إن الحمد لله, نحمده ونستعينه ونستغفره, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا, وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له, ومن يضلل الله فلا هادي له, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:قال السنوسي : وبها ينجو المكلف من أبواب جهنم السبعة !
من هذه المسائل التي يعجب منها طالب الإنسان , مسألة إثبات وجود الله عند الأشاعرة , والتعويل عليها كثيرا , مع أن المعلوم أن وجود الله سبحانه لم ينكره إلا شرذمة قليلة من الناس , وحتى مشركي العرب كان يقرون بوجود الخالق كما أشار الله إلى ذلك في آيات كثيرة .
وقد رتب الأشاعرة لهذه المسألة – إثبات وجود الله – مطالب سبعة وبمعرفتها النجاة من النار حتى قال السنوسي كما في تحفة المريد (52)للبيجوري : وبها ينجو المكلف من أبواب جهنم السبعة ! .
قال السنوسي : فمجموع الأصول التي ينبني عليها برهان حدوث العالم سبعة :
الأول : إثبات زائد على الأجرام .
الثاني :إبطال قيامه بنفسه .
الثالث : إبطال انتقاله .
الرابع : إبطال كمونه وظهوره .
الخامس :إثبات استحالة عدم القديم .
السادس : إثبات كون الأجرام لا تنفك عن زائد الزائد .
السابع : إثبات استحالة حوادث لا أول لها .
ووجه الاستدلال على هذه الأصول السبعة باختصار أن نقول : أما الأول وهو إثبات زائد على الأجرام تتصف به كالحركة ولا سكون فهو ضروري لا يحتاج إلى دليل إذ ما من عاقل إلا وهو يحس أن في ذاته معاني زائدة عليها ... .
وأما الثاني : وهو إبطال قيام العرض بنفسه .
والثالث : وهو إبطال انتقاله , فدليلهما أنه لو قام العرض بفسه أو انتقل لزم قلب حقيقة العرض , فإن الحركة مثلا حقيقتها انتقال جوهر من حين إلى حين .
فلو قامت بنفسها أو انتقلت هي قلب هذه الحقيقة وأيضا لو انتقلت لزم قيام انتقاله بها , وذلك الانتقال ينتقل أيضا فيقوم به انتقال آخر ويلزم التسلسل وقيام المعنى بالمعنى .
وأما الرابع : وهو إبطال الكمون والظهور فوجهه أن الكمون والظهور يؤدي إلى اجتماع الضدين في المحل الواحد لأن الجوهر إذا تحرك مثلا , والسكون كامن فيه زمان حركته لزم اجتماع الضدين فيه , وهما الحركة والسكون ضرورة ويؤدي أيضا إلى وجود العرض بدون صفة نفسه فإن الحركة مثلا من صفة نفسها أن ينتقل بها الجوهر فلو كمن لانقلبت حقيقتها وفارقتها صفة نفسها وأيضا فالكمون والظهور اللذان قاما بالعرض أو تعاقبا عليه على قولهم يلزم أن يكون عرضين أيضا في نفسها كالحركة والسكون المتعاقبين على الجوهر ... .
وأما الخامس : وهو إثبات استحالة عدم القديم فوجهه أنه لو انعدم لكان وجوده جائزا لا واجبا والجائز لا يكون حادثا فيكون القديم حادثا وهو تناقض .
وأما السادس : وهو إثبات كون الأجرام لا تنفك عن ذلك الزائد فهو ضروري لأنه لا يعقل كون الجرم منفكا عن كونه متحركا أو ساكنا مثله .
وأما السابع : وهو إثبات استحالة الحوادث لا أول لها ... .
العقيدة الوسطها وشرحها (94)
وقال البيجوري : بيان المطالب السبعة التي بمعرفتها النجاة من النار
واعلم أن اهم مطالب سبعة نظمها بعضهم بقوله :
زيد م قام ما انتقل ما كمنا ***ما انفك لا عدم قديم لا حنا
فقوله (زيد) رد لقول الفلاسفة لا نسلم ثبوت زائد على الأجرام حتى يصح الاستدلال به على حدوث الأجرام , ودليل ثبوت الزائد الذي هو العرض : المشاهدة .
وقوله ( م قام ) بحذف ألف (ما) للوزن رد لقولهم : لا نسلم عدم العرض لجواز أنه يقوم بنفسه إذا لم يتصف به الجرم , ودليل أنه لا يقوم بنفسه أنه لا يعقل صفة من غير موصوف فلا يعقل حركة من غير متحرك مثلا .وقوله ( ما انتقل ) رد لقولهم : لا نسلم عدم العرض لجواز أن ينتقل من جرم إلى جرم آخر , ودليل أنه لا ينتقل : أنه لو انتقل لكان بعد مفارقة الأول وقبل وصول الثاني قائما بنفسه وقد بطل قبل ذلك . وقوله ( ما كمنا ) رد لقولهم : لا نسلم عدم العرض لجواز أنه كمن في الجرم فتكمن الحركة في الجرم إذا سكن مثلا , ودليل أنه لا يكمن أنه لا يلزم عليه جمع الضدين وهو باطل , وقوله ( ما انفك ) رد لقولهم لا نسلم ملازمة الجرم للعرض لجواز أن ينفك عنه , ودليل أنه لا ينفك عنه : أنه لا يعقل جرم خال عن حركة ولا حركة مثلا لاستحالة ارتفاع النقيضين . وقوله ( لاعدم قديم ) رد لقولهم : لا نسلم حدوث العرض لجواز أن يكون قديما وينعدم , ودليل أن القديم لا ينعدم أن القديم لا يكون وجوده واجبا فلا يقبل العدم . وقوله ( لا حنا ) منتحت من قولنا حوادث لا أول لها , وهو رد لقولهم : لا نسلم أن ملازم الحادث حادث لجواز أن تكون الأعراض حوادث لا أول لها فيكون ملازمها قديما ... .
تحفة المريد (52)
نقد هذه الكلام
1- قال شيخ الإسلام :فأما القول الباطل ؛ فإذا بين ؛ فبيانه يظهر فساده حتى يقال كيف اشتبه هذا على أحد , ويتعجب من اعتقادهم إياه , ولا ينبغى للإنسان أن يعجب ؛ فما من شىء يتخيل من أنواع الباطل إلا , وقد ذهب إليه فريق من الناس.
مجموع الفتاوى (2|145)
لا شك أن تصور الإنسان للكلام المتقدم الذي لا يخلو من تكلف وتعقيد فضلا عن صعوبة فهم بعد عصر الذهن , يظهر حسن مذهب السلف الذي يستقي عقائده من كلام الله تعالى وسنة النبي صلى الله عليه وسلم , وأين فلسفة أهل الكلام من يسر وسهولة مذهب السلف.
2- معرفة الله تعالى والإقرار بحدوث العالم , مستقر في نفوس الخلق ولم ينكر ذلك حتى باعتراف أهل الكلام إلا شرذمة قليلة من الناس ؛ وخذ مثال ذلك العرب في جاهليتهم قبل الإسلام وقد بين الله ذلك في كتابه كثيرا .
3- من التقول والتألي على الله أن معرفة هذه المطالب تنجي العبد من النار بل ومن أبواب جهنم السبعة , ومن العجب أن هذه المطالب جاءت سبعة بعدد أبواب جهنم , والله المستعان .