تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: هل تدخل هذه الآية الكريمة: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) في المضاربة بالأسهم؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    19

    Lightbulb هل تدخل هذه الآية الكريمة: (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) في المضاربة بالأسهم؟

    بسم الله الرحمن الرحيم


    اعوذ بالله من الشيطان الرجيم

    (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا ً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون)188.سورة البقرة.


    هل تتكلم الآية السابقة عن المضاربة بالأسهم أم لا ؟؟؟..
    سبحانك اللهم وبحمدك سبحان الله العظيم

  2. #2

    افتراضي رد: الرجاء تفسير الاية الكريمة

    قال عبد الرحمن بن عبد الحميد القماش المصري الأزهري الإمارتي في تفسيره " جنة المشتاق في تفسير كلام الملك الخلاق ":
    قوله تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}
    سبب نزول الآية
    قال السمرقندى :
    هذه الآية نزلت في شأن امرىء القيس بن عباس الكندي وعيدان بن أشوع الحضرمي ، اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعى أحدهما على صاحبه شيئاً ، فأراد الآخر أن يحلف بالكذب ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ وَأَرَى أَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ ، وَأَنَّهُ لا يَرَى أَنَّهُ مِنْ حَقِّهِ فَإِنَّما أَقْضِي لَهُ بِقِطْعَةٍ مِنَ النَّارِ " فنزلت هذه الآية فيهما ، وصارت عامة لجميع الناس. أ هـ {بحر العلوم حـ 1 صـ 152}
    مناسبة الآية لما قبلها
    قال البقاعى :
    ولما أذن سبحانه وتعالى فيما كان قد منع منه من المطعم والمنكح للصائم وقدم المنكح لأنه أشهى إذ الطبع إليه أدعى ولأن المنع منه كان في جميع الشهر فالضرر فيه أقوى ، وأتبعه الإذن في الأكل لأنه قوام الجسم وأولاه المنع من النكاح في بعض الأحوال ، فعل كذلك في المال الذي منه الأكل لأنه قد كان مما خان فيه أهل الكتاب عهد كتابهم واشتروا به ثمناً قليلاً كثيراً من أمره لا سيما تحريم الرشوة فإنهم أخفوه واستباحوها حتى صارت بينهم شرعاً متعارفاً وكان طيب المطعم محثوثاً عليه لا سيما في الصوم فنهى عن بعض أسباب تحصيل المال أعم من أن تكون رشوة أو غيرها فقال : {ولا تأكلوا} أي يتناول بعضكم مال بعض ، ولكنه عبر بالأكل لأنه المقصد الأعظم من المال.
    ولما كان المال ميالاً يكون في يد هذا اليوم وفي يد غيره غداً فمن صبر وصل إليه ما كتب له مما في يد غيره بالحق ومن استعجل وصل إليه بالباطل فحاز السخط ولم ينل أكثر مما قدر له قال : {أموالكم} وقال : {بينكم} تقبيحاً لهذه المعصية وتهييجاً على الأمر بالمعروف {بالباطل} وهو ما لم يأذن به الله بأي وجه كان سواء كان بأصله أو بوصفه. أ هـ {نظم الدرر حـ 1 صـ 358}
    وقال فى التحرير والتنوير :
    {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}
    عطف جملة على جملة ، والمناسبة أن قوله : {تلك حدود الله فلا تقربوها} [البقرة : 187] تحذير من الجُرأَة على مخالفة حكم الصيام بالإفطار غير المأذون فيه وهو ضرب من الأكل الحرام فعطف عليه أكل آخر محرم وهو أكل المال بالباطل ، والمشاكلة زادت المناسبةَ قوة ، وهذا من جملة عداد الأحكام المشروعة لإصلاح ما اختل من أحوالهم في الجاهلية ، ولذلك عطف على نظائره وهو مع ذلك أصل تشريع عظيم للأموال في الإسلام.
    كان أكل المال بالباطل شنشنة معروفة لأهل الجاهلية بل كان أكثر أحوالهم المالية فإن اكتسابهم كان من الإغارة ومن الميسِر ، ومن غصب القوي مال الضعيف ، ومن أكل الأولياء أموال الأيتام واليتامى ، ومن الغرر والمقامرة ، ومن المراباة ونحو ذلك ، وكل ذلك من الباطل الذي ليس عن طيب نفس. أ هـ {التحرير والتنوير حـ 2 صـ 187}
    اللغة :
    [ الباطل ] في اللغة : الزائل الذاهب يقال : بطل الشيء بطولا فهو باطل ، وفي الشرع
    هو المال الحرام ، كالغصب ، والسرقة ، والقمار ، والربا
    [ وتدلوا ] الإدلاء في الأصل : إرسال الدلو في البئر ، ثم جعل لكل إلقاء ، والمراد
    بالإدلاء هنا الدفع إلى الحاكم بطريق الرشوة
    [ الأهلة ] جمع هلال ، وهو أول ظهور القمر حين يراه الناس ، ثم يصبح قمرا ، ثم بدرا
    حين يتكامل نوره
    [ مواقيت ] جمع ميقات وهو الوقت كالميعاد بمعنى الوعد ، وقيل : الميقات منتهى الوقت
    [ ثقفتموهم ] ثقف الشيء إذا ظفر به ووجده على جهة الأخذ والغلبة ، ورجل ثقف سريع
    الأخذ لأقرانه ، قال الشاعر : فإما تثقفوني فاقتلوني فمن أثقف فليس إلى خلود
    [ التهلكة ] الهلاك يقال : هلك يهلك هلاكا وتهلكة. أ هـ {صفوة التفاسير حـ 1 صـ 125}
    قال الفخر :
    اعلم أنهم مثلوا قوله تعالى : {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُم} بقوله : {ولا تلمزوا أَنفُسَكُمْ} [الحجرات : 11] وهذا مخالف لها ، لأن أكله لمال نفسه بالباطل يصح كما يصح أكله مال غيره ، قال الشيخ أبو حامد الغزالي في كتاب الإحياء : المال إنما يحرم لمعنى في عينه أو لحال في جهة اكتسابه.
    والقسم الأول : الحرام لصفة في عينه.
    واعلم أن الأموال إما أن تكون من المعادن أو من النبات ، أو من الحيوانات ، أما المعادن وهي أجزاء الأرض فلا يحرم شيء منه إلا من حيث يضر بالأكل ، وهو ما يجري مجرى السم ، وأما النبات فلا يحرم منه إلا ما يزيل الحياة والصحة أو العقل ، فمزيل الحياة السموم ، ومزيل الصحة الأدوية في غير وقتها ، ومزيل العقل الخمر والبنج وسائر المسكرات.
    وأما الحيوانات فتنقسم إلى ما يؤكل وإلى ما لا يؤكل ، وما يحل إنما يحل إذا ذبح ذبحاً شرعياً ثم إذا ذبحت فلا تحل بجميع أجزائها بل يحرم منها الفرث والدم ، وكل ذلك مذكور في كتب الفقه.
