قال الشيخ الألفي في التعقب المتواني (( حديث (( لا تكثـروا الكلام بغيـر ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسى )) .
أخرجه الترمذى (2411) ، والواحدى (( الوسيط ))( 1/ 27/2) ، والبيهقـى (( شعب الإيمان ))(4/245/4951) جميعاً من طريق إبراهيم بن عبد الله بن الحارث بن حاطب الجُمحى عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مرفوعاً به .
وقال أبو عيسى : (( هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن عبد الله بن الحارث )) .
قـلت : هذا حديث إسناده حسن ، رجـاله كلهم ثقات مشاهير غير إبراهيم بن عبد الله ابن الحارث بن حاطب الجمحى . وقد ذكره ابن حبـان فى (( الثقات )) ، وقال : (( روى عنه : عبد الله بن مسلمة القعنبى ، وعلى بن حفص المدائنى )) .
وزاد الحافظ المزى فى (( تهذيب الكمال ))(2/123) فى الرواة عنه : عنبسة بن سعيد الرازى ، وأبو النضر هاشم بن القاسم . وترجمه ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) (2/110/321) ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً . وأورده الحافظ الذهبى فـى (( الميزان )) (1/161/125) ، وذكر له هذا الحديث ، وقال : (( ما علمت فيه جرحاً )) .
وقال الحافظ ابن حجر فى (( التقريب ))(1/37) : (( صدوق . روى مراسيل )) .
وأما الألـبانى ، فقد ضعّف الحديث ، ورد قول الحافظ الذهبى بقوله فى (( السلسلة الضعيفة ))(2/321) : (( فقد يقال : فهل علمت فيه توثيقاً ؟ ، فإن عدم الجرح لا يستلزم التوثيق كما لا يخفى ، فالأحسن فى الإفصاح عن حاله قول ابن القطان : لا يعرف حــاله . وأمـا ابــن حبان ، فذكره فى (( الثقات )) على قاعدته ! ، واغتر به الشيخ أحمد شاكر فصحح إسناده فى (( عمدة التفسير )) اهـ .
قــلت : وهذا التعقب يحمل فى ثناياه تناقضات كثيرة !! :
( أعجبُها ) اعتبار قول ابن القطان (( لا يعرف حاله )) جرح يفصحُ عن حال الراوى .
وأقول : أى إفصاح عن الحال فى هذا القول !! .
و( أدلها على التناقض ) أن الشـيخ ـ طيـب الله ثـراه ـ قـد نقضه فى عدة مواضع من (( سلسلته الصحيحة )) . فقد أقر هناك أن من توّحـد ابن حبان بتـوثيقه ، ولم يذكر فيه غيره جرحاً ولا تعديلاً ، مما تطمئن النفس إلى توثيقه وقبول روايته ، خلافاً لما يقرره هنا فى (( سلسلته الضعيفة )) !! .
فقد خرّج فى (( صحيحتـه ))( حديث رقم291) : حديث (( رأيت ليلة أسرى بى رجالاً تقرض شفاههم بمقاريض من نار، فقلت : من هـؤلاء يا جبريل ؟؟ ، فقال : الخطباء من أمتك ، يأمرون الناس بالبر، وينسون أنفسهم ، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون )) .
أخرجه أبو يعلى (1/198) ، وابن حبـان (52) كلاهما من طريق المغيرة بن حبيب الأزدى عن مالك بن دينار عن أنس مرفوعاً .
قال الشيخ : (( هذا إسناد جيد ، رجاله كلهم ثقات غير المغيرة بن حبيب الأزدى . أورده الذهبى فى (( الميزان )) لقول الأزدى فيه : (( منـكر الحديـث )) . وذكـره ابـن حبان فى (( الثقات )) وقال : (( يروى عنه : هشام الدستوائى ، وأهل البصرة ، يغرب )) .
وأورده ابن أبى حاتم فى (( الجرح والتعديل )) ، وزاد فى الرواة عنه : حماد بن زيد ، وجعفر ابن سليمان ، وصالح المرى ، وبشر بن المفضل ، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً .
ثم قال الشيخ : (( فمثله مما تطمئن النفس لحديثه ، لرواية هذا الجمع من الثقات عنه دون أن يعرف بما يسقط حديثه ، وأما قول الأزدى (( منكر الحديث )) ، فمما لا يلتفت إليه لأنه معروف بالتعنت ، ولهذا لم يورده الذهبى فى (( الضعفاء )) اهـ .
قــلت : فإذا كان المغيرة الأزدى الذى توحّد ابن حبان بتوثيقه ، ولم يذكر فيه غيره جرحاً ولا تعديلاً ، ولم يفسر سببُُ به يسقط حديثه ، قد اطمأنت نفس الشيخ لتصحيح حديثه وقبوله ، فهل يختلف حاله عن حال سالفه إبراهيم بن عبد الله بن الحارث ؟؟ .
ولا ينبغى أن يفوتك أن قول الألبانى (( لا يُعرف بما يسقط حديثه ـ يعنى مغيـرة ـ )) ، إذا كان دليلاً على اطمئنان النفس لقبول مغيرة بن حبيب وتصحيح روايته ، فلقائل أن يقول عنه كما قال الألبـانى عن إبراهيم بن عبد الله بن الحارث (( فقد يقال : فهل علمت فيه تـوثيقاً ؟ ، فإن عدم الجرح لا يستلزم التوثيق كما لا يخفى ، فالأحسن فى الإفصاح عن حاله القول بأنه : لا يعرف حاله )) !! .
وهذا القول إنما هو من باب إلزام الشيخ بلازم قوله لئلا تتضارب أحكامه على الأشباه والنظائر ، وإلا فقبول رواية كلٍّ من المغيرة وإبراهيم واعتماد توثيقهما هو الراجح عند النظر الصحيح ، فليس بينهما تباين بحالٍ تؤثر فى الحكم عليهما ، وإن كان بينهما اختلاف يُذكر ، فالمغيرة قد تـناوله بلديه أبو الفتح الأزدى بالجرح ، وأما إبراهيم بن عبد الله بن الحارث الجمحى فلم يصب بأدنى جرحةٍ .
فلم اطمانت نفس الشيخ لتـصحيح حديث المغيرة ووثقه ، ولم يرضى بإبراهيم الجمحى ولم يصحح حديثه !! . ولماذا وصف الأئمة المتلقين لحديث كليهما بالقبول والرضى : كالترمذى ، وابن حبان ، وابن حجر ، وأحمد شاكر بالاغترار وقلة التحقيـق ؟؟ ))
لي مع كلامه وقفات
وقبلها نحب أن ننبه على أنه ينبغي على طالب العلم أن يتحلى بشيء من الأدب عند محاورة الأكابر لفرق السن والعلم والسبق في الدعوة إلى الله
وينبغي أن يعتذر للأكابر ما استطاع إلى ذلك سبيلاً
الوقفة الأولى مذهب الشيخ الألباني في الرواة الذين انفرد ابن حبان بتوثيقهم أنهم تقبل روايتهم بشرطين
الأول أن يروي عنه جمع من الثقات
الثاني ألا يوجد في حديثه ما ينكر
صرح بذلك الشيخ في تمام المنة، لم يصرح الشيخ بعدد الثقات الذين يجب أن يرووا عن الراوي حتى يحكم له بالقبول
وقد أحسن بذلك فأحياناً يروي عن الراوي ثلاثة فقط ولكنهم بثلاثين ثقة فيكون ذلك متعلقاً بأوصاف الرواة مع عددهم وهناك قرائن أخرى
إذا عرفت أمكنك الإعتذار للشيخ الألباني والجواب عن اعتراض الشيخ الألفي
فيقال إن إبراهيم بن عبدالله بن الحارث لم ينطبق عليه الشرط الثاني فقد ذكر الذهبي الحديث السابق في ترجمته في ميزان الإعتدال
ومن المعلوم أن الميزان خاص بالمجروحين والأحاديث المذكورة فيه خاصة بما يستنكره النقاد على الراوي
بخلاف المغيرة بن حبيب الأزدي فلم يذكر له أحدٌ حديثاً مستنكراً وإنما قال ابن حبان (( يغرب )) ولم يورد حديثاً يدلل به على دعواه والغرابة عند ابن حبان على تقتضي الخطأ لذا يعطفهما على بعض فيقول (( فلان يخطيء ويغرب ))
وأما قول الأزدي فليس بشيء لأنه هو نفسه مجروح
وقد يجاب بجوابٍ آخر فيقال أن الرواة عن المغيرة بن حبيب جلهم من الثقات الأثبات_ وهم حماد بن زيد وهشام الدستوائي وبشر بن المفضل _ لذا اطمأن الشيخ لتقوية حديثه بروايتهم _ مع غيرهم _ عنه
بخلاف إبراهيم بن عبدالله بن الحارث فلم يروي عنه إلا ثبتٌ واحد
وقد ذكر ابن حبان في ترجمة المغيرة بن حبيب ما يدل على أنه يعرفه فقال فيه (( ختن مالك بن دينار ))
وقد ذكر المعلمي هذه القرينة في القرائن التي تقوي توثيق ابن حبان للراوي وأقره الألباني في مقدمة صحيح موارد الظمآن
فإن قيل وإبراهيم بن عبدالله بن الحارث قال فيه ابن حبان (( مسقيم الحديث )) وهذه القرينة أقوى عند المعلمي
قلنا حقق الشيخ بشار عواد معروف في تحقيقه لتهذيب الكمال أن ابن حبان قال هذه الكلمة في شخص آخر فاختلط الأمر على مغلطاي وتابعه ابن حجر
الوقفة الثانية المغيرة بن حبيب لم ينفرد ابن حبان بتوثيقه بل عدله البخاري أبو داود أيضاً
قال البخاري في التاريخ الكبير (7/325) (( كان صدوقاً عدلاً ))
وقال أبو داود في سؤالات الآجري (1366) (( لا بأس به ))
الوقفة الثالثة لم يقل الألباني أن قول ابن القطان في إبراهيم (( لا يعرف حاله )) فيه الإفصاح عن حال إبراهيم بل انطلق من أصله في رد رواية مجهول الحال وعليه فالألباني له سلف ولم ينفرد
الوقفة الرابعة تساهل أحمد شاكر معروف والألفي نفسه خالفه فحسن السند فقط بيد أن أحمد شاكر يصححه
الوقفة الخامسة في قول الترمذي (( حسن غريب )) أطلقه على العديد من الأحاديث الصحيحة ولكنه أطلقه أيضاً على عدد من الأحاديث الضعيفة
قال الترمذي حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا الَلَّيثُ عن خَالِدِ بنِ بَزِيدَ عن سَعيدِ ابنِ أَبي هِلاَلٍ عن إِسْحَقَ بنِ عُمَرَ عن عَائشَةَ قَالتْ:
"مَا صَلَّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةً لِوَقْتِها الآخِر مَرَّتَينِ حَتَّى قَبَضَهُ الله".
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَديثٌ حَسَنٌ، غَرِيبٌ، وَلَيْسَ إِسْنَادُهُ بِمُتَّصِلٍ
قلت فوصفه بالحسن والغرابة على الرغم من انقطاعه
قال الذهبي في الميزان (( ومما ينكر لمحمد بن سابق حديثه عن إسرائيل ، عن الاعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبدالله - مرفوعا : ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفحاش ولا البذئ . قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب . قال ابن المدينى : هذا منكر ))
وقال في ترجمة سفيان بن وكيع (( وقد حسن له الترمذي هذا ، فقال : حدثنا سفيان ، حدثنا ابن أبى عدى ، عن حماد بن سلمة ، عن أبى جعفر الخطمى ، ثقة ، عن محمد بن كعب القرظى ، عن عبدالله ابن يزيد الخطمى ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول في دعائه : اللهم ارزقني حبك وحب من يبلغني حبه عندك ، اللهم ما رزقتني مما أحب فاجعله لى قوة فيما تحب ، وما زويت عنى مما أحب فاجعله لى قوة فيما تحب . قال : هذا حديث حسن غريب ))
قلت سفيان بن وكيع كان يلقن فيتلقن ولا يظن بإمام مثل الترمذي أنه يقبل حديثه
وكنت سابقاً رديت على السقاف في جعله قول الترمذي (( حسن غريب )) تضعيفٌ مطلقاً
واليوم أناقش شيخنا الألفي في جعله هذه اللفظة من الترمذي دليلاً على القبول
وهذا وصلي اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم