إيمانُنا باللهِ بينَ ثلاثةٍ عمَلٌ وقوْلٌ واعتقادُ جِنانِ


ولمِلَّةِ الإسلامِ خَمْسُ عقائدِ والله أنطَقَني بها وهدانِ



بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين حمد الشاكرين حمدا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه, سبحانك ربنا لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك الكريمة والمجيدة,وأشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له شهادة حق وصدق وعدل, سبحانك اللهم وبحمدك لا اله الا أنت ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة, والصلاة والسلام على سيد الخلق سيد الأنام سيد الأولين والآخرين المرسل رحمة للعالمين سيدنا وحبيبنا وعظيمنا محمد بن عبد الله وعلى أزواجه امهات المؤمنين الطاهرات المطهرات المنزهات من كل عيبٍ ونقيصية, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستنّ بسنته الى يوم الدين وبعد



لقد ثبت في الكتاب الكريم والسنة المطهرة بالأدلة الشرعية القاطعة أنّ الايمان بالله تعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم يحتاج الى عمل, كما في قوله تعالى فلي الايات التالية:


انّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جناتَ الفِردوْس نُزلاً


انّ الذين آمنوا وعملوا الصالحات انا لا نُضيع أجر مَن أحسنَ عملاً


واني لَغفّار لمَنْ تابَ وآمنَ وعمِلَ صالحاً ثمّ اهتدى


واذا تتبعنا آيات القرآن الكريم التي تدعو الى الجنة نجدها لا تخرج عن هذه المعادلة البسيطة


ايمان + عمل صالح حتى الممات


فالأعمال والأقوال لا تصح ولا يُكتب لها القبول الا اذا صدرت عن ايمان مطلق بالله عزوجل الها واحدا لا شريك له, وهذه الأعمال والأقوال لن تكون مقبولة الا اذا نتجت عن عقيدة صحيحة سليمة هي في الأساس أصل الاسلام وأصل هذا الدين العظيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده وختم به الرسالات السماوية كما في قوله تعالى: انّ الدين عند الله الاسلام


وقوله تعالى في سورة المائدة 3: اليوم اكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا


ذلك ومن ينتهج دينا غير الاسلام فلن يقبله الله منه لقوله تعالى في سورة آل عمران:


ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين


ورحم الله تعالى الامام القحطاني يشرح لنا ما تقدّم


وشريعة الاسلام أفضل شرعة


دين النبيّ الصادق العدنان


هو دين ربّ العالمين وشرعه


وهو القديم وسيّد الأديان


هو دين آدم والملائك قبله


هو دين نوح صاحب الطوفان


وله دعا هود النبيّ وصالح


وهما لدين الله معتقدان


وبه أتى لوط وصاحب مدين


فكلاهما في الدين مجتهدان


هو دين ابراهيم وابنيه معا


وبه نجا من لفحة النيران


وبه حما الله الذبيح من البلا


لمّا فداه بأعظم القربان


هو دين يعقوب النبيّ ويونس


وكلاهما في الله مبتليان


هو دين داوود الخليفة وابنه


وبه أذلّ له ملوك الجان


هو دين يحيي مع أبيه وأمّه


نعم الصبيّ وحبّذا الشيخان


وله دعا عيسى بن مريم قومه


لم يدعهم لعبادة الصلبان


والله أنطقه صبيا بالهدى


في المهد ثمّ سما على الصبيان


وكمال دين الله شرع محمد


صلىّ عليه منزّل القرآن


الطيّب الزاكي الذي لم يجتمع


يوما على زَللٍ له أبوان


الطاهر النسوان والولد الذي


من ظهره الزهراء والحسنان


وأولواالنبوّة والهدى ما منهم


أحد يهوديّ ولا نصراني


بل مسلمون ومؤمنون بربهم


حنفاء في الاسرار والاعلان




في المقابل ان كانت هذه العقيدة غير صحيحة فكل عمل وقول سيكون مصيرة البطلان كما في قوله تعالى :


ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله وهو في الاخرة من الخاسرين


والعقيدة الصحيحة وأركان الايمان تؤأمان متلازمان, وجهان لعملة واحدة, وكلنا يعلم أن أركان الايمان تختلف عنها أركان الاسلام, فأركان الاسلام خمسة هي: شهادة أن لا اله الا الله وأنّ محمدا رسول الله, واقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحجُّ البيت من استطاع اليه سبيلا


ومن هذه الأركان الستة ينبثق الايمان بالغيبيات الخمسة: يوم القيامة أو اليوم الآخر, نزول المطر, ما تحمله الأنثى من ذكر أم انثى, رزق العباد, المكان الذي سيموت فيه الانسان


يقول المولى تبارك وتعالى في آية ختم بها سورة لقمان:


انّ الله عندَهٌ عِلمُ الساعةِ ويُنَزِّلُ الغيثَ ويعلمُ ما في الأرحامِ , وما تدري نفسٌ ماذا تكسِبُ غداً, وما تدري نفسٌ بأيِّ أرضٍ تموت, انّ الله عليمٌ خبيرٌ



أركان الايمان ستة


الايمان بالله عزوجل الها واحدا لاشريك له, وبالملائكة, وبالكتب السماوية جميعها, وبالرسل جميعا, وباليوم الآخر, وبالقدَرِ خيره وشّره, يقول الله عزوجل في ختمه لسورة البقرة:


آمن الرسولُ بما أُنزلَ اليهِ مِنْ ربِّهِ والمؤمنون كلٌّ آمنَ بالله وملائكته وكتبه ورسله


وقوله جلّ وعلا في آية أخرى: ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضلّ ضلالا بعيدا


سنتناول أركان الايمان الستة ركنا ركنا وبايجاز شديد ان شاء الله


الايمان بالله عزوجل على أنه الاله الحق المستحق للعبادة ولا نعبد معه الها آخر كونه سبحانه وتعالى المتفرد بالعبودية خالق كل شيء في هذا الكون, خالق العباد المتفضل عليهم الحنان المنان القائم بأقواتهم والعالم بسرهم وعلانيتهم وما توسوس به الصدور, الوجب على جميع الخلائق الانصياع لأوامره وعبادته حق العبادة كما في قوله تعالى في سورة الذاريات: وما خلقْتُ الجِنَّ والانسَ الا ليعبُدون 8 ما أُريدُ منهُمْ مِنْ رِزْقٍ وما أُريدُ أنْ يُطْعِمون * انّ اللهَ هوِ الرزّاقُ ذو القُوَةِ المتين


وآيات الدعوة الى عبادة الله عزوجل الها واحدا كثيرة, واجتناب الاشراك به سبحانه وتعالى شرط من شروط الايمان كما في قوله تعالى في سورة لقمان: انّ الشرك لظلمٌ عظيم


ذلك أن العبد اذا مات مشركا بالله فقد حرّم الله عليه الجنة, وما دون الاشراك قابلا لعفو الله ومغفرته اذا شاء عزوجل كقوله تعالى في سورة النساء: انّ الله لايغفر أن يُشرَكَ به ويغفرُ ما دونَ ذلكَ لمن يشاء


وعلينا جميعا عبادة الله عبادة خضوع وتذلل ورغبة ورهبة مع كمال الحبّ له سبحانه وتعالى والذل لعظمته وكبرياءه وجبروته سبحانه وتعالى


ولا ننسى أن الاخلاص في العمل والعبادة شرطٌ لقبول العملك كما في قوله تعالى:


فاعبد الله مخلصا له الدين , ألا لله الدين الخالص


وفي الصحيحين من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت ردف النبي صلى الله عليه وسلم , ليس بيني وبينه الا مؤخرة الرجل, فقال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك, ثم سار ساعة, ثم قال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك, ثم سار ساعة فقال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك, قال: هل تدري ما حقُّ الله على العباد؟ قلت الله ورسوله أعلم.. قال: فانّ حقَّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا, ثم سار ساعة, ثم قال: يا معاذ بن جبل! قلت: لبيك رسول الله وسعديك, قال: هل تدري ما حقٌّ العباد على الله اذا فعلوا ذلك؟ قلت: الله ورسوله اعلم.. قال: ألا يُعَذِبَهُمْ.


الآن لو عدنا الى أركان الاسلام وأخذنا الركن الأول شهادة ان لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله لوجدنا هذا الركن يوافي ركن الاخلاص في العبادة لله تعالى, وكيف لا؟ وأركان الاسلام مستوحاة من أركان الايمان بالله عزوجل, فشهادة أن لا اله الا الله تقتضي اخلاص العبادة لله عزوجل وحده الها واحدا لا شريك له, وهذا هو معنى قوله صلى الله عليه وسلم: من قال لا الله من قلبه دخل الجنة


لأن معناها أنه لا معبود الا الله تعالى, ولا يستحق العبادة الا الله عزوجل, وما خلق الله الثقلين الا لهذه العبادة, وما خلق الله الدنيا الا ليُعبَد فوقها, لا يُشرك به شيئا, لا بالعبادة ولا بالعمل, ومن أشرك بالعمل فقد حبط عمله كما لو أشرك بالعبادة, فأن يقول أحدنا ما فعلت هذا ولا ذاك الا من أجل فلان وفلان فهذا اشراك, لأن العمل كله يجب أن يكون خالصا لوجه لله عزوجل وحده, ولعلّ هذا المعنى يتحقق في قوله تعالى في ختام سورة الكهف:


فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشركُ بعبادةِ ربِّهِ أحدا


ومن توابع الايمان بالله عزوجل الايمان بأسماءه الحسنى وصفاته العلا , سواء الوارد منها في كتاب الله عزوجل , أو ما جاء منها في السنة المطهرة من غير تحريف ولا تبدبل ولا تكييف ولا تعطيل ولا تمثيل, بل علينا الايمان بها كما جاءت دون السؤال عن أي اسم أو صفة لله سبحانه وتعالى القائل في كتابه الكريم: ليس كمثله شيء وهو السميع البصير


نعم انّ الله لا يشبهه شيءٍ من خلقه, وليس كمثله شيء, كما قال الخزاعي رحمه الله: مَنْ شبَّهَ الله بخلقه فقد كفر, ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر, وليس فيما وصف الله به نفسه ولا رسوله صلى الله عليه وسلم تشبيه, فمن أثبت لله عزوجل ما وردت به الآيات الصريحة والأخبار الصحيحة على الوجه الذي يليق بجلال وجهه, ونفى عن الله تعالى النقائص, فقد سلك سبل الهدى



ورحم الله الامام القحطاني حيث يقول في قصيدته الربانية نونية القحطانية



لا تفتكر في ذات ربّك واعتبر


فينا به يتصرّف الملوان


والله ربي ما تكيف ذاته


بخواطر الأوهام والأذهان


أمرر أحاديث الصفات كما أتت


من غير تأويل ولا هذيان


لله وجهٌ لا يُحدّ بصورة


ولربنا عينان ناظرتان


وله يدان كما يقول الهنا


ويمينه جلت عن الأيمان


كلتا يمين ربي وصفها


فهما على الثقلين منفقتين


كرسيّه وسع السموات العلى


والأرض وهويعه القدمان


والله يضحك لا كضحك عبيده


والكيف ممتنع عن الرحمن


والله ينزل كلّ آخر ليلة


لسماءه الدنيا بلا كتمان


فيقول: هل من سائل فأجيبه


فأنا القريب أجيب من ناداني


حاش الاله بأن تكيّف ذاته


فالكيف والتمثيل منتفيان


والأصل أنّ الله ليس كمثله


شيء تعالى الربّ ذو الاحسان


وحديثه القرآن وهو كلامه


صوت وحرف ليس يفترقان


لسنا نشبّه ربّنا بعباده


ربّ وعبدٌ كيف يشتبهان؟


فالصوت ليس بموجب تجسيمه


اذ كانت الصفتان تختلفان


حركات ألسننا وصوت حلوقنا


مخلوطة وجميع ذلك فان


وكما يقول الله ربي لم يزل


حيّا وليس كسائر الحيوان


وحياة ربي لم تزل صفة له


سبحانه من كامل ذي الشان


وكذاك صوت الهنا ونداؤه


حقا أتى في محكم القرآن


وحياتنا بحرارة وبرودة


والله لا يعزى له هامان


وقوامها برطوبة ويبوسة


ضدّان أذواب هما ضدّان


سبحان ربي عن صفات عباده


أو أن يكون مركبّا جسدان


اني أقول فأنصتوا لمقالتي


يا معشر الخلطاء والأخوان


انّ الذي هو في المصاحف مثبت


بأنامل الأشياخ والشبّان


هو قول ربي آيه وحروفه


ومدادنا والرّق مخلوقان


من قال في القرآن ضد مقالتي


فالعنه كل اقامة وأذان


هو في المصاحف والصدور حقيقة


أيقن بذلك أيّما ايقان


وكذا الحروف المستقر حسابها


عشرون حرفا بعدهنّ ثمان


هي من كلام الله جلّ جلاله


حقا وهنّ أصول كلّ بيان


حاءٌ وميمٌ قول ربي وحده


مِن غير أنصارٍ ولا أعوان




وعلى ما تقدّم فانّ كل من ألْحَدَ باسم من اسماء الله الحسنى او صفة من صفاته عزوجل او ارتاب فيها فحتما يكون قد كفر, ومعنى الالحاد أي عدم الايمان بأسماء الله الحسنى ولا بصفاته العلا ومعانيها


والملحد هو المائل عن الحق المدخل فيه ما ليس منه بحق, كما في قوله تعالى:


ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها, وذروا الذين يُلحدون في أسماءه


وهناك أيضا الملتحد : والملتحد هو الملتجأ المستعين بالله عزوجل, فعلينا جميعا الاستعانة بالله عزوجل في جميع امور حياتك وألا تستعين بأحدٍ سواه وألا تسال أحدا سواه عزوجل, ويوضح هذا المعنى قوله تعالى في سورة الكهف: ولن تجدَ من دونه ملتحدا (أي لن تجد من دون الله ملجئاً وملاذاُ ومعيناً)


أما الايمان بالملائكة عليهم السلام,فهو ركن أساسي من اركان الايمان, والمللائكة هي اجسام نورانية لا تأكل ولا تشرب ولا تتغوط ولا تتناسل , خلقهم الله عزوجل لعبادته وطاعته لا يعصون الله ما أمرهم , وهم كثُر عليهم الصلاة والسلام: منهم الموكلون بحملة عرش الرحمن ذو الجلال والاكرام,وهم ثمانية كقوله تعالى:


ويحمل عرش ربك فوقهم يومئد ثمانية


ومنهم خزنة الجنة ك رضوان , ومنهم خزنة النار ك مالك , ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد , ومنهم وحي السماء جبريل , وملك الجبال ميكائيل, والموكل بالنفه في الصور اسرافيل, وملك الموت قابض أرواح العباد, ومنكر ونكير ملكين السؤال في القبر, وغيرهم كثير كثير عليهم الصلاة والسلام أجمعين: وهم تماما كما قال تعالى


وما يعلم جنود ربك الا هو


أما الايمان بالكتب السماوية جميعا ما نزل منها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما نزل على من قبله من اخوانه الانبياء والرسل صلوات الله وسلامه عليهم, وهي جميعها لمذكورة في القرآن الكريم وهي : التوراة والانجيل والقرآن والزبور وصحف ابراهيم وموسى


والقرآن الكريم أفضل هذه الكتب لشموله اياها جميعا, وهو وحده الذي تعهد الله عزوجل بحفظه كما في قوله تعالى في سورة الحجر 11: انا نحن نزّلنا الذِكْرَ وانا له لحافظون


فالقرآن الكريم هو الكتاب المهيمن على جميع الكتب التي سبقته وهو المصدّقُ لها, وهذا الذي على الأمة اتباعه , وقد جعله الله شفاءً لما في الصدور وتبياناً لكل شيء وهدىً ورحمةً للمؤمنين, ويجب على الأمة التحكيم فيه, فيما يشجر بين العباد حتى لا ينطبق علينا قوله تعالى في سورة المائدة 44:


ومن لم يحكم بما أنزل الله فألئك هم الكافرون


أما الايمان بالرسل, وكلمة رسل تشمل جميع الأنبياء والمرسلين , ومن الرسل ما قصّهم الله عزوجل علينا في محكم تنزيله الكريم, ومنهم من لم يقصصهم علينا, صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.


فالرسل جميعا عليهم السلام جاؤوا مبشرين بمغفرة الله عزوجل وبجنة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين المتبعين سنن الهدى, ومنذرين بعذابٍ واقع للكافرين ليس له دافع, لمن عصى الله عزوجل وغوى وعبد الشيطان والطاغوت وأدركه الموت وهو على ذي الحال.


أما الايمان باليوم الآخر أي يوم القيامة فانه يتضمّنُ الايمان بكل ما جاء به الكتاب والسنة , وبما سيكون بعد الموت , ابتداء من فتنة القبر وعذابه ونعيمه , وانتهاءَ بالجزاء: اما الى جنة أو نار , مرورا بأهوال وشدائد يوم القيامة , وما سيكون بين البعث والجزاء : من المرور على الصراط والميزان ونشر الصحف بين الناس والورود على حوضه صلى الله عليه وسلم والحساب , والسعيد من سيأخذ كتابه بيمينه, وخاب وخسر من أخذ كتابه بشماله أو وراء ظهره, والايمان بأنّ الجنة حق والنار حق, والايمان برؤية المؤمنين لله عزوجل , والايمان بحقيقة تكليم الله سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين, كما في قوله تعالى في سورة ق 35:


لهم فيها ما يشاؤون, ولدينا مزيد




والمزيد هنا هو النظر الى وجه الله سبحانه وتعالى, وفي هذه لساعة يتحسّر المؤمن على كل ساعة مضت من حياته ولم يقضها في طاعة الله عزوجل لما يجد من كرمٍ ومغفرةٍ واحسان, كما في قوله تعالى في سورة الرحمن: وهل جزاءُ الاحسانِ الا الاحسان


وأخيرا الايمان بالقَدرِ خيرُهُ وشرُّهُ , وهذا الايمان يحتاج الى أربعة أمور لتحقيقه


الأول: أنّ الله يعلم كل شيء, ما كان وما سيكون الى مالا نهاية, وأنه عزوجل يعلم أحوال العباد وما توسوس به أنفسهم من خير أو شر, ويعلم أرزاق العباد وأقواتهم وأعمارهم وفي أي أرض يولدون أو يموتون, وهل سيحيون سعداء أم أشقياء, وعلى ماذا سيموتون, وعن مآلهم الى جنّةٍ أم نار, لا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا السماء, فهو تماما كما قال جلّ وعلا:


انّ اللهَ بكلِّ شيءِ عليم..... انّ الله خبيرٌ بما تعملون....وأنّ الله قد أحاط بكلّ شيءِ علماً


الثاني: الايمان مطلقا دون أدنى شكِّ أو ريبِ بأنّ الله سبحانه وتعالى قد كتب لكلّ ما قدّرَهُ وقضاه, كما في قوله تعالى في سورة يس : وكلّ شيءٍ احصيناه في امام مبين...


وقوله عزّ وجلّ : قد علمنا ما تنقصُ الأرضَ منهم وعندنا كتابٌ حفيظ


الثالث: الايمان بمشيئة الله عزوجل النافذة فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن, لا يُسألُ سبحانه وتعالى عن شيء والعباد يُسألون, كما في قوله تعالى: انّ الله يفعل ما يشاء..وكقوله تعالى: له الحكم في الأولى والآخرة... وقوله جلّ وعزّ: انما أمرهُ اذا أرادَ شيئاً أن يقولَ لهُ كُنْ فيكونْ


وكقوله في ختام سورة الانسان: وما تشاؤون الا يشاءَ اللهُ ربُّ العالمين


الرابع: الايمان المطلق بأنّ الله سبحانه وتعالى هو خالق كلّ شيءٍ من كل ذي روح ومن ذي كل جماد في هذا الكون, وأنه لا خالق سواه سبحانه تعالى له الحكم في الأولى والآخرة, هو الربُّ المتفرّدُ بالألوهية , هو الملك, مالك يوم الدين, خالق كلّ شيءٍ, كلّ شيءٍ كلّ شيء


كما في قوله عزوجل: الله خالق كل شيء وهو على كل شيءِ قدير


الخامس: الايمان بانّه لا يجوز لأحد أن يُكفّرَ أحد من المسلمين, أو نحكم على فلان مات أبدا أنه من اهل الجنة أم من أهل النار, فلا يدري أحدنا على أيّ حال يموت, وكما قال الامام القحطاني رحمه الله:


لسنا نُكفِّرُ مسلمٍ بكبيرةٍ... والله ذو العفو وذو الغفران


فالأقوال والأفعال تزيد بالطاعة وتنقص بالمعصية, وكلّ ذنبٍ دون الشرك بالله عزوجل قابل للمغفرة ان شاء الله تعالى, كما في قوله تعالى:


انّ الله لا يغفر أن يثشرَكَ به, ويغفرُ ما دونَ ذلك لمن يشاء


فما من معصومٍ من البشر الا من عصمه الله سبحانه وتعالى , ف كل ابن خطّاء, وخير الخطائين التوابون.. او كما قال سيد الخلق صلوات الله وسلامه عليه.


فالكبيرة لا تُكفّرُ ابن آدم الا اذا استحلها, أي اذا عاند الكتاب والسنة , كأن يعتقد أو يقول بأنّ السرقة ليست بحرام , أوكأن يعارض حكما لله عزوجل كحكم الحد بقطع يد السارق او السارقة, او عارض حكم الحد بالزاني أو شارب الخمر, أو قال: الربا ليس بحرام, وما الى هناك من المحرمات التي أقرها الكتاب الكريم والسنة المطهرة, وأيضا انكار سنة النبي صلى الله عليه وسلم, لأنه بذلك يُنكرُ قوله تعالى في سورة الحشر 7


وما آتاكم الرسولَ فخذوهُ وما نهاكمْ عنه فانتهوا



ولما أثبتته الأحاديث المتوترة عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أنّ الله يُخرجُ من النار مِنْ كان في قلبه مثقال ذرّةٍ من ايمان



ودليل ذلك في قوله تعالى في مستهل سورة الحجر: ربما يوَدُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين


ومن الايمان بالله عزوجل هناك الحب والموالاة في الله والبغض والمعادة في الله, وعلى المسلم أن يحب أخاه المسلم ويواليه, وعلى رأس هؤلاء المؤمنين صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين قال عنهم الله عزوجل في سورة الواقعة: والسابقون السابقون أولئك المقربون.. وقوله عزوجل: رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله, الا حزب الله هم المفلحون ولقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق على صحته: وخير القرون قَرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم



ومن الايمان بالله عزوجل الايمان اعتقادا بالخلفاء الراشدون الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين على أنهم أفضل الصحابة منزلةً وقدراً عند الله عزوجل وعند رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم, ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة: أبو عبيدة الجراح, وسعد بن أبي وقاص, وطلحة بن عبيد الله, وسعيد بن زيد, عبد الرحمن بن عوف, والزبير بن العوام رضي الله تعالى عنهم أجمعين وصلى اللهم وسلم وبارك على من رباهم.


ثم بقية الصحابة رضي الله عنهم وأمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهنذ وارضاهنّ.



أيضا من الايمان بالله عزوجل الامساك عن الحديث عما شجر بين الصحابة من فتن كفتنة الجمل بين الامام وبين السيدة عائشة أم المؤمنين, وفتنة صفين بين الامام علي ومعاوية رضي الله عنهم أجمعين, فطالما أننا لم نشهد عصرهم فلا أحد يعلم ما جرى بينهم تحديدا, ولنترك أمرهم الى الله عزوجل, وحده يعلم بواطن الأمور.



ومن الايمان بالله عزوجل التبرؤ من الروافض الذين يبغضون ويسبون بعض صحابة النبي صلى الله عليه رضي الله عنهم., خاصة أبو بكر وعمر وعثمان وأم المؤمنين السيدة عائشة



وأخيرا نستطيع القول بأنّ من ما تناولناه في هذا البحث الموجز الوجيز في أصول العقيدة الصحيحة هو مذهب أهل السنة والجماعة عقيدة الفرقة الناجية التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:



لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة لا يضرهم من خذَلّهُمْ حتى يأتي أمر الله سبحانه


وقال عليه الصلاة والسلام: افترقت اليهود على احدى وسبعين فرقةً, وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقةً, وستفترقُ أمتي على ثلاث وسبعين فرقةً, كلها في النار الا واحدةً, فقال الصحابة: من هي يا رسول الله؟ قال عليه الصلاة والسلام: من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي


وانّ ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لا يخرج بحال عن قوله تعالى:


قل آمنت بالله ثم استقم


وأيِّ فرقة تنتهج خلاف ما ذكرناه من أصول العقيدة فهي ليست باطلة فحسب, وانما خارجة عن الملة بالاجماع, وهناك فِرَقٍ كثيرة خالفت هذا المنهج منها الروافض, والباطنية, والأشعرية, والملاحدة أتباع الشيوعية وغيرها الكثير الكثير من دعاة الكفروالالحاد الذين كفروا بالأديان كلها, بل وأكثر من ذلك أنهم أنكروا الوهية الواحد الديان, سبحانه وتعالى عما يشركون ويصفون.


ومن العقائد الضالة والمضلة ما يعتقده بعض الباطنية وبعض الصوفية بوجود أولياء يشاركون الله تبارك وتعالى في تدبير الكون , او يتصرفون في شئونه , أي يشركون في الربوبية, ولعلّ هذا من أقبح أنواع الشرك والعياذ بالله, وهم أشدُّ كفرا من مشركي قريش, فكفار قريش على الأقل أشركوا في العبادة ولم يشركوا في الربوبية, واشراكهم كان في حال الرخاء فقط, على حين عندما كانوا يتعرضون لشدة او محنة لا يلجئون الى الله عزوجل فحسب, بل وكانوا يخلصون له سبحانه وتعالى في العبادة, حتى اذا فرّج الله عزوجل عنهم كربتهم عادوا الى ما كانوا عليه من الاشراك, لقد كانوا معترفين بوجود الله عزوجل, وهذا ما أكدّه القرآن الكريم في قوله تعالى:


ولئن سألتهم من خلقهم ليقولنّ الله... وكقوله تعالى: ومن يدبر الأ مر فسيقولون الله.



وهناك في زماننا اليوم من المشركين ما سبقوا به كفار العرب مشركي قريش, اذ يشركون بالله عزوجل في الرخاء والشدة , كالذين يلجئون الى قبر الحسين رضي الله عنه, وقبر البدوي وغيرهما في مصر, وعند قبر العيدروس في اليمن, وعند مقام السيدة زينب رضي الله عنها في كل من مصر والعراق وسوريا, وقبر الهادي في اليمن, وغيرها من القبور المشهورة والتي تغالى فيها عامة الناس وجهالهم, وأنفقوا لها الكثير الكثير من حق الله عزوجل .


انّ المصيبة التي تعيشها الأمة بعلماءها وفقهاءها ودعاة الهدى, أنها على دراية وعلم بما يفعله هؤلاء ولا يحركون ساكنا, ولم يُحاربوا هذا الشرك الأعظم ويقضوا عليه, أو حتى يُبينوا لهم حقيقة التوحيد التي بُعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم , ومن سبقه للرسالات السماوية من أنبياء الله تعالى ورسله على نبينا وعليهم جميعا من الله عزوجل أفضل الصلوات والتسليم.


أيضا هناك من الفرق الضالة والمضلة عقائد أهل البدع الذين يجادلون في اسماء الله الحسنى وصفاته العلى , ومنهم على سبيل المثال لا الحصر: الجهمية والمعتزلة والأشعرية ومن سلك نهجهم الضال والمضل في نفي صفات الله عزوجل وتعطيله سبحانه وتعالى من صفات الكمال, ووصفهم لله عزوجل بصفة المعدومات والمستحيلات والجمادت , تعالى الله عن قولهم وعما يصفون علوا كبيرا.



وجزا الله عنا خيرا ما قاله فيهم الامام عبد العزيز بن باز رحمه الله:


أما اهل السنة والجماعة فقد أثبتوا لله سبحانه وتعالى ما أثبته لنفسه او أثبته له سبحانه وتعالى رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم عن الاسماء والصفات على وجه الكمال, ونزههم عن مشابهة خلقه تنزيهاً برياً من شائبة التعطيل , فعملوا بالأدلة كلها ولم يُحرفوا ولم يُعطلوا, وسلموا من التناقض الذي وقع فيه غيرهم, وهذا هو سبيل النجاة والسعادة في الدارين الدنيا والآخرة, وهو الصراط المستقيم الذي سلكه سلف الأمة وأئمتها.





روى الامام أحمد في صحيحه من حديث عبد بن عمر رضي الله عنهما , أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: وجعلّ الذُلَّ والصَغارَ على مَنْ خالفَ أمري, ومَنْ تشبَّهَ بقومٍ فهو منهم





اللهم رُدّنا الى ديننا ردّا جميلا, واجعل من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة.


سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون * وسلام ٌ على المرسلين * والحمد لله ربّ العالمين



ما أصبت به فمن الله وحده فله الحمد وله المنة, وما أخطأت فمن نفسي الخاطئة ومن الشيطان


ملاحظة:من يقف على خطأ في نص قرآني أو حديث شريف فلينوِّه به لمشرف المنتدى الديني لتداركه ومن ثم تعديله وأجره على الله عزوجل.