    القسم الثاني : ما يحرم لخلل من جهة إثبات اليد عليه ، فنقول : أخذ المال إما أن يكون باختيار المتملك ، أو بغير اختياره كالإرث ، والذي باختياره إما أن يكون مأخوذاً من المالك كأخذ المعادن ، وإما أن يكون مأخوذاً من مالك ، وذلك إما أن يؤخذ قهراً أو بالتراضي ، والمأخوذ قهراً إما أن لسقوط عصمة الملك كالغنائم أو لاستحقاق الأخذ كزكوات الممتنعين والنفقات الواجبة عليهم ، والمأخوذ تراضياً إما أن يؤخذ بعوض كالبيع والصداق والأجرة ، وإما أن يؤخذ بغير عوض كالهبة والوصية فيحصل من هذا التقسيم أقسام ستة
    الأول : ما يؤخذ من غير مالك كنيل المعادن ، وإحياء الموت ، والاصطياد ، والاحتطاب ، والاستقاء من الأنهار ، والاحتشاش ، فهذا حلال بشرط أن لا يكون المأخوذ مختصاً بذي حرمة من الآدميين
    الثاني : المأخوذ قهراً ممن لا حرمة له ، وهو الفيء ، والغنيمة ، وسائر أموال الكفار المحاربين ، وذلك حلال للمسلمين إذا أخرجوا منه الخمس ، وقسموه بين المستحقين بالعدل ، ولم يأخذوه من كافر له حرمة وأمان وعهد
    والثالث : ما يؤخذ قهراً باسحقاق عند امتناع من عليه فيؤخذ دون رضاه ، وذلك حلال إذا تم سبب الاستحقاق ، وتم وصف المستحق واقتصر على القدر المستحق
    الرابع : ما يؤخذ تراضياً بمعاوضة وذلك حلال إذا روعي شرط العوضين وشرط العاقدين وشرط اللفظين ؛ أعني الإيجاب والقبول مما يعتد الشرع به من اجتناب الشرط المفسد
    الخامس : ما يؤخذ بالرضا من غير عوض كما في الهبة والوصية والصدقة إذا روعي شرط المعقود عليه ، وشرط العاقدين ، وشرط العقد ، ولم يؤد إلى ضرر بوارث أو غيره
    السادس : ما يحصل بغير اختياره كالميراث ، وهو حلال إذا كان الموروث قد اكتسب المال من بعض الجهات الخمس على وجه حلال ، ثم كان ذلك بعد قضاء الدين ، وتنفيذ الوصايا ، وتعديل القسمة بين الورثة ، وإخراج الزكاة والحج والكفارة إن كانت واجبة ، فهذا مجامع مداخل الحلال ، وكتب الفقه مشتملة على تفاصيلها فكل ما كان كذلك كان مالاً حلالاً ، وكل ما كان بخلافه كان حراماً ، إذا عرفت هذا فنقول : المال إما أن يكون لغيره أو له ، فإن كان لغيره كانت حرمته لأجل الوجوه الستة المذكورة ، وإن كان له فأكله بالحرام أن يصرف إلى شرب الخمر والزنا واللواط والقمار أو إلى السرف المحرم ، وكل هذه الأقسام داخلة تحت قوله : {وَلاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُم بالباطل} واعلم أن سبحانه كرر هذا النهي في مواضع من كتابه فقال : {يَأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل إِلاَّ أَن تَكُونَ تجارة} [النساء : 29] وقال : {الذين يَأْكُلُونَ أموال اليتامى ظُلْماً} [النساء : 10] وقال : {يأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ اتقوا الله وَذَرُواْ مَا بَقِىَ مِنَ الربا إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة : 278] ثم قال : {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مّنَ الله وَرَسُولِهِ} [البقرة : 279] ثم قال : {وَإِن تُبتُمْ فَلَكُمْ رؤس أموالكم} [البقرة : 279] ثم قال : {وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أصحاب النار فِيهَا خالدون} [البقرة : 275] جعل آكل الربا في أول الأمر مؤذناً بمحاربة الله ، وفي آخره متعرضاً للنار. أ هـ {مفاتيح الغيب حـ 5 صـ 100 ـ 101}
    قال العلامة ابن عاشور :والأكل حقيقته إدخال الطعام إلى المعدة من الفم وهو هنا استعارة للأخذ بقصد الانتفاع دون إرجاع ؛ لأن ذلك الأخذ يشبه الأَكل من جميع جهاته ، ولذلك لا يطلق على إحراق مال الغير اسم الأكل ولا يطلق على القرض والوديعة اسم الأكل ، وليس الأكل هنا استعارة تمثيلية ؛ إذ لا مناسبة بين هيئة آخذ مال غيره لنفسه بقصد عدم إرجاعه وهيئة الأكل كما لا يخفى.
    والأموال جمع مال ونُعرِّفه بأنه " ما بقدره يكون قدر إقامة نظام معاش أفراد الناس في تناول الضروريات والحاجيات والتحسينيَّات بحسب مبلغ حضارتهم حاصلاً بكدح" ، فلا يعد الهواء مالاً ، ولا ماء المطر والأودية والبحار مالاً ، ولا التراب مالاً ، ولا كهوف الجبال وظلال الأشجار مالاً ، ويعد الماء المحتفر بالآبار مالاً ، وتراب المقاطع مالاً ، والحشيش والحطب مالاً ، وما ينحته المرء لنفسه في جبلٍ مالاً.والمالُ ثلاثة أنواع : النوع الأول ما تحصل تلك الإقامة بذاته دون توقف على شيء وهو الأطعمة كالحبوب ، والثمار ، والحيوان لأكله وللانتفاع بصوفه وشعره ولبنه وجلوده ولركوبه قال تعالى : {وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتاً تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثاً ومتاعاً إلى حين} [النحل : 80] وقال : {لتركبوا منها ومنها تأكلون} [غافر : 79] وقد سمت العرب الإبل مالاً قال زهير : صَحِيحَاتتِ مَالٍ طَالِعَاتتٍ بمَخْرَم... وقال عمر : " لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حَمَيْتُ عليهم من بلادهم شبراً " وهذا النوع هو أعلى أنواع الأموال وأثبتها ، لأن المنفعة حاصلة به من غير توقف على أحوال المتعاملين ولا على اصطلاحات المنظمين ، فصاحبه ينتفع به زمن السلم وزمن الحرب وفي وقت الثقة ووقت الخوف وعند رضا الناس عليه وعدمه وعند احتياج الناس وعدمه ، وفي الحديث " يقول ابن آدَمَ مَالِي مَالِي وإنما مالك ما أكلت فأَمريت أو أَعطيتَ فأغنيت" فالحصر هنا للكمال في الاعتبار من حيث النفع المادي والنفع العرضي.
    النوع الثاني : ما تحصل تلك الإقامة به وبما يكمله مما يتوقف نفعه عليه كالأرض للزرع وللبناء عليها ، والنار للطبخ والإذابة ، والماء لسقي الأشجار ، وآلات الصناعات لصنع الأشياء من الحطب والصوف ونحو ذلك ، وهذا النوع دون النوع الثاني لتوقفه على أشياء ربما كانت في أيدي الناس فضنت بها وربما حالت دون نوالها موانع من حرب أو خوف أو وعورة طريق.
    النوع الثالث : ما تحصل الإقامةُ بعوضه مما اصطلح البشر على جعله عوضاً لما يراد تحصيله من الأشياء ، وهذا هو المعبَّر عنه بالنَّقد أو بالعُمْلة ، وأكثر اصطلاح البشر في هذا النوع على معدني الذهب والفضة وما اصطلح عليه بعض البشر من التعامل بالنحاس والوَدَع والخرزات وما اصطلح عليه المتأخرون من التعامل بالحديد الأبيض وبالأوراق المالية وهي أوراق المصارف المالية المعروفة وهي حجج التزام من المصرف بدفع مقدار ما بالورقة الصادرة منه ، وهذا لا يتم اعتباره إلاّ في أزمنة السلم والأَمن وهو مع ذلك متقارب الأفراد ، والأوراق التي تروجها الحكومات بمقادير مالية يتعامل بها رعايا تلك الحكومات. أ هـ {التحرير والتنوير حـ 2 صـ 188}
    لطيفة
    كان شريح القاضي يقول إني لأقضي لك وإني لأظنك ظالماً ولكن لا يسعني إلاّ أن أقضي بما يحضرني من البينة وإن قضائي لا يحل لك حراماً. أ هـ {تفسير الخازن حـ 1 صـ 166}
    فائدة
    المال يشترط فيه أن يكون مكتسباً والاكتساب له ثلاثة طرق :
    الطريق الأول : طريق التناول من الأرض قال تعالى : {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً} [البقرة : 29] وقال : {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه} [الملك : 15] وهذا كالحطب والحشيش والصيد البري والبحري وثمر شجر البادية والعسل ، وهذا قدْ يكون بلا مزاحمة وقد يكون بمزاحمة فيكون تحصيله بالسبق كسكنى الجبال والتقاط الكمأة.
    الطريق الثاني : الاستنتاج وذلك بالولادة والزرع والغرس والحلب ، وبالصنعة كصنع الحديد والأواني واللباس والسلاح.
