أكثر المتكلمين اليوم من فرقة الأشاعرة..ولهذا سأخصص كلامي عنهم
وهم يسمون أنفسهم "أهل السنة والجماعة" بغية التشرف بهذا وتبعهم على هذا
بعض علماء السنة مع الأسف وهم إما جاهل لا يدري بحقيقة حالهم أو يظن خلافهم في بعض الصفات اليسيرة لا غير أو متساهل صاحب منهج توفيقي ينشد وحدة الأمة كيفما اتفق
وربما استدل هؤلاء بقصة موسى وموقف هارون وينسى أو يتناسى قوله "إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني" فقد تهددوه بالقتل ولم يسكت من أجل وحدة الأمة كما زعموا ولولا أنه أنكر عليهم وأغلظ..لما استضعفوه ولما كادوا أن يقتلوه..
وسأذكر رؤوس هذا الانمياز بين أهل السنة والأشعريين..في نقاط عامة مما يتبين الواقف عليه أن جعل الأشاعرة من أهل السنة الذين هم حقيقة الإسلام ونقاوته من الغلط البين الذي يشوه الحقيقة :-
1-التاريخ..فأهل السنة تاريخهم هو تاريخ الإسلام نفسه..ولا ينسبون لشخص معين
بخلاف فرق المتكلمين , أما الأشاعرة فإنهم ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري المتوفى في القرن الثالث الهجري
وفي ذلك يقول الإمام محمد بن سيرين"لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا:سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم" فإن قيل هذا فقه الشافعي -مثلا-له بداية منشأ..وهو من أهل السنة !
قيل:هذا الفقه ليس فيه شيء لا سابق له في عصر الرعيل الأول حيث تنزل الإسلام
فهو فقه بدليل من كتاب وسنة..وكله اجتهاد سائغ وقع مثله من قبل..
2-مصادر التلقي عند أهل السنة :كتاب وسنة..ولن أقول بفهم سلف الأمة
لأن هذا القيد إنما أضيف ردا على من جعل يعمل هواه في ليّ المعاني ليّا لتوافق ما عليه
من عقائد فاسدة..أما المتكلمون فالعقل عندهم ذو خصيصة مهيمنة تجعله مصدراً مستقلا
لكونه سلطانا على النصوص..وذلك واضح جدا في قانون الرازي الكلي..بل في عامة كلامهم
فإنك تقلب الصفحات الطوال ولا تعثر على آية ولا حديث..ولا شيء غير الجدل
من قبيل :فإن قيل..قلنا..وفي ذلك يقول الرازي
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا...سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
وهذا العقل الذي عدوه مصدرا بلسان الحال والمقال من مفسداته استمداده عن الفلسفة والتأثر بها..سواء بالنظر في كتبهم ابتداء أو عبر جدالهم
3-وممال يدل على التباين أن الأشاعرة أنفسهم لا يرتضون أن يكون "السلفيون" منهم
ولا يضعون أنفسهم معهم في إطار السنة بل ينبزونهم بالألقاب القبيحة من قبيل:الحشوية,,وا نابتة ..والمجسمة..وفي العصر الحديث:الوهابية! ..
وهذا إدراك منهم لمسألة تباين الفريقين تباينا بيّنا..وفي هذا يقول الإمام الحافظ ابن أبي حاتم:"علامة أهل البدعة الوقيعة في أهل الأثر وعلامة الجهمية تسميتهم أهل السنة مشبهة."
4-وفي المقابل فإن أهل السنة أنفسهم يرمونهم بالابتداع الجهل وغير ذلك
قال ابن خويز منداد رحمه الله:كل متكلم هو من أهل الأهواء والبدع أشعريا كان أو غير أشعري ولا تقبل لهم شهادة في الإسلام ويهجر ويؤدب على بدعته.انتهى
قلت :وصفه إياهم بأهل الأهواء..مقابلة لهم بأهل السنة..فدل على الافتراق..
وكلام السلف في هذا كثير جدا..كما لايخفى حتى قال الشافعي:لأن يبتلى المرء بكل ما نهى الله عنه ماعدا الشرك خير له من أن يبتلى من الكلام.
وبعض الأشعرية يحاول جعل هذا الذم مخصوصا بالمعتزلة..وهي دعوى لا دليل عليها
فالمنهج واحد..وكلام السلف عن "الكلام" عامة..كما أن بعض أئمة السنة نصص عليهم حين ظهروا كما تقدم
5-ثم إن المتكلمين أهل جدل وخصومة ..وأهل السنة بريئون من ذلك , قال الإمام مالك"الجدال في الدين ينشيء المراء ويذهب بنور العلم من القلب ويورث الضغن"
ولهذا نظائر كثيرة من كلامهم
6-ومصداق المفارقة بين المنهجين يظهر بجلاء في مطالعة أقوال أهل السنة في المسائل العقدية ومقارنتها بأقوال المتكلمين الأشاعرة وغيرهم..فهم لم يخالفوا في أمور فرعية تقبل الاجتهاد ويسوغ فيها الأخذ والرد بتجاذب الأدلة لأطراف المسألة..بل خالفوا في أشرف شيء :التوحيد..في الأسماء والصفات..وفي توحيد العبادة..وفي النبوات..وعقيدة القدر..وغير ذلك..
7-والأشاعرة مجمعون على وصف المعتزلة بالابتداع وبالنظر في منهج الفريقين..
والاستمداد وطرائق الإثبات..يتبين أن المسافة الفاصلة بينهما ليست بتلك الكبيرة..
فلو تصورنا خطا مستقيما يصل بين السنة والمعتزلة..وطول الخط 100..فبين الأشاعرة والمعتزلة عشرون على الأكثر..وبين الأشاعرة والسنة :ثمانون..
على أن الإفساد من قبل الأشاعرة في عقيدة الناس أخطر من حيث كون أمرهم خافياً
ولانتسابهم للسنية..كما يقول الإمام أبو نصر السجزي
والله أعلم