تحليل للواقع..أم تشويه له ؟!!
مذ وطأت أناملي ساحة المنتديات وأنا أرى وأتلقى عدداً كبيراً جداً من الدعوات لدخول مواضيع تشتغل بتحليل الواقع.
سواء في ذلك : الواقع السياسي أو الواقع الدعوي أو الواقع العلمي أو الواقع الجهادي،أو الواقع القطري لبلد معين،أو الواقع الطائفي لجماعة معينة.أو الواقع الفكري لرجل معين أو اتجاه معين ،بل وفي مرات قليلة جرتني شهوة (المحلل) و(المفكر) للركض في نفس المضمار.
ويوماً بعد يوم يزداد يقيني بأن غالب تلك المقالات والمواضيع والتحليلات= تُشوه الواقع وتمزجه بأهواء كاتبه أكثر من كونها تصفه أو تحلله.
وفي الآونة الأخيرة كثرت المقالات التي تشتغل بتحليل التيارات السلفية في الجملة سواء منها بعض الخطوط الدعوية أو حتى الخط الجهادي ،وما زاددتني تلك الكثرة إلا إيماناً بصحة نظرتي الأولى وأن أولئك المحللين قوم مشوهون. وتزداد الواردات على قلبي طمأنينة بقراءتي قول بعض الفضلاء :
(( ولستُ أبالغ إذا قلتُ : إن كثيراً من الناس حين يحاول تصوير واقع ما = لا يستخدم عقله وأدوات المعروفة ووسائل الإثبات في محاولة إدراك حقيقة ما يجري؛وإنما يلتقط صوراً محددة من ذلك الواقع،وهي بالتحديد تلك الصور التي يمكنها أن تُغذي ظنونه وخيالاته وأحلامه ومعتقداته التي امتلكها مسبقاً حول ذلك الواقع.
وبذلك فإنه يصور لنا الواقع ليس على ما هو عليه،ولكن على ما يشتهي أن يكون عليه !
والحل : أنه لابد أن نعترف أولاً بقصور الأدوات التي تمكننا من فهم الواقع.
ولابد أن نعترف أيضاً بأن الواقع الذي نريد فهمه يتمتع بطبيعة زئبقية؛فهو يستعصي على التشكيل.
وحين نؤمن بهذا = نستطيع أن نسير في الاتجاه الصحيح لفهم الواقع،وذلك عبر استقصاء منهجي له ،واستقراء حليم لمفرداته،وتحديد التعريفات،وتقسي م الواقع إلى أصغر وحدات ممكنة،والقيام بتحريات دقيقة،وتوفير معلومات موثقة،والبعد عن سمادير الوهم وخيالات الظن،والسعي لتحصيل كل ما من شأنه = زيادة قدرة حواسنا الضعيفة والمحدودة.
وبعد كل هذا نقول : إن التوصيف الذي سنصل إليه ،والتحليل الذي سندلل عليه = ليس كاملاً ،بل هو قابل للجدال والنقاش،بل وقابل للحكم عليه بالخطأ والزلل أيضاً .
وإذا لم نفعل ذلك فإن تحليلنا لأي واقع لا يصور هذا الواقع بمقدار ما يصور جهلنا وغرورنا وقلة صبرنا على التعامل مع الأشياء الدقيقة والمباحث خطرة الشأن)) [بتصرف زيادة]