    الطريق الثالث : التناول من يد الغير فيما لا حاجة له به إما بتعامل بأن يعطيَ المرء ما زاد على حاجته مما يحتاج إليه غيره ويأخذَ من الغير ما زاد على حاجته مما يحتاج إليه هو ، أو بإعطاء ما جعله الناس علامة على أن مالكه جدير بأن يأخذ به ما قُدِّر بمقداره كدينار ودرهم في شيء مقوَّم بهما ، وإما بقوة وغلبة كالقتال على الأراضي وعلى المياه. أ هـ {التحرير والتنوير حـ 2 صـ 189}
    قوله تعالى {بالباطل }
    { الباطل} في اللغة الزائل الذاهب ، يقال : بطل الشيء بطولاً فهو باطل ، وجمع الباطل بواطل ، وأباطيل جمع أبطولة ، ويقال : بطل الأجير يبطل بطالة إذا تعطل واتبع اللهو. أ هـ {مفاتيح الغيب حـ 5 صـ 101}
    سؤال : ما معنى أكلها بالباطل ؟
    الجواب : معنى أكلها بالباطل أكلُها بدون وجه ، وهذا الأكل مراتب :
    المرتبة الأولى : ما علمه جميع السامعين مما هو صريح في كونه باطلاً كالغصب والسرقة والحيلة.
    المرتبة الثانية : ما ألحقه الشرع بالباطل فبيَّن أنه من الباطل وقد كان خفياً عنهم وهذا مثل الربا ؛ فإنهم قالوا : {إنَّما البيع مثل الربا} [البقرة : 275] ، ومثل رشوة الحكام ، ومثل بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ؛ ففي الحديث : " أرَأَيْتَ إن منع الله الثمرة بم يأخذ أحدكم مال أخيه " والأحاديث في ذلك كثيرة قال ابن العربي : هي خمسون حديثاً.
    المرتبة الثالثة : ما استنبطه العلماء من ذلك ، فما يتحقق فيه وصف الباطل بالنظر وهذا مجال للاجتهاد في تحقيق معنى الباطل ، والعلماءُ فيه بين موسع ومضيق مثل ابن القاسم وأشهب مِن المالكية وتفصيله في الفقه. أ هـ {التحرير والتنوير حـ 2 صـ 189}
    ( بصيرة فى الباطل )
    وهو ما لا ثبات له عند الفحص عنه. وقد يقال ذلك فى الاعتبار إِلى المقال. والفعال ، بطل بُطْلاً ، وبُطُولا وبُطلاناً - بضمّهنّ - : ذهب ضياعاً ، وخَسِرَ ، وأَبطله غيره. وبطل فى حديثه بَطَالة أَى هَزَل (كأَبطل) إِبطالا. وأَبطل أَيضاً : جاءَ بالباطل. والباطل أَيضاً : إِبليس. ومنه قوله : {وَمَا يُبْدِىءُ الْبَاطِلُ}. ورجل بطَّالٌ : ذو باطل بيّن البُطُول. وتبطَّلوا بينهم : تداولوا الباطل. ورجل بَطَل ، وبطَّال ، بيِّن البَطَالة والبُطُولة : شجاع تبطل جراحَته ، فلا يكترث لها ولا يبطلُ نجادته ، أَو تبطل عنده دماءُ الأَقران. والجمع أَبطال. وهى بهاءٍ. وقد بَطُل ككرُمَ ، وتبطَّل. والبُطَّلات : التُرّهات ، وبينهم أُبطولة وإِبطالة : باطل. والبَطَلة : السّحَرة.
    والإِبطال يقال فى إِفساد الشئ وإِزالته ، حقّاً كان ذلك الشئ أَو باطلاً. قال تعالى : {لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ}.
    وقد جاءَ بمعنى الكذب : {لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} ، {إِذاً لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} ، وبمعنى الإِحباط : {لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأَذَى} ، {وَلاَ تُبْطِلُواْ أَعْمَالَكُمْ} وبمعنى الكفر والشّرك : {وَقُلْ جَآءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} ، وبمعنى الصّنم ، {وَالَّذِينَ آمَنُواْ بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُواْ بِاللَّهِ} أَى بالصّنم ، أَو بإِبليس ، وبمعنى الظُّلم والتعدّى : {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} أَى بالظُّلم. أ هـ {بصائر ذوى التمييز حـ 2 صـ 252 ـ 253}
    قوله تعالى : {وتدلوا بها إلى الحكام }
    المناسبة
    قال البقاعى :
    ولما كان من وجوه أكله بالباطل التوصل بالحاكم بحجة باطلة يعجز الخصم عن دفعها كما قال صلى الله عليه وسلم : " ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على حسب ما أسمع منه ، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فإنما أقطع له قطعة من النار "
    فيكون الإثم خاصاً بالأكل دون الحاكم عطف عليه ما يشاركه فيه الحاكم فقال عاطفاً على {تأكلوا} {وتدلوا} أي ولا تتواصلوا في خفائها {بها إلى الحكام} بالرشوة العمية للبصائر ، من الإدلاء. قال الحرالي وهو من معنى إنزال الدلو خفية في البئر ليستخرج منه ماء فكأن الراشي يدلي دلو رشوته للحاكم خفية ليستخرج جوره ليأكل به مالاً - انتهى. {لتأكلوا فريقاً} أي شيئاً يفرق بينه وبين صاحبه {من أموال الناس} من أي طائفة كانوا {بالإثم} أي الجور العمد ، ومن مدلولاته الذنب وأن يعمل ما لا يحل {وأنتم} أي والحال أنكم {تعلمون} أي من أهل العلم مطلقاً فإن الباطل منهم أشنع ويلزم منه العلم بأن ذلك التوصل لا يفيد الحل ، ولعله إيماء إلى جواز التوصل إلى ماله عند جاحد لم يجد طريقاً إلى خلاصه إلا ذلك. وقال الحرالي في مناسبة هذه الآية لما قبلها : لما كان منزل القرآن لإقامة الأمور الثلاثة التي بها قيام المخاطبين به وهو صلاح دينهم وهو ما بين العبد وربه من عمل أو إلقاء بالسلم إليه وإصلاح دنياهم وهو ما فيه معاش المرء وإصلاح آخرتهم وهو ما إليه معاده كان لذلك منزل القرآن مفصلاً بأحكام تلك الأمور الثلاثة فكان شذرة للدين وشذرة للدنيا وشذرة للآخرة ، فلما كان في صدر هذا الخطاب {يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالاً طيباً} [البقرة : 168] وهو خطاب للملوك ومن تبعهم من رؤساء القبائل ومن تبعهم انتظم به بعد ذلك حكم من أحكام أهل العلم ومن تبعهم في قوله تعالى : {إن الذين يكتمون} [البقرة : 159] ، ثم انتظم به ذكر الوصية من أهل الجدة ، ثم انتظم به ذكر أحوال الرشى من الراشي والمرتشي ، ليقع نظم التنزيل ما بين أمر في الدين ونهي في الدنيا ليكون ذلك أجمع للقلب في قبول حكم الدنيا عقب حكم الدين ويفهم حال المعاد من عبرة أمر الدنيا ، فلذلك تعتور الآيات هذه المعاني ويعتقب بعضها لبعض ويتفصل بعضها ببعض ، كما هو حال المرء في يومه وفي مدة عمره حيث تعتور عليه أحوال دينه ودنياه ومعاده ، يطابق الأمر الخلق في التنزيل والتطور - انتهى. أ هـ {نظم الدرر حـ 1 صـ 358 ـ 359}
    قال الفخر :
    أما قوله تعالى : {وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام} ففيه مسائل :
    المسألة الأولى : الإدلاء مأخوذ من إدلاء الدلو ، وهو إرسالك إياها في البئر للاستقاء يقال.
