رواية الحديث أمر شائع معروف عندهم، ولما كانت القصة معروفة مشهورة من الطرق الأخرى؛ لم يكن لتردادها في حديث أبي قيس عن هزيل حاجة، فاختصرها الرواة، واقتصروا على ما أغرب به أبو قيس من كون المسح على الجوربين لا الخفين.
    ثالثها: أن الأصل في حديث المغيرة في المسح: أنه حديثٌ واحد، سمعه منه الرواة على وجه واحد، والعدول عن هذا الأصل بلا دليل تحكُّم؛ إذ لا بد من إقامة الدليل على كون الحديث حديثين، والواقعة واقعتين، بنصٍّ في الرواية، أو نحو ذلك، ولا شيء من ذلك هنا، فلم يكن له وجه.

    ثالثًا: أنه على التسليم بكون الحديث حديثًا مستقلاًّ - وهذا بعيد؛ لما سبق -؛ فإن تفرد أبي قيس بحديث المسح على الجوربين فيه نظر، والتفرد ربما لم يقبله الأئمة من الثقات، فكيف بهذا الصدوق الذي أنكرت عليه أحاديث.

    الثالث -مما رُدَّ به إعلال هذا الحديث-: قول الشيخ أحمد شاكر: "ثم إن الحكم على رواية هذا الحديث بتخطئة الرواة الثقات حكم دون دليل كما بينَّا، وقد تابعه على روايته هذه عمل الصحابة الذين حكى ابن القيم الحجة بعملهم؛ فهو لم يروِ حكمًا شاذًّا مخالفًا لم يقل به أحد، بل روى عملاً ثبت أن الصحابة هؤلاء عملوا به وأخذوا بحكمه"[8].

    فأما كون المُخطَّأ هنا "الثقات"؛ فلا يسلم به، إذ المُخطَّأ أبو قيس لا يبلغ مرتبة الثقة، وأما كون التخطئة بغير دليل؛ فادعاء غير صحيح، وقد سبق من الدلائل ما يكفي للجزم بخطأ هذا الراوي فيه، وأما كون عمل الصحابة تابع روايةَ أبي قيس بذكر الجوربين، وأنه لم يروِ حكمًا شاذًّا مخالفًا لم يقل به أحد؛ فلا ينازع فيه، إلا أنه خارج محل النزاع، فالنزاع في صحة هذا الحديث عن المغيرة مرفوعًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لا في صحة العمل بمقتضاه.

    وإن صح استفادةُ الروايةِ الضعيفةِ القوةَ من الموقوفات؛ فذلك فيما لم يظهر أنه خطأ ووهم، وليس ذلك بمتحقق هنا، والخطأ لا يتقوى بغيره؛ لأنه وهم توهَّمه راويه، ليس له أصل صحيح.

    ب- رواية عمرو بن وهب عن المغيرة:
    جاءت من طريق إسماعيل بن يزيد، عن أبي داود الطيالسي، عن سعيد بن عبدالرحمن - هو أخو أبي حرة واصل -، عن ابن سيرين، عن عمرو بن وهب، به، والرواية الثابتة في مسند الطيالسي بالإسناد نفسه (ص95): أن المغيرة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على العمامة والخفين، ورواها أيضًا عن الطيالسي دون ذكر الجوربين: عبدة بن عبدالله الصفار[9]، ومحمد بن معمر البحراني[10].

    وخولف سعيد بن عبدالرحمن - إن صح عنه - عن ابن سيرين؛ فرواه أيوب وهشام ويونس بن عبيد[11] وغيرهم عنه، فذكروا العمامة والخفين، دون الجوربين.

    وكل هذا يبين أن ذكر الجوربين في الحديث منكر، وإسماعيل بن يزيد الذي رواه عن أبي داود فيه ضعف، وكان كثير الغرائب[12]، وقد خالف الأثباتُ روايتَه؛ فلم يذكروا الجوربين.

    ج- رواية فضالة بن عمرو الزهراني عن المغيرة:
    رواها الإسماعيلي عن شيخه عبدالرحمن بن محمد بن مرداس، عن أحمد بن سنان، عن أحمد الدورقي، عن يزيد بن هارون، عن داود بن أبي هند، عن أبي العالية، عن فضالة، عن المغيرة، وفي الإسناد شيخ أبي بكر الإسماعيلي، لم أجد له ترجمة، وقد جاء الحديث من هذه الطريق بغير ذكر الجوربين:
    فرواه ابن أبي شيبة[13]، وإدريس بن جعفر العطار[14]، كلاهما عن يزيد بن هارون، ورواه خالد بن عبدالله الواسطي[15]، كلاهما -يزيد وخالد- عن داود بن أبي هند، به؛ بدون ذكر الجوربين.
    وذكرهما مما أخطأ به ابن مرداس شيخ الإسماعيلي، والصواب عدمه - كما رواه الثقات عن يزيد بن هارون، وعن داود بن أبي هند -.

    2- حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-:
    أخرجه الباغندي في أماليه (9) من طريق الصغدي بن سنان، والبخاري في التاريخ الكبير (4/333) عن سعيد بن سليمان، وابن ماجه (560) من طريق بشر بن آدم، و(560) والروياني (574) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/97) والبيهقي (1/284) من طريق المعلى بن منصور، والطبراني في الأوسط (1108) من طريق أبي جعفر النفيلي، أربعتهم عن عيسى بن يونس، والعقيلي في الضعفاء (3/383) من طريق القاسم بن مطيب، ثلاثتهم -الصغدي وعيسى بن يونس والقاسم- عن عيسى بن سنان، عن الضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب، عن أبي موسى الأشعري، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الجوربين والنعلين. لفظ ابن ماجه، وزاد النفيلي عن عيسى بن يونس: والعمامة، وزاد القاسم بن مطيب: توضأ ثلاثًا ثلاثًا، ولم يذكر الروياني في لفظه إلا العمامة، وقال البخاري: في المسح -لم يسق لفظه-.

    دراسة الإسناد:
    قال الطبراني: "لا يُروى هذا الحديث عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به عيسى"[16] - يعني: ابن سنان -.

    وفي الحديث علل:
    الأولى: ضعف عيسى، فإن كلمة الأئمة تكاد تجمع على تضعيفه، هذا مع أن أحاديثه يسيرة[17]، وظهور الضعف مع قلة الحديث دليل على أن عامة الحديث مناكير.
    الثانية: تفرده - كما ذكر الطبراني -، وتفرد الضعيف دليل نكارة.
    الثالثة: الانقطاع، قال أبو داود: (ليس بالمتصل)[18]، وقال أبو حاتم: "ضحاك بن عبدالرحمن بن عرزب...، روى عن أبي موسى الأشعري؛ مرسل"[19]، وقال البيهقي: "الضحاك بن عبدالرحمن لم يثبت سماعه من أبي موسى"[20].

    وقد اعتمد بعضهم لرد هذه العلة: أن البخاري قال - في تاريخه -: "سمع أبا موسى"[21]، وأن عبدالغني المقدسي قال في كتابه "الكمال": "سمع أبا موسى"[22]، وعبدالغني استفاده من البخاري - في أغلب الظن -، وأما البخاري؛ فقوله في التاريخ: "سمع..." لا يفيد أنه يثبت السماع - على الأصح -، وإنما هو يحكي ما وقع له من أسانيد، وربما كانت خطأ أو أوهامًا أو رواية ضعفاء[23].

    وقال ابن التركماني: (ثم قال -يعني: البيهقي-: "الضحاك لم يثبت سماعه من أبي موسى..."، قلت: هذا أيضًا -كما تقدم- أنه على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع)[24]، وهذا ربما انصرف إلى كلمة البيهقي المحتملة، وأما كلمتا أبي داود وأبي حاتم؛ فصريحتان في الانقطاع، على أن اشتراط الاتصال هو الصحيح المختار.

    ولاجتماع هذه العلل، قال أبو داود عن الحديث: "ليس بالمتصل ولا بالقوي"، وذكره العقيلي فيما يُنكر على عيسى بن سنان، ثم قال بعده: "والأسانيد في الجوربين والنعلين فيها لين".
    فالحديث منكر.

    3- حديث بلال بن رباح -رضي الله عنه-:
    أخرجه الطبراني في الكبير (1/350، 351) من طريق ابن فضيل، عن يزيد بن أبي زياد، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والجوربين.

    دراسة الإسناد:
    فيه يزيد بن أبي زياد، ضعيفٌ سيئ الحفظ، وروايته خطأ من وجهين:
    الأول: أن الحديث مرفوعًا ليس فيه ذكر الجوربين، فقد رواه الحكم عن ابن أبي ليلى به كذلك، وروايته في صحيح مسلم[25]، والحكم ثقة ثبت، لا يقارن بيزيد بن أبي زياد، وكذلك رواه غير واحد عن بلال[26]، وقد اختُلف في إسناد حديث بلال ومتنه عن بعض الرواة، إلا أن ذكر الجوربين لم يجئ به غير يزيد عن ابن أبي ليلى، وهذا هو المنكر هنا.
    الثاني: أن الحديث بمسح الجوربين جاء عن بلال موقوفًا، رواه أبو سعد البقال عن ابن أبي ليلى[27] عن بلال، لم يذكر كعب بن عجرة، وأبو سعد ضعيف، إلا أن روايته بالوقف أصح من رواية يزيد بن أبي زياد.

    وستأتي دراسة موسَّعة لحديث بلال هذا - بإذن الله -.

    تنبيه: أعلَّ ابن دقيق العيد الحديثَ بابن أبي ليلى[28]، ظنًّا منه أنه محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى الضعيف، وإنما هو أبوه التابعي الثقة.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــ
    [1] الجوهر النقي (1/284)، ونسب كلامه مغلطاي إلى (قائل) -في شرح ابن ماجه (2/279، 280)-. ولعل الجميع استفاده من قول ابن دقيق العيد -في الإمام (2/203)-: (من صححه يعتمد -بعد تعديل أبي قيس-...).

    [2] الإمام (2/203)، الجوهر النقي (1/284)، شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/280).

    [3] التعليق على سنن الترمذي (1/168)، وزاد -في تقديم رسالة "المسح على الجوربين"، للقاسمي (ص10)-: (أن العلماء جمعوا بين الأحاديث التي صحت في صفة صلاة الكسوف على أوجه متعددة= بأن هذا اختلاف وقائع لا اختلاف رواية، مع علمهم بأن وقوع الكسوف والخسوف قليل، فأولى أن يجمع في ذلك بصفة الوضوء الذي يتكرر كل يوم مرارًا، كما هو بديهي). واعتمد كلامه الشيخ الألباني -في صحيح أبي داود (1/276-الأم)، وفي التعليق على رسالة القاسمي المذكورة (ص30)-.

    [4] المسح على الجوربين، للقاسمي (ص32-34)، ولا حاجة إلى الإطالة في رده، فإنه لائح الضعف لمن اشتمَّ منهج أئمة الحديث وطريقتهم.

    [5] تحفة الأحوذي (1/279).

    [6] تقديم رسالة "المسح على الجوربين" (ص11).

    [7] تهذيب السنن، لابن القيم (1/169).

    [8]تقديم رسالة "المسح على الجوربين" (ص11).

    [9] المعجم الأوسط (1389).

    [10] المعجم الكبير (20/428)، ووقع فيه: محمد بن عمرو البحراني، ولعل صوابه كما أثبت.

    [11] المسند الجامع (11728).

    [12] انظر: لسان الميزان (1/443).

    [13] في مسنده -كما في المطالب العالية (4315) وإتحاف الخيرة المهرة (4308)-، ولم يَسُقا لفظه، لكنهما ذكرا أن الحديث في المسح على الخفين، ولو كان الجوربان مذكورين فيه، لنصَّا عليه؛ لِعِزَّة هذا عن المغيرة.

    [14] المعجم الكبير (20/425، 426)، وإدريس متروك، انظر: إرشاد القاصي والداني إلى تراجم شيوخ الطبراني (ص200، 201).

    [15]المعجم الكبير (20/425).

    [16] المعجم الأوسط (2/24).

    [17]نصَّ عليه ابن عدي -في الكامل (5/254)-.

    [18] السنن (1/225).

    [19]الجرح والتعديل (4/459).

    [20]السنن (1/284).

    [21]تقديم الشيخ أحمد شاكر لرسالة "المسح على الجوربين" (ص12).

    [22] الجوهر النقي (1/284).

    [23] وقد حرر ذلك الشيخ المعلمي -في حاشيته على موضح أوهام الجمع والتفريق، للخطيب (1/128)-، والجديع -في تحرير علوم الحديث (1/183)-، وغيرهما، وقارن بين قول البخاري في ترجمة ابن الفراسي في تاريخه (8/444)، ونقل الترمذي عنه -في علله الكبير (ص41-ترتيبه)، وهذا مثالٌ في أمثلة.

    [24] الجوهر النقي (1/284).

    [25] المسند الجامع (1955)، إتحاف المهرة (2/640، 641)، الأوسط، لابن المنذر (489)، المعجم الكبير (1/350)، سنن البيهقي (1/61)، وغيرها.

    [26]المسند الجامع (1956-1960)، إتحاف المهرة (2/642)، الأوسط، لابن المنذر (490)، المعجم الكبير (1/351، 352، 358-363)، سنن البيهقي (1/62)، وغيرها.

    [27]الأوسط، لابن المنذر (484) من طريق يعلى بن عبيد عنه، وأخرجه ابن بشران في أماليه (443) من طريق يوسف بن خالد، عن أبي سعد البقال، به مرفوعًا، والظاهر أن يوسف بن خالد هذا هو السمتي الكذاب، ورواية يعلى هي الصواب.

    [28]الإمام (2/205).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  8. #48
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    53- (1/220، 221) ("ونحوهما[1]"، أي: نحو الخف والجورب، كالجرموق[2]، ويسمى: الموق، فيصح المسح عليه؛ لفعله -عليه السلام-، رواه أحمد وغيره).


    1- حديث بلال بن رباح -رضي الله عنه-:
    ورد هذا الحديث بأسانيد كثيرة عن بلال، ولم يتفق الرواة فيها على ذكر لفظ الموقين، وسيقتصر التخريج هنا على الأسانيد التي ذُكر فيها -ولو في طريق واحد- هذا اللفظ.


    أ- رواية أبي عبدالرحمن -أو: أبي عبدالله- عن بلال:
    التخريج:
    أخرجه عبدالرزاق (734) -ومن طريقه أحمد (6/12) والطبراني في الكبير (1/359)-، وأحمد (6/12) عن محمد بن بكر، والروياني (737) وأبو أحمد الحاكم في الأسامي والكنى (2/ق3أ) من طريق أبي عاصم، وعلقه الدارقطني في العلل (7/177) عن مفضل بن فضالة، أربعتهم عن ابن جريج، وابن أبي شيبة (1929) والشاشي في مسنده (964) من طريق يحيى بن أبي بكير، وأحمد (6/13)، والنسائي في حديث شعبة والثوري مما أغرب بعضهم على بعض (182) عن عمرو بن علي، ومحمد بن الوليد، ثلاثتهم -أحمد وعمرو ومحمد- عن محمد بن جعفر غندر، والبخاري في التاريخ (2/106) والبرتي في مسند عبدالرحمن بن عوف (40) والطبراني في الكبير (1/359، 360) -ومن طريقه في أحد إسناديه المزي في تهذيب الكمال (34/32)- من طريق أبي الوليد الطيالسي، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (8) عن عفان، وأبو داود (153) والحاكم (1/170) -وعنه البيهقي (1/288)- من طريق معاذ بن معاذ، والشاشي (966) والطبراني في الكبير (1/359) -ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال (34/32)- من طريق سليمان بن حرب، والشاشي (963) من طريق النضر، و(965) من طريق شبابة، والرامهرمزي في المحدث الفاصل (ص349، 350) من طريق حجاج بن محمد، والحاكم (1/170) -وعنه البيهقي (1/288)- من طريق آدم، عشرتهم عن شعبة بن الحجاج، وعلقه الدارقطني في العلل (7/177) عن عبدالملك بن أبجر، ثلاثتهم -ابن جريج وشعبة وعبدالملك بن أبجر- عن أبي بكر بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبي عبدالله مولى بني تيم بن مرة، عن أبي عبدالرحمن، أنه كان قاعدًا، فمرَّ بلال، فسألوه عن وضوء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي الحاجة، فيدعو بالماء، فكنت آتيه بالماء، فيمسح على موقيه وعمامته. لفظ عفان، وذكر أكثر الرواة أن الراوي عن بلال كان قاعدًا مع عبدالرحمن بن عوف، وفي بعض الروايات أن السائل هو عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه-.

