ـ أما استدلاله بحديث رفاعة بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِىِّ

قَالَ : كُنَّا يَوْمًا نُصَلِّى وَرَاءَ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم - فَلَمَّا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرَّكْعَةِ قَالَ « سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ » . قَالَ رَجُلٌ وَرَاءَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ ، حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ « مَنِ الْمُتَكَلِّمُ » . قَالَ أَنَا . قَالَ « رَأَيْتُ بِضْعَةً وَثَلاَثِينَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَ ا ، أَيُّهُمْ يَكْتُبُهَا أَوَّلُ »

قال الأستاذ :
" رفاعة بيصلي وراءه قال ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
أي الكلام ده ... ولا سيدنا محمد قال له بتعمل حاجة من عندك جُوّا الصلاة "
وانطلق الاستاذ يستدل به على جواز إحداث ذكر عند الرفع من الركوع وبالتالي على جواز الإحداث في الدين مادام أصل العمل مشروعا ونقل كلاما لابن حجر أوهم أنه يتبناه بينما هو ينقله عن غيره بصورة الابهام " واستُدِلّ "
طبعا صاحب المهنة لا يترك مهنته في العادة ، ولقد أثبت الأستاذ أنه حفظ الدرس جيدا فلم يسه عما اعتاده من مخالفة للأمانة العلمية فساق رواية من روايات حديث رفاعة وتصرف فيها وضرب صفحا بالروايات الأخرى التي تبطل استدلاله
والرواية التي ساقها الأستاذ أقرب إلى طريق علي بن يحيى عن أبيه يحيى بن خلاد الزرقي عن عمه رفاعة بن رافع به
وليس فيها أن القائل هو رفاعة مما يدل على أن الأستاذ كان يعلم بالروايات الأخرى !
ولا فيها أن القائل قال ذلك وهو يصلي فهذا قد اختلفت فيه الروايات كما سيأتي
فمما أخفاه الأستاذ عن المشاهد من الروايات المهمة لنفس الحديث
ما رواه قتيبة بن سعيد وتابعه سعيد بن عبد الجبار كلاهما قال نا رفاعة بن يحيى بن عبد الله بن رفاعة بن رافع عن عم أبيه معاذ بن رفاعة بن رافع عن أبيه رفاعة قال :
صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فعطست فقلت الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : أَيْنَ الْمُتَكَلِّمُ فِي الصَّلاةِ ؟ ... الحديث وهذا هو المحفوظ من رواية معاذ بن رفاعة
وهذه الرواية إسنادها جيد
وليس فيه أنه قال ذلك حين الرفع من الركوع ، وفي هذه الرواية أنه قالها حين عطس ولم يقلها من باب الذكر للرفع من الركوع
ويؤيد هذه الرواية ما رواه شَرِيكٌ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :
عَطَسَ شَابٌّ مِنَ الأَنْصَارِ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَهُوَ فِى الصَّلاَةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ حَتَّى يَرْضَى رَبُّنَا وَبَعْدَ مَا يَرْضَى مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا ...الحديث
غير أن شريكا ضعيف واضطرب فيه فقد رواه بغير هذا الوجه
وقال الترمذي بعد أن ساق حديث رفاعة بلفظ العطاس :
" وَكَأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ عِنْدَ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ فِى التَّطَوُّعِ لأَنَّ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنَ التَّابِعِينَ قَالُوا إِذَا عَطَسَ الرَّجُلُ فِى الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ إِنَّمَا يَحْمَدُ اللَّهَ فِى نَفْسِهِ وَلَمْ يُوَسِّعُوا فِى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ "
فتأمل منع هؤلاء العلماء من السلف للتوسع ولو بالحمد في أثناء الفرض وهذا يصادم استدلال الأستاذ .
وحديث رفاعة فيه اختلاف من جهتين :
من جهة القائل للحمد ، ففي الأولى أنه رجل غير رفاعة كما هو ظاهرها
وفي الثانية أنه رفاعة نفسه
ومن جهة سبب الحمد ، ففي الرواية الأولى لم تذكر سببا سوى أنه تزامن مع التسميع ، وفي الثانية أنه حمد بسبب العطاس دون مناسبة التسميع
وجاءت رواية غير محفوظة عند البزار من طريق رفاعة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة
وفيها ذكر وجه ثالث : بأن الرجل كان داخلا للمسجد والجماعة يصلون فقال الذي قاله بعد الرفع من الركوع ولفظه غير واضح هل هو حمد لإدراكه الصلاة قبل أن يدخلها كما في بعض روايات أنس الآتية ؟ أم بعد دخوله الصلاة كذكر للرفع ؟
وعلى كل هذه الرواية الثالثة التي رواها البزار شاذة غير محفوظة من طريق رفاعة بن يحيى وهي خليط من مجموعة روايات وتفرد بها راو دون من هو أوثق منه
وبينما اختلفت الروايات عن رفاعة نجد أن أنسا رواه بعيدا عن هذه الصورة من الاختلاف ومن طرق أقوى وأكثر وهو عند مسلم ، ولا يتردد الناظر في جميع الطرق بأنها الأصح في الباب وهي تمثل الوجه الثالث لأصل الخبر بالنسبة للروايات المحفوظة نسبيا

ففي صحيح مسلم وغيره عن جمع منهم قَتَادَةُ وَثَابِتٌ وَحُمَيْدٌ كلهم وغيرهم عَنْ أَنَسٍ أنه قال :
إنَّ رَجُلاً جَاءَ فَدَخَلَ الصَّفَّ وَقَدْ حَفَزَهُ النَّفَسُ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- صَلاَتَهُ قَالَ « أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِالْكَلِمَاتِ ». فَأَرَمَّ الْقَوْمُ فَقَالَ « أَيُّكُمُ الْمُتَكَلِّمُ بِهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بَأْسًا ». فَقَالَ رَجُلٌ جِئْتُ وَقَدْ حَفَزَنِى النَّفَسُ فَقُلْتُهَا. فَقَالَ « لَقَدْ رَأَيْتُ اثْنَىْ عَشَرَ مَلَكًا يَبْتَدِرُونَهَ ا أَيُّهُمْ يَرْفَعُهَا ».
كذا رواه مسلم في صحيحه
وبالنظر في الروايات عن أنس نجد التالي :
ـ أن قتادة وثابتا وحميدا قد اتفقوا في الرواية عن أنس بأن الرجل قد جاء إلى المسجد والناس يصلون ولم يشهد تكبيرة الإحرام معهم
ـ وأنه قال تلك الصيغة من الحمد من أول انضمامه في الصف
ـ واتفقوا على عدم ذكر الرفع من الركوع ولا التسميع
ـ ووجدنا أن رواية حميد المحفوظة عنه ولا يصح عنه سواها ذكرت أن ذلك الحمد كان قبل دخوله الصلاة وقبل تكبيره كما هو ظاهر اللفظ المحفوظ عنه فهو على هذا من باب الحمد على إدراك الصلاة ولفظه :
" حميد عن أنس وفيه : فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الصَّفِّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ " .
ـ ووجدنا أن لفظ قتادة الذي جاء في كل الروايات المفردة والتي لم تسق روايته مقرونة لا مع ثابت ولا مع حميد وهو المحفوظ عنه هو أقرب لرواية حميد وأن الرجل قال الذي قاله عند انضمامه إلى الصف على إجمال في هذا ولفظه :
" قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ وَالنَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- فِى الصَّلاَةِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْداً كَثِيراً طَيِّباً مُبَارَكاً فِيهِ ".
فظاهره أنه قال ذلك بمجرد دنوه من الصف ومشاهدته للقوم يصلون
ـ ووجدنا أن لفظ ثابت الذي لم يرد في أي رواية مفردة لا عن حميد ولا عن قتادة وإنما جاء في جل الروايات المقرونة التي تواجد فيها ثابت سواء التي قرن فيها ثابت مع قتادة فقط أم التي قرن فيها مع حميد وقتادة ، كلما وجد ثابت وجد هذا اللفظ
وهذا يدل كما يعرف هذا المتخصصون المشتغلون عمليا بتحقيق الروايات على أنه لفظ ثابت وحده وهو كالتالي :
عن أنس أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا إذ جاءه رجل فدخل المسجد وقد حفزه النفس فقال الله أكبر الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه
وهذا اللفظ يدل على أن تلك المقالة في الحمد إنما قالها الرجل بعد تكبيرته للإحرام ولهذا استدل به أبوداود في سننه والنسائي في السنن وابن خزيمة في صحيحه ثلاثتهم في باب دعاء الاستفتاح على أنه يقال بعد تكبيرة الإحرام
ولهذا صح عن ابن طاووس عن أبيه أنه كان إذا استفتح الصلاة قال : الله أكبر كبيرا ، والحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه
وبهذه الصورة من مقابلة الروايات نجد أن القول بأن الأقرب إلى الصحة في حديث أنس هو قولها قبل التكبير قول له حظ من النظر باعتباره ظاهر روايتي حميد وقتادة
وعلى أي ترجيح فحديث أنس أصح من حديث رفاعة لأنه لا اختلاف حقيقي بين الروايات في حديث أنس وإنما هو اختلاف دقيق في مفهوم سياق على آخر
بينما حديث رفاعة فالاختلاف فيه بيّن
وكل الروايات من حديث أنس ومن حديث رفاعة من طريقيه عن رفاعة بن يحيى عن معاذ بن رفاعة عن أبيه كلها أخفاها الأستاذ
بل وهناك رواية صحيحة من حديث الصحابي وائل بن حجر وفيها أن الرجل كان قد دخل والناس يصلون مؤكدا رواية أنس غير أن لفظه مجمل لم يبين أنه قالها بعد دخوله الصلاة أم قبل دخولها
وقد جاء في لفظ من ألفاظه أنه قال عبارة الحمد عندما قرأ النبي صلى الله عليه وسلم آخر آيات الفاتحة
وجاءت رواية عن ابن عمر وهي ضعيفة غير محفوظة وكذا رواية عن عبد الله بن عمرو وكلاهما روايات واهية
وهذه الروايات المحفوظة السابقة كلها أخفاها الأستاذ على القارئ لأسباب متنوعة ترجع جميعها إلى غياب الأمانة العلمية وضعف الوازع الديني والإيماني
وأنا لا أطالب الأستاذ ببحث علمي يفصل به ألفاظ الروايات ولكن يبين بصورة مجملة أن هناك اختلافا ولا ينتقي ما يتماشى مع رأيه ويدفن ما يخالفه
ـ فهو أخفاها جميعها لأنَّ نقلها للمشاهد يفسد عليه مهمته ويبين أن الوجه الذي استدل به لا يوجد ما يرجحه على غيره بل غيره أقوى منه فيعود استدلاله غير مسلم به وقد يكون مرجوحا
ـ هو أخفاها جميعها لأنها تبين بشكل واضح أنه لا يوجد ما يدل على أن القائل لتلك الصيغة من الحمد كان يخصصها بفعل من أفعال الصلاة ويداوم عليها بل بعض الروايات التي أخفاها تدل على أنه دعاء عارض بسبب إدراكه للصلاة بعد سعيه لإدراكها وتمكنه من ذلك مما دفعه للحمد بتلك الصيغة وهذا أمر لا أحد يمنع منه
وعلى كل فبالنظر إلى مجموع الروايات لا يستطيع كائنا من كان أن يدعي أن الرجل كان يقول تلك الصيغة على سبيل التخصيص
بل ابتدار الملائكة لها أيهم يُبلّغها هو دليل قاطع على أنه يقولها لأول مرة وإلا فأي معنى حصل يومها ولم يكن فيما سبق ؟!!

وبعد عرض الروايات التي دفنها الأستاذ مجانبة للأمانة نسأله أسئلة واضحة ووجيهة
هذا الصحابي الذي حمد الله بصيغة جعلت الملائكة تبتدر رفعها
هل كان مداوما على ذلك قبل أن يمدح النبي عبارته ويخبر عن ابتدار الملائكة لها ؟
وما هو الدليل على أنه كان مداوما على ذلك إن كنت تقول به ولا نريد تكهنات ولا دعاوى ولا رمي للكلام بالمزاج ؟
وكيف نفعل بالروايات التي دلت على ضد ما تقول وسبقت ؟
وأين كانت الملائكة قبل ذلك اليوم ؟!
فهل يعقل أن تغيب الملائكة على رسول الله وصحابته في صلاتهم طول الفترة التي تزعم أنه كان مداوما فيها وهي لا تغيب مطلقا عن أي اجتماع فيه طاعة لله ؟!
وكيف رجح الأستاذ أن ذلك الحمد بتلك الصيغة الخاصة كان من الرجل وهو في الصلاة رافعا من ركوعه وعلى سبيل الذكر الخاص بالرفع من الركوع ؟ مع عدم ورود هذا بشكل صريح أعني قولها وهو داخل الصلاة ؟ ومع مجيء أكثر الروايات بخلافه إن سلمنا ومنها ما هو أصح قطعا ؟!
فماذا نفعل بالرواية التي تقول بأنه قالها بسبب عطاسه وهي لا تقل صحة عن رواية الأستاذ باعتبارها رواية ابن رفاعة ؟!
وماذا نفعل بالرواية التي ذكرت أنه قالها في محل دعاء الاستفتاح
أو الرواية التي ظاهرها في أنه قالها عند قيامه في الصف قبل تكبيره
أو الرواية التي ذكرت أنه قالها عند ختم فاتحة الكتاب ؟!
بأي شيء تركت كل هذه الروايات ؟

وأخيرا هب أيها الأستاذ أنه لا توجد كل هذه الروايات التي دفنتها
أين في الرواية التي استنْدتَ إليها أن ذلك الرجل كان مداوما عل ذلك اللفظ من قبل حتى يصح قولك أنه خصص من عنده فالثناء العارض غير ما يفعل مداومة ودون إثباتك لهذه المداومة مفاوز
ثم أخيرا ليس من شأن الصادق ومريد الحق والأمين أن ينطلق في تقرير ما يرجحه من منطلق التشغيب ، ومن منطلق إغماض العينين عن مجموع النصوص والنظر إلى نص مبتور
فأين نضع حديث النبي عندما كان يعلم البراء أذكار النوم فأخطأ البراء في ذكر الوِرد فقال : " وبرسولك الذي أرسلت "
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : « لاَ ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِى أَرْسَلْتَ » .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" وأولى ما قيل في الحكمة في ردّه صلّى الله عليه وسلّم على من قال " الرّسول " بدل " النّبيّ " أنّ ألفاظ الأذكار توقيفيّة، ولها خصائص وأسرار لا يدخلها القياس، فتجب المحافظة على اللّفظ الّذي وردت به، وهذا اختيار المازري، قال: فيقتصر فيه على اللّفظ الوارد بحروفه، وقد يتعلق الجزاء بتلك الحروف، ولعلّه أوحى إليه بهذه الكلمات، فيتعيّن أداؤها بحروفها " اهـ
وأما ما استدل به الأستاذ من كلام الحافظ عن زيادة ذكر محدث فهو من منقول الحافظ وليس من قوله لكن الأستاذ اعتاد الغلط وكأني به حلف ألا يستدل استدلالا سليما
وأيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم :
كان يعلمهم التشهد كما يعلمهم السورة من القرآن
وهو في الصحيحين بهذا المعنى .
فلماذا الحرص منه صلى الله عليه وسلم على أداء الأوراد بألفاظها؟ ولماذا لم يقبل من البراء حتى اللفظ المقارب في المعنى وحرص على تأدية الورد بلفظه النصي ؟
لماذا هذا التدقيق ؟
لماذا يعامل التشهد معاملة النص القرآني ؟
وأيضا إنكار ابن عمر على من أضاف السلام على النبي مع الحمد في العطاس
لماذا أنكر ابن عمر على ذلك الذي سلم على النبي عندما عطس ؟
لماذا ؟
قال العلامة ملا عليّ القاري في " مرقاة المفاتيح " معلقا عليه :
" وأمّا زيادة ذكرٍ آخر بطريق الضّمّ إليه فغير مستحسنٍ ، لأنّ من سمع ربّما يتوهّم أنّه من جملة المأمورات " ا.هـ
وبنحوه قال السيوطي
ولماذا أنكر سعد بن أبي وقاص على من لبى تلك التلبية التي رآها محدثة كما صح عن عبد الله بن أبي سلمة أنه قال :
سمع سعد بن أبي وقاص رجلا يقول : لبيك ذا المعارج
فقال سعد : لبيك ذا المعارج ؟ إنه ذو المعارج ، ولم يكن يقال هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فعندما كان مبلغ علم سعد رضي الله عنه أنها تلبية محدثة أنكرها وهذا محل الشاهد .
لكن صح من حديث جابر مرفوعا أن النبي أقرها
وقال الحافظ ابن حجر عن زيادة الترحم في الصلاة الإبراهيمية :
" وَوَقَعَ فِي حَدِيث اِبْن مَسْعُود الْمُشَار إِلَيْهِ زِيَادَة أُخْرَى وَهِيَ " وَارْحَمْ مُحَمَّدًا وَآلَ مُحَمَّد كَمَا صَلَّيْت وَبَارَكْتَ وَتَرَحَّمْت عَلَى إِبْرَاهِيم " الْحَدِيث ...
وَبَالَغَ اِبْن الْعَرَبِيّ فِي إِنْكَار ذَلِكَ فَقَالَ : حَذَارِ مِمَّا ذَكَرَهُ اِبْن أَبِي زَيْد مِنْ زِيَادَة " وَتَرَحَّمْ " فَإِنَّهُ قَرِيب مِنْ الْبِدْعَة لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّمَهُمْ كَيْفِيَّة الصَّلَاة عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ فَفِي الزِّيَادَة عَلَى ذَلِكَ اِسْتِدْرَاك عَلَيْهِ اِنْتَهَى . وَابْن أَبِي زَيْد ذَكَرَ ذَلِكَ فِي صِفَة التَّشَهُّد فِي " الرِّسَالَة " لَمَّا ذَكَرَ مَا يُسْتَحَبّ فِي التَّشَهُّد وَمِنْهُ " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد " فَزَادَ " وَتَرَحَّمْ عَلَى مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّد وَآل مُحَمَّد إِلَخْ " فَإِنْ كَانَ إِنْكَاره لِكَوْنِهِ لَمْ يَصِحّ فَمُسَلَّمٌ ، وَإِلَّا فَدَعْوَى مَنْ اِدَّعَى أَنَّهُ لَا يُقَال اِرْحَمْ مُحَمَّدًا مَرْدُودَة لِثُبُوتِ ذَلِكَ فِي عِدَّة أَحَادِيث ...
هَذَا كُلّه فِيمَا يُقَال مَضْمُومًا إِلَى السَّلَام أَوْ الصَّلَاة ، وَقَدْ وَافَقَ اِبْن الْعَرَبِيّ الصَّيْدَلَانِي ّ مِنْ الشَّافِعِيَّة عَلَى الْمَنْع " ا.هـ

ثم نقول للأستاذ بناء على استدلاله ، ها هو الأذان إنما أخذه النبي من رؤيا منامية لعمر بن الخطاب وعبد الله بن زيد فهل نقول بأنه يجوز التصرف في عبارات الأذان لأن النبي إنما أخذ أصله من رؤيا ؟

والذي أستغربه من الأستاذ هو إطلاقه القول بجواز إحداث الأذكار والأوراد والتصرف في الأوراد التي جاءت بها السنة دون الجمع بين النصوص ، وهو تخريب للسنة ما بعده تخريب فإنه لو سلمنا له باستدلاله من حديث رفاعة لما سلمنا بهذا الإطلاق المصادم لجملة من النصوص ولكان عليه أن يعيش الفرعية في المسألة لا أن يجعلها أصلا يرد من أجله جملة النصوص .
ولذلك بعض أهل العلم ممن ترجح لديه أن ذلك الحمد من الرجل كان ضمن ذكر الرفع من الركوع إنما جوز في هذا الموطن فقط ( الرفع من الركوع ) الزيادة على ما ورد وليست أي زيادة وإنما زيادة بالثناء قياسا على الحديث كما نقل معناه ابن رجب في الفتح عن الشافعي ورواية عن أحمد
لكن الأستاذ لا يلتفت إلا إلى ما يريد والله المستعان .

ـ أما تسبيح أبي هريرة اثنتي عشرة ألف تسبيحة في اليوم ، فالذي صح مما وقفت عليه هو قوله :
" إني لأسبح كل يوم اثنتي عشرة مرة ألف تسبيحة قدر ديتي - أو قدر ديته "
وهو محتمل لأن يكون ألف تسبيحة فقط مجزءة على اثنتي عشرة مرة ومحتمل لما ذكره الأستاذ
والجواب كالتالي :
أولا المحكم من آثار الصحابة ومن نصوص الكتاب والسنة والذي ثبت عن طريق عشرات النصوص وعشرات الآثار لعشرات الصحابة من خلفائهم وعلمائهم وهو الذي عليه عامة السلف كما سبق وسيأتي هو المنع من التخصيص دون دليل
هذا أصل ثابت محكم ولا يرده تطبيق واحد متشابه غير واضح بل ولا تطبيقين أو ثلاثة
هذا لو كان فعلا يتعارض معها فما بالك وهو غير صريح في معارضة ما جاء في المحكم فلا أحد يقطع بأن هذا الرقم تحديدي قطعا ، بمعني أنه لا يسبح (11960) تسبيحة ولا (12040) أو أكثر من هذا أو أقل هذا لايقوله من شم العدل ، فوارد ودون تكلف أن يكون تقريبيا وخاصة أن العرب دائما تحكي الأرقام بمبدإ جبر الكسر وأبو هريرة عربي دوسي
وعليه مثل هذا الرقم لا يلزم أن يكون أبو هريرة يفضله على غيره ويطلبه تحديدا هذا لايلزم بل مستبعد جدا ولا أنه يحدده لمعنى بدا له وعن غير توقيف بل مثل هذا يبعد جدا لأنه يتيم في فقه الصحابة وهديهم ولا نظير له يجعله واردا بصورة معتبرة
بل بما أن الرقم تقريبي في الغالب وإنما ذكر جبرا للكسر وهذا على الغالب فيكون من الوارد أن أبا هريرة قد اعتاد الاشتغال بالتسبيح لفترة من الزمن فكان متوسط ما يسع له وقته وظرفه وطاقته قرابة اثنتي عشرة ألف تسبيحة كل يوم وهو ما يقارب من حيث الزمن ثلاث ساعات ونصف تقريبا فبعد زمن من الاجتهاد في الإكثار من التسبيح استقر عدد تسبيحاته التي يسع لها جهده ووقته استقر فيما يقارب هذا العدد فهل في هذا من حجة على جواز الإحداث ؟
يا أخي أنا لو كنت مجتهدا في الصدقة ولا يفوت يوم إلا وأتصدق فيه تارة أعطي عشرة جنيهات وتارة أعطي أحد عشر وتارة أعطي تسعة وبحسب دخلي كان بمقدوري التصدق بنحو هذا الرقم يوميا ولو كان بوسعي أن أتصدق بأكثر لفعلت
وبعد فترة علمت فعلا ما يناسب دخلي فكان ما أدفعه يوميا بمتوسط عشرة جنيهات فحافظت على هذا المتوسط حتى آخر عمري فجاء أحد تلاميذي وقال كان فلان يتصدق يوميا بعشرة جنيه فهل في عملي هذا حرص على تحديد الرقم وتخصيص أم أنه وافق طاقتي فقط
هذا المعنى تماما يرِد على فعل أبي هريرة
وهذا المثال يختلف فيه الحكم ، فإذا كان تحديد عدد ما للتسبيحات مرادا ومقصودا كرقم ويعتقد صاحبه استحباب التقيد بهذا العدد فعند ذلك لا شك أنه يصبح بدعة
كمن يسبح بعدد آيات القرآن يعتقد أنه تحديد مفضل
أو يسبح بعدد من شهدوا فتح مكة وهم عشرة آلاف ويعتبره من أهم الأحداث فرأى استحباب التقيد بعددهم ونحوه من التحديدات
فهذا الذي نراه بدعة ضلالة
وأيضا نحذر من كل تحديد عموما ولو كان صاحبه لا يظهر اعتقادا خاصا بالعدد لأنه إن لم يكن موافقا لصريح البدعة فلا أقل من أن يكون ذريعة لها
وإنما نستثني من يقارب عددا معينا ويحافظ عليه مقاربة لا عن اعتقاد ولا عن تحديد مجرد ، وإنما لكونه قدر الطاقة أو الجهد أو قدر الوقت المتيسر
و لا يفوتني أن أنبه إلى أن مذهب ابن مسعود وابن عمر هو منع التحديد مطلقا كما سبق نقله بأسانيد صحيحة
فعلى من يُصرّ على الاستدلال بأثر أبي هريرة بالمعنى الذي استبعدناه أن لا يكتم الناس أنه مخالف بذلك المعنى لمذهب صحابة آخرين
وعليه أن يتق الله فلا يجعل من هذا الأثر بذلك المعنى المستبعد مع مخالفته لآثار أخرى أصرح وأكثر وأصح
لا يجعله أصلا مع كل هذا ومع مخالفته لعامة تطبيقات السلف وعامة النصوص المحرمة لإدخال التحديدات على العبادات
فهذا منه اتباع للمحتمل وترك للصريح والواضح ؟
اتباع للمتشابه وترك للمحكم
فليس هذا والله سبيل أهل الإيمان ، بل حكاه تعالى عن أصحاب الزيغ عندما قال : ( فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله )
ثم لا يوجد باطل في الدنيا إلا وأهله يؤيدونه بما يظنونه دليلا ، فمجرد إيراد ما ظاهره أنه دليل لا يعني شيئا حتى تثبت دلالته الصحيحة بل حتى الكفر الصراح هناك من يستدل له بآيات وأحاديث يظنها صاحبها تدل على مراده
فأن يترك الواحد منا النصوص الأكثر والمتوافرة والمجتمعة على معنى واحد والواضحة ثم يأتي لنص محتمل أو اثنين ويأخذ به دون التفات لتلك النصوص فهذا هو قطعا اتباع المتشابه الذي وصف الله به أهل الزيغ ، وقد أخبر الله في كتابه وعلى لسان رسوله أنه تعالى لحكمة لم يجعل كل النصوص محكمة واضحة جلية ليتبين من يتبع هواه ويستند في تغطيته بالمتشابه ومن يسلم لمراد الله ولا يستغل المتشابهات والله الهادي إلى سواء السبيل

ـ ذكر الأستاذ عن علي بن الحسين أنه كان يصلي في اليوم ألف ركعة يركع ركعتين عند كل نخلة حتى ينتهي من بستانه الذي فيه خمسمائة نخلة
طبعا لم يعز القصة إلى كتاب وهي قصة موضوعة لا يصدقها مع تأملها عاقل .
إذ يلزم من صلاة ألف ركعة في اليوم أنه يصرف يوميا من الوقت في أقل تقدير ، وعلى ضوء أخف ركعتين ، بأقصر سور ، وبالاقتصار على تسبيحة واحدة في الركوع والسجود ، يلزم أنه يصرف في هذا ما لا يقل عن قرابة واحد وعشرين ساعة تقل قليلا .
وهذه بالمساعدة إذ لا يمكن صلاة ركعتين شرعيتين في أقل من دقيقتين ونصف
ولم نحسب وقت التنقل بين كل نخلة وأخرى إذ في كل نقلة يكون فيها في حالة جلوس فيقف ويتجه إلى النخلة الأخرى ويأخذ مكانه عندها ويصلي وهكذا .
وهذا لو قدرناه في أقل تقدير بخمس ثوان في كل نقلة لكان المجموع أكثر من واحد وأربعين دقيقة ، فقط تنقّل
ولم نحسب مشوار الذهاب والمجيء إلى البستان وسأساعد الأستاذ بالقول إنه يسكن في بستانه

فياترى رجل يمضي في اليوم واحدا وعشرين ساعة وهو يصلي !!
كم بقي لنومه ؟ كم بقي لأكله ؟ كم بقي للصلوات الخمس جماعة ؟ كم بقي لحاجته البشرية ؟ كم بقي لعلمه فقد كان مشتغلا بالعلم ورواية الأحاديث ؟ كم بقي لمهنته واشتغاله برزقه ؟ كم بقي لولده وأهله ؟

والعجيب أن الأستاذ احتج بالقصة وبالغ في الاحتجاج بها مع عدم معرفته بصحة القصة وهذا يبين لك أن السياسة المتبعة لديه وأمثاله ممن لا يلتفتون للتحقيق والتثبت هي استفادته في تلك اللحظة فقط بالظهور أمام العامة بمظهر صاحب الدليل والحجة
وسبحان الله علق على الأثر بطريقة استخف فيها بمخالفيه فعليه أن يتعلم حتى لا يستخف بالناس ولو فيما كان فيه محقّا فكيف بما هو أحق بالإعابة به









تطبيقات السلف والأئمة التي تبين حقيقة البدعة عندهم :

وإليك أخي الكريم هذه التطبيقات للسلف الكرام من صحابة وتابعين وتابعيهم مضمومة إليها أقوال العلماء على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم ، وبالله قارن بين مفهوم البدعة عندهم أعني السلف على ضوء هذه التطبيقات وبين ما يحرص على طرحه مروجوا البدع ودعاة الانفلات البدعي ومدعوا أن البدعة لا تكون إلا فيما يخالف النصوص العامة
وتأمل في هذا الكم من الأمثلة وتساءل ؟
هل يستطيع مخالفنا توجيه هذه التطبيقات على ضوء ما طرحه من مفهوم ؟
عشرات العبادات والطاعات التي جاء الحث عليها في النصوص العامة قد حكم السلف ومن بعدهم ببدعيتها عندما خصصت بأوقات أو أمكنة أو أعداد أو كيفيات محدثة دون دليل خاص ، فبماذا سيجيب مخالفنا وهو ينادي بخلاف هذه الأحكام ويلصقها بالسلف ؟
هل يمكن أن يجيب ذلك الأستاذ عن هذه الأمثلة بأي جواب علمي فضلا عن أن يجيب بما يجعل هذه التطبيقات تدل على مفهومه الانفلاتي للبدعة ؟
نترك الخيار للأستاذ و لمن وراءه ممن يُعِدّ له ويراجع أن يقفوا من هذه التساؤلات وهذه التطبيقات ما شاؤوا فنحن قد قمنا بما علينا وهم يعلمون ما عليهم أمام ربهم وكل مسؤول عند الله ومحاسب ولكن بحسب الموقف يكون الجزاء ، وما الله بغافل عما نعمل ، وعند الصباح يحمد القوم السراة

1ـ تخصيص العبادة بسبب أو حال دون دليل .

مَن خصّص عبادة من العبادات بأي سبب أو حال ، بعطاس أو تثاؤب أو دخول أو خروج أو بدإ في طاعة أو انتهاء منها أو أي حال أو سبب دون دليل يدل على التخصيص فذلك التخصيص بذكر أو دعاء أو أي عبادة يكون بدعة .

ـ عن نافع قال : رأيت ابن عمر ، وقد عطس رجل إلى جنبه ، فقال : الحمد لله وسلام على رسول الله ، فقال ابن عمر : وأنا أقول : السلام على رسول الله ، ولكن ليس هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، « أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن نقول إذا عطسنا : الحمد لله على كل حال » ا.هـ
فلماذا أنكر ابن عمر السلام على النبي بعد العطاس ؟ أليس السلام على النبي من أفضل الطاعات ؟
وأليس السلام على النبي قد جاءت به النصوص العامة فلماذا أنكره هذا الصحابي الجليل ؟
ما ذاك إلا لأنه احتف به تخصيص محدث
والأثر جاء من طريق زياد بن الربيع اليحمدي نا الحضرمي عن نافع به
ومن طريق سعيد بن عبد العزيز ، عن سليمان بن موسى عن نافع به
وهو صحيح قطعا ولا يصح بغير هذا اللفظ

ـ وفي الفروع لابن مفلح قال :
عَنْ إبْرَاهِيمَ الْحَرْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَنْ قَوْلِ الرَّجُلِ إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ :
" الصَّلَاةَ الْإِقَامَةَ ، بِدْعَةٌ يُنْهَوْنَ عَنْهُ " ا.هـ
فاعتبر من ينبه الناس إلى الصلاة بعد الإقامة بعبارة محدثة يداوم عليها اعتبره بدعة .
وإبراهيم الحربي من علماء القرن الثالث من أقران البخاري
وتأمل قوله : " يُنهَون " فهو يحث على الإنكار عليهم لا مجرد تركها
وفي الفروع أيضا عَنْ أَبِي طَالِبٍ قَالَ :
" سَأَلْت أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ بَيْنَ التَّرَاوِيحِ : الصَّلَاةَ ؟
قَالَ : لَا يَقُولُ الصَّلَاةَ ، كَرِهَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ، إنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُ مُحْدِثٌ" ا.هـ
فانظر بماذا حكم ابن جبير وأحمد بن حنبل وقبلهما الحربي على تنبيه الناس بالصلاة ؟
مع أنه داخل في عموم النصوص التي تحث على التعاون على البر وعلى الأمر بالمعروف وعلى التذكير بالخير والتنبيه إليه
وانظر كيف بين أحمد أن سبب المنع هو الإحداث فماذا يريد المخالف بعد هذا ؟
بل جاء نحو هذا عن ابن عمر
عن أبي العالية قال كنا مع ابن عمر في سفر ونزلنا بذي المجاز على ماء لبعض العرب فحضرت الصلاة فأذن مؤذن ابن عمر ثم أقام الصلاة فقام رجل فَعَلا على رَحل من رحالات القوم ثم نادى بأعلى صوته :
" الصلاة يا أهل الماء الصلاة "
فجعل ابن عمر يسبح في صلاته حتى إذا قضت الصلاة قال ابن عمر: من الصائح بالصلاة ؟
قالوا : أبو عامر يا أبا عبد الرحمن ، فقال له ابن عمر :
لا صليت ولا تليت ، أي شيطانك أمرك بهذا ؟ أما كان في الله وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم والصالحين ما أغنى عن بدعتك هذه ؟ إن الناس لا يحدثون بدعة وإن رأوها حسنة إلا أماتوا سنة .
فقال رجل من القوم إنه ما أراد إلا خيرا يا أبا عبد الرحمن فقال ابن عمر لو أراد خيرا ما رغب بنفسه عن سنة نبيه والصالحين من عباده" ا.هـ رواه ابن بطة .
كذا نقله شيخ الإسلام في شرح العمدة عن كتاب لابن بطة خاص بهذه المسائل

ـ وأيضا عن تخصيص الدعاء ورفع اليدين بسجود التلاوة
قال ابن وضاح وحدثني عن موسى ، عن ابن مهدي ، عن حماد بن سلمة ، عن حميد : أن قوما قرءوا السجدة ، فلما سجدوا رفعوا أيديهم واستقبلوا القبلة ، فأنكر ذلك عليهم مورق العجلي وكرهه ا.هـ
ومورق من كبار التابعين


وقال ابن وضاح : وحدثني عن موسى ، عن ابن مهدي ، عن همام بن يحيى ، عن قتادة ، عن سعيد بن المسيب ، ومورق ، قالا : « يكره اختصار السجود ، ورفع الأيدي والصوت في الدعاء »
والأثران ثابتان
فها هو رفعُ اليدين قد كرهه هذان الإمامان التابعيان بل من كبار التابعين وذلك لتخصيصه بحال سجود التلاوة مع أن رفع اليدين قد جاءت به النصوص العامة

ـ وعن تخصيص الجنائز بذكر أو تذكير
قال ابن المنذر في الأوسط :
حدثنا إسحاق ، عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الحسن ، قال : « أدركت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم يستحبون خفض الصوت عند الجنائز ، وعند قراءة القرآن ، وعند القتال » وكره سعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير والحسن البصري والنخعي وأحمد وإسحاق قول القائل خلف الجنازة : استغفروا له قال عطاء : محدثة ، وقال الأوزاعي : بدعة ، وقال النخعي : كانوا إذا شهدوا جنازة عرف ذلك فيهم ثلاثا قال أبو بكر : ونحن نكره من ذلك ما كرهوا إلا أن ذلك الشيء أحدث ا.هـ
ثم ذكر عن أبي هريرة استغفاره في جنازة لرجل كان شاربا للخمر وفيه قول أبي هريرة : فإنما يُستغفر لمسيء مثله"
فاتخاذها مع كل جنازة بدعة محدثة بلا خلاف .
وفي الشرح الكبير لابن قدامة :
(فصل) ويكره رفع الصوت عند الجنائز لنهي النبي صلى الله عليه وسلم أن تتبع الجنائز بصوت، قال ابن المنذر: روينا عن قيس بن عباد انه قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند ثلاث: عند الجنائز، وعند الذكر، وعند القتال.
وكره سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والحسن والنخعي وإمامنا وإسحق قول القائل خلف الجنازة استغفروا له.
قال الاوزاعي بدعة.
وقال سعيد بن المسيب في مرضه إياي وحاديهم هذا الذي يحدو لهم يقول استغفروا له غفر الله لكم.
وقال فضيل بن عمرو بينا ابن عمر في جنازة إذ سمع قائلا يقول: استغفروا له غفر الله لكم.
فقال ابن عمر لا غفر الله لك.
رواهما سعيد.
قال أحمد ولا يقول خلف الجنازة سلم رحمك الله فانه بدعة ا.هـ

فلماذا لم يكتف هؤلاء بالنصوص العامة ويجوزوا ما استنكروه ؟
لماذا حكموا بالبدعية مع مجيء النصوص العامة تحث على ما حكموا ببدعيته ؟
لا جواب إلا لأنه محدث مخالف لما كان عليه السلف وتأمل عدم تهوينهم من الأمر

ـ وعند عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : دعاء أهل مكة بعدما يفزعون من الوتر في شهر رمضان ؟ قال : بدعة ، قال : أدركت الناس وما يصنع ذلك بمكة ، حتى أحدث حديثا.
وإسناده صحيح
فها هو الدعاء وهو مأمور به في النصوص العامة ومع هذا حكموا ببدعيته لأجل تخصيصه بعقب الوتر دون دليل

ـ وعن محمد بن عبيد عن الاعمش قال : سئل إبراهيم عن الامام إذا سلم فيقول : صلى الله على محمد لا إله إلا الله فقال : ما كان من قبلهم يصنع هكذا.
وعن محمد بن عبيد عن الاعمش عن عطاء بن السائب عن أبي البختري قال : هذه بدعة.
وكلاهما صحيح والأعمش ممن سمع من عطاء قبل اختلاطه
فانظر أخي الكريم إلى هذين التابعيين وكيف أنكرا هذا التخصيص وعده كلاهما محدثا وهو بدعة كما هي عبارة التابعي الكبير أبي البختري


ـ قال ابن أبي شيبة :
حدثنا وكيع عن مسعر عن ابن الاصبهاني عن أبي عبد الرحمن أنه رأى رجلا يدعو قائما بعد ما انصرف فسبه أو شتمه.
حدثنا وكيع عن مسعر عن الحكم عن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الرحمن بن يزيد أنه كرهه.
حدثنا غندر عن شعبة قال قلت للمغيرة أكان إبراهيم يكره إذا انصرف أن يقوم مستقبل القبلة يرفع يديه قال نعم.
وهذا عن تخصيص دبر الصلاة بالدعاء قياما على انفراد ، والآثار المذكورة كلها صحيحة



ـ وقال في البحر الرائق من كتب الأحناف :
قَالَ الْحَلَبِيُّ وَمِنْ الْمَكْرُوهِ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ مِنْ صَلَاةِ رَكْعَتَيْنِ مُنْفَرِدًا بَعْدَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ مَعَ مُخَالَفَةِ الْإِمَامِ وَالصَّفِّ ا هـ
يريد بين الترويحات

ـ وعن تخصيص حالة الصعود على المنبر بأفعال محدثة
قال أبو شامة
" فمن البدع دق الخطيب المنير عند صعوده في ثلاث مرات بأسفل سيفه دقا مزعجا فاصل بين كل ضربتين بقليل من الزمان ومنها تباطؤه في الطلوع ..."
وبنحوه قال السيوطي في كتابه الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع
وقال الصنعاني في سبل السلام
" وَيُكْرَهُ دَقُّ الْمِنْبَرِ بِالسَّيْفِ إذْ لَمْ يُؤْثَرْ فَهُوَ بِدْعَةٌ "

ـ وعن تخصيص درجات المنبر بالدعاء حال الصعود ورفع الناس أيديهم كذلك حال دعائه
قال أبو شامة عن بدع بعض الخطباء
" واشتغاله بالدعاء قبل الإقبال على الناس والسلام عليهم وأما رفع أيديهم عند الدعاء فبدعة قديمة "


ـ وكذا الاستغفار الجماعي
وقال القشيري : (( والاستغفار جماعة على صوت واحد بعد التسليم من الصلاة بدعة . والسنة استغفار كل واحد في نفسه ثلاثاً ، وقولهم بعد الاستغفار : يا أرحم الراحمين - جماعةً - بدعة ، وليس هذا محل هذا الذكر ))
فهذه بعض الأمثلة التطبيقية في التخصيص بالأسباب وإن يسر الله سأحرص على جمع المزيد منها إن دعت الحاجة

2ـ تخصيص العبادة بكيفية محدثة دون دليل

ـ قَالَ أَبُو مُوسَى الأشعري مخاطبا ابن مسعود رضي الله عنه :
يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّى رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ آنِفاً أَمْراً أَنْكَرْتُهُ ، وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلاَّ خَيْراً. قَالَ : فَمَا هُوَ؟
فَقَالَ : إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ – قَالَ : – رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ ، فِى كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً ، فَيَقُولُ : هَلِّلُوا مِائَةً ، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ : سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً.
قَالَ ابن مسعود : فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟
قَالَ : مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئاً انْتِظَارَ رَأْيِكَ أَوِ انْتِظَارَ أَمْرِكَ.
قَالَ ابن مسعود : أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ.
ثُمَّ مَضَى ابن مسعود وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ ، فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ :
مَا هَذَا الَّذِى أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ؟
قَالُوا : يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ. قَالَ : فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَىْءٌ ، وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ ، هَؤُلاَءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ ، وَالَّذِى نَفْسِى فِى يَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِىَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ ، أَوْ مُفْتَتِحِى بَابِ ضَلاَلَةٍ.
قَالُوا : وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلاَّ الْخَيْرَ.
قَالَ : وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْماً يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ ، وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِى لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ. ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ ، فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلِمَةَ : رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ.
وهذا أثر صحيح

فانظر رحمك الله فإن محل الإنكار على هؤلاء من قبل هذين الصحابيين هو ما لخصه أبو موسى من حالهم قبل أن يصحبه ابن مسعود إليهم في قوله :
" رَأَيْتُ فِى الْمَسْجِدِ قَوْماً حِلَقاً جُلُوساً يَنْتَظِرُونَ الصَّلاَةَ ، فِى كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ ، وَفِى أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ : كَبِّرُوا مِائَةً ، فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً ، فَيَقُولُ : هَلِّلُوا مِائَةً ، فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً ، وَيَقُولُ : سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً "
فهذا هو الذي دفع أبا موسى لأن يتوجه إلى ابن مسعود يطلب تدخله وهذا صريح الأثر
وأكد أن هذا هو محل الإنكار تعليق ابن مسعود على صنيعهم قبل مسيره إليهم بقوله :
" أَفَلاَ أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لاَ يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ "
وأيضا يؤكده سؤال ابن مسعود لهم وجوابهم إذ لم يتجاوز كل ذلك المذكور
إذًا أنكر الصحابة عليهم الآتي :
ـ الاجتماع على هيئة عدة حلق لأجل الذكر وبصورة مترابطة توافقية ولكل حلقة من يقودها متوسطا فيها
ـ يذكرون بهيئة تراتبية تبادلية
ـ وبأعداد معينة محددة تخدم ذلك الترتيب
ـ وبوسيلة الحصى
فأنكر عليهم ابن مسعود إنكارا بليغا وخص بالذكر في إنكاره عدّهم وإحصاءهم بتلك الحصى إضافة لإنكاره لمجمل الموقف وإلا فما معنى تركيزه على العد والإحصاء من قَبل مشاهدتهم وبعدها ؟
فإذًا عندما كانت الكيفية للذكر محدثة كانت مستنكرة خارجة عن الذكر المشروع
وسبق عند الكلام عن السبحة آثار أخرى عن ابن مسعود
وثبت نحو هذا الإنكار من الصحابي الجليل خباب بن الأرت
قال ابن وضاح
وحدثني عن موسى ، عن ابن مهدي ، عن سفيان ، عن أبي سنان ، عن عبد الله بن أبي الهذيل ، عن عبد الله بن الخباب ، قال :
« بينما نحن في المسجد ونحن جلوس مع قوم نقرأ السجدة ونبكي ، فأرسل إلي أبي ، فوجدته قد أحضر معه هراوة له ( عصا غليظة ) فأقبل علي ، فقلت :
يا أبة ، ما لي ما لي ؟
قال : ألم أرك جالسا مع العمالقة ؟ ثم قال : هذا قرن خارج الآن"
وحدثني محمد بن وضاح ، نا محمد بن سعيد قال : نا أسد بن موسى قال : نا قيس بن الربيع ، عن أبي سنان ضرار بن مرة ، عن عبد الله بن أبي الهذيل العنزي قال : كنا جلوسا مع عبد الله بن خباب بن الأرت وهو يقول : سبحوا كذا وكذا ، واحمدوا كذا وكذا ، وكبروا كذا وكذا . قال : فمر خباب فنظر إليه ثم أرسل إليه فدعاه ، فأخذ السوط فجعل يضرب رأسه به وهو يقول : يا أبتاه ، فيم تضربني ؟ فقال : مع العمالقة ؟ هذا قرن الشيطان قد طلع ، أو قد بزغ
وخبر خباب ثابت صحيح
وروي بغير هذا اللفظ بإسناد ضعيف فيه علتان

ـ وعن قراءة القرآن بشكل جماعي قال الطرطوشي :
" هذه الآثار تقتضي جواز الاجتماع لقراءة القرآن الكريم على معنى الدرس له والتعلم والمذاكرة وذلك يكون بأن يقرأ المتعلم على المعلم ، أو يقرأ المعلم على المتعلم ، أو يتساويا في العلم ، فيقرأ أحدهما على الآخر على وجه المذاكرة والمدارسة هكذا يكون التعليم والتعلم ، دون القراءة معاً " ا.هـ
وفي التاج والإكليل عن القراءة الجماعية
" كَرِهَ مَالِكٌ اجْتِمَاعَ الْقُرَّاءِ يَقْرَءُونَ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَالَ : لَمْ يَكُنْ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ ، وَرَآهَا بِدْعَةً " ا.هـ
وهذا إحداث في كيفية القراءة فانظر إلى قدر التقيد بالمأثور حتى اعتبر الإمام مالك ومِن بعده الطرطوشي قراءة القرآن بصوت جماعي بدعة إلا عند التعليم فقط

ـ وقال محمد بن وضاح ، عن عبد الله بن محمد قال : نا معاوية بن هشام قال : نا سفيان ، عن سعيد الجريري ، عن أبي عثمان النهدي ، قال : كتب عامل لعمر بن الخطاب إليه أن ههنا قوما يجتمعون فيدعون للمسلمين وللأمير .
فكتب إليه عمر : " أقبل بهم معك "
فأقبل ، وقال عمر للبواب : أعد سوطا .
فلما دخلوا على عمر علا أميرَهم ضربا بالسوط
فقلت : يا أمير المؤمنين ، لسنا أولئك الذين يعني ، أولئك قوم يأتون من قبل المشرق »
أثر جيد ثابت

فتأمل هذه الآثار المتوافرة على معنى متقارب وهو الذكر أو الدعاء بكيفيات محدثة وانظر موقف هؤلاء الصحابة وكيف أنكروا ذلك أشد الإنكار

ـ وَسُئِلَ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بن عبد السلام عَنْ الرَّجُل يَذْكُرُ فَيَقُولُ : اللَّهُ اللَّهُ ، وَيَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ هَلْ هُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَمْ لَا ؟
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِمَثَابَتِهِ فَهَلْ هُوَ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ أَمْ لَا ؟
فَأَجَابَ :
هَذِهِ بِدْعَةٌ لَمْ تُنْقَلْ عَنْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ وَإِنَّمَا يَفْعَلُهُ الْجَهَلَةُ ، وَالذِّكْرُ الْمَشْرُوعُ كُلُّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ جُمْلَةً فِعْلِيَّةً أَوْ اسْمِيَّةً وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَذْكَارِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِي اتِّبَاعِ الرَّسُولِ وَاتِّبَاعِ السَّلَفِ الصَّالِحِينَ دُونَ الْأَغْبِيَاءِ مِنْ الْجَاهِلِينَ انْتَهَى .

ـ وقال علاء الدين الكاساني الحنفي في كتابه ( بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ) :
عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى : أن رفع الصوت بالتكبير بدعة في الأصل ، لأنه ذكر . والسنة في الأذكار المخافتة ؛ لقوله تعالى : { ادعوا ربكم تضرعاً وخفية } [ الأعراف : 55 ] . ولقوله r : (( خير الدعاء الخفي )) . ولذا فإنه أقرب إلى التضرع والأدب ، وابعد عن الرياء فلا يترك هذا الأصل إلا عند قيام الدليل المخصص . انتهى

ـ وعن كيفية الدعاء جاء في المسند
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبِى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ حَمَّادٍ عَنْ بِشْرِ بْنِ حَرْبٍ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّ رَفْعَكُمْ أَيْدِيَكُمْ بِدْعَةٌ مَا زَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى هَذَا. يَعْنِى إِلَى الصَّدْرِ.
وإسناده لا بأس به إن شاء الله

ـ وعن نظم الأذكار بترتيب معين محدث والمحافظة على ذلك الترتيب
روى الدارمي
أَخْبَرَنَا سَهْلُ بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ - قَالَ :
رَأَيْتُ مَعَ رَجُلٍ صَحِيفَةً فِيهَا سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ
فَقُلْتُ : أَنْسِخْنِيهَا ، فَكَأَنَّهُ بَخِلَ بِهَا ثُمَّ وَعَدَنِى أَنْ يُعْطِيَنِيهَا ، فَأَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ فَإِذَا هِىَ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَقَالَ : إِنَّ مَا فِى هَذَا الْكِتَابِ بِدْعَةٌ وَفِتْنَةٌ وَضَلاَلَةٌ ، وَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ هَذَا وَأَشْبَاهُ هَذَا ، إِنَّهُمْ كَتَبُوهَا فَاسْتَلَذَّتْه َا أَلْسِنَتُهُمْ وَأُشْرِبَتْهَا قُلُوبُهُمْ ، فَأَعْزِمُ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ يَعْلَمُ بِمَكَانِ كِتَابٍ إِلاَّ دَلَّ عَلَيْهِ وَأُقْسِمُ بِاللَّهِ - قَالَ شُعْبَةُ فَأَقْسَمَ بِاللَّهِ قَالَ أَحْسَبُهُ أَقْسَمَ - لَوْ أَنَّهَا ذُكِرَتْ لَهُ بِدَارِ الْهِنْدِ - أُرَاهُ يَعْنِى مَكَاناً بِالْكُوفَةِ بَعِيداً - إِلاَّ أَتَيْتُهُ وَلَوْ مَشْياً.
وإسناده جيد لا غبار عليه
فتأمل يرعاك الله هذه الصلابة وهذا التقيد بالمأثور وهذا الحكم بالفتنة والضلال في هذه البدعة الإضافية وقارن بما عليه أصحاب المد البدعي ومروجو المحدثات
وأنبه إلى أن المذكور في الرواية إنما هو إشارة لأصل ما كان مكتوبا

ـ وفي أسنى المطالب من كتب الشافعية عن المبالغة في رفع الصوت بالصلاة على النبي في الخطبة :
قَالَ الْأَذْرَعِيُّ .. الرَّفْعُ الْبَلِيغُ كَمَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ الْعَوَامّ فَإِنَّهُ لَا أَصْلَ لَهُ بَلْ بِدْعَةٌ مُنْكَرَةٌ ا.هـ
وقال في الشرح الكبير للدردير
" وأما الجهر بالكثير فيحرم قطعا ومنه ما يفعل بدكة المبلغين فإنه بدعة مذمومة "
يريد الذكر كما صريح أول كلامه

ـ وفي فتح القدير أن الجماعة في النفل بدعة
وقال في البحر الرائق
وَسَيَأْتِي فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّهُ سُئِلَ [ يعني الحلواني ]عَمَّنْ يَجْمَعُ بِأَهْلِهِ أَحْيَانًا هَلْ يَنَالُ ثَوَابَ الْجَمَاعَةِ قَالَ لَا وَيَكُونُ بِدْعَةً وَمَكْرُوهًا بِلَا عُذْرٍ " ا.هـ

ـ وعن حشر نوع القصائد التي هي من شأن أهل الغفلة والطرب وإقحامها في الذكر والوعظ ككيفية محدثة قال الخلال في الأمر بالمعروف :
أخبرني محمد بن موسى ، قال : سمعت عبدان الحذاء ، قال : سمعت عبد الرحمن المتطبب ، قال : سألت أحمد بن حنبل ، قلت : ما تقول في أهل القصائد قال : « بدعة لا يجالسون »
أخبرني محمد بن أبي هارون ، ومحمد بن جعفر ، أن أبا الحارث ، حدثهم قال : سألت أبا عبد الله : ما ترى في التغبير أنه يرقق القلب ؟ فقال : « بدعة »
مع أنه مشتمل على الذكر ولكن بكيفية محدثة
أنا الحسين بن صالح العطار ، حدثنا هارون بن يعقوب الهاشمي ، قال : سمعت أبي أنه ، سأل أبا عبد الله عن التغبير ، فقال : « هو بدعة ومحدث »
وهناك آثار كثيرة عن السلف في هذا

ـ وعن إحداث كيفية في العبادة كقراءة القرآن بكيفية لم تؤثر عن السلف من تكلف الألحان بالتقليد والمبالغة في ذلك
روى الخلال في الأمر بالمعروف
أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال : سمعت أبي وقد ، سئل عن القراءة ، بالألحان ؟ فقال : « محدث إلا أن يكون من طباع ذلك الرجل - يعني طبع الرجل - كما كان أبو موسى »
وأخبرني محمد بن علي السمسار ، أن يعقوب بن بختان حدثهم ، أنه قال لأبي عبد الله : فالقرآن بالألحان ؟ فقال : لا ، إلا أن يكون جرمه - أو قال : صوته - مثل صوت أبي موسى ، أما أن يتعلمه ، فلا
.. أخبرني محمد بن جعفر ، أن أبا الحارث ، حدثهم أن أبا عبد الله قيل له : القراءة بالألحان والترنم عليه ؟ قال : « بدعة ، قيل له : إنهم يجتمعون عليه ويسمعونه ، قال : الله المستعان »
أخبرني الحسن بن صالح العطار ، قال : حدثنا يعقوب الهاشمي ، قال : سمعت أبي أنه سأل أبا عبد الله عن القراءة بالألحان ، فقال : « هو بدعة ومحدث ، قلت : تكرهه يا أبا عبد الله ؟ قال : نعم ، أكرهه ، إلا ما كان من طبع ، كما كان أبو موسى ، فأما من يتعلمه بالألحان فمكروه
وقال ابن وضاح
حدثني إبراهيم بن محمد ، عن حرملة بن يحيى ، عن ابن وهب ، عن ابن عون قال : « كان محمد بن سيرين يقول في أصوات القرآن : محدث »

ـ وعن إحداث كيفية في الذكر ولو لم تشتمل على تغيير الذكر نفسه كالتغني فيه
يقول : رأيت ابن عمر يسعي بين الصفا والمروة (4) ومعه ناس ، فجاءه رجل فقال : يا أبا عبد الرحمن ! إني لاحبك في الله ، فقال ابن عمر : لكني أبغضك في الله ، فكأن أصحاب ابن عمر لاموه وكلموه ، فقال : إنه يبغي في أذانه ، ويأخذ عنه أجرا

وقد نقله ابن الاثير فقال : أراد التطريب فيه والتمديد من تجاوز الحد
وعند عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن الضحاك بن قيس أن رجلا قال : إني لاحبك في الله قال له : ولكني أبغضك في الله ، قال :
لم ؟ قال : إنك تبغي في أذانك ، وتأخذ الاجر على كتاب الله
قال المحقق وصوابه " تبغي أو تتغنى ".
وفي المجمع عن يحيى البكاء قال: قال رجل لابن عمر: إني لأحبك في الله فقال ابن عمر: لكني أبغضك في الله قال: ولم ؟ قال: إنك تتغنى في أذانك وتأخذ عليه أجراً.
وفي المواهب
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ : وَمِمَّا أَحْدَثُوهُ : التَّلْحِينُ فِي الْأَذَانِ ، وَهُوَ مِنْ الْبَغْيِ وَالِاعْتِدَاءِ ، قَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُؤَذِّنِينَ لِابْنِ عُمَرَ : إنِّي لَأُحِبّكَ فِي اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ : إنِّي لَأَبْغَضُكَ فِي اللَّهِ ؛ لِأَنَّكَ تُغَنِّي فِي أَذَانِكَ ، وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ أَجْرًا انْتَهَى .

ـ وعن إحداث كيفية في الركوع مخالفة للسنة
قال عبد الرزاق عن ابن جريج قال قال إنسان لعطاء : إني أرى أناسا إذا ركعوا خفضوا رؤوسهم ، حتى كانوا يجعلون أذقانهم بين رجلهم ، فقال : لا ، هذه بدعة ، لم يكن من مضى يصنعون ذلك
والأثر صحيح

ـ وعن كيفية الدعاء أثناء الخطبة
بوب الترمذي باب كراهية رفع الأيدي على المنبر وبوب النسائي بقوله باب الإشارة في الخطبة وبوب أبو بكر بن أبي شيبة في المصنف باب الرجل يخطب يشير بيده
وجاء في مصنف ابن أبي شيبة في رفع الأيدي في الدعاء يوم الجمعة
حدثنا أبو بكر قال حدثنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري قال رفع الأيدي يوم الجمعة محدث
حدثنا سهل بن يوسف عن ابن عون عن محمد قال أول من رفع يديه في الجمعة عبيد الله بن عبد الله بن معمر
[ وكلاهما صحيح ]
حدثنا جرير بن عبد الحميد عن ليث عن طاوس قال كان يكره دعاءهم الذي يدعونه يوم الجمعة وكان لا يرفع يديه
وفيه ليث فيه كلام
حدثنا ابن نمير وأبو معاوية عن الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق قال رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر فرفع الناس أيديهم فقال مسروق قطع الله أيديهم
وهذا أثر صحيح
حدثنا ابن إدريس عن حصين عن عمارة بن رويبة قال رأى بشر بن مروان رافعا يديه على المنبر فقال قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيديه هكذا وأشار بأصبعه المسبحة.
وهو صحيح

مع أن النصوص العامة جاءت برفع اليدين في الدعاء فأين ما زعمه المخالف من أن البدعة لا تكون فيما جاءت به النصوص العامة

ـ ومخالفة السنة في الصفة بدعة
قال في البحر الرائق من كتب الأحناف :
فالحاصل أن التلفظ باللسان بالنية بدعة مطلقا في جميع العبادات ا.هـ
وقال :
وَظَاهِرُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ اخْتِيَارُ أَنَّهُ بِدْعَةٌ فَإِنَّهُ قَالَ : قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ : لَمْ يَثْبُتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ أُصَلِّي كَذَا وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ بَلْ الْمَنْقُولُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ } وَهَذِهِ بِدْعَةٌ .
وسبق في أول الرد نقل عدة أقوال للعلماء أخرى وهي أقوى