    أدليت دلوي أدليها إدلاء فإذا استخرجتها قلت دلوتها قال تعالى : {فأدلى دَلْوَهُ} [يوسف : 19] ، ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل أدلاء ، ومنه يقال للمحتج : أدلى بحجته ، كأنه يرسلها ليصير إلى مراده كإدلاء المستقي الولد ليصل إلى مطلوبه من الماء ، وفلان يدلى إلى الميت بقرابة أو رحم ، إذا كان منتسباً إليه فيطلب الميراث بتلك النسبة ، طلب المستحق بالدلو الماء ، إذا عرفت هذا فنقول : أنه داخل في حكم النهي ، والتقدير : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، ولا تدلوا إلى الحكام ، أي لا ترشوها إليهم لتأكلوا طائفة من أموال الناس بالباطل ، وفي تشبيه الرشوة بالإدلاء وجهان
    أحدهما : أن الرشوة رشاء الحاجة ، فكما أن الدلو المملوء من الماء يصل من البعيد إلى القريب بواسطة الرشاء فالمقصود البعيد يصير قريباً بسبب الرشوة
    والثاني : أن الحاكم بسبب أخذ الرشوة يمضي في ذلك الحكم من غير تثبت كمضي الدلو في الإرسال ، ثم المفسرون ذكروا وجوهاً
    أحدها : قال ابن عباس والحسن وقتادة : المراد منه الودائع وما لا يقوم عليه بينة
    وثانيها : أن المراد هو مال اليتيم في الأوصياء يدفعون بعضه إلى الحاكم ليبقى عليهم بعضه
    وثالثها : أن المراد من الحاكم شهادة الزور ، وهو قول الكلبي
    ورابعها : قال الحسن : المراد هو أن يحلف ليذهب حقه
    وخامسها : هو أن يدفع إلى الحاكم رشوة ، وهو أقرب إلى الظاهر ، ولا يبعد أيضاً حمل اللفظ على الكل ، لأنها بأسره أكل بالباطل. أ هـ {مفاتيح الغيب حـ 5 صـ 101}
    وقال ابن عاشور :وقوله تعالى : {وتدلوا بها إلى الحكام} عطف على {تأكلوا} أي لا تدلوا بها إلى الحكام لتتوسلوا بذلك إلى أكل المال بالباطل. وخص هذه الصورة بالنهي بعد ذكر ما يشملها وهو أَكل الأموال بالباطل ؛ لأن هذه شديدة الشناعة جامعة لمحرمات كثيرة ، وللدلالة على أن معطي الرشوة آثم مع أنه لم يأكل مالاً بل آكلَ غيره ، وجُوز أن تكون الواو للمعية و{تدلوا} منصوباً بأن مضمرة بعدها في جواب النهي فيكون النهي عن مجموع الأمرين أي لا تأكلوها بينكم مُدلين بها إلى الحكام لتأكلوا وهو يفضي إلى أن المنهي عنه في هذه الآية هو الرشوة خاصة فيكون المراد الاعتناء بالنهي عن هذا النوع من أكل الأموال بالباطل. أ هـ {التحرير والتنوير حـ 2 صـ 192}
    وقال القرطبى :قوله تعالى : {وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الحكام} الآية. قيل : يعني الوديعة وما لا تقوم فيه بيّنة ؛ عن ابن عباس والحسن. وقيل : هو مال اليتيم الذي في أيدي الأوصياء ، يرفعه إلى الحكام إذا طولب به ليقتطع بعضه وتقوم له في الظاهر حجة. وقال الزجاج : تعملون ما يوجبه ظاهر الأحكام وتتركون ما علمتم أنه الحق. يقال : أدْلَى الرجل بحجّته أو بالأمر الذي يرجو النجاح به ؛ تشبيهاً بالذي يرسل الدَّلو في البئر ؛ يقال : أدْلى دَلْوَه : أرسلها. ودَلاَها : أخرجها. وجمع الدَّلو والدِّلاء : أَدْلٍ ودِلاءٌ ودُليٌّ. والمعنى في الآية : لا تجمعوا بين أكل المال بالباطل وبين الإدلاء إلى الحكام بالحجج الباطلة ؛ وهو كقوله : {وَلاَ تَلْبِسُواْ الحق بالباطل وَتَكْتُمُواْ الحق} [البقرة : 42]. وهو من قبيل قولك : لا تأكل السمك وتشرب اللبن. وقيل : المعنى لا تصانعوا بأموالكم الحكامَ وتَرْشوهم ليقضوا لكم على أكثر منها ؛ فالباء إلزاق مجرّد. قال ابن عطية : وهذا القول يترجّح ؛ لأن الحكَام مِظنَّة الرّشاء إلا من عصم وهو الأقل. وأيضاً فإن اللفظين متناسبان : تدلوا من إرسال الدّلو ، والرشوة من الرّشاء ؛ كأنه يمدّ بها ليقضي الحاجة.
    قلت : ويقوّى هذا قوله : {وَتُدْلُواْ بِهَا} تدلوا في موضع جزم عطفاً على تأكلوا كما ذكرنا. وفي مصحف أُبَيّ " ولا تدلوا" بتكرار حرف النهي ، وهذه القراءة تؤيّد جزم " تُدْلُوا" في قراءة الجماعة. وقيل : " تدلوا" في موضع نصب على الظرف ، والذي ينصب في مثل هذا عند سيبويه " أنْ" مضمرة. والهاء في قوله " بها" ترجع إلى الأموال ، وعلى القول الأوّل إلى الحجة ولم يجر لها ذكر ؛ فقوى القول الثاني لذكر الأموال ، والله أعلم. في الصحاح : " والرِّشوة معروفة ، والرُّشوة بالضم مثله ، والجمع رُشىً ورِشىً ، وقد رشاه يرشوه. وارتشى : أخذ الرّشوة. واسترشى في حكمه : طلب الرشوة عليه" .
    قلت : فالحكام اليوم عين الرّشا لا مَظِنّته ، ولا حول ولا قوّة إلا بالله!. أ هـ {تفسير القرطبى حـ 2 صـ 340}
    فائدة لغوية
    الضمائر في مثل : {ولا تأكلوا أموالكم} إلى آخر الآية عامة لجميع المسلمين ، وفعل : {ولا تأكلوا} وقع في حَيز النهي فهو عام ، فأفاد ذلك نهياً لِجميع المسلمين عن كُل أَكل وفي جميع الأَمْوال ، قلنا هنا جمعان جمع الآكلين وجمع الأموال المأكولة ، وإذا تقابل جمعان في كلام العرب احتمل أن يكون من مقابلة كل فردٍ من أفراد الجمع بكل فردٍ من أفراد الجمع الآخَر على التوزيع نحو ركب القوم دوابهم وقوله تعالى :
    { وخذوا حذركم} [النساء : 102] {قوا أنفسكم} [التحريم : 6] ، واحتمل أن يكون كذلك لكن على معنى أن كل فرد يقابل بفرد غيره لا بفرد نفسه نحو قوله : {ولا تلمزوا أنفسكم} [الحجرات : 11] وقوله {فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا على أنفسكم} [النور : 61] ، واحتمل أن يكون من مقابلة كل فرد بجميع الأفراد نحو قوله : {وقِهم السيئات} [غافر : 9] ، والتعويل في ذلك على القرائن.
    وقد علم أن هذين الجمعين هنا من النوع الثاني أي لا يأكل بعضهم مال بعض آخر بالباطل ؛ بقرينة قوله : {بينكم} ؛ لأن بين تقتضي توسطاً خلال طرفين ، فعُلم أن الطرفين آكل ومأكول منه والمال بينهما ، فلزم أن يكون الآكل غيرَ المأكول وإلاّ لما كانت فائدة لقوله : {بينكم }. أ هـ {التحرير والتنوير حـ 2 صـ 192}
    قوله تعالى : {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
    قال القرطبى :
    { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} أي بطلان ذلك وإثمه ، وهذه مبالغة في الجرأة والمعصية. أ هـ {تفسير القرطبى حـ 2 صـ 340}
    وقال ابن عرفة :
    قوله تعالى : {وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}.
    تنبيها على أنّ الجاهل لا يناله ذلك (أو) أنّ ذلك لايقع إلا على هذه الصفة فلا يقع من الجاهل بوجه. أ هـ {تفسير ابن عرفة حـ 2 صـ 555}
    فائدة
    قال الآلوسى :
    استدل بها على أن حكم القاضي لا ينفذ باطناً فلا يحل به الأخذ في الواقع ، وإلى ذلك ذهب الشافعي رضي الله تعالى عنه وأبو يوسف ومحمد ، ويؤيده ما أخرجه البخاري ومسلم عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
    " إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع منه فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذنه فإنما أقطع له قطعة من النار " . أ هـ {روح المعانى حـ 2 صـ 72}
    فائدة أخرى
    قال القرطبى :
    اتفق أهل السُّنة على أن من أخذ ما وقع عليه اسم مالٍ قلّ أو كَثُر أنه يُفَسَّق بذلك ، وأنه محرّم عليه أخذه. خلافاً لبشر بن المعتمر ومن تابعه من المعتزلة حيث قالوا : إن المكلَّف لا يُفَسّق إلا بأخذ مائتي درهم ولا يُفَسَّق بدون ذلك. وخلافاً لابن الجُبّائي حيث قال : إنه يفسّق بأخذ عشرة دراهم ولا يفسّق بدونها. وخلافاً لابن الهذيل حيث قال : يفسّق بأخذ خمسة دراهم. وخلافاً لبعض قدرية البصرة حيث قال : يفسّق بأخذ درهم فما فوق ، ولا يفسّق بما دون ذلك. وهذا كله مردود بالقرآن والسنّة وباتفاق علماء الأمة ، قال صلى الله عليه وسلم : " إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام " الحديث ، متفَق على صحته. أ هـ {تفسير القرطبى حـ 2 صـ 340 ـ 341}
    كلام نفيس للسعدى فى معنى الآية
    قال رحمه الله :
    أي : ولا تأخذوا أموالكم أي : أموال غيركم ، أضافها إليهم ، لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، ويحترم ماله كما يحترم ماله ؛ ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة.