    إلا أن ابن جريج قال - في رواية عبدالرزاق ومحمد بن بكر وأبي عاصم عنه-: أخبرني أبو بكر بن حفص بن عمر، أخبرني أبو عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، أنه سمع عبدالرحمن بن عوف يسأل بلالاً...، فقدَّم أبا عبدالرحمن وأخَّر أبا عبدالله في الإسناد. وقال مفضل بن فضالة عن ابن جريج: عن أبي بكر بن حفص، عن رجل، عن عبدالرحمن بن عوف.

    وقال عبدالملك بن أبجر: عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، أنه كان قاعدًا عند عبدالرحمن بن عوف، فقال عبدالرحمن: يا بلال...، لم يذكر أبا عبدالله فيه، وسمَّى أبا عبدالرحمن: مسلم بن يسار.


    وقد ذكر جميع الرواة عن شعبة -خلا غندرًا إلا في رواية عمرو بن علي عنه- الموقين في الحديث، إلا أن شبابة شك بين الموقين والخفين، وذكر بعضهم بدل العمامة: الخمار، وهما واحد.

    وأما ابن جريج؛ فذكر الخفين والخمار -وفسره بالعمامة-، ولم يذكر الموقين.


    ولم يسق الدارقطني لفظ عبدالملك بن أبجر عن أبي بكر بن حفص.

    دراسة الأسانيد:
    اختُلف فيها عن أبي بكر بن حفص:
    فرواه شعبة عنه، عن أبي عبدالله، عن أبي عبدالرحمن، عن بلال.
    ورواه ابن جريج واختُلف عنه:
    فرواه عبدالرزاق ومحمد بن بكر وأبو عاصم عنه، عن أبي بكر، عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، عن بلال.

    ورواه مفضل بن فضالة، عن ابن جريج، عن أبي بكر بن حفص، عن رجل، عن عبدالرحمن بن عوف.
    ورواه عبدالملك بن أبجر، عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، عن بلال.

    فأما رواية مفضل بن فضالة عن ابن جريج؛ فإنه لم يحفظه، قال الدارقطني: (ورواه مفضل بن فضالة عن ابن جريج عن أبي بكر بن حفص، ولم يحفظ من بينه وبين عبدالرحمن بن عوف...)[3]، واجتماع الثلاثة الثقات عن ابن جريج أصح من رواية مفضل.

    وأما رواية عبدالملك بن أبجر؛ فلم أقف لها على إسناد، وقد قصر في إسقاطه أبا عبدالله، وزاد تسمية أبي عبدالرحمن، وخالفه شعبة وابن جريج في ذلك؛ فلم يسمياه، وقولهما أرجح[4]، ولذا لم يعتمد الدارقطني هذه التسمية، حيث سئل: في رواية شعبة: عن أبي بكر بن حفص، عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، من هما؟ فقال: (ما سماهما أحد إلا ابن أبجر، فقال: عن أبي عبدالرحمن مسلم بن يسار، وليس عندي كما قال)[5].


    وبقي الخلاف الواقع بين شعبة وابن جريج.


    وقد قال ابن حجر: (وأما قول من قال فيه: أبو عبدالرحمن، عن أبي عبدالله، عن بلال؛ فقد قلبه ابن جريج، صرَّح بذلك غير واحد من الحفاظ)[6]، ولم أجد من صرَّح به.

    وقال ابن عبدالبر: (هذا إسناد مضطرب مقلوب، مرةً يقولون: عن أبي عبدالله، عن أبي عبدالرحمن، ومرة: عن أبي عبدالرحمن، عن أبي عبد الله...)[7].

    وثَمَّ خلاف آخر بين شعبة وابن جريج؛ فإن شعبة ذكر في أكثر الألفاظ عنه المسح على الموقين، وذكر ابن جريج المسح على الخفين.


    وابن جريج أقدم وأكبر من شعبة، وهو مكي، وشيخه أبي بكر بن حفص مدني، فاتفقا في الحجازية، إلا أن شعبة حافظ، ولم يختلف عليه، وروايته أشهر، وقد غمز بعض الأئمة رواية ابن جريج.



    وهذا يبين أن الخلاف متقارب في القوة، فالقول بالاضطراب قوي، خاصة أن أبا بكر بن حفص المختلَف عليه لم يذكر بمزيد حفظ، وإنما وثقه العجلي والنسائي، وحكى ابن عبدالبر الإجماع على ثقته وكونه من أهل العلم.



    ثم إن أبا عبدالله وأبا عبدالرحمن غير معروفين، وقد سبق قول الدارقطني في ذلك، وقد قال ابن عبدالبر: (وكلاهما مجهول لا يعرف)[8]، وقال ابن دقيق العيد: (ولم يُسمَّ هو -يعني: أبا عبدالله- ولا أبو عبدالرحمن، ولا رأيت في الرواة عن كلٍّ منهما إلا واحدًا: وهو ما ذُكر في الإسناد)[9].




    إلا أن الحاكم قال: (هذا حديث صحيح؛ فإن أبا عبدالله مولى بني تيم معروف بالصحة والقبول)[10]، ولعل هذا داخلٌ في التساهل الواقع من الحاكم؛ فإنه لم يأت توثيقه إلا عنه، وقد جهَّله غيره. وحتى لو صحَّ توثيقه؛ فالجهالة باقية في أبي عبدالرحمن.


    ب- الخلاف على أبي قلابة في حديث بلال:
    التخريج:
    1- أبو قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال:

    أخرجه ابن أبي شيبة (1868) وأحمد (6/15) وإسماعيل القاضي في حديث أيوب (48) والبزار (1377) والروياني (744) وابن خزيمة (189) وابن المنذر في الأوسط (490) وابن قانع (1/78) والطبراني في المعجم الكبير (1/362)، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب السختياني، والبزار (1378) وأسلم بن سهل بحشل في تاريخ واسط (ص201) والطبراني في الكبير (1/363) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/230)- والبيهقي في السنن الكبرى (1/62) والصغرى (127) ومعرفة السنن والآثار (1/278)، من طريق خالد بن عبدالله، عن حميد الطويل، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، كلاهما (أيوب وأبو رجاء) عن أبي قلابة، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (11) والأثرم في سننه (13) والبغوي في الجعديات (2669) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/229، 230)- والطبراني في الكبير (1/362) وابن عساكر في تاريخ دمشق (66/230)، من طريق زهير أبي خيثمة، وعلقه الدارقطني في العلل (7/182) عن زياد بن خيثمة، والمعتمر بن سليمان، ثلاثتهم (زهير وزياد والمعتمر) عن حميد الطويل، عن أبي رجاء ابن أخي أبي إدريس، والطبراني في الكبير (1/363) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/230)- من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، عن المعتمر بن سليمان، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، ثلاثتهم (أبو قلابة وأبو رجاء وأبو المتوكل) عن أبي إدريس، عن بلال، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار. لفظ أبي رجاء عن أبي قلابة، ونحوه لأبي المتوكل ولأبي رجاء عن أبي إدريس، وقال حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار.



    2- أبو قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن بلال:

    أخرجه الطبراني في الكبير (1/363)، والأوسط (6832)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/482، 66/121) من طريق الوليد بن مسلم، والطبراني في الشاميين (2784) من طريق مروان بن محمد، كلاهما (الوليد ومروان) عن سعيد بن بشير، عن مطر الوراق، عن أبي قلابة، به، ولفظ إسناد الوليد: عن أبي الأشعث، أن أبا جندل بن سهيل والحارث بن معاوية مرَّا على بلال فسألاه عن المسح على الخفين...، فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والخمار، وهذه حكايةُ أبي الأشعث قصةَ أبي جندل والحارث وبلال، فكأنه يروي الحديث عن بلال، ولذا اختصر الطبراني الإسناد في الكبير، فجعله: عن أبي الأشعث، عن بلال، وقال مروان بن محمد، عن سعيد بن بشير: عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي جندل، أنه سأل بلالاً...

    3- أبو قلابة، عن بلال مباشرة:
    أخرجه عبدالرزاق (732) -ومن طريقه ابن الأعرابي في معجمه (1443) والطبراني في الكبير (1/362)- عن معمر، وعلقه الدارقطني في العلل (7/180) عن عبدالوهاب الثقفي وسعيد بن أبي عروبة وحماد بن زيد، أربعتهم (معمر وعبدالوهاب وسعيد وحماد) عن أيوب السختياني، والروياني في مسنده (735) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (68/109)- من طريق خالد الحذاء، والطبراني في الكبير (1/362) من طريق يحيى بن أبي إسحاق، ثلاثتهم (أيوب وخالد ويحيى) عن أبي قلابة، به، ولفظ أيوب: قال: مسح بلال على موقيه، فقيل له: ما هذا؟ قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والخمار. فوقف المسح على الموقين، ورفع المسح على الخفين والخمار، وقال خالد الحذاء: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين وفوق الخمار، وقال يحيى بن أبي إسحاق: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.

    دراسة الأسانيد:
    اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون أبي قلابة، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على أبي قلابة:
    أولاً: الخلاف على أيوب السختياني:
    رواه حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
    ورواه معمر وعبدالوهاب الثقفي وابن أبي عروبة وحماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال مباشرة، بإسقاط أبي إدريس.

    والروايات عن أيوب على الوجه الثاني عدا رواية معمر معلقة، لم أجدها مسندة.

    وقد توبع أيوب عن أبي قلابة على الوجه الأول؛ تابعه أبو رجاء مولى أبي قلابة -وفي روايته اختلاف يأتي-، وتوبع على الوجه الثاني؛ تابعه خالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق.

    وقد حكم البخاري بخطأ حماد بن سلمة في روايته، وأشار إلى ذلك البزار: قال البخاري: (وقال حماد بن سلمة: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال: مسح النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقال غير واحد: عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال)[11]، وقال أيضًا: (أخطأ فيه ابن سلمة، أصحاب أبي قلابة رووا عن أبي قلابة، عن بلال، ولم يذكروا فيه: عن أبي إدريس)[12]، وقال البزار: (وقد روى حديث أيوب غير واحد عن أيوب، عن أبي قلابة، عن بلال، ولم يذكروا أبا إدريس، ولا نعلم أحدًا قال: عن أبي إدريس؛ إلا حماد بن سلمة)[13].

    ومتابعات أيوب على الوجه الثاني (أبو قلابة عن بلال مباشرة) أقوى من متابعته على الوجه الأول، وهذا يؤيد راجحية ما حكم به البخاري وأشار إليه البزار.

    ومن خطأ حماد بن سلمة في الحديث أيضًا: أنه خلط موقوف الحديث بمرفوعه، فجعل المتن: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار، وإنما المسح على الموقين من فعل بلال، والمرفوع في المسح على الخفين والخمار؛ بيَّن ذلك معمر عن أيوب عن أبي قلابة، ووافقه في المرفوع حسب: يحيى بن أبي إسحاق، وأما خالد الحذاء؛ فقال كما قال حماد بن سلمة عن أيوب، وفي هذا نظر، ورواية معمر أقوى.

    فالراجح عن أيوب: روايته عن أبي قلابة، عن بلال مباشرة، وتفريقه بين الموقوف والمرفوع في الحديث.

    وتابع أيوبَ على وجهه الإسنادي: خالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق، وعلى بعض وجهه المتني: يحيى بن أبي إسحاق
    ثانيًا: الخلاف على حميد الطويل:
    رواه خالد بن عبدالله الواسطي، عن حميد، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
    ورواه زهير بن خيثمة وزياد بن خيثمة والمعتمر بن سليمان -في وجهٍ عنه- عن حميد، عن أبي رجاء ابن أخي أبي إدريس، عن عمه أبي إدريس، عن بلال.
    ورواه المعتمر بن سليمان -في الوجه الآخر عنه-، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي إدريس، عن بلال.

    فأما الوجهان الأولان:
    فلم أقف على رواية زياد بن خيثمة ولا رواية المعتمر بن سليمان -عليه- مسندةً[14].

    وقد قوَّى أبو حاتم زهيرًا على خالد الواسطي، إلا أنه صوَّب في هذا الحديث رواية خالد بن عبدالله، ولعله لأجل ذلك لم يجزم بخطأ زهير، فقد سأله ابنه عن رواية زهير هذه، فقال: (هذا خطأ، إنما هو حميد، عن أبي رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-)، قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: الخطأ ممن هو؟ قال: (لا يُدرَى)[15].

    وقد سأل البرقانيُّ الدارقطنيَّ عن رواية زهير، فقال: (ينفرد زهير فيه بزيادة أبيرجاء)، قال: يخرج هذا الحديث في الصحيح؟ قال: (نعم)[16]. ولم أقف على روايةٍ عن حميد فيها إسقاط أبي رجاء، إلا رواية المعتمر بن سليمان، وفيها إبداله بأبي المتوكل الناجي لا إسقاطه، وأما رواية خالد بن عبدالله ففيها زيادة أبي قلابة في الإسناد، فمن المشكل قول الدارقطني: (ينفرد زهير فيه بزيادة أبيرجاء) مع كون أبي رجاء مذكورًا عند الجميع، وإن كان الظاهر أنه يرى في رواية زهير تفردًا مشكلاً.

    كما لا يبدو من موافقة الدارقطني على تخريجه في الصحيح تصحيحٌ للحديث، ولعل هذا لأن زهيرًا ثقة ثبت، وأولى به ألا تُبعَد روايته من الصحيح، أو لأن الحديث فيه غرابة مع سلامة الإسناد، وقد أمر الدارقطني بتخريج إسنادٍ مع نصِّه على ضعفه، ولم يُنَصَّ في ذلك على كونه في الصحيح، لكنه الظاهر من السياق[17].

    فالراجح من هذين الوجهين عن حميد: رواية خالد بن عبدالله.

    وأما الوجه الثالث عن حميد: رواية المعتمر عنه، عن أبي المتوكل، عن أبي إدريس، عن بلال، فقد أخطأ فيه المعتمر، قال البزار: (وروى هذا الحديث المعتمر، عن حميد، عن أبي المتوكل؛ فأخطأ فيه)[18]، وقال الدارقطني: (فقيل عن المقدمي، عن معتمر، عن حميد، عن أبي المتوكل الناجي، عن أبي إدريس، وليس ذلك بمحفوظ)[19].

    وهذا أحد الوجهين عن المعتمر -فيما حكاه الدارقطني-، وإن صح عنه رواية الوجهين، فتلك قرينة على اضطرابه وخطئه فيه.

    ثالثًا: الخلاف على سعيد بن بشير، عن مطر الوراق:
    اختُلف عن سعيد:
    فرواه الوليد بن مسلم عنه، عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، أن أبا جندل والحارث بن معاوية سألا بلالاً، فقال:... الحديث.

    ورواه مروان بن محمد عن سعيد، عن مطر، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث، عن أبي جندل، عن بلال.

    ولعل رواية مروان اختصارٌ منه أو ممن دونه، وإدراجٌ لصاحب القصة في الإسناد، وفي رواية الوليد بن مسلم زيادة حفظ وتفصيل.

    رابعًا: الخلاف على أبي قلابة:
    تلخص مما سبق أنه قد صح عن أبي قلابة الخلاف التالي:
    رواه أيوب السختياني وخالد الحذاء ويحيى بن أبي إسحاق، عن أبي قلابة، عن بلال.
    ورواه أبو رجاء مولى أبي قلابة، عن أبي قلابة، عن أبي إدريس، عن بلال.
    ورواه مطر الوراق، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني، عن بلال؛ من رواية سعيد بن بشير، عن مطر.

    فأما الوجه الأخير، فسعيد بن بشير ومطر الوراق متكلم فيهما، فهذا الوجه ضعيف.

    وبقي الوجهان الأولان، والراجح منهما الأول؛ لاجتماع أوثق أصحاب أبي قلابة (أيوب وخالد) عليه، في مقابل انفراد أبي رجاء مولى أبي قلابة، وهو صدوق.

    وأبو قلابة لم يدرك بلالاً، قاله الشافعي والبخاري والدارقطني والبيهقي[20]، وقد توفي أبو قلابة بعد المائة بقليل، وهو في الخمسين أو أكثر بقليل من عمره، فتحقق أنه ولد بعد الخمسين، وبلال -رضي الله عنه- توفي سنة عشرين أو قبلها بقليل، وقد حكم أبو حاتم بأنه لم يسمع من علي ولا عبدالله بن عمر، وهؤلاء تأخرت وفاتهم عن بلال كثيرًا، فأولى ألاّ يكون سمع من بلال.

    وأما المتن، فقد تبيَّن قبلُ انفرادُ حماد بن سلمة في روايته الخطأ بذكر المسح على الموقين، وترجح أن الصواب وقف المسح على الموقين على بلال ورفع المسح على الخفين إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    يتلوه في الحلقة التالية -بعون الله-: تخريج الخلاف على الحكم بن عتيبة في حديث بلال، ودراسته والترجيح فيه.

    ـــــــــــــــ ــ
    [1]هذا عطفٌ على ما سبق تعداده مما يجوز المسح عليه.

    [2] في حاشية ابن قاسم: (بضم الجيم، نوع من الخفاف، قال الجوهري: الذي يلبس فوقه لحفظه من الطين وغيره، وقال ابن سيده: خف صغير، وقال النووي: شيء يشبه الخف فيه اتساع، يلبس فوق الخف في البلاد الباردة...).

    [3] العلل (7/177).

    [4] قد جاء في رواية الشاشي من طريق شبابة: (عن أبي عبدالرحمن السلمي)، ويظهر أن هذا إقحام من بعض الرواة أو النساخ؛ فإنه لم يجئ إلا هنا، ولا يصح.

    [5] العلل (7/177).

    [6] تهذيب التهذيب (12/172).

    [7] نقله مغلطاي -في شرحه على ابن ماجه (2/294)- عن الاستغناء، ولم أقف عليه فيه.

    [8] السابق.

    [9] الإمام (2/199).

    [10] المستدرك (1/170).

    [11] التاريخ الكبير (1/390).

    [12] ترتيب علل الترمذي الكبير (ص55).

    [13] مسنده (4/212، 213).

    [14] إنما علقها الدارقطني في علله، قال (7/182): (ورواه حميد الطويل واختلف عنه، فرواه زهير وزياد بن خيثمة عن حميد...)، وأخشى أن كلمة (وزياد) مقحمة في النسخة، وأن الصواب: (زهير أبو خيثمة).

    [15] علل ابن أبي حاتم (1/29).[

    [16] سؤالات البرقاني (32)، وفيه: عن أبي رجاء، عن عمه، عن أبي إدريس، وكذا وقع في نسخته الخطية، وصوابه: عن عمه أبي إدريس، كذلك جاء في نقل ابن عساكر هذا النص -في تاريخ دمشق (66/230، 231)-.

    [17] سؤالات البرقاني (13، 16).

    [18] مسنده (4/213).

    [19] العلل (7/182).

    [20] التاريخ الكبير (1/390)، العلل (7/180)، معرفة السنن والآثار (1/277، 278).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  9. #49
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    توطئة:
    بُدئ في الحلقة الماضية بتخريج حديث بلال -رضي الله عنه- في المسح على الموقين، ومضى منه روايتان عن بلال، وفي هذه الحلقة تخريج ودراسة الرواية الثالثة من الروايات عنه.

    ج- الخلاف على الحكم بن عتيبة في حديث بلال:
    التخريج:
    1- الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال:
    أخرجه ابن أبي شيبة (219، 1860، 36099) -ومن طريقه مسلم (275) وأبو عوانة في مستخرجه (716) والشاشي (952) والطبراني في الكبير (1/350)-، وأحمد (6/12)، ومسلم (275)، والبزار (1358)، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (122)، وابن خزيمة (180)، وأبو عوانة (715)، وابن المنذر في الأوسط (489)، والشاشي (951، 954، 955)، والطبراني في الكبير (1/350)، والبيهقي في الكبرى (1/61) وفي معرفة السنن (1/279)، جميعهم من طريق أبي معاوية محمد بن خازم الضرير، وأحمد (6/14)، والبزار (1358)، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (122)، وابن خزيمة (180)، وأبو عوانة (714، 716)، والبغوي في معجم الصحابة (175)، والشاشي (949، 951)، والطبراني في الكبير (1/350)، والبيهقي في الكبرى (1/271) ومعرفة السنن (1/279)، جميعهم من طريق عبدالله بن نمير، ومسلم (275)، وابن ماجه (561)، وابن المنذر في الأوسط (489)، وأبو عوانة (716)، والطبراني في الكبير (1/350)، والبيهقي (1/271)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/430)، جميعهم من طريق عيسى بن يونس، ومسلم (275)، والترمذي (101)، والبغوي في معجم الصحابة (174)، من طريق علي بن مسهر، والروياني (754) عن سفيان بن وكيع، وأبو عوانة (717) من طريق عبيدالله بن عمر القواريري، والطبراني في الكبير (1/350) من طريق عثمان بن أبي شيبة، ثلاثتهم (ابن وكيع والقواريري وعثمان) عن محمد بن فضيل، والشاشي (950) عن الصغاني، عن يحيى بن أبي بكير، عن زائدة بن قدامة، والشاشي (953، 961) من طريق حماد بن شعيب، وعبدالسلام بن حرب، وعلقه الدارقطني في العلل (7/172، 173) عن عبدالرحمن بن مغراء، وأبي عبيدة بن معن، وأبي حمزة السكري، وأبي إسحاق الفزاري، الاثنا عشر راويًا (أبو معاوية، وابن نمير، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، وابن فضيل، وزائدة، وحماد، وعبدالسلام، وابن مغراء، وأبو عبيدة بن معن، والسكري، والفزاري) عن الأعمش، وأخرجه ابن أبي شيبة (1930) -ومن طريقه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (266) والطبراني في الكبير (1/350)-، والبزار (1369)، والبغوي في معجم الصحابة (177)، وابن الأعرابي في معجمه (1271)، والخطيب في المتفق المفترق (1740)، جميعهم من طريق يحيى بن يعلى أبي المحياة، عن ليث بن أبي سليم، كلاهما (الأعمش وليث) عن الحكم، وأخرجه الطبراني في الكبير (1/350) من طريق محمد بن فضيل، وعلقه الدارقطني في العلل (7/173) عن علي بن عابس، كلاهما (ابن فضيل وعلي بن عابس) عن يزيد بن أبي زياد، كلاهما (الحكم ويزيد) عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، به، ولفظ ابن أبي شيبة وأحمد عن أبي معاوية عن الأعمش عن الحكم: مسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الخفين والخمار، وكذا جاء في عامة الروايات عن الأعمش، وعبَّر بعضهم بالعمامة عن الخمار، وجاء في معجم الطبراني (1/350) من طريق ابن أبي شيبة واثنين آخرين عن أبي معاوية عن الأعمش بلفظ: على الموقين والخمار.

    وزاد يحيى بن يعلى عن ليث عن الحكم: ومسح من بعده -يعني النبي صلى الله عليه وسلم- أبو بكر وعمر وعثمان.

    وجاء في رواية يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي ليلى: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين والجوربين.

    إلا أن عبدالسلام بن حرب ويزيد بن أبي زياد -من رواية علي بن عابس عنه- في روايتيهما عن الأعمش عن الحكم لم يذكرا بلالاً، وجعلاه من مسند كعب بن عجرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

    2- الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن بلال:
    أخرجه أحمد (6/15) والبغوي في معجم الصحابة (1/270) والطبراني في الكبير (1/341) من طريق معاوية بن عمرو، وأحمد (6/15) والروياني (739) عن محمد بن إسحاق الصغاني، كلاهما (أحمد والصغاني) عن يحيى بن أبي بكير، والبزار (1359) وابن خزيمة (183) والبغوي في معجم الصحابة (1/270) من طريق أبي أسامة حماد بن أسامة، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (123) من طريق طلق بن غنام، أربعتهم (معاوية بن عمرو، وابن أبي بكير، وأبو أسامة، وطلق) عن زائدة بن قدامة، والبزار (1360) والبيهقي في معرفة السنن (1/280) من طريق عمار بن رزيق، والنسائي في الصغرى (1/75) والكبرى (123) من طريق طلق بن غنام، عن حفص بن غياث، وعلقه الدارقطني في العلل (7/173) عن روح بن مسافر، وفي الأفراد (1371-أطرافه) عن يحيى بن المنذر، عن موسى بن محمد الأنصاري، وفي الأفراد (1381-أطرافه) عن عافية بن يزيد، وهريم بن سفيان، ويحيى بن المهلب، والقاسم بن معن، تسعتهم (زائدة، وعمار، وحفص، وروح، وموسى، وعافية، وهريم، ويحيى بن المهلب، والقاسم بن معن) عن الأعمش، عن الحكم، به، ولفظ زائدة: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين، وللباقين نحوه، وزاد عمار: والخمار.

    3- الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال مباشرة:
    أخرجه أبو داود الطيالسي (ص152) -ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن (1/280)-، وأحمد (6/13) والروياني (733) والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق محمد بن جعفر غندر، وأحمد (6/13) والنسائي في الصغرى (1/76) والكبرى (124) والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق وكيع، وأحمد (6/15) عن عفان، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (7) والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق يحيى بن عباد، وابن الصباح في مسند بلال (9) والطبراني في الكبير (1/357) من طريق عاصم بن علي، والبغوي في الجعديات (141) ومعجم الصحابة (171) -ومن طريقه ابن عساكر في معجمه (1150)- والطبراني في الكبير (1/357) من طريق علي بن الجعد، والبغوي في معجم الصحابة (172) من طريق وهب بن جرير، والشاشي (956) من طريق شبابة، و(962) من طريق أبي النضر هاشم بن القاسم، والطبراني في الكبير (1/357) من طريق آدم بن أبي إياس، والربيع بن يحيى الأشناني، والخطيب في تاريخ بغداد (11/136) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (36/383)- من طريق بقية بن الوليد، الثلاثة عشر راويًا (الطيالسي، وغندر، ووكيع، وعفان، ويحيى بن عباد، وعاصم بن علي، وابن الجعد، ووهب، وشبابة، وأبو النضر، وآدم، والربيع، وبقية) عن شعبة بن الحجاج، وعبدالرزاق (736) -ومن طريقه أحمد (6/13، 15) والطبراني في الكبير (1/356)- وابن الأعرابي في معجمه (725) والبيهقي في معرفة السنن (1/280) وابن عساكر في معجمه (1468) من طريق سفيان الثوري، والشاشي (960) من طريق شريك، كلاهما (الثوري وشريك) عن الأعمش، وعبدالرزاق (735) -ومن طريقه الطبراني في الكبير (1/357)- عن عبدالله بن محرر، والحميدي (150) -ومن طريقه الشاشي (957)-، والطبراني في الكبير (1/357) -ومن طريقه أبو موسى المديني في اللطائف (869)- من طريق إبراهيم بن بشار، كلاهما عن سفيان بن عيينة، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات (716) من طريق إبراهيم بن طهمان، وعلقه الدارقطني في العلل (7/176) عن عمر بن يزيد، ثلاثتهم (سفيان وابن طهمان وعمر بن يزيد) عن محمد بنعبدالرحمن بن أبي ليلى، والحميدي (150) -ومن طريقه الشاشي (957)-، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (12) عن علي -لعله ابن المديني-، والطبراني في الكبير (1/357) -ومن طريقه أبو موسى المديني في اللطائف (869)- من طريق إبراهيم بن بشار، ثلاثتهم (الحميدي، وعلي، وإبراهيم بن بشار) عن سفيان بن عيينة، عن أبان بن تغلب، وأحمد (6/14) والشاشي (958) من طريق عبيدالله بن عمرو، عن زيد بن أبي أنيسة، والبزار (1368) والبغوي في معجم الصحابة (173) والطبراني في الكبير (1/357) من طريق الحسين بن علي الجعفي، عن زائدة، عن منصور بن المعتمر، والبغوي في معجم الصحابة (176) عن زياد بن أيوب، عن محمد بن فضيل، والدارقطني في الأفراد (1382-أطرافه) من طريق محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن مطرف بن طريف، وعلقه في الأفراد (1380-أطرافه) عن إسماعيل بن عياش، عن عبدالعزيز بن عبيدالله، وفيه (1381، 1386-الأطراف) عن العرزمي، وحلو بن السري، وفيه (1381-الأطراف) عن الحسن بن عمارة، وفائد بن كيسان، وفيه (1383-الأطراف) عن خلف بن أيوب، عن قيس، عن واصل بن حيان، وفي العلل (7/174) عن عمر بن عامر، والحجاج بن أرطأة، وإبراهيم بن عثمان، جميعهم -ثمانية عشر راويًا- عن الحكم بن عتيبة، وأخرجه البغوي في معجم الصحابة (178) والشاشي (959) والطبراني في الأوسط (3151) من طريق ابن لهيعة ويحيى بن أيوب، عن يزيد بن عبدالله بن الهاد، عن محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى[1]، وابن المنذر في الأوسط (484) من طريق يعلى بن عبيد، وابن بشران في أماليه (443) من طريق يوسف بن خالد، كلاهما عن أبي سعد البقال سعيد بن المرزبان، والطبراني في الكبير (1/357) من طريق داود بن الزبرقان، عن ميمون أبي سفيان، أربعتهم (الحكم، ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، والبقال، وميمون) عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، به، ولفظ شعبة عند سائر الرواة عنه: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار، وللباقين نحوه، وعبر بعض الرواة بالعمامة عن الخمار، واقتصر بعضهم على الخفين، إلا أن:
    بقية قال عن شعبة: مسح على الخمار والموقين.
    وزياد بن أيوب زاد عن ابن فضيل عن الأعمش: ومسح من بعده أبو بكر وعمر وعثمان.
    وإبراهيم بن بشار قال عن ابن عيينة عن ابن أبي ليلى وأبان بن تغلب عن الحكم: مسح على الموقين والخمار.
    ومطرف بن طريف قال عن الحكم: مسح على الموقين والخمار.
    ويعلى قال عن أبي سعد البقال: عن ابن أبي ليلى، قال: رأيت بلالاً قضى حاجته، ثم توضأ ومسح على جوربيه وخفيه؛ ذكر الجوربين وأوقف الحديث على بلال.

    دراسة الأسانيد:
    اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون الحكم، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على الحكم، وسأجعل الكلام على الروايات التي ذُكر فيها المسح على الموقين في خاتمة المبحث:
    أولاً: الخلاف على زائدة بن قدامة:
    رواه الشاشي، عن الصغاني، عن يحيى بن أبي بكير، عن زائدة، عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال.
    ورواه الروياني، عن الصغاني، به، بإبدال كعب بن عجرة بالبراء بن عازب.

    وتابع الصغاني على الوجه الثاني عن يحيى بن أبي بكير: الإمام أحمد بن حنبل.
    وتابع يحيى بنَ أبي بكير عليه ثلاثة ثقات: معاوية بن عمرو، وأبو أسامة، وطلق بن غنام.

    فالراجح الوجه الثاني عن زائدة، وهو المشهور به، وإنما يُذكَر من روايته هذا الوجهُ عند سياق الخلاف عن الأعمش.

    وقد رواه الحسين بن علي الجعفي عن زائدة، عن منصور بن المعتمر، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال.

    قال البزار: (ولا نعلم روى منصور، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال؛ إلا هذا الحديث، ولا نعلم أحدًا حدث به عن منصور إلا زائدة)[2]، لكن قد علَّق الدارقطني رواية عمرو بن أبي قيس والقاسم بن معن عن منصور به[3]، وعلَّق رواية محمد بن ميسر عن الثوري عن منصور والأعمش به، ولم أجد هذه الروايات مسندة، ورواية الثوري عن منصور خطأ؛ فمحمد بن ميسر ضعيف، وقد رواه غير واحد عن الثوري، عن الأعمش فقط، به.

    والحسين بن علي الجعفي الراوي عن زائدة ثقة عابد، كان من أروى الناس عن زائدة، وهذا مما يؤيد صحة روايته، وإن صحت متابعتا عمرو بن أبي قيس والقاسم بن معن لزائدة عن منصور؛ فهو مؤيد آخر لصحة هذه الرواية.

    ثانيًا: الخلاف على محمد بن فضيل:
    رواه سفيان بن وكيع وعبيدالله بن عمر القواريري وعثمان بن أبي شيبة عن ابن فضيل، عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال.
    ورواه زياد بن أيوب عن ابن فضيل، به، لكنه أسقط كعب بن عجرة، وجعله عن ابن أبي ليلى، عن بلال مباشرة.

    ورواية الجماعة أولى بالصواب من انفراد زياد بن أيوب، وقد أعل الدارقطني رواية زياد، قال: (... ومحمد بن فضيل، واختلف عنه:
    فرووه عن الأعمش، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال،
    ورواه زياد بن أيوب، عن ابن فضيل، فلم يذكر فيه كعبًا.
    ولعله سقط عليه أو على من روى عنه)[4].

    وقد زاد زياد بن أيوب ذكر المسح عن أبي بكر وعمر وعثمان، وهذا خطأ؛ فإنه لم يذكر عن الأعمش في أي طريق إلا هذه الطريق، ورواية الناس أصح.

    ثالثًا: الخلاف على محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى:
    رواه سفيان بن عيينة وإبراهيم بن طهمان وعمر بن يزيد عنه، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى (أبيه)، عن بلال،
    ورواه عنه يزيد بن عبدالله بن الهاد، عن أبيه عبدالرحمن بن أبي ليلى مباشرة، عن بلال، أسقط الحكم.

    ورواية ابن الهاد قال فيها الطبراني: (لم يروه عن ابن الهاد إلا يحيى -يعني: ابن أيوب- والليث بن سعد)[5]، وقد أخرج الشاشي رواية ابن الهاد من طريق يحيى بن أيوب وابن لهيعة، ولم أجد رواية الليث بن سعد.

    ومحمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى ضعيف سيئ الحفظ، وربما كان هذا الاضطراب بإدخال الحكم وإسقاطه منه.

    رابعًا: الخلاف على الأعمش:
    وهو خلاف واسع في هذا الحديث، حيث روي عن الأعمش على أوجه:
    الوجه الأول: رواه أبو معاوية الضرير، وعبدالله بن نمير، وعيسى بن يونس، وعلي بن مسهر، ومحمد بن فضيل، وحماد بن شعيب، وعبدالرحمن بن مغراء، وأبو عبيدة بن معن، وأبو حمزة السكري، وأبو إسحاق الفزاري؛ عشرتهم عن الأعمش، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، ورواية عبدالرحمن بن مغراء فمن بعدَهُ معلقة عند الدارقطني، ولم أجدها مسندة.
    وتوبع الأعمش على هذا الوجه؛ تابعه ليث بن أبي سليم، وزاد في متنه ذكر المسح عن أبي بكر وعمر وعثمان -رضي الله عنهم-.

    الوجه الثاني: رواه زائدة بن قدامة، وعمار بن رزيق، وحفص بن غياث، وروح بن مسافر، وموسى بن محمد الأنصاري، وعافية بن يزيد، وهريم بن سفيان، ويحيى بن المهلب، والقاسم بن معن، تسعتهم عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن البراء بن عازب، عن بلال،
    ورواية روح بن مسافر فمن بعدَهُ معلقة عند الدارقطني، ولم أجدها مسندة.

    الوجه الثالث: رواه سفيان الثوري، وشريك بن عبدالله، عن الأعمش، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال مباشرة، وتوبع الأعمش على هذا الوجه؛ تابعه شعبة بن الحجاج، ومنصور بن المعتمر، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة، وغيرهم.

    الوجه الرابع: رواه عبدالسلام بن حرب وعلي بن عابس، عن الأعمش، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، لم يذكرا بلالاً، ورواية علي بن عابس معلقة عند الدارقطني، ولم أجدها مسندة.

    النظر في الخلاف:
    أما الوجه الأخير من هذه الأوجه؛ ففيه نظر، ورواية علي بن عابس لا يُدرَى إسنادها، وعلي ضعيف، وانفراد عبدالسلام بن حرب بهذا الوجه مع كون الناس تختلف عن الأعمش بغيره يفيد خطأه في ذلك، وقد كان لعبدالسلام مع ثقته مناكير، ولعل هذا منها.

    وأما الأوجه الأخرى؛ فالخلاف فيها عن الأعمش قوي، ولكل وجه مرجحاته:
    فمما يرجح الوجه الأول:
    1- اجتماع جماعة من ثقات أصحاب الأعمش عليه، منهم: أبو معاوية الضرير -وهو من أحفظ الناس لحديث الأعمش-، وابن نمير، وعيسى بن يونس، ومحمد بن فضيل.
    2- متابعة ليث بن أبي سليم له عليه عن الحكم.
    3- احتمال كون إسقاط الواسطة بين ابن أبي ليلى وبلال تقصيرًا ممن رواه، وتقصير من قصِّر بالإسناد لا يؤثر غالبًا بتجويد من جوَّده.

    ومما يرجح الوجه الثاني:
    اجتماع زائدة وحفص بن غياث -وهما ثقتان ثبتان- وعمار بن رزيق -وهو صدوق- عليه.

    ومما يرجح الوجه الثالث:
    1- كون رواية سفيان الثوري -وهو الحافظ الثبت الإمام- عليه، مع متابعة شريك له.
    2- متابعة شعبة ومنصور وأبان بن تغلب للأعمش عليه عن الحكم، ومتابعة المختلَف عليه تؤيد رجحان الوجه الذي وافقها من الخلاف.

    ولقوة هذه المؤيدات اختلفت أنظار الأئمة في الترجيح:
    فأما أبو زرعة الرازي، فقال: (الصحيح حديثَ الأعمش: عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن كعب، عن بلال)، وقال: (الأعمش حافظ، وأبو معاوية وعيسى بن يونس وابن نمير، وهؤلاء قد حفظوا عنه)[6].

    فأيَّد ترجيح هذا الوجه باجتماع الثقات عليه، وهو يفيد أنهم قد حفظوا هذا الوجه عنه.

    وهذا الوجه هو الذي أخرجه مسلم في صحيحه، إلا أنه أخرجه في الشواهد لا في أصل الباب، وأخَّره في أحاديث المسح، فأشار إلى عدم اعتماده عنده، والله أعلم.

    وصححه العلائي من المتأخرين[7].

    وأما أبو حاتم الرازي، فقال: (الصحيح من حديث الأعمش: عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال، بلا كعب)[8].

    وقال إبراهيم الحربي: (ثم اختلف أصحابه -يعني: الأعمش-، فكان ما روى سفيان أحب إليَّ، وليس من قال: كعب بن عجرة؛ بأثبت ممن قال: البراء، ومِنْ سفيان حين لم يذكر كعبًا ولا البراء)[9].

    وقال الحافظ أبو الفضل ابن عمار الشهيد: (وروايته -يعني: الثوري- أثبت الروايات)، وقال: (وحديث الثوري عندنا أصح من حديث غيره)[10].

    وقال البيهقي: (وإذا اختلف سفيان وغيره في حديث الأعمش؛ كان الحكم لرواية سفيان، كيف وقد رواه شعبة بن الحجاج عن الحكم بن عتيبة كما رواه سفيان، عن الأعمش، عن الحكم بن عتيبة؟!)[11].

    وقد أخرج ابن خزيمة الوجهين الأولين عن الأعمش (بواسطة كعب بن عجرة والبراء بن عازب).

    وقال البيهقي -بعد أن ساق أوجه الخلاف-: (ومن أقام إسناده ثقات)[12].

    وقال ابن منده: (وقد أثبت الأعمشُ في الإسناد كعبَ بن عجرة والبراء من رواية الثقات عنه، فثبت الحديث بروايتهم، وأخرجوه)[13].

    وذهب ابن التركماني من المتأخرين إلى القول باضطراب الحديث، قال: (تركه البخاري لاضطراب إسناده؛ فمنهم من رواه عن ابن أبي ليلى عن بلال بلا واسطة، ومنهم من رواه بواسطة بينهما، واختلفوا فيها؛ فمنهم من أدخل فيها كعب بن عجرة، ومنهم من أدخل بينهما البراء بن عازب)[14].

    والحق أن لكل من رجَّح وجهًا قويًّا في ترجيحه، وأكثر الأئمة -كما بان- على ترجيح إسقاط الواسطة.

    ولعل الأشبه في ذلك والأرجح -إن شاء الله-: أن الأعمش كان يقصِّر به أحيانًا؛ فلا يذكر واسطة بين ابن أبي ليلى وبلال، ويذكر أحيانًا كعب بن عجرة، وأحيانًا البراء بن عازب، ولعل الأعمش لم يضبط إسناده جيدًا، ويأتي قول الإمام أحمد بن حنبل في ذلك.

    خامسًا: الخلاف على الحكم بن عتيبة:
    تلخص أنه اختُلف عنه على أوجه:
    الوجه الأول: رواية الأعمش، حيث رواه عن الحكم على الأوجه السابق ذكرها.
    الوجه الثاني: رواه ليث بن أبي سليم -من رواية أبي المحياة يحيى بن يعلى عنه- عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال،
    وتابع الحكمَ على هذا الوجه عن ابن أبي ليلى: يزيد بن أبي زياد، وقال في متنه: (كان يمسح على الخفين والجوربين).
    الوجه الثالث: رواه شعبة بن الحجاج، ومنصور بن المعتمر، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة، وجماعةٌ آخرون؛ عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال مباشرة.

    وأكثر روايات الجماعة -سوى من ذُكر- معلقة غير مسندة، أو روايات ضعفاء ومتروكين، وإنما العمدة رواية هؤلاء الأربعة.

    وتابع الحكمَ على هذا الوجه عن ابن أبي ليلى: أبو سعد البقال، وميمون أبو سفيان.

    دراسة الروايات في الخلاف:
    1- الوجه الأول:
    وهو رواية الأعمش، حيث اختُلف عنه فيه -كما سبق-، والظاهر أنه لم يضبطه جيدًا، قال الإمام أحمد: (رواه شعبة وزيد بن أبي أنيسة وغير واحد؛ ليس فيه كعب، والأعمش يختلف عنه: زائدة يقول: عن البراء، عن بلال، وغيره يقول: كعب بن عجرة عن بلال)، وقال: (أظن الأعمش غلط فيه، إنما قال الناس: عن ابن أبي ليلى، عن بلال، زاد الأعمش كعبًا)[15].

    2- الوجه الثاني:
    وهو رواية ليث بن أبي سليم، وليث متكلم فيه، وزاد في هذا الحديث ذكر المسح عن أبي بكر وعمر وعثمان، وهذا لم يذكره غيره عن الحكم، ثم إنه اضطرب في هذا الحديث؛ فرواه على وجه آخر:
    قال ابن أبي حاتم لأبيه وأبي زرعة: فإن ليث بن أبي سليم يحدث فيضطرب، يحدث عنه يحيى بن يعلى، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب بن عجرة، عن بلال، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وعن أبي بكر وعمر في المسح.

    ورواه معتمر، عن ليث، عن الحكم، وحبيب بن أبي ثابت، عن شريح بن هانئ، عن بلال، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-[16]؟

    قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان: (ليث لا يشتغل به، في حديثه مثلُ ذي كثيرٌ، هو مضطرب الحديث)[17].

    وقال إبراهيم الحربي: (وأما رواية ليث، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن كعب، عن بلال؛ فأحسبه سمعه من الأعمش موافقًا لرواية عيسى وابن فضيل، وقال غير أبي المحياة؛ وهو معتمر: عن ليث، عن الحكم، عن حبيب، عن شريح، عن بلال...)[18].

    وأما متابعة يزيد بن أبي زياد للحكم على هذا الوجه؛ فقد اختُلف عن يزيد:
    فرواه ابن فضيل عنه به.
    ورواه علي بن عابس عنه، فأسقط بلالاً، وجعله من مسند كعب بن عجرة.

    وعلي بن عابس ضعيف، والأقوى رواية ابن فضيل.

    ويزيد ضعيف سيئ الحفظ، ولا يفرح بمتابعته، وقد ذكر فيه الجوربين منفردًا بهذا اللفظ في هذه الرواية على كثرة رواتها، وقد سبق الكلام عليها في تخريج الحديث (52).

    3- الوجه الثالث:
    اتفق عن الحكم أربعة ثقات: شعبة، ومنصور، وأبان بن تغلب، وزيد بن أبي أنيسة؛ على روايته عنه، عن ابن أبي ليلى، عن بلال مباشرة، بلا واسطة، وتابعهم غير واحد أيضًا.

    وهذا الوجه أقوها عن الحكم؛ لتوافر عدة قرائن:
    الأولى: اجتماع الثقات من الرواة عن الحكم عليه.
    الثانية: كون رواية شعبة عليه، وشعبة من أثبت الناس في الحكم، بل نصَّ الإمام أحمد على أنه أثبت من الأعمش فيه.
    الثالثة: عدم الاختلاف على رواة هذا الوجه إلا اختلافًا يسيرًا.

    الرابعة: متابعات الحكم عن ابن أبي ليلى، وهما متابعتان:
    إحداهما: متابعة أبي سعد البقال، واختُلف عن أبي سعد:
    فوقفه عنه يعلى بن عبيد، وذكر المسح على الجوربين والخفين،
    ورفعه عنه يوسف بن خالد، وذكر المسح على الخفين والعمامة.

    ويوسف بن خالد متروك، وكذَّبه ابن معين، وأما يعلى فثقة، والصحيح روايته.

    وأبو سعد ضعيف، وقصر به فوقفه، وذكر الجوربين مكان الخمار، وإن كان حفظه؛ فذِكْرُ الجوربين موقوف على بلال حسب، والصحيح من المرفوع رواية الحكم عن عبدالرحمن بن أبي ليلى.

    الثانية: متابعة ميمون أبي سفيان، والراوي عن ميمون: داود بن الزبرقان، وهو متروك، وكذَّبه بعض الأئمة، فلا شأن لروايته.

    ومن ثم؛ فالراجح عن الحكم: الوجه الثالث عنه، وهو روايته عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال مباشرة، وهذا هو ترجيح الأئمة الحفاظ:

    فقد سبق ترجيح الإمام أحمد بن حنبل لهذا الوجه.

    وقال أبو زرعة الرازي: (من غير حديث الأعمش: الصحيح: عن ابن أبي ليلى، عن بلال، بلا كعب، ورواه منصور وشعبة وزيد بن أبي أنيسة، وغير واحد)[19].

    وقال أبو حاتم الرازي: (الصحيح ما يقول شعبة وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة أيضًا، عن الحكم، عن ابن أبي ليلى، عن بلال، بلا كعب)[20].

    وقال إبراهيم الحربي: (وأجمع شعبة ومنصور وحجاج وأبان بن تغلب وابن أبي ليلى أنه عن ابن أبي ليلى، عن بلال...، وهذا عندي -والله أعلم- هو القولُ؛ لعلم شعبة بحديث الحكم، وكثرة مجالسته إياه، وتثبت منصور، وقلة الاختلاف عنه، ولكثرة من وافقهما، ولأنه لم يوافق الأعمش من ينتفع به)[21].

    وختم النسائي بهذا الوجه الباب بعد أن أسند الوجهين الأولين، مشعرًا برجحانه عنده؛ حيث كان ذلك من منهجه[22].

    وقال أبو الفضل ابن عمار الشهيد -بعد أن رجح رواية الثوري عن الأعمش-: (وقد رواه عن الحكم غير الأعمش أيضًا: شعبة ومنصور بن المعتمر وأبان بن تغلب وزيد بن أبي أنيسة وجماعة، عن الحكم، عن عبدالرحمن بن أبي ليلى، عن بلال، كما رواه الثوري عن الأعمش)[23].

    وسبق كلام البيهقي في ترجيح هذا الوجه حين رجح رواية الثوري عن الأعمش.

    وإذا تقرر ذلك؛ فالحكم لم يدرك بلالاً ولم يلقه، قاله الشافعي وابن عمار الشهيد والبيهقي وغيرهم[24]، وقد ولد الحكم سنة خمسين أو قبلها بقليل، وأما بلال فتوفي سنة عشرين أو قبلها بقليل، فتحقق الانقطاع.

    النظر في الروايات التي ورد فيها ذكر المسح على الموقين:
    الأولى: رواية الطبراني من طريق ابن أبي شيبة ومحمد بن سعيد الأصبهاني وإبراهيم بن بشار الرمادي عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن الحكم:
    هكذا أخرجه الطبراني من طريق هؤلاء؛ فأما ابن أبي شيبة؛ فالثابت في مصنفه لفظ: (الخفين والخمار)، وكذلك ذكره كافة من رواه من طريق ابن أبي شيبة، وأما محمد بن سعيد الأصبهاني؛ فقد رواه أبو عوانة والشاشي من طريقين عنه بلفظ (الخفين)، ولم أجد من رواه من طريق إبراهيم بن بشار سوى ما هنا، إلا أن الخطأ في لفظ الروايتين الأوليين قرينة على وقوع الخطأ في لفظ هذه الرواية.

    وحتى لو صح عن هؤلاء هذا اللفظ؛ فقد رواه جماعة كثيرون عن أبي معاوية، وعن الأعمش، بذكر الخفين لا الموقين.

    وأصل رواية الأعمش غير محفوظة -كما تبين-.

    الثانية: رواية بقية بن الوليد، عن شعبة، عن الحكم:
    وقد خالفه اثنا عشر من أصحاب شعبة كلهم ذكرو الخفين والخمار -أو العمامة-، وانفراد بقية بذكر الموقين خطأ.

    الثالثة: رواية ابن عيينة، عن ابن أبي ليلى وأبان بن تغلب، عن الحكم:
    قال إبراهيم بن بشار عن ابن عيينة في هاتين الروايتين: مسح على الموقين والخمار، وخالفه الحميدي، فذكر المسح على الخفين والخمار، ورواية الحميدي أولى، ولابن بشار أخطاء عن ابن عيينة.

    الرابعة: رواية مطرف بن طريف، عن الحكم:
    وهي من رواية محمد بن سعيد بن سابق، عن عمرو بن أبي قيس، عن مطرف، وقد أعلها الدارقطني إسنادًا، قال: (والمحفوظ: عمرو، عن منصور، عن الحكم، عنه)[25].

    ولم أجد من رواه على الوجه المحفوظ عن عمرو، إلا أن الخطأ في الإسناد يسوق إلى الخطأ في المتن، وكافة الروايات عن الحكم ليس فيها ذكر الموقين.

    يتلوه -بإذن الله-: تخريج روايتي مكحول الشامي ومحمد بن سيرين، ودراسة الخلاف عليهما في حديث بلال، والترجيح في ذلك.

    ـــــــــــــــ ــــــ
    [1] سماه البغوي: عبدالرحمن بن أبي ليلى، وبنى عليه الحكم بالإرسال، قال: (وهو عندي مرسل؛ لأن ابن الهاد لا أحسب سمع من ابن أبي ليلى)، إلا أنه جاء مسمى في رواية الشاشي والطبراني: محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، وهو أولى؛ فإنه رواه هنا عن أبيه (عبدالرحمن بن أبي ليلى)، ولا تُعرف لعبدالرحمن رواية عن أبيه.

    [2] مسنده (4/205).

    [3] العلل (7/174).

    [4] العلل (7/172، 173).

    [5] المعجم الأوسط (3/282).

    [6] علل ابن أبي حاتم (1/16).

    [7] جامع التحصيل (ص226).

    [8] العلل (1/16).

    [9] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/292).

    [10] علل أحاديث في صحيح مسلم (7).

    [11] معرفة السنن والآثار (1/280).

    [12] السنن الكبرى (1/271).

    [13] الإمام، لابن دقيق العيد (1/556).

    [14] الجوهر النقي (1/61).

    [15] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/291، 292).

    [16] أخرجه الطبراني في الكبير (1/358) من طريق مسدد، عن معتمر، به، وقد اختُلف على معتمر، انظر: المعجم الأوسط، للطبراني (3214)، أطراف الغرائب والأفراد (1380).

    [17] العلل (1/16).

    [18] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/292، 293). وانظر في اضطراب ليث في هذا الحديث، وإدخاله بعض الأحاديث في بعض: علل الدارقطني (3/233، 7/171، 172).

    [19] علل ابن أبي حاتم (1/16).

    [20] علل ابنه (1/16).

    [21] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/292).

    [22] انظر: شرح علل الترمذي، لابن رجب (2/625).

    [23] علل أحاديث في صحيح مسلم (7).

    [24] علل أحاديث في صحيح مسلم (7)، معرفة السنن والآثار (1/277، 280)، السنن الكبرى (1/271).

    [25] أطراف الغرائب والأفراد (1/266).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  10. #50
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    توطئة:
    مضى في الحلقتين الماضيتين ثلاث روايات في حديث بلال بن رباح - رضي الله عنه - في المسح على الموقين، ومضى تخريج الخلاف والدراسة والترجيح فيها.

    وفي هذه الحلقة تخريج روايتين من من روايات الحديث، وهما رواية مكحول الشامي، ومحمد بن سيرين.

    د- الخلاف على مكحول الشامي في حديث بلال:
    التخريج:
    1- مكحول، عن الحارث بن معاوية وأبي جندل، عن بلال:
    أخرجه سعيد بن منصور في سننه -كما في تنقيح التحقيق لابن عبدالهادي (1/346)-، والبزار (1380)، والدولابي في الكنى والأسماء (445)، والطبراني في الكبير (1/360، 361)، وفي مسند الشاميين (1364، 1372، 3579)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/481، 482، 66/122)، من طريق أبي وهب عبيدالله بن عبيد الكلاعي، والحسن بن محمد بن الصباح في مسند بلال (10)، والبغوي في الجعديات (3401) ومعجم الصحابة (179) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (66/122)-، والطبراني في الكبير (1/360) ومسند الشاميين (201، 3578)، وابن عدي في الكامل (4/282)، من طريق علي بن الجعد، عن عبدالرحمن بن ثابت بن ثوبان، عن أبيه ثابت بن ثوبان، وابن أبي خيثمة في تاريخه (4655-السفر الثاني) -وعنه الشاشي (970)-، والطبراني في الشاميين (3581) عن محمد بن عثمان بن سعيد الكوفي، كلاهما (ابن أبي خيثمة ومحمد بن عثمان) عن أحمد بن يونس، عن المعافى بن عمران، عن المغيرة بن زياد، والطبراني في الكبير (1/361) من طريق الهيثم بن حميد، وفيه (1/361) وفي الشاميين (1520) وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/481) من طريق يحيى بن حمزة، كلاهما (الهيثم ويحيى بن حمزة) عن العلاء بن الحارث، والروياني (736) -ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق (11/482)-، والطبراني في الكبير (1/361) والشاميين (3580)، من طريق إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة، والطبراني في الكبير (1/362) من طريق النعمان بن المنذر، وفي الشاميين (1442) من طريق هشام بن خالد الأزرق، وابن عساكر في تاريخ دمشق (11/482) من طريق عمرو بن عثمان، كلاهما (هشام وعمرو بن عثمان) محمد بن عبدالله الشعيثي، والهروي في ذم الكلام وأهله (432) من طريق محمد بن يزيد الدمشقي، وابن عساكر في تاريخ دمشق (66/121) من طريق سعيد بن عبدالعزيز، وعلقه الدارقطني في العلل (7/181) عن محمد بن إسحاق، عشرتهم (أبو وهب الكلاعي، وثابت بن ثوبان، والمغيرة بن زياد، والعلاء بن الحارث، وابن أبي فروة، والنعمان بن المنذر، والشعيثي، ومحمد بن يزيد، وسعيد بن عبدالعزيز، وابن إسحاق) عن مكحول، واختلفوا في صيغة الرواية عنه:
    فقال أبو وهب عبيدالله بن عبيد الكلاعي: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية الكندي وأبي جندل بن سهيل، قالا: سألنا بلالاً عن المسح، فذكره، واقتصر بعض الرواة عن أبي وهب على الحارث الكندي، وقال ثابت بن ثوبان: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وسهيل بن أبي جندل، أنهما سألا بلالاً عن المسح، فذكره، وقال المغيرة بن زياد -في رواية ابن أبي خيثمة، عن أحمد بن يونس، عن المعافى بن عمران، عنه-: عن مكحول، أن الحارث بن معاوية وأبا جندل بن سهيل قال أحدهما لصاحبه: حتى يجيء بلال، فنسأله عن وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما جاء... فذكر الحديث.

    وقال المغيرة - في رواية محمد بن عثمان بن سعيد الكوفي، عن أحمد بن يونس، به-: عن مكحول، عن الحارث وأبي جندل، عن بلال، وقال العلاء بن الحارث -في رواية الهيثم بن حميد عنه-: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية[1]، قال: كان هو ورجل من قريش يتوضآن من مطهرة المسجد، فتنازعا في المسح على الخفين، فقال بلال...، فذكره، وقال العلاء -في رواية يحيى بن حمزة عنه-: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وأبي جندل، عن بلال، وقال إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية، عن بلال، وقال النعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد الدمشقي: عن مكحول، عن بلال.

    وقال محمد بن عبدالله الشعيثي - في رواية هشام بن خالد عن الوليد بن مسلم عنه-: عن مكحول، عن أبي جندل بن عمرو بن سهيل وعن الحارث بن معاوية الكندي، أنهما كانا يتوضآن عند ميضأة مسجد دمشق، إذ أقبل بلال...، فذكره.

    وقال الشعيثي - في رواية عمرو بن عثمان عن الوليد عنه -: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية الكندي، عن بلال.

    وقال سعيد بن عبدالعزيز: عن مكحول، قال: كان الحارث بن معاوية الكندي وأبو جندل بن سهيل يتوضآن...، فمر بهما بلال، فسألاه...، فذكره.

    وقال محمد بن إسحاق: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وصاحب له، عن بلال.

    وأما المتن، فقد ذُكر مسح الموقين في أكثر الروايات عن مكحول، واختُلف في جعله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله أو فعله:

    فجاءت رواية إسماعيل بن عياش ويحيى بن حمزة عن أبي وهب الكلاعي عن مكحول من قوله.

    ورواية الهيثم بن حميد وسويد بن عبدالعزيز عن أبي وهب من فعله.
    ورواية ثابت بن ثوبان ومحمد بن عبدالله الشعيثي وسعيد بن عبدالعزيز عن مكحول من قوله.
    ورواية المغيرة بن زياد والعلاء بن الحارث وإسحاق بن أبي فروة والنعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد عن مكحول من فعله.

    ولم يسق الدارقطني لفظ محمد بن إسحاق.

    واختلفت ألفاظهم في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-، فورد: «امسحوا على الخفين والموق»، و: «امسحوا على الخمر والموق»، و: «امسحوا على النصيف والموق»، و: «امسحوا على الخفين والخمار»، و: «تمسحوا على الأمواق والنصف».

    وأخرجه عبدالرزاق (737) -ومن طريقه أحمد (6/12) والطبراني (1/352)-، وأحمد (6/12، 14)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/188، 189)، من طريق محمد بن راشد، والطبراني في الكبير (1/352)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (62/189)، من طريق محمد بن أبي بكر المقدمي، عن معاذ بن محمد، عن الأوزاعي، كلاهما (محمد بن راشد والأوزاعي) عن مكحول، عن نعيم بن همار، عن بلال، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «امسحوا على الخفين وعلى الخمار»، لفظ عبدالرزاق عن محمد بن راشد، وجاء لفظ رواية الأوزاعي فعليًّا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.

    دراسة الأسانيد:
    اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون مكحول، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على مكحول:
    أولاً: الخلاف على المغيرة بن زياد:
    اختُلف عن أحمد بن يونس، عن المعافى بن عمران، عن المغيرة:
    فقال ابن أبي خيثمة، عنه، به: عن مكحول، أن الحارث بن معاوية وأبا جندل بن سهيل قال أحدهما لصاحبه: حتى يجيء بلال، فنسأله عن وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلما جاء... فذكر الحديث،
    وقال محمد بن عثمان بن سعيد الكوفي، عن أحمد بن يونس، به: عن مكحول، عن الحارث وأبي جندل، عن بلال.

    ولفظ الأداء في رواية ابن أبي خيثمة يفيد أن مكحولاً يحكي القصة التي وقعت بين الحارث وأبي جندل وبلال، وأما لفظ محمد بن عثمان بن سعيد فإنه يجعل مكحولاً يروي ذلك عن الرجلين، وهما يرويان له حديث بلال لهما مرفوعًا.

    وابن أبي خيثمة أحفظ وأضبط؛ فإنه من الحفاظ الأثبات المشاهير، وروايته في تفصيلها أولى وأصح من الرواية المجملة المختصرة.

    ثانيًا: الخلاف على العلاء بن الحارث:
    اختُلف عنه:
    فقال الهيثم بن حميد عنه، عن مكحول: عن الحارث بن معاوية، قال: كان هو ورجل من قريش يتوضآن من مطهرة المسجد، فتنازعا في المسح على الخفين، فقال بلال...، فذكره،
    وقال يحيى بن حمزة عنه، عن مكحول: عن الحارث بن معاوية وأبي جندل، عن بلال.

    وهذا الخلاف كسابقه؛ فإن الظاهر من رواية الهيثم بن حميد حكاية مكحول لقصة الحارث بن معاوية وصاحبه القرشي - وهو أبو جندل - مع بلال.

    والظاهر أن يحيى بن حمزة قد اختصر الحديث، وأجمل الإسناد، وقد قُدِّم الهيثم بن حميد على يحيى في الحديث، ووصف بأنه أشد تحفُّظًا.

    ثالثًا: الخلاف على محمد بن عبدالله الشعيثي:
    اختُلف عن الوليد بن مسلم، عنه:
    فقال هشام بن خالد الأزرق عن الوليد: عن مكحول، عن أبي جندل بن عمرو بن سهيل وعن الحارث بن معاوية الكندي، أنهما كانا يتوضآن عند ميضأة مسجد دمشق، إذ أقبل بلال...، فذكره،
    وقال عمرو بن عثمان عن الوليد: عن مكحول، عن الحارث بن معاوية الكندي، عن بلال.

    وسياقة هشام بن خالد تفيد حكاية مكحول للقصة، وسياقة عمرو بن عثمان تفيد روايته إياها عن الحارث بن معاوية.

    ورواية هشام بن خالد أطول أكثر تفصيلاً، فقد ساق القصة كاملة، وسؤال الرجلين لبلال، وجوابهما له، وأما رواية عمرو بن عثمان فمختصرة مجملة، والظاهر أن هشام بن خالد أكثر ضبطًا لهذا الحديث، وروايته أولى بالصواب عن الشعيثي.

    رابعًا: الخلاف على مكحول:
    تلخص مما سبق أنه اختُلف عن مكحول على أوجه:
    فرواه عبيدالله بن عبيد الكلاعي عن مكحول، عن أبي جندل بن سهيل والحارث بن معاوية، عن بلال.
    ورواه ثابت بن ثوبان عن مكحول، عن سهيل بن أبي جندل والحارث بن معاوية، عن بلال.
    ورواه محمد بن إسحاق عن مكحول، عن الحارث بن معاوية وصاحب له، عن بلال.
    ورواه إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة عن مكحول، عن الحارث بن معاوية فقط، عن بلال.
    ورواه المغيرة بن زياد والعلاء بن الحارث والنعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد الدمشقي ومحمد بن عبدالله الشعيثي وسعيد بن عبدالعزيز عن مكحول، عن بلال، حيث ذكر المغيرة والعلاء والشعيثي وسعيد بن عبدالعزيز القصةَ من كلام مكحول، فكأنه رواه عن بلال مباشرة.
    ورواه محمد بن راشد والأوزاعي - من رواية معاذ بن محمد عنه - عن مكحول، عن نعيم بن همار، عن بلال.

    والأوجه الأربعة الأولى كالوجه الواحد، سوى أن ثابت بن ثوبان قلب اسم أبي جندل بن سهيل خطأً، قال الدارقطني: (فرواه ثابت بن ثوبان والعلاء بن الحارث، عن مكحول، عن أبي جندل بن سهيل والحارث بن معاوية، عن بلال، قال ذلك العلاء بن الحارث، وقال ابن ثوبان: سهيل بن أبي جندل، وقول العلاء بن الحارث أشبه بالصواب)[2]، وسوى أن ابن إسحاق أبهم اسم أبي جندل بن سهيل، قال الدارقطني: (وقال ابن إسحاق عن مكحول، عن الحارث بن معاوية، وصاحب له -لم يسمه-، وهو أبو جندل بن سهيل)[3]، وسوى أن ابن أبي فروة اقتصر على الحارث بن معاوية.

    ورواة هذه الرواية مختلفو الرتب، فأوثقهم ثابت بن ثوبان، وهو ثقة، والكلاعي وابن إسحاق صدوقان، وأما ابن أبي فروة فمتروك لا يشتغل بروايته.

    وأما رواة الوجه الآخر؛ فمع كونهم أكثر؛ فإن فيهم المقدمون في مكحول: العلاء بن الحارث وسعيد بن عبدالعزيز.

    ورواية الوجه الثاني بكون مكحول يحكي قصة أبي جندل والحارث بن معاوية مع بلال= تبيِّن سبب دخول الخلل على من رواه على الوجه الأول؛ حيث إن مكحولاً إنما يروي القصة من تلقاء نفسه، فظن بعضهم أنه يرويها عمَّن حصلت له، أو اختصر الأمر وأجمل الإسناد؛ فرواه كذلك، وهو خطأ.

    وأما رواية محمد بن راشد والأوزاعي عن مكحول، فمحمد بن راشد صدوق له مناكير، ولا تصح رواية الأوزاعي؛ إذ إن راويها عنه (معاذ بن محمد) ضعيف، في حديثه وهم، وربما اختلط عليه حديث محمد بن راشد بحديث الأوزاعي[4]، ولعل هذا الحديث من ذلك، فمدار رواية مكحول عن نعيم بن همار عن بلال على محمد بن راشد، وهو المعروف بها، ورواية الأوزاعي غريبة.

    ومن ثم، فالراجح عن مكحول: رواية الأكثر والأوثق عنه، وهي روايته الحديث بقصَّته عن بلال مباشرة.

    ومكحول متأخر عن إدراك بلال -رضي الله عنه-، ونص على كون روايته عنه مرسلة: الدارقطني[5]، بل قد نُصَّ على أن مكحولاً لم يسمع إلا من بعض آحاد الصحابة، ليس أحدهم بلال.

    وأما المتن، فقد اجتمع المغيرة بن زياد والعلاء بن الحارث والنعمان بن المنذر ومحمد بن يزيد من رواة الوجه الراجح على جعله من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- لا من قوله، وهو الأصح عن مكحول، والعلاء بن الحارث من أعلى أصحاب مكحول وأوثقهم فيه.

    وقد ذكر المغيرة والعلاء المسح على الموقين، ولعل ذكر ذلك صحيح عن مكحول.

    هـ- الخلاف على محمد بن سيرين في حديث بلال:
    التخريج:
    1- محمد بن سيرين، عن أبي جندل بن سهيل، عن بلال:
    أخرجه البزار (1379)، والشاشي (969)، والطبراني في الكبير (1/362)، من طريق سالم بن نوح، عن عمر بن عامر، عن قتادة، وعلقه الدارقطني في العلل (7/179) عن الجريري، كلاهما (قتادة والجريري) عن محمد بن سيرين، به، بلفظ: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار، ولفظ البزار: على الخفين والخمار، إلا أن الجريري أبهم اسم أبي جندل، فقال: عن محمد بن سيرين، عن رجل رأى بلالاً...

    2- محمد بن سيرين، عن كثير بن أفلح مولى أبي أيوب، عن بلال:
    أخرجه الدارقطني في الأفراد (1389-أطرافه) من طريق عمار بن مطر، عن أبي هلال، عن محمد بن سيرين، به، بلفظ: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والعمامة.

    3- محمد بن سيرين، عن بلال:
    أخرجه عبدالرزاق (733) عن هشام بن حسان، وعلقه الدارقطني في العلل (7/179) عن يونس بن عبيد، كلاهما عن ابن سيرين، به، ولفظ عبدالرزاق: قال ابن سيرين: دخل رجل على بلال[6] وهو يتوضأ تحت مثعب، فمسح على خفيه، فقال له الرجل: ما هذا؟ فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار.

    دراسة الأسانيد:
    اختُلف عن محمد بن سيرين:
    فرواه قتادة - من رواية سالم بن نوح، عن عمر بن عامر، عنه - والجريري عن ابن سيرين، عن أبي جندل، عن بلال، وأبهم الجريري أبا جندل.
    ورواه أبو هلال - من رواية عمار بن مطر عنه - عن ابن سيرين، عن كثير بن أفلح، عن بلال.
    ورواه هشام بن حسان ويونس عن ابن سيرين، عن بلال مباشرة.

    ورواية قتادة قال فيها البزار: (ولا نعلم روى هذا الحديث عن قتادة إلا عمر بن عامر)[7]، وقال الدارقطني: (غريب من حديث قتادة عن ابن سيرين عن أبي جندل عن بلال، تفرد به عمر بن عامر قاضي البصرة عنه، وتفرد به سالم بن نوح عن عمر)[8]، وسالم بن نوح اختُلف في أمره، وعمر بن عامر المتفرد به عن قتادة صدوق له أوهام، وله مناكير عن قتادة، والظاهر أن هذه الرواية من ذلك؛ لتفرده عن قتادة دون أصحابه الثقات، ولتأديته بقتادة أن يخالف الأثبات عن ابن سيرين.

    وأما رواية الجريري؛ فقد علقها الدارقطني ممرضة، قال: (وقيل عن الجريري...)، وهذا إشعار بعدم ثبوتها عنه، ولم أجدها مسندة، والجريري اختلط، ولا بد من تمييز الراوي عنه لتحديد روايته قبل الاختلاط أم بعده، وليس هنا ما يدل على ذلك.

    وأما الوجه الثاني عن ابن سيرين، فقد قال فيه الدارقطني: (تفرد به عمار بن مطر، عن أبي هلال، عن محمد بن سيرين، عن كثير)[9]، وعمار بن مطر هالك متهم بالكذب[10].

    فالراجح عن ابن سيرين إذن: رواية هشام بن حسان ويونس بن عبيد؛ إذ إن هشامًا من أثبت الناس في محمد بن سيرين، ووافقه يونس بن عبيد، وهو من الثقات الأثبات.

    وابن سيرين لم يدرك بلالاً، فإنه ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وقد توفي بلال قبل ذلك بمدة.

    ولم يذكر في لفظ الرواية الراجحة المسح على الموقين، بل ذكر المسح على الخفين والخمار، وذلك هو الصحيح عن ابن سيرين.

    يتلـوه -إن شاء الله- روايات أسامة بن زيد، وأبي سلمة بن عبدالرحمن، وعلي بن أبي طالب؛ ثلاثتهم عن بلال، ثم ختام الكلام على حديث بلال بخلاصةٍ فيها الراجح فيه.

    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    [1] جاء في مطبوعة المعجم الكبير ونُسخِهِ في هذا الموضع: عن الحارث بن معاوية، عن معاوية الكناني، والظاهر أن غلط، وصوابه: عن الحارث بن معاوية الكندي.
    [2] العلل (7/180، 181).

    [3] العلل (7/181).

    [4] انظر: ضعفاء العقيلي (4/202)، لسان الميزان (6/55).

    [5] العلل (7/182).

    [6] شك عبدالرزاق في كونه بلالاً أو أسامة، ولعل صوابه أن يكون هو بلال؛ لشهرة هذا الحديث عنه، ولكونه مرويًّا عن ابن سيرين من وجه آخر عن بلال.

    [7] مسنده (4/213).

    [8] أطراف الغرائب والأفراد (1/267).

    [9] أطراف الغرائب والأفراد (1/267).

    [10] انظر: لسان الميزان (4/275).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  11. #51
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    155

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    ما شاء الله ,, تباركَ الله ,,
    جهدٌ مبارك, أسأل الله أن ينفع به , وأن يجزل لكم المثوبة..
    هل من الممكن أن يوضع هذا التخريج على ملف ( pdf ) أو ملف وورد ؛ حتى تسهل طباعتها والاستفادة منها بشكل أفضل.
    وجزيتم الجنة..
    وبلغنا الله وإياكم شهر الصيام والقيام, وجعلنا فيه من المقبولين.. آمين

  12. #52
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    توطئة:
    مضى في الحلقات السابقة دراسة خمس طرق في حديث بلال بن رباح -رضي الله عنه- في المسح على الموقين، وفي هذه الحلقة دراسةُ ثلاثِ الطرق الباقية من الحديث، وخلاصة الكلام فيه.

    و- الخلاف على زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال:
    التخريج:
    أخرجه الشافعي الأم (1/70) -ومن طريقه البيهقي في معرفة السنن (1/281، 2/99)-، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1986) -ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4117)-، والطبراني في الكبير (1/351)، من طريق بكر بن عبدالوهاب، والنسائي في الصغرى (1/81) والكبرى (126) -ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (11/144) والمراغي في مشيخته (ص352-354)- من طريق سليمان بن داود، وعبدالرحمن بن إبراهيم دحيم، وابن خزيمة (185) -ومن طريقه الجورقاني في الأباطيل والمناكير (370)-، والبيهقي في السنن (1/274) ومعرفة السنن (1/281، 2/100)، وابن عبدالبر في التمهيد (11/144، 145)، من طريق يونس بن عبدالأعلى، ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم، وقاسم بن أصبغ في مصنفه -كما نقل عبدالحق الإشبيلي في الأحكام الكبرى (1/474)، ومن طريقه ابن عبدالبر في التمهيد (11/143) والاستذكار (2/245)- من طريق أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح[1]، وابن حبان (1323) من عن أبي يعلى، والحاكم (1/151) من طريق علي بن الحسين بن الجنيد، كلاهما عن محمد بن إسحاق المسيبي[2]، وأبو بكر المراغي في مشيخته (ص353، 354) من طريق إسحاق بن بهلول، تسعتهم (الشافعي، وبكر بن عبدالوهاب، وسليمان بن داود، ودحيم، ويونس، وابن عبدالحكم، وأبو الطاهر ابن السرح، والمسيبي، وإسحاق بن بهلول) عن عبدالله بن نافع، والطبراني في الأوسط (8831) من طريق خالدبن نزار، والحاكم (1/151) -وعنه البيهقي في معرفة السنن (2/100)- من طريق أحمد بن محمد بن نصر[3]، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، ثلاثتهم (عبدالله بن نافع وخالد بن نزار وأبو نعيم) عن داود بن قيس، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1985) -ومن طريقه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4116)-، والشاشي (967) عن شعيب بن الليث، وابن عدي في الكامل (4/272) وأبو نعيم في معرفة الصحابة (4116) من طريق عمر بن سعيد بن سنان، وابن عدي (4/272) عن سعيد بن محمد البكراوي، وتمام في الفوائد (613) من طريق الحسن بن جرير، خمستهم (ابن أبي عاصم وشعيب بن الليث وابن سنان والبكراوي والحسن بن جرير) عن يعقوب بن حميد بن كاسب، وابن قانع في معجم الصحابة (2/128)، والطبراني في الكبير (1/171، 351، 14/394)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (28/81)، من طريق أبي مصعب الزهري، كلاهما (ابن كاسب وأبو مصعب الزهري) عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، والشاشي (968) عن أبي بكر الصغاني، عن أبي صالح كاتب الليث، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، والحاكم (1/151) من طريق محمد بن إسحاق المعمري، عن عبدالله بن نافع، عن مالك، وعلقه الطبراني في الأوسط (8/347) عن الدراوردي، خمستهم (داود بن قيس وعبدالرحمن بن زيد بن أسلم وسعيد بن أبي هلال ومالك والدراوردي) عن عطاء بن يسار، واختلفوا في صيغة الرواية عنه:

    فقال داود بن قيس عن زيد بن أسلم: عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، قال: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبلال، فذهب لحاجته، ثم خرجا، فسألت بلالاً... فذكر المسح على الخفين، هذا لفظ الشافعي عن عبدالله بن نافع عن داود، وللباقين نحوه، واختصره بعضهم بدون ذكر القصة، وقال يعقوب بن حميد بن كاسب عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه: عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال وعبدالله بن رواحة، أن النبي توضأ في دار حمل، فمسح...

    وقال أبو مصعب الزهري عن عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه: عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن رواحة وأسامة بن زيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل دار حمل هو وبلال، فخرج إليهما بلال فأخبرهما... فذكر الوضوء والمسح.

    وقال سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم: عن عطاء بن يسار، أن ابن رواحة وأسامة بن زيد أرادا أن يتوضيا، وقد دخل بلال بوضوء على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال أحدهما للآخر: حتى يخرج بلال فيخبرنا كيف توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال -يعني: بلال-:... فذكر الوضوء والمسح.

    ولم يسق الطبراني إسناد الدراوردي.

    وأما المتن، فقد ذكر المسح على الموقين في بعض طرق رواية عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه فحسب، وأما داود بن قيس وسعيد بن أبي هلال؛ فذكرا المسح على الخفين، وزاد سعيد: والخمار.

    دراسة الأسانيد:
    اختُلف في هذه الرواية على بعض الرواة ممن هو دون زيد بن أسلم، وفيما يلي توضيح ذلك، ثم توضيح الخلاف على زيد:
    أولاً: الخلاف على عبدالله بن نافع:
    رواه الشافعي وبكر بن عبدالوهاب وسليمان بن داود ودحيم ويونس بن عبدالأعلى ومحمد بن عبدالله بن عبدالحكم وأبو الطاهر ابن السرح وإسحاق بن بهلول، عن عبدالله بن نافع، عن داود بن قيس، عن زيد، به.
    ورواه محمد بن إسحاق المسيبي وحده -في رواية علي بن الحسين بن الجنيد عنه-، عن عبدالله بن نافع، عن داود ومالك بن أنس، عن زيد، به، زاد مالكًا في الإسناد.

    والمسيبي من جملة الثقات، إلا أن انفراده من بين حفاظ كالشافعي ودحيم ويونس ونحوهم= محل نكارة وغلط، ولو كان الحديث عند مالك لاشتهر عنه وانتشر، وقد كان الثقات يُغَلَّطون في قرن الرواة؛ لحاجة ذلك إلى دقَّة ومزيد تثبت.

    وقد نصَّ الحاكم عقب تخريجه على صحته من حديث مالك بن أنس، وفي ذلك نظر ظاهر -كما تبيَّن-.

    ثانيًا: الخلاف على عبدالرحمن بن زيد بن أسلم:
    رواه يعقوب بن حميد بن كاسب، عن عبدالرحمن، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال وعبدالله بن رواحة، أن النبي توضأ في دار حمل، فمسح...
    ورواه أبو مصعب الزهري، عن عبدالرحمن، عن أبيه، عن عطاء بن يسار، عن عبدالله بن رواحة وأسامة بن زيد، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل دار حمل هو وبلال، فخرج إليهما بلال فأخبرهما... فذكر الوضوء والمسح.

    فجعل يعقوب بن حميد الحديث من مسند عبدالله بن رواحة وبلال، ورواه عنهما أسامة بن زيد، وجعل أبو مصعب الحديث من مسند بلال، ورواه عنه أسامة وابن رواحة.

    والرجلان صدوقان -على خلاف في ابن كاسب-، وأوثقهما أبو مصعب، إلا أن شيخهما عبدالرحمن بن زيد بن أسلم ضعيف جدًّا، والظاهر أن هذا الاضطراب منه.

    ثالثًا: الخلاف على زيد بن أسلم:
    رواه عبدالرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه على الوجهين المذكورين سابقًا، وفيهما ذكر عبدالله بن رواحة.
    ورواه داود بن قيس، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال.
    ورواه سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، أن ابن رواحة وأسامة بن زيد أرادا أن يتوضيا...، فقال بلال:... فذكره، وهذا يفيد أن زيد بن أسلم يحكي القصة الواقعة، وينقل فيها قول بلال، فكأنه رواه مباشرة عن بلال.

    فأما رواية عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، فقد سلف أنه ضعيف جدًّا، وروايته هذه منكرة على اضطرابه فيها، قال الإمام أحمد -لما سئل عن هذه الراوية-: (ليس بصحيح، ولم يكن عبدالرحمن بصحيح الأحاديث، وهو متروك الحديث)[4]، وقال الدارقطني -بعد أن ذكر وجه أبي مصعب عن عبدالرحمن بن زيد-: (لا يثبت هذا القول)[5].

    ورواية سعيد بن أبي هلال لم يروها -فيما وجدت- إلا عبدالله بن صالح كاتب الليث، عن الليث، عن خالد بن يزيد، عن سعيد، ولم أجد خرج هذا الإسناد إلا الشاشي.

    وهذا الإسناد من الأسانيد المصرية الصحيحة، وقد خرج به البخاري عدة أحاديث في صحيحه، وفي تفرد كاتب الليث -مع الكلام في ضبطه- بإسنادٍ كهذا نظر، خاصة أن الحديث كما قال الحاكم: (مشهور بداود بن قيس الفراء)[6]، ومن طريقه أخرجه الأئمة في كتب السنة المشهورة، كالنسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم.

    ولعل الحديث قد أُدخل على كاتب الليث فتركَّب له هذا الإسناد، فرواه كذلك للصغاني، ومن قرائن ذلك: أن في رواية سعيد بن أبي هلال ذكر عبدالله بن رواحة، وهو ما جاء به عبدالرحمن بن زيد بن أسلم، والله أعلم.

    وبقيت رواية داود بن قيس، وهو من الثقات العباد، وقد جاءت رواية من طريق ثلاثة من الرواة:
    الأول: عبدالله بن نافع:
    وعنه انتشر الحديث، ورواه الحفاظ كالشافعي ودحيم وغيرهم.

    وعبدالله بن نافع هو الصائغ المدني، وهو من فقهاء المدينة، وقد اختلفت فيه أقوال الأئمة، فوثقه بعضهم مطلقًا، وتكلم فيه بعضهم مطلقًا، وتوسط فيه بعض، وفرق بعضهم بين ما حدث به من حفظه وما حدث به من كتابه، وقُدِّم في الرواة عن مالك، وقال الدارقطني: (يعتبر به).

    ولعل الصواب في أمره استخلاصًا من كلام الأئمة أن يكون حديثه مراتب:
    فما حدث به من حفظه ينُظر فيه، فإن توبع عليه صحَّ، وإن تفرد به ودلت القرائن على نكارته كان منكرًا، وإلا بقي ضعيفًا صالحًا.
    وما حدث به من كتابه فهو مستقيم.
    وما حدث به عن مالك فإنه حسن لا بأس به، ما لم يخالف أصحاب مالك.

    وليس حديثه هذا عن مالك، ولم أجد في الروايات عنه ما يدل على أنه حدث به من كتابه.

    لكن ثم قرينتان تدلان على أنه حفظ الحديث وضبطه:
    1- فقد صحح حديثَه هذا الأئمةُ وقبلوه، فصححه محمد بن عبدالله بن عبدالحكم فقيه مصر -وهو أحد رواته-[7]، واجتباه النسائي في المجتبى، وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما، وصححه الحاكم، وحسنه الجورقاني[8]، وقال ابن عبدالبر: (حديث ابن نافع هذا معروفٌ عند أهل المدينة ومصر، رواه ثقات الفقهاء)[9].
    2- ثم إنه قد توبع -كما سيأتي-.

    الثاني -عن داود بن قيس-: أبو نعيم الفضل بن دكين:
    وقد تفرد عنه -فيما وجدت-: أحمد بن محمد بن نصر أبو نصر اللباد، وهو من طبقة شيوخ شيوخ الحاكم، وقد ترجم له الحاكم في تاريخ نيسابور، فقال: (شيخ أهل الرأي في عصره، ورئيسهم)[10]، ولم أجد في ضبطه وحفظه كلامًا، وقد روى كثيرًا عن أبي نعيم وغيره، وصحح الحاكم أحاديثَ عددًا من طريقه، فلعله صدوق في روايته.

    إلا أن روايته في هذا الحديث عن أبي نعيم غريبة جدًّا؛ ولم تأتِ عن أبي نعيم إلا من طريق هذا الراوي، مع شهرة أبي نعيم وكثرة أصحابه من الأئمة الحفاظ، ولو كان أبو نعيم يروي الحديث عن داود بن قيس؛ لكانت روايته أولى بالشهرة والانتشار من رواية عبدالله بن نافع، إذ أبو نعيم ثبت حافظ، وقد سبق الكلام في عبدالله بن نافع.

    ففي رواية أبي نعيم نظر، ولعله وقع فيها تصحيف أو دخول حديث في حديث، والله أعلم.

    الثالث: خالد بن نزار:
    وهو ثقة له أخطاء وغرائب[11]، ورواه عنه المقدام بن داود، وقد تُكُلِّم في حديث المقدام بعامة، وفي حديثه عن خالد بن نزار خاصة، قال محمد بن يوسف الكندي: (لم يكن بالمحمود في روايته عن خالد بن نزار؛ وذلك لأنهم سألوه عن مولده، فأخبرهم، ثم نظروا إلى الإسطوانة على رأس خالد بن نزار، فإذا سن المقدام يومئذ أربعة أعوام أو خمسة)، وردَّه ابن حجر، قال: (وهذا جرح هين، فلعله سمع عليه وهو صغير)[12].

    ولعل هذه الرواية صالحة للاعتبار، ومؤيدة لرواية عبدالله بن نافع، عن داود بن قيس.

    كما أن الطبراني قد علَّق رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم -متابعًا لداود بن قيس-، ولم أجدها مسندة، وهي إن صحت مؤيدة لصحة رواية عبدالله بن نافع عن داود، والله أعلم.

    وعلى ذلك، فهذه الرواية عن زيد بن أسلم حسنة الإسناد، وليس فيها إلا عدم ما يثبت سماع عطاء بن يسار من أسامة بن زيد، ولعل الأئمة الذين صححوا هذا الإسناد وقووه وقفوا على ما يفيد ذلك.

    وليس في هذه الرواية ذكر الموقين، بل اقتصر فيها على الخفين، وهو الصحيح في متن الحديث من هذا الوجه، والله أعلم.

    ز- رواية أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن بلال:
    التخريج:
    أخرجه ابن قانع في معجم الصحابة (1/78) عن إبراهيم الحربي، عن العجلي، عن أيوب بن عتبة، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، به، بلفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار.

    دراسة الإسناد:
    هذه الرواية منكرة إسنادًا ومتنًا، فقد رواه جمع عن يحيى بن أبي كثير، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، به، بذكر المسح على الخفين والعمامة -أو: الخمار-، وقد أخرجه البخاري وغيره من هذا الوجه[13].

    ح- رواية علي بن أبي طالب، عن بلال:
    التخريج:
    أخرجه الطبراني في الكبير (1/340) من طريق شيبان، عن ليث بن أبي سليم، عن الحكم، عن شريح بن هانئ، عن علي، به، بلفظ: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والخمار.

    دراسة الإسناد:
    سبقت الإشارة إلى اضطراب ليث في هذا الحديث، وهذا وجه من اضطرابه فيه، وليس هذا المتن بمحفوظ.

    الخلاصة في حديث بلال -رضي الله عنه-:
    تبين من الدراسة المطولة السابقة أن الحديث جاء عن بلال من طرق كثيرة، وصح منها الطرق التالية:
    1- أبو قلابة، عن بلال، ولم يسمع منه، ووُقف في هذه الطريق المسحُ على الموقين على بلال، ورُفع المسح على الخفين والخمار إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-.
    2- الحكم، عن بلال، ولم يسمع منه، وذكر فيها المسح على الخفين والخمار -أو: العمامة-.
    3- مكحول، عن بلال، ولم يسمع منه، وذكر فيها المسح على الخفين والموق.
    4- محمد بن سيرين، عن بلال، ولم يسمع منه، وذكر فيها المسح على الخفين والخمار.
    5- عطاء بن يسار، عن أسامة بن زيد، عن بلال، وفيها كلام في بعض الرواة، واشتباه الانقطاع بين عطاء وأسامة، وذكر فيها المسح على الخفين حسب.

    ومما يلاحظ في ذلك: أن الحديث في البصرة (أبو قلابة وابن سيرين) والكوفة (الحكم) والشام (مكحول)= مرسلٌ، وفي المدينة (عطاء عن أسامة) موصول.

    وهذه الروايات تعتضد ببعضها، ويزول الضعف الحاصل فيها بورودها من الطرق الأخرى، واجتماع خمس مخارج للحديث تدل على أن له أصلاً عن بلال -رضي الله عنه-.

    ويلاحظ في متن الحديث اتفاق رواية أبي قلابة وابن سيرين على أن بلالاً توضأ ومسح، فسئل عن فعله هذا، وكون روايتي أسامة بن زيد ومكحول في حكاية حادثتين أخريين سئل فيهما بلال عن المسح، واقتصار الحكم على المرفوع من الحديث، فلعل بلالاً سئل عن الحديث في حوادث، أو أن بعض الألفاظ من تصرف الرواة وروايتهم بالمعنى.

    والأكثر في الحديث -كما هو ظاهر- على ذكر الخفين لا الموقين، وهو الراجح في متنه، والله أعلم.

    يتـلوه -بعون الله- تخريج بقية أحاديث الباب ودراستها، وهي أحاديث أنس، والمغيرة، وأبي ذر، وأبي هريرة، وصفوان بن عسال -رضي الله عنهم-.

    [1] ولم يذكر فيه بلال، ولعله اختصار من الراوي.

    [2] وقع في مطبوعة المستدرك نسبته: (المعمري)، والظاهر أنه غلط، صوابه: (العمري)، وهو نسبة إلى جده الأعلى، فإنه: محمد بن إسحاق بن محمد بن عبدالرحمن بن عبدالله بن المسيب بن أبي السائب بن عابد بن عبدالله بن عمر بن مخزوم، وقد نقل ابن حجر -في إتحاف المهرة (2/645)- إسناد ابن حبان، وفيه (المسيبي)، ثم نقل إسناد الحاكم، فلم يذكر النسبة، وكأنه يحيل إليها في إسناد ابن حبان. ثم وقفت على احتمال الشيخ محفوظ الرحمن في حاشيته على علل الدارقطني (7/178) أن الصواب: (المسيبي)، والله أعلم.

    [3] سقط اسمه في مطبوعة المستدرك، وهو ثابت في رواية البيهقي عن الحاكم، وفي إتحاف المهرة (2/645).

    [4] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/238، 239).

    [5] العلل (7/178).

    [6] المستدرك (1/151).

    [7] التمهيد (11/144).

    [8] الأباطيل والمناكير والصحاح والمشاهير (1/382، 383).

    [9] التمهيد (11/144).

    [10] الجواهر المضية في تراجم الحنفية (1/320، 321)، وترجم له ابن أبي يعلى في طبقات الحنابلة (1/181)؛ لروايته حديثًا عن الإمام أحمد، والذهبي في تاريخ الإسلام (وفيات 261-280، ص275).

    [11] يستدرك على التهذيبين في ترجمته: توثيق الدارقطني له -في سؤالات السلمي (188)-، وينظر: إكمال تهذيب الكمال، لمغلطاي (4/154، 155).

    [12] لسان الميزان (6/84).

    [13] انظر: إتحاف المهرة (12/444)، المسند الجامع (10704).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  13. #53
    تاريخ التسجيل
    Jan 2007
    المشاركات
    3,515

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    توطئة:
    مضى في الحلقات الماضية تخريج حديث بلال -رضي الله عنه- في المسح على الموقين، وتفصيل تخريج طرقه ورواياته، ودراستها والترجيح فيها.

    وفي هذه الحلقة إكمال تخريج أحاديث الباب -سوى حديث بلال-.

    2- حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-:
    التخريج:
    أ- عاصم الأحول، عن أنس:
    أخرجه ابن الأعرابي في معجمه (1492)، والبيهقي (1/289)، والخطيب في تاريخ بغداد (12/141)، من طريق الحسن بن الربيع، عن أبي شهاب الحناط، وعلقه الدارقطني في العلل (12/102) عن إسماعيل بن نصر، عن عمران القطان، كلاهما (أبو شهاب وعمران) عن عاصم الأحول، به، ولفظ أبي شهاب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والخمار، ولفظ عمران: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين.

    وأخرجه عبدالرزاق (738)، وعلقه ابن حزم في المحلى (2/85) عن أبي عاصم الضحاك بنمخلد، كلاهما (عبدالرزاق وأبو عاصم) عن سفيان الثوري، وابن أبي شيبة (224) عن عبدة بن سليمان، وابن أبي شيبة (1923، 1925)، وابن المنذر (496) عن إسماعيل بن عمار، والخطابي في غريب الحديث (2/513) من طريق محمد بن عبدالملك الدقيقي، والبيهقي (1/285) من طريق محمدبن عبيدالله بن المنادي، أربعتهم (ابن أبي شيبة وإسماعيل بن عمار والدقيقي وابن المنادي) عن يزيد بن هارون، والأثرم في سننه (19) من طريق ثابت بن يزيد، والبغوي في الجعديات (2158) من طريق شريك بن عبدالله، وعلقه الدارقطني في العلل (12/102) عن علي بن مسهر، وزهير، وطلحة بن سنان، ثمانيتهم (الثوري، وعبدة، ويزيد بن هارون، وثابت بن يزيد، وشريك، وعلي بن مسهر، وزهير، وطلحة) عن عاصم الأحول، قال: قال رأيت أنس بن مالك بال، ثم قام فتوضأ، فمسح على خفيه وعلى عمامته، ثم قام فصلى صلاة مكتوبة. لفظ عبدالرزاق عن الثوري، وللبقية نحوه، واختصره بعضهم، وزاد فيه شريك ألفاظًا وتفاصيلَ في الوضوء، لكن أبا عاصم في روايته عن الثوري ذكر المسح على الجوربين.

    وقد قال ابن المنادي في روايته عن يزيد بن هارون: عن عاصم الأحول، عن راشد بن نجيح، قال: رأيت أنس بن مالك دخل الخلاء وعليه جوربان أسفلهما جلود وأعلاهما خز؛ فمسح عليهما، زاد راشد بن نجيح، وذكر المسح على الجوربين.

    ب- حميد الطويل، عن أنس:
    أخرجه الطبراني في الأوسط (786) من طريق الفيض بن وثيق، عن عيسى بن ميمون، عن حميد، به، بلفظ: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين.

    دراسة الأسانيد:
    أ- رواية عاصم الأحول، عن أنس:
    اختُلف في هذا الحديث عن عاصم الأحول في الإسناد والمتن:
    فأما الإسناد:
    فقال أبو شهاب الحناط -من رواية الحسن بن الربيع عنه- وعمران القطان -من رواية إسماعيل بن نصر عنه- عن عاصم، عن أنس، مرفوعًا.
    وقال الثوري وعبدة بن سليمان وثابت بن يزيد وشريك وعلي بن مسهر وزهير وطلحة بن سنان عن عاصم، عن أنس موقوفًا.

    واختُلف عن يزيد بن هارون:
    فقال ابن أبي شيبة وإسماعيل بن عمار والدقيقي عنه، عن عاصم، عن أنس موقوفًا.
    وقال ابن المنادي عن يزيد، عن عاصم، عن راشد بن نجيح، عن أنس، موقوفًا.

    فأما الخلاف على يزيد بن هارون؛ فإن رواية ابن أبي شيبة (في حفظه وضبطه مع موافقة اثنين له ومتابعة الناس يزيدَ على روايته) هي المعتمدة عن يزيد بن هارون، وأما ابن المنادي فإنه صدوق وله أغلاط، لعل هذا منها، وقد غلط في المتن أيضًا -كما سيأتي-.

    وأما الخلاف على عاصم؛ فإن رواية الأثبات: الثوري وعبدة وثابت بن يزيد ويزيد بن هارون عنه على الوقف، وهو الراجح عن عاصم.

    وقد روى الوجه المرفوع: أبو شهاب الحناط، وهو صدوق له أوهام، وعمران القطان، من رواية إسماعيل بن نصر عنه، ولم أعرف إسماعيل هذا، والرواية عنه معلقة لا يدرى إسنادها.

    وقد كان الإمام أحمد يرضى أبا شهاب الحناط؛ فلذا أعل الحديث بالوقف، لكنه لم يعلِّق الخطأ بأبي شهاب، فقال: (ليس بصحيح، إنما هو: عن أنس، أنه كان يمسح، وكان يقول: حدثنا أصحابنا)، وقال: (هو عن عاصم، عن أنس، موقوفًا)، قال الميموني: قلت: تخاف أن يكون من الحسن بن الربيع؟ قال: (نعم)، قلت: أبو شهاب؟ قال: (ثبْتٌ، وليس هذا من أبي شهاب)[1].

    ووافقه الدارقطني في الإعلال بالوقف، فقال -بعد أن ذكر الروايتين المرفوعتين-: (وكلاهما وهم، والصحيح عن عاصم: ما رواه علي بن مسهر وثابت بن يزيد وزهير وطلحة بن سنان عن عاصم، عن أنس موقوفًا، أن أنسًا مسح على خفيه)[2].

    وأما أبو حاتم الرازي، فوافقهما في الإعلال بالوقف، لكنه أعل المرفوع برواية راشد بن نجيح، قال: (هذا خطأ، إنما هو: عاصم، عن راشد بن نجيح، قال: رأيت أنسًا مسح على الخفين؛ فعله)[3]، ولم أجد لذلك وجهًا، والأرجح قول أحمد والدارقطني؛ فإن رواية راشد بن نجيح معلولة -كما سبق-.

    وأما المتن، فقد اختُلف عن عاصم فيه:
    فجاء في رواية أبي شهاب الحناط المرفوعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمسح على الموقين والخمار.
    وجاء في رواية عمران القطان المرفوعة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح على الجوربين.
    وجاء في رواية أبي عاصم عن الثوري عن عاصم: أن أنسًا مسح على جوربيه.
    وجاء في رواية ابن المنادي عن يزيد بن هارون عن عاصم عن راشد بن نجيح: أن أنسًا مسح على جوربيه.
    واتفقت بقية الروايات على ذكر المسح على الخفين والعمامة.

    وقد سبق بيان الخطأ الإسنادي في الروايتين المرفوعتين، وفي رواية ابن المنادي عن يزيد، والغلط في الإسناد مع المخالفة في المتن قرينة قوية على الغلط فيه.

    وأما رواية أبي عاصم عن الثوري؛ فإنها معلقة لا يدرى إسنادها، والأرجح رواية عبدالرزاق عن الثوري؛ لكون الثوري فيها يوافق الجماعة الثقات عن عاصم الأحول، وروايتهم هي الراجحة عنه.

    ب- رواية حميد الطويل، عن أنس:
    في إسنادها: الفيض بن وثيق، وقد كذبه ابن معين وشدد فيه، وذكره ابن حبان في الثقات[4]، وشيخه عيسى بن ميمون منكر الحديث، فهذا الوجه عن أنس واهٍ، قال إبراهيم الحربي: (غيره أوثق منه -يعني: عيسى بن ميمون-، وحديثه هذا منكر)[5].

    وإنما روى حميد عن أنس مسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما موقوفًا من فعله، ونَسَبَهُ كذلك إلى ابن مسعود، كذلك رواه أصحاب حميد عن حميد[6].

    3- حديث المغيرة بن شعبة -رضي الله عنه-:
    التخريج:
    أخرجه ابن أبي خيثمة في تاريخه (4232-السفر الثاني) عن موسى بن إسماعيل، وابن المنذر في الأوسط (492) والطبراني في الكبير (20/379) من طريق حجاج بن المنهال، كلاهما عن حماد بن سلمة، عن حميد، عن بكر بن عبدالله المزني، عن حمزة بن المغيرة بن شعبة، عن أبيه، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ ومسح على الموقين والخمار.

    دراسة الإسناد:
    حديث المغيرة في المسح من أشهر أحاديث الباب، إلا أن ذكر الموقين فيه غريب، ولم أجده إلا في هذه الطريق.

    وقد روى الحديث عن حميد غير واحد، وعن بكر غير واحد، فذكروا المسح على الخفين والعمامة، ولا يذكر فيه المسح على الموقين إلا حماد بن سلمة، ويظهر أنه قد أخطأ فيه.

    4- حديث أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه-:
    التخريج:
    أخرجه يعقوب بن سفيان الفسوي في مشيخته -كما ذكر ابن دقيق العيد في الإمام (2/200)-، والطبراني في الأوسط (6220) عن محمد بن علي الصائغ، كلاهما (يعقوب والصائغ) عن المسيب بن واضح، عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذر، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ، ومسح على الموقين والخمار. لفظ يعقوب، ونحوه للصائغ، ولم يذكر الوضوء.

    دراسة الإسناد:
    قال الطبراني عقبه: (لم يرو هذا الحديث عن هشام بن حسان إلا مخلد بن الحسين، تفرد به المسيب بن واضح).

    والإسناد فوق المسيب بن واضح ظاهره الصحة، بل إن مسلمًا أخرج في صحيحه عدة أحاديث بسلسلة (حميد بن هلال، عن عبدالله بن الصامت، عن أبي ذر)، ولذا فقد ذكر ابن حزم هذا الحديث في جملة من الأحاديث في المسح، وقال: (فهؤلاء ستة من الصحابة... كلهم يروي ذلك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأسانيد لا معارض لها، ولا مطعن فيها)[7].

    إلا أن المتفرد بهذا الحديث: المسيب بن واضح؛ قد تكلم فيه، وضعفه غير واحد، وشدد فيه بعضهم، وذكروا أن له أخطاء كثيرة[8]، ومن كانت حاله كذلك فإن تفرده بمثل هذا الإسناد الصحيح في هذه الطبقة المتأخرة= تفرد منكر غير مقبول.

    5- حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-:
    التخريج:
    أخرجه الطبراني في الأوسط (1473)، والخطيب في تاريخ بغداد (13/186)، من طريق معلى بن عبدالرحمن، عن عبدالحميد بن جعفر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين والخمار -يعني: العمامة-. لفظ الطبراني، ولفظ الخطيب: مسح على الموقين والخمار.

    دراسة الإسناد:
    قال الطبراني عقبه: (لم يرو هذا الحديث عن عبدالحميد إلا معلى)، وقال الدارقطني: (تفرد به معلى بن عبدالرحمن عن عبدالحميد بن جعفر عن يحيى)[9].

    ومعلى بن عبدالرحمن متروك متهم بالوضع والكذب، وإنما روى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، عن أبيه، مرفوعًا، بذكر المسح على الخفين والخمار -أو العمامة-، كما سبقت الإشارة إليه في وجه أبي سلمة بن عبدالرحمن، عن بلال بن رباح.

    6- حديث صفوان بن عسال -رضي الله عنه-:
    التخريج:
    أخرجه أبو نعيم في الحلية (6/285) من طريق الخليل بن زكريا، عن هشام الدستوائي والحسن بن أبي جعفر، عن عاصم بن بهدلة، عن زر بن حبيش، عن صفوان، به، وفيه: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الموقين والخمار.

    دراسة الإسناد:
    هذا الحديث معروف من حديث عاصم، عن زر، عن صفوان[10]، وقد رواه جمع كثير عن عاصم، فلم يسق أحد فيه هذا اللفظ، ولم يذكر أحد فيه المسح على الموقين، ولم أجد ذلك إلا في هذه الطريق، وإنما ذكروا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالمسح على الخفين، ووقَّت لهم ذلك بثلاث للمسافر ويوم وليلة للمقيم، وفي الحديث قصة وتفاصيل أخرى.

    والخليل بن زكريا متروك متهم بالكذب، ولا نظر لروايته.

    الخـلاصة:
    تبين مما سبق أنه لم يصح حديث في المسح على الموقين، وقد قال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل: قلت لأبي: رجل مسح على خفيه، ثم لبس فوقهما جرموقين، أله أن يمسح فوق الجرموقين؟ قال: (هذا لا يعجبني)[11]، وهذا من الإمام أحمد مع روايته بعضَ أحاديث المسح على الموقين إشارةٌ إلى أنها لم تثبت عنده -فيما يظهر-.

    والله أعلم، وله الحمد على ما وفق.

    هذا، وقد بقيت في أحاديث كتاب الطهارة من (الروض) بقية، سائلاً الله أن ييسر العمل على بحثها وتخريجها، وأن يبارك فيما مضى ويلحق، وينفع به كاتبه وقارئه، إنه سميع قريب.

    وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

    [1] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/225).

    [2] العلل (12/102).

    [3] علل ابنه (1/73).

    [4] انظر: لسان الميزان (4/455).

    [5] شرح مغلطاي على ابن ماجه (2/226).

    [6] انظر: إتحاف المهرة (1/603، 604، 10/166)، الطهور، لأبي عبيد (357).
    تنبيه: تصحف متن هذا الأثر على ابن المنذر إلى: (فمسح على خفيه)، فذكره في كتاب المسح على الخفين من الأوسط (1/431).

    [7] المحلى (2/59، 60).

    [8] انظر: لسان الميزان (6/40).

    [9] أطراف الغرائب والأفراد (2/362).

    [10] انظر: المعجم الكبير (8/56-66)، إتحاف المهرة (6/296-299)، المسند الجامع (5392).

    [11] مسائل عبدالله (ص34).
    2636 ـ وَالعِلْمُ يَدْخُلُ قَلْبَ كُلِ مُـوَفَّـقٍ * * * مِنْ غَـيْـرِ بَـوَّابٍ وَلَا اسْـتئْذَانِ
    2637 ـ وَيَرُدُّهُ الـمَـحْرُوْمُ مِنْ خِذْلَانِـهِ * * * لَا تُـشْـقِـنَا الـلَّهُـمَّ بِالـحِـرْمَـان ِ
    قاله الإمامُ ابنُ قيِّم الجوزيّة .« الكافية الشافية » [ ج 3، ص 614 ]. ط بإشراف شيخِنا العلّامة بكر أبو زيد.

  14. #54

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    ياليت تثبتون هذا الموضوع
    فوالله إني لا أعلم على الإطلاق في جميع المواقع العلميه موضوعا في علوم الحديث أحق وأجدر بالتثبيت منه
    أسأل الله العظيم الكريم أن يديم لنا الشيخ محمد بن عبد الله و أن يستمر في نشاطه لتكملة هذه السلسلة المباركة والتي هي مدرسة لمن تدبرها

  15. #55
    تاريخ التسجيل
    Apr 2007
    المشاركات
    12

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    أخ مجمد رفع الله قدرك هل يمكن هذه التخريجات على ملف واحد

  16. #56

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    جمعت التخريج كله في ملف واحد بي دي إف 550 صفحة
    حمل من هنا
    http://www.mediafire.com/download/ld...8%A8%D8%B9.pdf

  17. #57
    تاريخ التسجيل
    Nov 2012
    المشاركات
    13,804

    افتراضي رد: « سِلْسِلَـةُ تَخْرِيْـجِ أَحَادِيْث الرَّوْضِ الْمُرْبِعِ »

    جهد مبارك إن شاء الله . موفق أخي الكريم .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •