حَوْلَ (الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ) - مَرَّةً أُخْرَى - ، وَلَيْسَت الأَخِيرَة !
-علي بن حسن الحلبي الأثري –
... لَسْتُ أُرِيدُ أَنْ أَبْدُوَ بِصُورَة المُحَامِي الفَرْدِ عَن الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ ؛ َفَهذَا مَا لاَ أَرْغَبُ، وَلَيْسَ هُوَ مِن الأَمْرِ الوَاقِعِ – أَيْضًا - ؛ وَلَكِنِّي أَسْتَاءُ جِدًّا مِمَّنْ يَلِجُ أَبْوَابًا هُوَ دُونَهَا ، وَيَسْلُكُ أَسْبَابًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ! –كَالسَّاعِي إِلَى الهَيْجَا بِغَيْرِ سِلاَحِ-!!
أَقُولُ هَذَا بَعْدَ أَنْ قَرَأتُ ( صَحِيفَةَ الغَد : 18/ أَيَّار /2007 م ) صَفْحَةَ ( الإِسْلاَم وَالعَصر ) ؛ فَرَأيْتُ فِيهَا ثَلاَثَةَ مَقَالاتٍ بثلاثِ دَرَجَات (!) ؛ جَمِيعُهَا تَتَكَلَّم عَنِ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ ، - مُتَسَائِلاً : وَلِمَاذَا الآن ؟! - :
الأَوَّل : مَقَال ( أُسَامَة شَحَادة ) ، وَهُوَ – بِجُمْلَتَهِ – دِفَاعٌ ( مَقْْبُولٌ ) عَنِ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّةِ ؛ أَجَابَ فِيهِ عَلَى أَسْئِلَةِ ( حُسَام تَمَّام ) الَّتِي وَجَّهَهَا عَبْرَ الصّحِيفَةِ نَفْسِهَا - وَالصَّفْحَةِ ذَاتـِهَا - قَبْلَ أُسْبُوعٍ وَاحِدٍ مِنْ ذَاكَ اليَوْم .
الثَّانِي : مَقَال ( بَسَّام نَاصِر ) ؛ تَكَلَّمَ فِيهِ عَنْ ( جَمْعِيَّةِ الكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَالسَّلَفِيَّة ِ الإِصْلاَحِيَّة ) ، وَهُوَ بَيَانٌ حَسَنٌ عَنْ هَذِهِ الجَمْعِيَّةِ وَأَفْكَارِهَا ؛ مِنْ مُعَايِشٍ لَهَا ، مُعَاصِرٍ لِتأْسِيسِهَا ؛ تَكَلَّمَ بِإِنْصَاف (!) – هَذِهِ المَرَّة ! – عَنْ تَلَوُّنِ حَقِيقَتِهَا، وَتَعَثُّرِ مَسِيرَتِهَا ! وَإِنْ لَمْ يَخْلُ كَلاَمُهُ – كَالعَادَةِ !– مِنْ غَمْزٍ -لاَ يَكْمُلُ لَهُ سَائِرُ مَا يَكْتُبُهُ إِلاَّ بِهِ ! - طَعْنًا بِمَا يُسَمِّيهِ – بإِصْرَارٍ - : ( السَّلَفِيَّةَ التَّقْلِيدِيَّ ة )!!
فِي الوَقْتِ الَّذِي عَجَزَ فِيهِ – كَمَا عَجَزَ غَيْرُهُ !– عَنْ وَضْعِ تَوْصِيفٍ دَقِيقٍ لِمَا يُكَرِّرُ ذِكْرَهُ ، وَيُسَمِّيهِ – بِاضطِرادٍ - : ( السَّلَفِيَّة الإِصْلاَحِيَّة ) !! مَع أَنِّي أَعْتَقِدُ – كَمَا قَالَ هُوَ فِي بعضِ مَقَالِهِ ! – أَنَّ : فَاقِدَ الشَّيء لاَ يُعْطِيهِ !!
الثّالِث : مَقَال ( حَسَن أَبُو هَنِيَّة ) – الكَاتِب المُتَخَصِّص بِالفَلْسَفَة الإِسْلامِيَّة ! – وَمَعْرِفَتي الشَّخْصِيَّةُ بِهِ قَدِيمَةٌ - ، وَالَّذِي كَانَ لِي مَعَهُ جَوْلَةٌ سَابِقَةٌ فِي مَوْضُوعِ ( فَلْسَفَتِهِ !) – هَذَا- ؛ فَقَد كَتَبَ – هُنَا – مَقَالاً ، عُنْوَانُهُ : ( أَوْهَامُ السَّلَفِيَّة الإِحْيَائِيَّة المُعَاصِرَةِ ) !! فيه مِن وُجوهِ الخَلْطِ والتخبُّطِ كثيرٌ ؛ أُنَبِّهُ على ما سَنَحَ منها –سريعاً- واللهُ المُسَدِّدُ-:
1- أَوَّلُ مَا بَدَأَ بِهِ ( الكَاتِبُ الفَيْلَسُوفُ ! ) مَقَالَهُ : قَوْلُهُ : ( تَتَمَيَّزُ السَّلَفِيَّةُ الإِصْلاَحِيَّة ُ الإِحْيَائِيَّة ُ بِطَبِيعَتِهَا المُعَادِيَة لِلسِّيَاسَة .. ) !! وَهَذَا - دُونَمَا شَكٍّ- خَطأٌ وَاضِحٌ ؛ فَلَمْ يُفَرِّق الكَاتِبُ الفَذُّ بَيْنَ أَمْرَيْنِ - مِنْ جِهَتَيْنِ - :
- أًَمَّا الأَمْرُ الأَوَّل – بِجِهَتَيْه - ؛ فَهُوَ ( السِّيَاسَة ) بِمَفْهُومِهَا الشِّرْعِيِّ المُنْضَبِط، وَ(السِّيَاسَة) بِمَفْهُومِهَا المُعَاصِرِ المُنْفَلِت !
- أَمَّا الأَمْرُ الثَّانِي – بِجِهَتَيْهِ – أَيْضًا - ؛ فَهُوَ أَنَّ عَدَمَ انْشِغَالِنَا بِالسِّيَاسَةِ أَو اشْتِغَالِنَا بِهَا –وهذا حقٌّ-: لاَ يَعْنِي – ضَّرُورَةً- أَنَّنا نُعَادِيهَا ، فَضْلاً عَنْ أَنْ نُعَادِيَ أَهْلَهَا –وهذا باطلٌ-!!
فَالخَلْطُ بَيْنَ هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ مِنَ الأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَخْفَى عَلَى عَامِّيٍّ عَن الثَّقَافَةِ عَزُوف ! فَضْلاً عَنْ كَاتبٍ مُتَخَصِّصٍ فَيْلَسُوف !!
2- وَأَعْجَبَنِي (!) نَقْلُ الكَاتِبِ ( أَبُو هَنِيَّة ) عَنِ الدَّكْتُور رَضْوَانِ السَّيِّد قَوْلَهُ : ( الحَرَكَاتُ المَعْنِيَّةُ بِقَضِيَّةِ الهُوِيَّةِ لاَ تَمْتَلكُ اهْتِمَامَاتٍ سِيَاسِيَّةً مُبَاشِرَة ) ؛ فَهَذَا كَلاَمٌ عَدْلٌ ؛ وَإِنْ كُنْتُ عَلَى يَقِينٍ أَنَّ الكَاتِبَ الفَيْلَسُوف ظَنَّهُ يُوَافِقُ مُبْتَغَاهُ ، وَتَوَهَّمَهُ يَلْتَقي مَا يَرَاه – فَلِذَلِكَ نَقَلَهُ -، مَعَ أَنَّهُ – حَقًا – ضِدُّ مَقْصُودِهِ - ، وَبَيَانُ هَذَا مِنْ طَرَفِين :
الأَوَّل : قَضِيَّةُ (الهُوِيَّةِ) قضيّةٌ أساسٌ؛ فهِيَ قَضِيَّةُ الوَجُودِ ، وقَضِيَّةُ الفَاعِلِيَّةِ ؛ وَالإنِسَانُ بِغَيْرِ هُوِيَّة كَرِيشَةٍ فِي مَهَبِّ الرِّيحِ ؛ لاَ يَكُونُ لَهُ دُونَهَا لَونٌ أَوْ طَعْمٌ أَوْ رَائِحَةٌ! وبخاصّة في ظِلِّ هجماتِ العَوْلَمةِ والعَلْمَنة – والتي يتقنّع بها (بعضُهم) بلبوس الإسلام-!
الثَّانِي : قَيَّدَ الدَّكتُور رضوان السَّيِّد كَلاَمَهُ بِـ ( اهْتِمَامَاتٍ سِيَاسِيَّةٍ مُبَاشِرَةٍ ) ؛ وَهُوَ ( قَيْدٌ ) أَهْمَلَهُ - وَلَمْ يُقِمْ لَهُ وَزنًا - نَاقِلُ كلاَمِهِ كَاتِبُنَا الفَيْلَسُوف! – بَصَّرَهُ اللهُ - ...
فَهَل الَّذِي لَيْسَ لَهُ اهْتِمَامَاتٌ سِيَاسِيَّةٌ ( مُبَاشِرَةٌ ) يَكُونُ –لُزوماً- مُهْمِلاً للاهْتِمَامَاتِ السِّيَاسِيَّةِ – جَمِيعًا - ؟!
وَهَل الَّذِي لَيْسَ لََهُ اهْتِمَامَاتٌ سِيَاسِيَّةٌ ( مُبَاشِرَةٌ ) يَكُونُ مُعَادِيًا لِلسِّيَاسَةِ ، فَضْلاً عَنِ مُعَادَاتِهِ المُهْتَمِّينَ بِهَا ؟!
وَلَسْتُ أَدْرِي – وَقَدْ أَدْرِي! – مَا الوُجُوهُ (الفَلْسَفِيَّة ) الَّتِي تَجْعَلُ مِثْلَ هَذَا الكَلاَمِ العَرَبِيِّ الفَصِيحِ يَلْتَاثُ عَلَى ذِهْنِ هَذَا الكَاتِبِ المُتَخَصِّصِ بِالفَلْسَفَةِ ؛ لِيَطِيرَ بِهِ إِلَى غَيْرِ بَابِهِ ، وَيُغَيِّرَ قِشْرَهُ بِلُبَابِهِ ؟!
3- وَمِمَّا يُؤَكِّدُ هَذَا السُّقُوطَ المُرِيع لِكَاتِبِنَا الفَيْلَسُوفِ الرَّفِيعِ : أَنَّهُ نَقَلَ –مُبَاشَرَةً- عَنْ شَيْخِنَا العَلاَّمَة الإِمَامِ مُحَمَّد نَاصِرِ الدِّينِ الأَلْبَانِيِّ – رَحِمَهُ اللهُ - قَوْلَهُ : ( مِنَ السِّيَاسَةِ تَرْكُ السِّيَاسَة ) ؛ فَهْلْ قَائِلُ هَذِهِ الجُمْلَةِ ( المُفِيدَة) جَاهِلٌ بِالسِّيَاسَةِ – بَلْهَ أَنْ يَكُونَ مُعَادِيًا لَهَا - ؟! أَمْ أَنَّهُ – أَصْلاً - لَمْ يَقُلْ جُمْلَتَهُ ( المُفِيدَةَ ) – هَذِهِ – إلاَّ صُدُورًا عَنِ (السِّيَاسَةِ الشَّرْعِيَّةِ) بِكَبِيرِ إدْرَاكٍ لِوَاقِعِ السِّيَاسَةِ ( العَصْرِيَّةِ ) !!؟؟
فَكَمْ رَأَيْنَا –وَسَنَرَى!- لِلسِّيَاسَةِ (!) مِنْ صَرْعَى – مَجَازًا وَحَقِيقَةً - ؟!!
نَعَمْ ؛ لَيْسَتِ الدَّعْوَةُ السَّلَفِيَّةُ حَرَكَةً سِيَاسِيَّةً ، وَلَنْ تَرْضَى أَنْ تَكُونَ كَذَلِكَ ؛ مَهْمَا وُجِّهَتْ إِلَيْهَا الانْتِقَادَات ، وَمَهْمَا كُتبَِت ضِدَّهَا المَقَالاَت ، وَمَهْمَا رُمِيَتْ بِهِ مِنْ مَقُولاَت ، وَمَهْمَا عُرِضَ عَلَيْهَا مِنَ الإغْرَاءَاتِ ! ؛ لأَنَّ الوَاقِعَ المُعَاشَ - عِنْدَهَا - مِنْ أَكْبَرِ دَلِيلٍ عَلَى صِحَّةِ مَنْهَجِهَا ، وَسَلاَمَة طَرِيقِهَا ، وَقَارِنْ تَجِدْ !
وَأَمَّا مَنْ فَقَدَ (هُوِيَّتَهُ) ، وَلَمْ يَعُد لِقَضِيَّةِ الهُوِيَّة -عِنْدَهُ -كَبِيرُ مَكَانٍ - أَوْ مَكَانَةٍ !- ؛ فَلَنْ يَضِيرَهُ أَنْ يَسْلُكَ أَيَّ سَبِيلٍ ، وَيَطْرُقَ أَيَّ بَابٍ ، وينـزِعَ أيَّ ثِيَاب: وَلَو ( تَنَقَّلَ ) مِنْ أَقْصَى اليَمِينِ إِلَى أَدْنَى الشِّمَالِ !!
سَارَتْ مُشَرِّقَةً وَسِرْتَ مُغَرِّبًا ...... شَتَّانَ بَيْنَ مُشَرِّقٍ وَمُغَرِّبِ
وَيْكَأَنَّ كَاتِبَنَا الفَيْلَسُوفَ – أَصْلَحَهُ مَولاَهُ - وَاضِعٌ رَأْسَهُ – بِظُلْمِ نَفْسِهِ مِن غيرِ إِشْفاقٍ!– مُقَابِلَ رَأْسِ شَيْخِنَا الإِمَامِ الأَلْْبَانِيِّ الَّذِي وَصَلَتْ جُهودُهُ العِلْمِيَّةُ المَبْرُورَةُ – فِي التَّصْفِيَةِ وَالتَّرْبِيَةِ – أَقَاصِيَ الدُّنْيَا ، وأَطْرَافَ المَعْمُورَةِ ؛ مِنْ أَمْرِيكَا إِلَى أنْدُونِيسيَا ، وَمِنْ أُسْتُرَالْيَا إِلَى نيجيريا، فِي الحِينِ الَّذي لاَ يَزَالُ – فِيهِ - مُنْتَقِدُوهُ قَابِعِينَ هُنَا وَهُنَاكَ ؛ يَتَقَفَّرُونَ – عَلَى مَكَاتِبِهِم المُريحَةِ ، وَمَقَاعِدِهِم الوثَيرَة - القَوْلَ وَالقَوْلَ الآخَرَ !
4- قَوْلُ كَاتِِبِنَا الفَيْلَسُوفِ – بَعْد - : ( مَنْهَجُ الأَلْبَانيِّ فِي التَّصْفِيةِ وَالتَّرْبِيةِ بِحَسَبِ مَنْظُورِهِ السَّلَفِيِّ – يَتَمَتَّعُ بِيَقِين وَاطْمِئْنَانٍ حَاسِمٍ لاَ مَدْخَلَ لِلتَّشْكِيكِ فِيهِ ) !
فَأَقُولُ : نَعَمْ ، وَلَنِعْمَ مَا قَالَهُ ( هُنَا ) صَدِيقُنَا القِدِيمِ وَفَيْلَسُوفُنَ ا الجَدِيد ؛ مَعَ كَوْنِهِ تَقَاصَر جِدًّا عَنْ إِيجَادِ البُرْهَانِ الحَقِّ عَلَى هَذَا اليقِينِ الصِّدقِ – إِنْ كَانَ عَارِفًا لَه، أَوْ خَبِيرًا بِهِ- !
وَالبُرْهَانُ ظَاهِرٌ – لِكُلِّ ذِي فِقْهٍ - مِنْ جِهَتَيْنِ :
الأولَى : الدَّلِيلُ الشَّرْعِيُّ ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وِسَلَّم - : « إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالعِيْنَة ، وَرَضِيْتُمْ بِالزَّرْعِ ، وَأَخْذْتُمْ أَذْنَابَ البَقَر ، وَتَرَكْتُم الجِهَادَ فِي سَبيلِ الله: سَلَّطَ اللهُ عَلَيْكُم ذُلاًّ ؛ لاَ يَنْزِعُهُ عَنْكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ » .
وَالنَّصُّ وَاضِحٌ وَصَرِيحٌ ؛ لاَ يَحْتَاجُ فَلْسَفَةً ، وَ لاَ يُعْوِزُهُ عَقْلَنَةٌ !!
وَفِيهِ بَيَانُ (وَحْدَةِ) السَّبِيلِ الجَلِيلِ لِلمَخْرَجِ مِنَ الوَاقِعِ الذَّلِيلِ ...
الثَّانِي : النَّظَرُ العقليُّ؛ حيْث إِنَّ الوَاقِعَ – الَّذِي مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ – مِنْ خِلاَلِ تَارِيخِ مُمَارَسَات الجَمَاعَاتِ الإِسْلاَمِيّةِ (السِّيَاسِيَّة ) - السِّلْمِيِّةِ أَو الثَّوريَّةِ - ، فَضْلاً عَنْ الجَمَاعَاتِ الإِسْلاَمِيَّة ِ ( الانْقِلاَبِيَّ ةِ = العَسْكَرِيَّةِ ) : أَنَّ هَذِهِ الجَمَاعَاتِ – بِسُلُوكِيَّاتِ هَا ، فَضْلاً عَنْ أَصْلِ أَفْكَارِهَا – لَم تُوَرِّث الأُمَّةَ – وَللأَسَفِ – إِلاَّ الفِتَنَ والرَّزايا ، وَالمِحَن والبلايا، وَلَمْ يَظْهَرْ - مِنْ أَكْثَرِ سَادَاتِهَا وَقَادَاتِهَا - إِلاَّ الحِرْصُ المُتَمَاوِتُ (!) عَلَى الكَرَاسِيِّ وَالمَنَاصِبِ ؛ وَالَّتِي طَاحَتْ مِنْ أَجْلِهَا رُؤُوس ، وَقُلِبَتْ بِسَبَبِهَا كُؤُوس !!
وَمَا الصِّرَاعَاتُ القَائِمَةُ فِي جَمِيعِ أَنْحَاءِ المَعْمُورَةِ - اليَوْمَ – مَعَ ( الإِسْلاَمِ ) ؛ إِلاَّ بِسَبَبِ مَا وَصَلَ أَهْلَ السِّيَاسَةِ – غَرْبًا وَشَرْقًا – عَنِ ( الإِسْلامِ ) ؛ مِنْ خِلاَلِ مُمَارَسَاتِ أَصْحَابِ ( الإِسْلاَمِ السِّيَاسِيِّ ) ، وَجَمَاعَاتِهِم الحِزْبِيَّةِ !!
5- مَا نَقَلَهُ الكَاتِبُ الفِيْلَسوفُ عَنْ د . طَه عَبْدِ الرَّحْمَن – مُنْتقِدًا الدَّعْوَةَ السَّلَفِيَّةَ فِي قِرَاءَتِهَا النَّصَّ الشَّرْعِيَّ - ؛ بِنِسْبَتِهِ إِلَيْهَا : ( قِرَاءَةَ النَّصِّ مِنْ دُونِ تَأَوِيلِ ، وَلا أَدْنَى تَصَرُّف مِنْ لَدُن القَارِئِ ..) !! فَهَذِهِ نِسْبَةٌ بَاطِلَةٌ بِلاَ رَيْب ؛ فَكَيْفَ لاَ يَكُونُ لِلقَارِئِ السَّلَفِيِّ تَصرُّفٌ بِالنَّصِّ وَهُوَ الَّذِي يُعَايشُ مَدَارِكَ سَبَبِ نُزُولِهِ أَو وُرُودِهِ ، وَهُوَ الّذِي يَفْهَمُ النَّصَّ مِنْ خِلاَلِ سِيَاقِهِ وَسِبَاقِهِ ، وَهُوَ الَّذِي لاَ تَغِيبُ عَنْهُ – إِذ ذَاكَ - لُغَةُ العَرَبِ بِسَعَةِ مُعْجَمِهَا لإِدْرَاكِ مَرَامِي النُّصُوص !
وَأَمَّا ( التَّأوِيلُ ) : فَالإِشْكَالِيّ َة فِيهِ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ يُجَابَ عَنْهَا بِكَلِمَاتٍ فِي مَقَال ؛ لِجَرَّةِ قلمٍ عنها تُقال !!
وَيَكْفِي – لاقْتِضَاءِ المَقَامِ – أَنْ نَسْأَلَ سُؤَالاً وَاحِدًا يَكْشِفُ القَضِيَّة – لِلمُنْصِفِ- تماماً : هَلِ الأَصْلُ فِي الكَلاَمِ العَرَبِيِّ ( التَّأَوِيلُ ) ؟؟! أَمِ الأَصْلُ فِيهِ ظَاهِرُ حُرُوفِهِ ، وَمَا تَتَرْجَمَتْ بِهِ مَعَانِيهِ ؛ ثُمَّ : الخُرُوجُ عَنِ النَّصِّ إِنَّمَا يَكُونُ لِمُقْتَضىً غَالِبٍ ، أَوْ لِقَرِينَةٍ رَاجِحَةٍ ؟!
وَلَسْتُ أَظُنُّ أَعْرَابِيًّا ( عَرِيقًا ) ، وَلاَ فَيْلَسُوفًا ( غَرِيقًا ) يُخَالِفُ هَذَا الأَصْلَ الأَصِيلِ ؛ فَتَأَمَّلْ !!
وَمَا رُدُودُ عُلَماءِ السَّلَفِيَّةِ ودُعاتِها عَلَى دَاودَ وَابْنِ حَزْمٍ - الظَّاهِريَّين - إِلاَّ لإهْمَالِهِمَا هَذَا الإِدْرَاكَ الُّلغَوِيَّ الشَّرْعِيَّ الدَّقِيق ؛ فَنَرْجُو التَّفْرِيق !
وَأَخْشَى مَا أَخْشَاهُ – كَمَا يُقَالُ – أَنْ يَكُونُ د . طه عَبْد الرَّحمَن خَلَطَ بَيْنَ ( الظَّاهِريَّة ) وَ ( السَّلَفِيَّة ) ، وَحَسِبَهُمَا شَيْئًا وَاحِدًا ؟!
فَلَئِن كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ؛ فَهَلْ خَفِيَ هَذَا الفَرْقُ عَلَى نَاقِلِ كَلاَمِهِ ، كَاتِبِنَا الفَيْلَسُوف ( أَبُو هنِيَّة) ؟! أَمْ أَنَّهُ عَرَفَ وَحَرَفَ ؟!
وَمِمَّا يَكْشِفُ خَلْطَهُ ( السَّلَفِيَّ وَالفَلْسَفِيَّ !) – مَعًا – فِي هَذَا المَوْضُوعِ المُتَشَابِكِ – الَّذِي لاَ يُحْسِنُهُ - : قَوْلُ ( سَلَفِهِ !) ابْنِ رُشْد ( الفَيْلَسُوف ) فِي كِتَابِهِ « الكَشْفِ عَنْ مَنَاهِجِ الأَدِلَّةِ » ( ص 97 – 98 ) – بَعْدَ نِقَاشٍ وَبَيَانٍ - : « وَبالجُمْلَةِ ؛ فَأَكْثَرُ التَّأَوِيلاتِ الَّتِي زَعَمَ القَائِلُونَ بِهَا أَنَّهَا مِنَ المَقْصُودِ مِنَ الشَّرْعِ – إِذَا تُؤُمِّلَتْ – وُجِدَتْ لَيْسَ يَقُومُ عَلَيْهَا بُرْهَان » !! وقال (ص100): «بل ينبغي أن يُقَرَّر الشرعُ على ظاهرِهِ»!!
فَمَاذَا أَنْتَ قَائِلٌ – بَلْ أَنْتُمَا – فِي كَلامِ إِمَامِ فَلْسَفَتِكُم – هَذَا - ؟!!
أَمْ: سَلَفِيٌّ وَفَلْسَفِيٌّ ؟!
6- وَمَا تَقَدَّمَ – وَكَثِيرٌ مِمَّا طَوَيْتُهُ !– يُبَيِّنُ ( فَسَادَ ) مَا نَقَلَهُ فَيْلَسُوفُنَا أَبُو هَنِيَّة – وَفَقَّهُ اللهُ لِمَرْضَاتِهِ - عَنِ د . طَه عَبْد الرَّحِمَن – ظَافِرًا مُرْتَضِيًا – بِقَوْلِهِ - : ( وَيُؤَكِّدُ طه عَبْدُ الرَّحْمن عَلَى فَسَادِ مَنْهَجِ التَّصْفِيَةِ وَالتَّرْبِيَةِ بِقَوْلِهِ : تَطَلَّعَتِ السَّلَفِيَّة ُ إِلَى تَنْقِيَةِ المُمَارَسَةِ الدِيِنِيَّةِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ هَذِهِ التَّنْقِيَةَ هِيَ السُّبِيلُ الأَمْثَلُ إِلَى إِخْرَاجِ المُجْتَمَعِ الإِسْلاَمِيِّ مِنْ حَالَةِ التَّبَدُّعِ وَالتَّخَلُّفِ وَالاسْتِعْمَار ِ ، وَخَاضَتْ لأَجْلِ ذَلِكَ أَلْوَانًا مِنَ النِّضَالِ ، وَاسْتَخْدَمَتْ شَتَّى الوَسَائِلِ لِبُلُوغِ غَايَتِهَا فِي هَذِهِ ( التَّنْقِيَة ) ، وَلَكِنَّ ( التَّنْقِيَةَ ) مَا كَادَتْ تُؤْتِي ثِمَارَِهَا الأُولَى حَتَّى خَرَجَتْ بِالمُمُارَسَةِ الدِّينِيَّةِ إِلَى تَبَدُّعٍ آخَرَ غَيْرِ التَّبََدُِّعِ الَّذِي تَوَلَّتْ تَغْيِيرَهُ فِي الطُّرُقِِ الصُّوفِيَّةِ ، وَإِنَّمَا تَبَدُّعٌ قَدْ يَكُونُ أَسْوَأَ أَثَرًا وَأَحْوَجَ إِلَى التَّغِييرِ ) !!
هَذَا – بِطُولِهِ – كَلاَمُ د . عَبْد الرَّحْمن ، الَّذِي نَقَلَهُ – مُلْقَىً عَلَى عَوَاهِنِهِ – جَذِلاً بِهِ – كَاتِبُنَا المُتَخَصِّصُ بِالفَلْسَفَةِ !
عَجَبًا لَكُمْ - مَعْشَرَ الفَلاَسِفَةَ الجُدُد! – ثُمَّ عَجَبًا لَكُمْ !! فَالكَلاَمُ الإِنْشَائِيُّ المُنَمَّقُ -المُجَرَّدُ عَنْ أَدْنَى حُجَّةٍ- مَعْدُودٌ عِنْدَكُمْ مِنَ البَرَاهِينِ وَالبَيِّنَاتِ !! وَالكَلاَمُ الَّذِي هُوَ حُجَّةٌ فِي نَفْسِهِ -كَكَلاَمِ اللهِ وَرَسُولِهِ – هُوَ عِنْدَكُمْ ظُنُونٌ وَتَخَرُّصَات ، وَمُفْتَقِرٌ إِلَى النَّظَرَاتِ وَ التَّأْوِيلات !!
إِنَّ مَا ذَكَرَهُ د. عَبْد الرَّحْمَن لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ تَوْصِيفاً لِحَالَةٍ ذِهْنِيَّةٍ ارْتَآهَا
– حَسْبُ - ، وَلَكِنْ ؛ أَيْنَ - فِيمَا قَالَ – وَجْهُ التَّخْطِئةِ المُدَّعَاة ؟! وَأَيْنَ – فِيمَا ذَكَرَ – وُجُوهُ الفَسَادِ المَطْلُوبِ كَشْفُهُ ؟! وَأَيْنَ دَلاَئِلُ هَذِهِ المَزَاعِم المُتَهَافِتَةِ ؟!
وَمَا هِيَ البّيِّنَةُ عَلَى كُلٍّ ؟!
اعْلَمْ – أَيُّهَا الكَاتِبُ الفَيْلَسُوفُ – أَنَّ الأَسْمَاءَ المُكَبَّرَةَ ( !) لَنْ تَجْعَلَ – بِمَحْضِ قَوْلِهَا - الليلَ نَهَارًا ، وَلَنْ تَقْلِبَ - بِمُجَرَّدِ ادّعَائِهَا - الأَبْيَضَ أَسوَد !
وَاعْلَمْ – أَيْضًا - أَنَّ مَنْ يَتَقَلَّدُونَ كَلاَمَهُمْ – مُسَلِّمِينَ مُسْتَسْلِمِينَ ! – إِنَّمَا يَظْلِمُونَ أَنْفُسَهُمْ أَوَّلَ مَا يَظْلِمُون ، فَضْلاً عَمَّا يُوْقِعُونَهُ مِن ظُلْمِ وَظُلُمَاتٍ فِي غَيْرِهِمْ مِمَّن انْتَقَدُوهُمْ وَوَجَّهُوا إِلَيْهِمْ تُهَمَهُم البَائِسَة ، وَسِهَامَهُم اليَائِسَة - بِالدَّعَاوَى المَحْضَةِ، وَالتُّهَمِ الفَارِغَةَ - !!!
7- ثُمَّ - قَبْلَ الخِتَامِ – ثَمَّةَ مُغَالَطَةٌ ظَاهِرَةٌ ( دَسَّهَا ) صَدِيقُنَا الفَيْلَسُوفُ ( الجَدِيدُ ) طَيَّ مَقَالِهِ – لَمَّا قَالَ فِينَا – بِلِسَانِ حَالِنا - : « هَذِهِ الاسْتْرَاتِيجِ يَّةُ الَّتِي تَقُومُ عَلَى أَسَاسِ تَصْفِيَةِ المُجْتَمَعِ وَتَرْبِيَتِهِ سَوفَ تُؤدِّي فِي النِّهَايَةِ إِلَى قِيَامِ دَوْلَةِ الإسْلامِ » !
وَكَأَنَّنَا نَعْتَقِدُ – أَو أَنَّهُ هُوَ يَعتَقِدُ ! – أَنَّهُ لاَ تُوجَدُ دَوْلَةٌ للإِسْلامِ – اليَوْمَ - !!
وَالحَقُّ – بِلاَ مَثْنَوِيَّة- أَنَّ اعتِقَادَنَا الجَازِمَ أَنَّ دَوْلَتَنَا – بِحُكْمِ وَاقِعِنَا - دَوْلَةُ إسْلاَمٍ ، وَبَدَهِيٌّ أَنَّهَا – وَالحَالَةُ هَذِهِ - لَيْسَتْ دَوْلَةَ كُفْرٍ أَوْ شِرْكٍ ! وَإِنْ كَانَ فِيهَا مِنَ المُخَالَفَاتِ وَالتَّقْصِيرِ مَا لا يُنْكِرُهُ حَتَّى سَاسَتُهَا ، وَقَادَتُهَا ، وَأَوْلِيَاءُ أُمُورِهَا ...
وَهَذَا الوَاقِعُ الإِسْلاَمِيُّ - المُتَخَلِّفُ شَرْعِيًّا وَعَمَلِيًّا - لَيْسَ هُوَ وَليِدَ هَذَا القَرْنِ ، أَوْ نَتَاجَ سُقُوطِ الدَّوْلَةِ العُثْمَانِيَّة ِ – كَمَا تُوْهِمُهُ وَتَدَّعِيهِ أَدَبِيَّاتُ أَكْثَرِ الجَمَاعَاتِ (الحِزْبِيَّةِ الإِسْلاَمِيَّة ِ ) – مُنْذُ عُقُودٍ - !! وَلَكِنَّهُ – وَللأَسَفِ الشَّدِيدِ – وَاقِعٌ قَدِيمٌ جِدًّا – مُنْذُ قُروُنٍ – كَمَا حَكَاهُ الإِمَامُ أَبِو بَكْرٍ الآجُرِّيُّ المُتَوَفَّى سَنَةَ ( 360هـ ) أَي : قَبْلَ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عَامٍ!! – فِي كِتَابِهِ - « الشَّرِيعَة » ( 1/135) قَائِلاً - بِتَشَكٍّ - :
« مَنْ تَصَفَّحَ أَمْرَ هَذِهِ الأُمَّةِ - مِنْ عَالِمٍ عَاقِلٍ - عَلِمَ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ - وَالعَامَّ مِنْهُمْ- تَجْرِي أُمُورُهُمْ عَلَى سَنَنِ أَهْلِ الكِتَابَيْنِ - كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - ، وَعَلَى سَنَنِ كِسْرَى وَقَيْصَرَ ، وَعَلَى سَنَنِ أَهْلِ الجَاهِلِيَّةِ ؛ وَذَلِكَ مِثْلُ : السَّلْطَنَةِ وَأَحْكَامِهِمْ ، وَأَحْكَامِ العُمَّالِ وَالأُمَرَاءِ –وَغَيْرِهِمْ- ، وَأَمْرِ الَمصَائِبِ وَالأَفْرَاحِ والمَسَاكِنِ واللِّبَاسِ وَالحِلْيَةِ ، وَالأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالوَلائِمِ ، وَالمَرَاكِبِ وَالخَدَمِ وَالمَجَالِسِ وَالمُجَالَسَةَ ، وَالبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ، وَالمَكَاسِبِ -مِنْ جِهَاتٍ كَثيرَةٍ - .
وَأَشْبَاهٌ لِمَا ذَكَرْتُ -يَطُولُ شَرْحُهَا- تَجْري بَيْنَهُمْ عَلَى خِلافِ السُّنَّةِ وَالكِتَابِ، وَإِنَّمَا تَجْري بَيْنَهُم عَلَى سَنَنِ مَنْ قَبْلَنا - كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَاللهُ المُسْتَعَانُ -.
فَمَا أَقَلَّ مَنْ يَتَخَلَّصُ مِنَ البَلاءِ الَّذِي قَدْ عَمَّ النَّاسَ !
وَلَنْ يُمَيِّزَ هَذَا إلاَّ عَاقِلٌ عَالِمٌ قَدْ أَدَّبَهُ العِلْم » .
قُلْتُ : فَأَيْنَ هُوَ ذَا -ممّا هذا هذى- ؟!
بَلْ أَيْنَ مَا هَوَى بِهِ فَيْلَسُوفُنَا الجَدِيدُ – بِزَعْمِهِ - مِمَّا حَرَّرَهُ إِمَامُنَا القَدِيمُ – بِعِلْمِهِ - ؟!!
وَفِي ضَوْءِ هذه الإِبانةِ أَقُولُ : إِنَّ مَا نَقُومُ بِهِ ( نَحْنُ ) - تَصْفِيَةً وَتَرْبِيَةً – لا يُجَاوِزُ التَّطبيقَ العِلْمِيَّ العَمَلِيَّ لقَولِ رَبِّ العَالَمِين: { وَالعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْر إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوا بالصَّبْر} –وهو شأْنٌ جليلٌ كُبَّار- رَغَباً بِرِضَا رَبِّ العَالَمِين ، وَرهَبَاً مِنَ الخُسْرَانِ المُبِين ...
واللهُ يقول: {وجَعَلْنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون}...
8- وَأَخِيرًا - وَلَيْسَ آخِرًا – كَمَا يُقَالَ - : إِنَّ مَا حَاوَلَ الكَاتِبُ الفَيْلَسُوفُ إِقْنَاعَ نَفْسِهِ بِهِ – وَالتَّلْبِيسَ عَلَى قُرَّائِهِ فِيهِ – تَشْكيكاً وَتَكْتيكاً- مِنْ أَنَّ ( مُعْظَمَ أَتْبَاعِ السَّلَفِيَّةِ الإِحْيَائِيَّة ِ مِن الطَّبَقَةِ الفَقِيرَةِ المُهَمَّشَةِ الَّتِي تَنْتَشِرُ فِي الأَحْيَاءِ الشَّعْبِيَّةِ ... ) !! كَلاَمٌ فَاشِلٌ يُنَادِي عَلَى نَفْسِهِ بِالنُّكْرَانِ !
وَعَلَيْهِ ؛ (فَنَأْمُلُ) مِنَ الكَاتِبِ المُتَخَصِّصِ بِالفَلْسَفَةِ – أَعَانَهُ الله - أَنْ ( يَهْدِينَا ) إِلَى ذَلِكُمُ المِقْيَاسِ المُعْتَبَرِ الَّذِي ظَفِرَ بِهِ ، فَجَعَلَهُ يَحْكُمُ هَذَا الحُكْمَ ، وَيَخْرُجُ بِهَذِهِ النَّتِيجَةِ ؟!
هَلْ هُوَ الاسْتِقْراءُ والسَّبْرُ وَالشُّمُولُ – كُلِّيًّا أَو جُزْئِيًّا –؟! أَمْ هُوَ المَنْطِقُ الأرُسْطِي ؟! أَمْ هُوَ مُجَرَّدُ الظَّنِّ ؟! فَإِنْ كَانَ : فَأَيٌّ مِنْ دَرَجَاتِهِ ؟! وَكَيَفَ وَصَلَ إِلَيْهَا ، وَتَوَصَّلَ لَهَا ؟!
أَمْ أَنَّ الأَمْرَ قَدْ وَصَلَ بِهَؤُلاَءِ الفَلاسِفَةِ الجُدُدِ - أَكْثَرَ مِمَّا تَطَلَّبَهُ أَجْدَادُهُم ! - إِلَى اسْتِسْفَاهِ عُقُولِ قُرَّائِهِمْ إِلَى حَدِّ أَنْ يَقُولُوا لِيُصَدَّقُوا – هَكَذَا – خَبْطَ لَزْقٍ – أو ضَرْبَةَ لاَزِبٍ – كَمَا يُقُالُ - ؟!
أَمْ أَنَّهُمْ –وهم يدّعونَ التقدُّميّة!- يُرِيدُونَ أَنْ (يَرْجِعُوا) بِالنَّاسِ وَمُجْتَمَعَاتِ هِمْ إِلَى عَصْرِ ( تَهَافُتِ الفَلاسِفَةِ )، وَ( تَهَافُتِ التَّهَافُتِ ) – وَمَا انْجَّرَ مِنْهُمَا ، وَصَدَرَ عَنْهُمَا - ؟! لِيَحْجُزُوا لأَنْفُسِهِمْ مَقَاعِدَ بَيْنَهُم فِيمَا هُم بِهِ جَاهِلُونَ ؛ وَلِيُكَدِّرُوا صَفْوَ المُجْتَمَعِ المُطْمَئِنِّ ، مُعَطِّلِينَ مَسَارَ الأُمَّةِ ( الوَسَطِ ) الطَّوِيلَ – وَالمُسْتَقِيمَ – فِي آنٍ !!
{ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُم تَتَّقُون }.
عَلَى أَنِّي أَقُولُ – تَنَزُّلاً – بَعْدَ الَّتِي وَالَّلتَيَّا - : هَلْ أَتْبَاعُ الأَنْبِيَاءِ وَالرُّسُلِ ( يَا هَذَا ) إِلاَّ أُولَئِكَ – كمَا فِي سُؤَالِ هِرَقْلَ لأَبِي سُفْيَانَ - فِي « صَحِيحِ البُخَارِيِّ » – لَمَّا قَالَ لَهُ – عَنِ شَأْنِ النبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( فَأَشْرَافُ النَّاسِ يَتَّبِعُونَهُ أَمْ ضُعَفَاؤُهُم ؟! ، فَقَالَ : بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ ... فَقَالَ هِرَقْلُ – مُقِرًّا- : وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ ) .
وَبَعْدُ :
فَهَذِهِ وَقَفَاتٌ ( يَسِيرَةٌ ) مَعَ كَلاَمِ ( كَثِيرٍ !) ؛ غايةُ مَا يُقَالُ فِيهِ : إِنَّهُ لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، عَلَى رَأسِ جَبَلٍ وَعْر ، لاَ سَهْلٌ فُيُرْتَقَى ، وَلا سَمِينٌ فَيُنْتَقَى !!
فَمَاذا نُعْمِلُ ؟! وَمَاذَا نُهْمِلُ ؟!
وَالوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيْتُ بِحِفْظِهِ ...... وَأُرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيَّ يَضِيعُ !
وَلَعَلَّ فِيمَا ذَكَرْتُ مَقْنَعًا لِذِي عَقْلٍ ، وَمَطْمَعًا لِصَاحِبِ نَظَرٍ .
وَأَمَّا الأعْشَى الَّذِي لَمْ تُقْنِعْهُ نُصُوصُ الوَحْيَيْنِ الجَليلَيْنِ ؛ فَهَلْ سَيُقْنِعُهُ كَلاَمُ مَنْ ذَبَّ عَنْهُمَا ، وحامَى دُونَهما – وَلَو جِئْتَهُ بأَلْفِ آيَةٍ - ؟!
وَدُعَائِي ( السَّلَفِيّ ) لِصَدِيقِي ( الفَلْسَفِيّ ) أَنْ لاَ يَكُونَه !
وَاللهُ المُسْتَعَانُ ، وَعَلَيْهِ التُّكَلاَن ...