    ولما كان أكلها نوعين : نوعا بحق ، ونوعا بباطل ، وكان المحرم إنما هو أكلها بالباطل ، قيده تعالى بذلك ، ويدخل في ذلك أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية ، أو نحو ذلك ، ويدخل فيه أيضا ، أخذها على وجه المعاوضة ، بمعاوضة محرمة ، كعقود الربا ، والقمار كلها ، فإنها من أكل المال بالباطل ، لأنه ليس في مقابلة عوض مباح ، ويدخل في ذلك أخذها بسبب غش في البيع والشراء والإجارة ، ونحوها ، ويدخل في ذلك استعمال الأجراء وأكل أجرتهم ، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه ، ويدخل في ذلك أخذ الأجرة على العبادات والقربات التي لا تصح حتى يقصد بها وجه الله تعالى ، ويدخل في ذلك الأخذ من الزكوات والصدقات ، والأوقاف ، والوصايا ، لمن ليس له حق منها ، أو فوق حقه.
    فكل هذا ونحوه ، من أكل المال بالباطل ، فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه ، حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع إلى حاكم الشرع ، وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة ، غلبت حجة المحق ، وحكم له الحاكم بذلك ، فإن حكم الحاكم ، لا يبيح محرما ، ولا يحلل حراما ، إنما يحكم على نحو مما يسمع ، وإلا فحقائق الأمور باقية ، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة ، ولا شبهة ، ولا استراحة.
    فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة ، وحكم له بذلك ، فإنه لا يحل له ، ويكون آكلا لمال غيره ، بالباطل والإثم ، وهو عالم بذلك. فيكون أبلغ في عقوبته ، وأشد في نكاله.
    وعلى هذا فالوكيل إذا علم أن موكله مبطل في دعواه ، لم يحل له أن يخاصم عن الخائن كما قال تعالى : {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا }.أ هـ {تفسير السعدى صـ 88}
    لطيفة
    إن الأموال خلقت لمصالح قوام النفس ، وإن النفس خلقت للقيام بمراسم العبودية لقوله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ليعلموا أن الأموال والأنفس لله فلا يتصرفون فيهما إلا بأمر الله.
    أهـ {روح البيان حـ 1 صـ 376}
    لطيفة
    يقال الدنيا ثلاثة أشياء حلال وحرام وشبهة فالحرام يوجب العقاب والشبهة توجب العتاب والحلال يوجب الحساب.
    روى أن أبا حنيفة كان له على بعض المجوس مال فذهب إلى داره ليطالبه به فلما وصل إلى باب داره وقع نعله على نجاسة فنفض نعله فانقلعت النجاسة عن نعله ووقعت على حائط دار المجوسى فتحير أبو حنيفة رحمه الله وقال إن تركتها كان ذلك شيئا يقبح جدار ذلك المجوسى وإن حككتها أحفر التراب من الحائط فدق الباب فخرجت الجارية فقال لها قولى لمولاك إن أبا حنيفة بالباب فخرج إليه وظن أنه يطالبه بالمال وأخذ يعتذر فقال أبو حنيفة رحمه الله : ههنا ما هو أولى بالاعتذار وذكر قصة الجدار وأنه كيف السبيل إلى التطهير فقال المجوسى فأنا أبدأ بتطهير نفسى فأسلم فى الحال.
    والنكتة أن أبا حنيفة لما احترز عن ظلم ذلك المجوسى فى ذلك القدر القليل فلأجل بركة ذلك أسلم المجوسى ونجا من شقاوة الأبد فمن احترز عن الظلم نال سعادة الدارين وإلا فقد وقع فى الخذلان.أ هـ {روح البيان حـ 1 صـ 376}
    من لطائف الإمام القشيرى فى الآية
    إذا تحاكمتم إلى المخلوقين فاعلموا أن الله مطلع عليكم ، وعِلْمه محيط بكم ، فراقبوا موضع الاستحياء من الحق سبحانه ، ولئن كان المخلوقون عالمين بالظواهر فالحق - سبحانه وتعالى - متولي بالسرائر. أ هـ {لطائف الإشارات حـ 1 صـ 158}
    وقال العلامة نظام الدين النيسابورى :
    التأويل : { بالباطل } أي بهوى النفس والحرص والإسراف { وتدلوا بها إلى الحكام } يعني النفوس الأمارة بالسوء { من أموال الناس } من الأموال التي خلقت للاستعانة بها على العبودية . الأهلة للزاهدين مواقيت أورادهم وللصديقين مواقيت مراقباتهم . والحج إشارة إلى ما يرد بحكم الوقت عليهم من غير اختيارهم ، فمن كان وقته الصحو كان قيامه بالشريعة ، ومن كان وقته المحو فالغالب عليه أحكام الحقيقة ، فإن تجلى لهم بوصف الجلال طاشوا ، وإن تجلى لهم بوصف الجمال عاشوا ، فليس للمحبين وقت إلا أوقات محبوبهم كما ليس لهم وصف إلا أوصاف محبوبهم والله تعالى أعلم . أ هـ {غرائب القرآن حـ 1 صـ 527}
    من فوائد الإمام الجصاص فى الآية
    قال رحمه الله :
    بَاب مَا يُحِلُّهُ حُكْمُ الْحَاكِمِ وَمَا لَا يُحِلُّهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ }.
    وَالْمُرَادُ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ : لَا يَأْكُلْ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } وَقَوْلُهُ : { وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ } يَعْنِي بَعْضَكُمْ بَعْضًا ، وَكَمَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَمْوَالُكُمْ وَأَعْرَاضُكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ } " يَعْنِي أَمْوَالَ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ، أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ عَلَى وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَخْذُهُ عَلَى وَجْهِ الظُّلْمِ وَالسَّرِقَةِ وَالْخِيَانَةِ وَالْغَصْبِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ ، وَالْآخَرُ : أَخْذُهُ مِنْ جِهَةٍ مَحْظُورَةٍ ، نَحْوُ الثِّمَارِ وَأُجْرَةِ الْغِنَاءِ وَالْقِيَانِ وَالْمَلَاهِي وَالنَّائِحَةِ وَثَمَنِ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْحُرِّ وَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ وَإِنْ كَانَ بِطِيبَةِ نَفْسٍ مِنْ مَالِكِهِ ؛ وَقَدْ انْتَظَمَتْ الْآيَةُ حَظْرَ أَكْلِهَا مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ كُلِّهَا.
    ثُمَّ قَوْلُهُ : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ } فِيمَا يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ فَيَحْكُمُ بِهِ فِي الظَّاهِرِ لِيُحِلَّهَا ، مَعَ عِلْمِ الْمَحْكُومِ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لَهُ فِي الظَّاهِرِ ؛ فَأَبَانَ تَعَالَى أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ بِهِ لَا يُبِيحُ أَخْذَهُ ، فَزَجَرَ عَنْ أَكْلِ بَعْضِنَا لِمَالِ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ ، ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّ مَا كَانَ مِنْهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ فَهُوَ فِي حَيِّزِ الْبَاطِلِ الَّذِي هُوَ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ أَخْذُهُ ؛ وَقَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَاسْتَثْنَى مِنْ الْجُمْلَةِ مَا وَقَعَ مِنْ التِّجَارَةِ بِتَرَاضٍ مِنْهُمْ بِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مِنْ الْبَاطِلِ ، وَهَذَا هُوَ فِي التِّجَارَةِ الْجَائِزَةِ دُونَ الْمَحْظُورَةِ.
