ترجمة سلطان العلماء
العز بن عبد السلام ( رحمه الله تعالى )
الاسم : عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن مهذب.
كنيته : أبو محمد السُّلمي المغربي أصلاً والدمشقي مولداً والمصري داراً ووفاة.
لقبه : سلطان العلماء ، لقبه بذلك تلميذه النجيب شيخ الإسلام ابن دقيق العيد .
مولده : ولد عام 577هجرية 1181ميلادية في بلاد الشام على وجه التحديد في دمشق .
طلبه للعلم :
تلقى العلم في دمشق ودمشق منذ العصر الأموي وهي تذخر بالعلماء ، ويؤمها لجميع من المشرق والمغرب ، ولم يطلب العزُّ العلم صغيراً كغيره من الأئمة المشهورين بل طلب العلم متأخراً كابن حزم ، وحصل الكثير والكثير حتى كان له باع في شتى العلوم الشرعية .
شيوخه :
أشهر شيوخه :
(1) فخر الدين بن عساكر ( طلب الفقه عليه)
(2) سيف الدين الآمدي ( قرأ الأصول عليه )
(3) أبو محمد القاسم بن عساكر( سمع منه الحديث )
(4) عبد الحميد الحرستاني
(5) أبو الحسن أحمد بن الموازيني
(6) حنبل بن عبد الله
(7) أبو طاهر الخشوعي
(8) عبد اللطيف بن إسماعيل
تلاميذه :
أشهر تلامذته :
(1) ابن دقيق العيد
(2) الدمياطي
(3) أبو الحسن اليونيني
عقيدته : أشعري يرى مذهبهم سيما في باب التأويل وهذه من زلاته ـ رحمه الله تعالى ـ ، وهذا لا يعني هجر ما عنده وإهداره ، وإلا ما سلم معنا أحد ، فإن جماعة من أفاضل أهل العلم وقعوا في مثل ما وقع فيه العز بل أشد ، وما علمنا أحد من سلفنا أسقطه أو أهدر من نقله ومصنفاته ، فهذا هو شيخ الإسلام الذهبي ـ رحمه الله ـ نعت الزمخشري مع أنه رأس الاعتزال بـ "العلامة" فقال عنه : العلامة كبير المعتزلة
والحافظ ابن حجر والإمام النووي والإمام البيهقي وابن قتيبة وغيرهم كثير وقعوا في مثل ما وقع فيه الأشعرية على اختلاف يسير بل وأكثر رواة الحديث تلبسوا ببعض المخالفات العقدية كتمذهبهم بمذهب الخوارج أو التشيع أو الإرجاء وهي لا تقل خطراً عن التمشعر وإن لم تكن أكبر منها ، ومع ذلك فقد روى عنهم أئمة السنة وعلى رأسهم الشيخان البخاري ومسلم وأصحاب السنن وغيرهم .
الوظائف : كان يعمل في التدريس في المدرسة الشبلية ، والمدرسة الغزالية كلاهما بدمشق .
ولما نزل مصر عمل بالمدرسة الصالحية بين القصرين وبجوار ذلك كان يلقي الخطابة في مسجد دمشق ثم عُين خطيباً في الجامع الأموي بدمشق عام 637هـ ، 1239م ، وكان خطيباً بارعاص ملء السمع والبصر .
ظل كذلك عاماً ثم منع من ذلك بسبب مواقفه التي ستأتي ، ثم هاجر الشيخ إلى مصر سنة 639هـ ، 1241م ، واستقبله الصالح أيوب وتولى الخطابة في جامع عمرو بن العاص وعين قاضي القضاة .
وولي الإشراف على عمارة المساجد .
مواقفه :
(1) كان حاكم دمشق الصالح إسماعيل تخالف مع الصليبين ضد أخيه الصالح أيوب حاكم مصر ، وسلم لهم صيدا ، وشقيق وصفد ، وأذن لهم بدخول دمشق لشراء السلاح لقتال المسلمين في مصر .
فحينئذ خطب الشيخ في الجامع الأموي وأفتى بحرمة بيع السلاح للإفرنج لأنهم يستخدمونه في محاربة المسلمين . فعُزل الشيخ من الخطابة والإفتاء واعتقل مدة ، ثم فك حبسه وألزمه السلطان بلزوم البيت ، ومنعه من الإفتاء ليسترضي الفرنجة ، فقالوا له :" لو كان هذا قسيساً لغسلنا رجليه وشربنا مرقها " .
(2) كان الملك الصالح أيوب يكثر شراء المماليك وأسكنهم جزيرة الروضة واعتمد عليهم في غقامة دولتهم بدولة المماليك ، فعلم بذلك العز ، وهو قاضي القضاة ، فأرسل إليهم وأعلمهم أنه لايجوز تصرفهم ولا بيعهم ... إلخ وحالوا مساومة الشيخ لكنهم لم يستطيعوا إلى ذلك سبيلا ، وقال نعقد لكم مجلساً ، وينادى عليكم للبيع لصالح بيت المال ثم يحصل العتق بطريق شرعي . فرفعوا الأمر إلى السلطان فراجع الشيخ فأبى ، فأخبره أنه لا يعنيه هذا وليس من اختصاصه ، فعزل الشيخ نفسه ، وغادر القاهرة والناس في أثره ، فركب السلطان إليه واسترضاه حتى رجع ، ثم نادى عليهم واحداً واحدا وأغلى ثمنهم ، ثم الشتراهم الملك الصالح وأعتقهم .
(3) العز وبيبرس :
عند بيعة بيبرس قال له الشيخ : أنا أعرفك مملوك البندقدار ، فأحضر له الظاهر مايثبت أن البند قدار وهبه للملك الصالح أيوب وأعتقه فتقدم الشيخ وبايعه .
وكان الظاهر يحترمه ويقدره ، حتى قال السيوطي ـ رحمه الله ـ عن الظاهر بيبرس: " كان بمصر منعماً تحت كلمة الشيخ عز الدين بن عبد السلام لا يستطيع أن يخرج عن أمره حتى أنه قال لما مات الشيخ : ما استقر ملكي إلا الآن ".
ثناء العلماء عليه :
قال ابن العماد الحنبلي في "شذرات الذهب " (3/301) :وفيها أي سنة 660هـ توفى عز الدين شيخ الإسلام أبو محمد عبد العزيزبن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلماء السُلمي الدمشقي ثم المصري الشافعي .
قال ابن تغري بردي في " النجوم الزاهرة " (7/208) : وفيها أي سنمة 660هـ توفى الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام عز الدين بن محمد بن عبدالعزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن بن محمد بن المهذب السلمي الدمشقي الشافعي المعروف بابن عبد السلام.
قال ابن كثير في " البداية والنهاية " (3/235) : وانتهت إليه رياسة الشافعية وقصد بالفتاوى من الآفاق .
قال ابن خلكان في " الديباج المذهب " : الإمام العالم العلامة الملقب بسلطان العلماء.
قال ابن قاضي شهبة في " طبقات الشافعية " الشيخ الإمام العلامة وحيد عصره سلطان العلماء .
قال المقري في " نفح الطيب " : شيخ الإسلام عز الدين .
قال النووي في " تهذيب الأسماء والصفات " : الشيخ الإمام المجمع على إمامته وجلالته وتمكنه في أنواع العلوم وبراعته "
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموع الفتاوي " : (15/4) : وكذلك رأيت في فتاوى الفقيه أبي محمد .
قال الإمام ابن القيم :" وقد اختلف في وجود هذه الرائحة من الصائم هل هي في الدنيا أو في الآخرة على قولين ووقع بين الشيخين الفاضلين أبي محمد [ عز الدين ] بن عبد السلام وأبي عمرو ابن الصلاح في ذلك تنازع"
قال الشيخ محمد رشيد رضا "ثم نقل الحافظ ابن حجر عن شيخ الإسلام العز بن عبد السلام إمام الشافعية في عصره .
قال الشيخ الألباني : " مساجلة علمية بين الإمامين العز وابن الصلاح " : فهذه مساجلة علمية مفيدة جرت في القرن السابع الهجري بين الإمامين العالمين الكبيرين العزبن عبد السلام ".
أخلاقه :
(1) الزهد :
قال الداودي " وكان كل أحد يضرب به المثل في الزهد والعلم ":
أ _ لما مرض الملك الأشرف مرض الموت وطلب الاجتماع به ليدعو له الطعام ويقدم له النصيحة اعتبر العز ذلك قربة ، فذهب إليه ودعا له وأمره بإزالة المنكرات ، وطلب منه الملك العفو والصفح قائلا: يا عز اجعلني في حل ، قال الشيخ : أما محاللتك فإني كل ليلة أحالل الخلق وأبيت وليس لي عند أحد مظلمة ، وأرى أن يكون أجري على الله ، فأعطاه السلطان ألف دينار فردها وقال : هذه جلسة الله لا أكدرها بشيء من الدنيا .
ب ـ لما استقال العز من القضاء عند فتواه بيبيع الأمراء حمل أمتعته مع أسرته فلم تتجاوز حمل حمارٍ !!
(2) الورع :
عرض الظاهر عليه أن يجعل أي أبنائه شاء خلفاً له في منصبه بعد وفاته ، فأبى فقال له الظاهر : من أين يعيش ولدك؟
قال : من عند الله ، قال : نجعل له راتبا ، قال : هذا إليكم .
(3) السخاء :
ذكر بدر الدين بن جماعة ان الشيخ لما كان بدمشق وقع غلاء كبير حتى صارت البساتين تباع بالثمن القليل ، فأعطته زوجته مصاغاً لها وقالت : اشتر لنا بستاناً ، فأخذ المصاغ وباعه وتصدق بثمنه ، فقالت : ياسيدي اشتريت لنا ؟ ، قال نعم ، بستاناً في الجنة ، إني وجدت الناس في شدة فتصدقت بثمنه ، فقالت : جزاك الله خيرا
قال ابن السبكي : وحكى أنه مع فقره كثير الصدقات ، وأنه ربما قطع عمامته وأعطى فقيرا يسأله إذا لم يجد معه غير عمامته .
(4) الشجاعة :
لما جاء نائب السطان في مصر حاملاً سيفه ليقتله لفتواه ببيع الأمراء المماليك قام لاستقباله فاعترضه ابنه خشية عليه من أن يقتل ، فقال : يا ولدس ، أبوك أقل من أن يقتل في سبيل الله ، فلما خرج على النائب أرعدت مفاصله ، وسقط السيف من يده وسأل الشيخ أن يدعو له ، وقال سيدي خير أيش تعمل ؟ قال : أنادي عليكم وأبيعكم ، قال : ففيم تصرف ثمننا ، قال : في مصالح المسلمين .
تنبيه مهم : ذكر المدعو على الجفري الشيعي الخبيث الذي يظهر التصوف ويبطن التشيع : يروي أن العز بن عبد السلام ـ رحمه الله ـ عندما سمع أحد الأئمة يتكلم ، قال : هلموا إلى كلام طري حديث عهد بربه . وقام العز متوجداً يصيح بالناس .
وهذا كذب وافتراء ، كيف وهو يقول " وأما الرقص والتصفيق فخفة ورعونة مشبهة لرعونة الإناث ، لا يفعلها إلا راعن أو متصنع كذاب ، وكيف يتأتى الرقص المتزن بأوزان الغناء ممن طاش لبه وذهب قلبه وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم " متفق عليه .
ولم يكن واحد من هؤلاء الذين يقتدى بهم يفعل شيئاً من ذلك ، وإنما استحوذ الشيطان على قوم يظنون أن طربم عند السماع إنما هو متعلق بالله .
وقد حرم بعض العملماء التصفيق لقوله صلى الله عليه وسلم" إنما التصفيق للنساء " ولا يصدر التصفيق والرقص إلا من غبي جاهل .... إنما يفعل ذلك الجهلة السفهاء الذين التبست عليهم الحقائق بالأهواء ". ( قواعد الأحكام في مصالح الأنام / (2/221) )
أشهر مؤلفاته :
(1) "قواعد الأحكام في مصالح الأنام "في أصول الفقه
(2) "الغاية في أصول النهاية " في الفقه الشافعي
(3) مختصر صحيح مسلم
(4) بداية السول في تفضيل الرسول .
(5) الإشارة إلى المجاز في بعض أنواع الإيجاز
(6) "تفسير القرآن العظيم ". قال ابن كثير : له مصنفات حسان : منها تفسير القرآن
(7) مقاصد الصلاة
(8) مقاصد الصوم
(9) شرح السول والأمل في علمي الأصول والجدل
(10) والعماد في مواريث العباد .
وفاته :
أطال الله عمره حتى مات عن عمر يناهز الثمانين بنحو ثلاث سنوات قبل عصر يوم السبت 9 جمادى الأولى 660هـ / 18 إبريل 1066م ، ثم دفن يوم الأحد قبل الظهر ودفن بسفح المقطم . وقد تنبأ لنفيه أن يعيش ثلاثاً وثمانين سنة ، وذلك أن أحد أصحابه زاره يوماً فقال : رأيتك في المنام تنشد :
وَكُنت كَذي رِجلَينِ رِجلٍ صَحيحَةٍ *-*-*-*-* وَرِجلٍ رَمى فيها الزَمانُ فَشلَّتِ
فسكت ساعة ثم قال : أعيش ثلاثاً وثمانين عاماً فإن هذا الشعر لكثير عزة ولا نسبة بيني وبينه إلا السن ، فهو شيعي وأنا سني ، وهو قصير ، وأنا طويل ، وقد عاش ثلاثاً وثمانين عاماً ـ رحمه الله ـ رحمة واسعة.
مصادر الترجمة :
* دفع الإصر عن قضاة مصر
* طبقات الشافعية
* الأعلام للزركلي
* شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي
* النجوم الزاهرة ابن تغري بردي
* مرآة الجنان اليافعي
* البداية والنهاية لابن كثير
* تاريخ علماء بغداد ابن رافع السلامي
* فوات الوفيات لابن شاكر الكتبي
* إيضاج المكنون للبغدادي
* المنهاج الصافي والمستوفي بعد الوافي
* المختصر في أخبار البشر
**** هذه الترجمة مأخوذة من مقدمة تحقيق تفسير القرآن العظيم للعزبن عبد السلام تحقيق : أبي حفص الأثري أحمد بن محمد يوسف و محمد إبراهيم الحوتي ط مكتبة سلسبيل ـ القاهرة ، حدائق الزيتون .