    وَمَا تَلَوْنَا مِنْ الْآيِ أَصْلٌ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَهُ بِالْمَالِ لَا يُبِيحُ لَهُ أَخْذَ الْمَالِ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَبِمِثْلِهِ وَرَدَتْ الْأَخْبَارُ وَالسُّنَّةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؛ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : { كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَاءَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ وَأَشْيَاءَ قَدْ دَرَسَتْ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّمَا أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِرَأْيِ فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحُجَّةٍ أَرَاهَا فَاقْتَطَعَ بِهَا قِطْعَةً ظُلْمًا فَإِنَّمَا يَقْتَطِعُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ يَأْتِي بِهَا إسْطَامًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي عُنُقِهِ فَبَكَى الرَّجُلَانِ ، فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ حَقِّي لَهُ ، فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : لَا ، وَلَكِنْ اذْهَبَا فَتَوَخَّيَا لِلْحَقِّ ثُمَّ اسْتَهِمَا وَلْيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ }.وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ مُوَاطِئٌ لِمَا وَرَدَ بِهِ نَصُّ التَّنْزِيلِ فِي أَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَهُ بِالْمَالِ لَا يُبِيحُ لَهُ أَخْذَهُ وَقَدْ حَوَى هَذَا الْخَبَرُ مَعَانِيَ أُخَرَ ، مِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَقْضِي بِرَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ فِيمَا لَمْ يَنْزِلْ بِهِ وَحْيٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { أَقْضِي بَيْنَكُمَا بِرَأْيِ فِيمَا لَمْ يُنْزَلْ عَلَيَّ فِيهِ }.
    وَقَدْ دَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الَّذِي كُلِّفَ الْحَاكِمُ مِنْ ذَلِكَ الْأَمْرِ الظَّاهِرُ ، وَأَنَّهُ لَمْ يُكَلَّفَ الْمُغَيَّبَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ الدَّلَالَةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ مُجْتَهِدٍ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ مُصِيبٌ ؛ إذْ لَمْ يُكَلَّفْ غَيْرَ مَا أَدَّاهُ إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ.
    أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
    وَسَلَّمَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُصِيبٌ فِي حُكْمِهِ بِالظَّاهِرِ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ فِي الْمُغَيَّبِ خِلَافَهُ وَلَمْ يُبِحْ مَعَ ذَلِكَ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ أَخْذُ مَا قَضَى لَهُ بِهِ ؟ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يُعْطِيَ إنْسَانًا مَالًا وَيَأْمُرَ لَهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَسَعْ الْمَحْكُومَ لَهُ أَخْذُهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ ، وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ الصُّلْحِ عَنْ غَيْرِ إقْرَارٍ ؛ لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمَا لَمْ يُقِرَّ بِالْحَقِّ وَإِنَّمَا بَذَلَ مَالَهُ لِصَاحِبِهِ ، فَأَمَرَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالصُّلْحِ وَأَنْ يَسْتَهِمَا عَلَيْهِ ، وَالِاسْتِهَامُ هُوَ الِاقْتِسَامُ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا أَحَدُهُمَا.
    وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ يَأْمُرُ بِالْقِسْمَةِ وَيَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجَاهِيلِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِجَهَالَةِ الْمَوَارِيثِ الَّتِي قَدْ دَرَسَتْ ثُمَّ أَمَرَهُمَا مَعَ ذَلِكَ بِالتَّحْلِيلِ.
    وَعَلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَنَّهَا مَوَارِيثُ قَدْ دَرَسَتْ لَكَانَ يَقْتَضِي قَوْلُهُ " وَلْيُحْلِلْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ جَوَازَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْمَجَاهِيلِ لِعُمُومِ اللَّفْظِ ؛ إذْ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمَجْهُولِ مِنْ ذَلِكَ وَالْمَعْلُومِ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ تَرَاضِي الشَّرِيكَيْنِ عَلَى الْقِسْمَةِ مِنْ غَيْرِ حُكْمِ الْحَاكِمِ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ مَنْ لَهُ قِبَلَ رَجُلٌ حَقٌّ فَوَهَبَهُ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ وَيَعُودُ الْمِلْكُ إلَى الْوَاهِبِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَدَّ مَا وَهَبَهُ الْآخَرُ وَجَعَلَ حَقَّ نَفْسِهِ لِصَاحِبِهِ ؛ وَلَمَّا لَمْ يُفَرِّقْ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَعْيَانِ وَالدُّيُونِ وَجَبَ أَنْ يَسْتَوِيَ حُكْمُ الْجَمِيعِ إذَا رَدَّ الْبَرَاءَةَ وَالْهِبَةَ فِي وُجُوبِ بُطْلَانِهِمَا وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ قَوْلَ الْقَائِلِ : " لِفُلَانٍ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ " أَنَّهُ هِبَةٌ مِنْهُ وَلَيْسَ بِإِقْرَارٍ ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَجْعَلْ
    قَوْلَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : " الَّذِي لِي لَهُ " إقْرَارًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ إقْرَارًا لَجَازَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْتَاجَا بَعْدَ ذَلِكَ إلَى الصُّلْحِ وَالتَّحْلِيلِ وَالْقِسْمَةِ ؛ وَكَذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا فِيمَنْ قَالَ : لِفُلَانٍ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ.
    وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى جَوَازِ التَّحَرِّي وَالِاجْتِهَادِ فِي مُوَافَقَةِ الْحَقِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَقِينًا ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { وَتَوَخَّيَا لِلْحَقِّ } أَيْ تَحَرَّيَا وَاجْتَهِدَا وَيَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ جَائِزٌ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْخُصُومَ لِلصُّلْحِ إذَا رَأَى ذَلِكَ ، وَأَنَّ لَا يَحْمِلَهُمَا عَلَى مُرِّ الْحُكْمِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ : " رُدُّوا الْخُصُومَ كَيْ يَصْطَلِحُوا " وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ : أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ صَاحِبِهِ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ مِنْهُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ بِشَيْءٍ فَلَا يَأْخُذْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ }.
    وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ : حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ ، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ : { أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلَانِ يَخْتَصِمَانِ فِي مَوَارِيثَ لَهُمَا لَمْ تَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ إلَّا دَعْوَاهُمَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ نَحْوَهُ ، فَبَكَى الرَّجُلَانِ ، وَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا : حَقِّي لَك ، فَقَالَ لَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمَّا إذْ فَعَلْتُمَا مَا فَعَلْتُمَا
    فَاقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا ثُمَّ تَحَالَّا } وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ فِي مَعْنَى الْحَدِيثِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ فِي حَظْرِ أَخْذِ مَا يَحْكُمُ لَهُ بِهِ الْحَاكِمُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحِقٌّ لَهُ ؛ وَفِيهِمَا فَوَائِدُ أُخَرُ ، مِنْهَا : أَنَّ قَوْلَهُ فِي حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ { أَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوٍ مِمَّا أَسْمَعُ } يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ إقْرَارِ الْمُقِرِّ بِمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِإِخْبَارِهِ أَنَّهُ يَقْضِي بِمَا يَسْمَعُ ؛ وَكَذَلِكَ قَدْ اقْتَضَى الْحُكْمُ بِمُقْتَضَى مَا يَسْمَعُهُ مِنْ شَهَادَةِ الشُّهُودِ وَاعْتِبَارِ لَفْظِهِمَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ وَيُوجِبُهُ وَقَالَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ هَذَا : { اقْتَسِمَا وَتَوَخَّيَا الْحَقَّ ثُمَّ اسْتَهِمَا } وَهَذَا الِاسْتِهَامُ هُوَ الْقُرْعَةُ الَّتِي يُقْرَعُ بِهَا عِنْدَ الْقِسْمَةِ.وَف يهِ دَلَالَةٌ عَلَى جَوَازِ الْقُرْعَةِ فِي الْقِسْمَةِ وَاَلَّذِي وَرَدَ التَّنْزِيلُ مِنْ حَظْرِ مَا حَكَمَ لَهُ بِهِ الْحَاكِمُ إذَا عَلِمَ الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُ غَيْرُ مَحْكُومٍ لَهُ بِحَقٍّ قَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَيْهِ فِيمَنْ ادَّعَى حَقًّا فِي يَدَيْ رَجُلٍ وَأَقَامَ بَيِّنَةً فَقَضَى لَهُ ، أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ لَهُ أَخْذُهُ وَأَنَّ حُكْمَ الْحَاكِمِ لَا يُبِيحُ لَهُ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ.
    وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعَقْدٍ أَوْ فَسْخِ عَقْدٍ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ إذَا عَلِمَ الْمَحْكُومُ لَهُ أَنَّهُمْ شُهُودُ زُورٍ ، فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : " إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِبَيِّنَةٍ بِعَقْدٍ أَوْ فَسْخِ عَقْدٍ مِمَّا يَصِحُّ أَنْ يُبْتَدَأَ فَهُوَ نَافِذٌ وَيَكُونُ كَعَقْدٍ نَافِذٍ عَقَدَاهُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ كَانَ الشُّهُودُ شُهُودَ زُورٍ " وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ : حُكْمُ الْحَاكِمِ فِي الظَّاهِرِ كَهُوَ فِي الْبَاطِنِ " .
    وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : فَإِنْ حَكَمَ بِفُرْقَةٍ لَمْ تَحِلَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا أَيْضًا " قَالَ أَبُو بَكْرٍ : رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالشَّعْبِيِّ ، ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْمِقْدَامِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْحَيِّ خَطَبَ امْرَأَةً وَهُوَ دُونَهَا فِي الْحَسَبِ ، فَأَبَتْ أَنْ تُزَوَّجَهُ ، فَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ عِنْدَ عَلِيٍّ ، فَقَالَتْ : إنِّي لَمْ أَتَزَوَّجْهُ ، قَالَ : قَدْ زَوَّجَكِ الشَّاهِدَانِ ؛ فَأَمْضَى عَلَيْهِمَا النِّكَاحَ.قَال أَبُو يُوسُفَ : وَكَتَبَ إلَيَّ شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ يَرْوِيهِ عَنْ زَيْدٍ أَنَّ رَجُلَيْنِ شَهِدَا عَلَى رَجْلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ بِزُورٍ ، فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ ، قَالَ الشَّعْبِيُّ : ذَلِكَ جَائِزٌ ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَإِنَّهُ بَاعَ عَبْدًا بِالْبَرَاءَةِ ، فَرَفَعَهُ الْمُشْتَرِي إلَى عُثْمَانَ ، فَقَالَ عُثْمَانُ : أَتَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتَهُ وَبِهِ دَاءٌ كَتَمْتَهُ ؟ فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ ؛ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ عُثْمَانُ ، فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِفَضْلٍ كَثِيرٍ ، فَاسْتَجَازَ ابْنُ عُمَرَ بَيْعَ الْعَبْدِ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّ بَاطِنَ ذَلِكَ الْحُكْمِ خِلَافُ ظَاهِرٍ ، وَأَنَّ عُثْمَانَ لَوْ عَلِمَ مِنْهُ مِثْلَ عِلْمِ ابْنِ عُمَرَ لَمَا رَدَّهُ ، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ مِنْ مَذْهَبِهِ أَنَّ فَسْخَ الْحَاكِمِ الْعَقْدَ يُوجِبُ عَوْدَهُ إلَى مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَاطِنِ خِلَافَهُ.
    وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قِصَةِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَلِعَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا ، ثُمَّ قَالَ : { إنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَهُوَ لِهِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى صِفَةٍ أُخْرَى فَهُوَ لِشَرِيكِ ابْنِ سَحْمَاءَ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَكْرُوهَةِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْلَا مَا مَضَى مِنْ الْأَيْمَانِ لَكَانَ لِي وَلَهَا شَأْنٌ } وَلَمْ تَبْطُلْ الْفُرْقَةُ الْوَاقِعَةُ بِلِعَانِهِمَا مَعَ عِلْمِهِ بِكَذِبِ الْمَرْأَةِ وَصِدْقِ الزَّوْجِ ، فَصَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي أَنَّ الْعُقُودَ وَفَسْخَهَا مَتَى حَكَمَ بِهَا الْحَاكِمُ مِمَّا لَوْ ابْتَدَأَ أَيْضًا بِحُكْمِ الْحَاكِمِ وَقَعَ ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ الْحَاكِمَ مَأْمُورٌ بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ عِنْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ ظَاهِرُهُمْ الْعَدَالَةُ ، وَلَوْ تَوَقَّفَ عَنْ إمْضَاءِ الْحُكْمِ بِمَا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ مِنْ عَقْدٍ أَوْ فَسْخِ عَقَدٍ لَكَانَ آثِمًا تَارِكًا لِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا كُلِّفَ الظَّاهِرَ وَلَمْ يُكَلَّفْ عِلْمَ الْبَاطِنِ الْمُغَيَّبِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِذَا مَضَى الْحُكْمُ بِالْعَقْدِ صَارَ ذَلِكَ كَعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ بَيْنَهُمَا.
    وَكَذَلِكَ إذَا حَكَمَ بِالْفَسْخِ صَارَ كَفَسْخٍ فِيمَا بَيْنَهُمَا ؛ وَإِنَّمَا نَفَذَ الْعَقْدُ وَالْفَسْخُ إذَا تَرَاضَى الْمُتَعَاقِدَا نِ بِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ الْحَاكِمِ.فَإِ ْ قِيلَ : فَلَوْ حَكَمَ بِشَهَادَةِ عَبِيدٍ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ إذَا تَبَيَّنَ مَعَ كَوْنِهِ مَأْمُورًا بِإِمْضَاءِ الْحُكْمِ بِهِ ، قِيلَ لَهُ : إنَّمَا لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرِّقَّ مَعْنًى يَصِحُّ ثُبُوتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَكَذَلِكَ الشِّرْكُ وَالْحَدُّ فِي الْقَذْفِ ، فَجَازَ فَسْخُ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَصِحُّ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ بِهِ وَالْخُصُومَةُ فِيهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ ؟ فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ لَا يَنْفُذَ حُكْمُ
    الْحَاكِمِ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ ، لِوُجُودِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي الَّتِي يَصِحُّ إثْبَاتُهَا ، مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ ، وَأَمَّا الْفِسْقُ وَجَرْحُ الشَّهَادَةِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ شُهُودُ زُورٍ ، فَلَيْسَ هُوَ مَعْنًى يَصِحُّ إثْبَاتُهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ وَلَا تُقْبَلْ فِيهِ الْخُصُومَةُ ، فَلَمْ يَنْفَسِخْ مَا أَمْضَاهُ الْحَاكِمُ ، فَإِنْ أَلْزَمْنَا عَلَى الْعَقْدِ وَفَسْخِهِ الْحُكْمَ بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ وَلَمْ نُبِحْ لَهُ أَخْذَهُ لَمْ يَلْزَمْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْحَاكِمَ عِنْدَنَا إنَّمَا يُحْكَمُ لَهُ بِالتَّسْلِيمِ لَا بِالْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِالْمِلْكِ لَاحْتِيجَ إلَى ذِكْرِ جِهَةِ الْمِلْكِ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ ، فَلَمَّا اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى أَنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشُّهُودِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ جِهَةِ الْمِلْكِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَحْكُومَ بِهِ هُوَ التَّسْلِيمُ ، وَالْحُكْمُ بِالتَّسْلِيمِ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِنَقْلِ الْمِلْكِ ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ الشَّيْء بَاقِيًا عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ.وَقَو لُهُ : { لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِيمَنْ عَلِمَ أَنَّهُ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ ، فَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْلَمْ فَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لَهُ بِالْمَالِ إذَا قَامَتْ بَيِّنَةٌ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ إذَا قَامَتْ بِأَنَّ لِأَبِيهِ الْمَيِّتِ عَلَى هَذَا أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ تَرَكَهَا الْمَيِّتُ مِيرَاثًا ، أَنَّهُ جَائِزٌ لِلْوَارِثِ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ وَيَأْخُذَهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ لَهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ صِحَّةَ ذَلِكَ ؛ إذْ هُوَ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَنَّهُ مُبْطِلٌ فِيمَا يَأْخُذُهُ ، وَاَللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا ذَمَّ الْعَالِمَ بِهِ إذَا أَخَذَهُ بِقَوْلِهِ : { لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى نَفَاذِ حُكْمِ الْحَاكِمِ بِمَا وَصَفْنَا مِنْ الْعُقُودِ وَفَسْخِهَا ، اتِّفَاقُ الْجَمِيعِ عَلَى أَنَّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ إذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِأَحَدِ وُجُوهِ الِاخْتِلَافِ
    نَفَذَ حُكْمُهُ وَقُطِعَ مَا أَمْضَاهُ تَسْوِيغُ الِاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ ، وَوَسِعَ الْمَحْكُومَ لَهُ أَخْذُهُ وَلَمْ يَسَعْ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ مَنْعُهُ ، وَإِنْ كَانَ اعْتِقَادُهُمَا خِلَافَهُ ، كَنَحْوِ الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ وَالنِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ اخْتِلَافِ الْفُقَهَاءِ.أ هـ {أحكام القرآن للجصاص حـ 1 صـ 311 ـ 316}
    ومن فوائد ابن العربى فى الآية
    قال رحمه الله :
    قَوْله تَعَالَى { : وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } فِيهَا تِسْعُ مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ الْآيَةُ ، مِنْ قَوَاعِدِ الْمُعَامَلَاتِ ، وَأَسَاسِ الْمُعَاوَضَاتِ يَنْبَنِي عَلَيْهَا ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : هَذِهِ الْآيَةُ ، وقَوْله تَعَالَى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا } وَأَحَادِيثُ الْغَرَرِ ، وَاعْتِبَارُ الْمَقَاصِدِ وَالْمَصَالِحِ ، وَقَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ.
    الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ اعْلَمُوا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُتَعَلِّقُ كُلِّ مُؤَالِفٍ وَمُخَالِفٍ فِي كُلِّ حُكْمٍ يَدَّعُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، فَيُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } فَجَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ لَهُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى تُبَيِّنَهُ بِالدَّلِيلِ ، وَحِينَئِذٍ يَدْخُلُ فِي هَذَا الْعُمُومُ ؛ فَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْبَاطِلَ فِي الْمُعَامَلَاتِ لَا يَجُوزُ ، وَلَيْسَ فِيهَا تَعْيِينُ الْبَاطِلِ.
    الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ } : الْمَعْنَى : لَا يَأْكُلُ بَعْضُكُمْ مَالَ بَعْضٍ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ } : الْمَعْنَى : لَا يَقْتُلُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا.
    وَلْيُسَلِّمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ.
    وَوَجْهُ هَذَا الِامْتِزَاجِ أَنَّ أَخَا الْمُسْلِمِ كَنَفْسِهِ فِي الْحُرْمَةِ ؛ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ الْأَثَرُ وَالنَّظَرُ ؛ أَمَّا الْأَثَرُ فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : { مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إذَا اشْتَكَى عُضْوٌ مِنْهُ تَدَاعَى سَائِرُهُ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ }.
    وَأَمَّا النَّظَرُ فَلِأَنَّ رِقَّةَ الْجِنْسِيَّةَ تَقْتَضِيهِ وَشَفَقَةَ الْآدَمِيَّةِ تَسْتَدْعِيهِ.
    الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ قَوْله تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا } : مَعْنَاهُ : وَلَا تَأْخُذُوا وَلَا تَتَعَاطَوْا.
    وَلَمَّا كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ أَخْذِ الْمَالِ التَّمَتُّعَ بِهِ فِي شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا } فَخَصَّ شَهْوَةَ الْبَطْنِ ؛ لِأَنَّهَا الْأُولَى الْمُثِيرَةُ لِشَهْوَةِ الْفَرْجِ.
    الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ : قَوْله تَعَالَى : { بِالْبَاطِلِ } : يَعْنِي : بِمَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا وَلَا يُفِيدُ مَقْصُودًا ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَى عَنْهُ ، وَمَنَعَ مِنْهُ ، وَحَرَّمَ تَعَاطِيَهُ ، كَالرِّبَا وَالْغَرَرِ وَنَحْوِهِمَا ، وَالْبَاطِلُ مَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ ، فَفِي الْمَعْقُولِ هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ الْمَعْدُومِ ، وَفِي الْمَشْرُوعِ عِبَارَةٌ عَمَّا لَا يُفِيدُ مَقْصُودًا.
    الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ : قَوْله تَعَالَى : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ } : أَيْ : تُورِدُونَ كَلَامَكُمْ فِيهَا : ضَرَبَ لِلْكَلَامِ الْمَوْرُودِ عَلَى السَّامِعِ مَثَلًا بِالدَّلْوِ الْمَوْرُودَةِ عَلَى الْمَاءِ ، لِيَأْخُذَ الْمَاءَ وَحَقِيقَةُ اللَّفْظِ : وَتُدْلُوا كَلَامَكُمْ.
    أَوْ يَكُونُ الْكَلَامِ مُمَثَّلًا بِالْحَبْلِ ، وَالْمَالُ الْمَذْكُورُ مُمَثَّلًا بِالدَّلْوِ ؛ لِتَقْطَعُوا قِطْعَةً مِنْ أَمْوَالِ غَيْرِكُمْ ، وَذَلِكَ الْغَيْرُ هُوَ الْمُخَاصِمُ.
    { بِالْإِثْمِ } : أَيْ مَقْرُونَةً بِالْإِثْمِ { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } : تَحْرِيمَ ذَلِكَ.
    الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ : قَالَ عُلَمَاؤُنَا : هَذَا النَّهْيُ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ قَطْعًا غَيْرُ جَائِزٍ إجْمَاعًا ، وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : { إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ ، فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلَا يَأْخُذْهُ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ }.
    الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ : إذَا ثَبَتَ هَذَا فَإِنَّ مَدَارَ حُكْمِ الْحَاكِمِ [ هُوَ فِي الظَّاهِرِ ] عَلَى كَلَامِ الْخَصْمَيْنِ لَا حَظَّ لَهُ فِي الْبَاطِنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْلُغُهُ عِلْمُهُ ، فَلَا يَنْفُذُ فِيهِ حُكْمُهُ ؛ وَإِنَّمَا يَحْكُمُ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ الظَّاهِرُ الْبَاطِنُ سُبْحَانَهُ وَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُصْطَفَى لِلِاطِّلَاعِ عَلَى الْغَيْبِ يَتَبَرَّأُ مِنْ الْبَاطِنِ ، وَيَتَنَصَّلُ مِنْ تَعَدِّي حُكْمِهِ إلَيْهِ ، فَكَيْفَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْخَلْقِ ؟.
    الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ : هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ مُصِيبٌ فِي حُكْمِهِ فِي الظَّاهِرِ وَإِنْ أَخْطَأَ الصَّوَابَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْبَاطِنِ ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ : { وَتُدْلُوا بِهَا إلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا } بِحُكْمِهِمْ { وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } بُطْلَانَ ذَلِكَ ، وَالْحَاكِمُ فِي عَفْوِ اللَّهِ وَثَوَابِهِ ، وَالظَّالِمُ فِي سَخَطِ اللَّهِ تَعَالَى وَعِقَابِهِ. أ هـ {أحكام القرآن لابن العربى حـ 1 صـ 137 ـ 139}.اهـ القماش
    قناة روح الكتب على التيليجرام فوائد متجددة
    https://telegram.me/Qra2t

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    19

    افتراضي رد: الرجاء تفسير الاية الكريمة

    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    أخي الكريم الله يجعلك في الفردوس الأعلى واسقاك الله من حوض نبيه الكريم .

    لكن اردت أن استوضح هل تدخل الآية الكريمة في المضاربة بالأسهم لأن كما نعرف ان هناك من ذهبت امواله ادراج الريح والبعض اغتنى من اموال غيره عبر المضاربة بالأسهم وبرضى الحكام أم لا وألف شكر لك على الرد .
    سبحانك اللهم وبحمدك سبحان الله العظيم

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •