إتحاف الخلان بتوجيه زيادة الحرف في القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فمَن تأمل بعض كتب النحاة والْمعرِبين رأى أنّ العلماء صنفوا الْحروف إلى أصلية وزائدة ، وطبقوا هذه القاعدة عند إعرابهم لكلام العرب منثوره ، ومنظومه ، فيقولون عند إعراب ( مِن ، والباء ) في نَحو : ( هل جاء مِن رجلٍ ، وما زيدٌ بظالم ) : إنهما حرفا جرٍ زائدين لا مـحل لهما من الإعراب ، ومثل هذا له نظائر في كلام الله عزوجل
ومِن ثَمَّ تَحرّج بعض النحاة عند إعرابه لآيات القرآن الكريم من إطلاقه لفظ الزيادة على الْحروف الزائدة ؛ لأن كلام الله مُنَزّهٌ عن الزيادة ؛ لأنّ الزيادة لغوٌ ، ولا لغوَ في كتاب الله الكريم . ولأجل هذا نبّه علماء النحو والتفسير على أنّ على معنى الزيادة لا يُتصور في كلام العرب ، فكيف في القرآن الكريم ؟
ومِن هذه التنبيهات قول الْمبرد في الْمقتضب : (( وأَمَّا قولهم : إِنَّها تكون زائدة فلست أَرى هذا كما قالوا ، وذاك أَنَّ كلّ كلمة إِذا وقعت وقع معها معنى فإِنّما حدثت لذلك المعنى وليست بزائدة . . . )).
فانظر كيف منع الْمبرد القول بزيادة الحرف مطلقاً في كلام العرب ؛ لأنّ كل زيادة في المبْنَى يتبعها زيادة في المعنى ، وعلى هذا فالمبرد نفى الزيادة ؛ لأنه لا يتصور مَجيء لفظٍ في كلام العرب مِن دونِ أن يكون له معنىً يرادفه .
وبعضهم علل الزيادة بكون ما بعد الْحرف معمول لِما قبله ، ومن ذلك قول أبي حيان في البحر : (( ومعنى الزيادة فيها أن ما بعدها معمول لما قبلها . )) ، ومثله قول القرطبي في تفسيره : (( ومعنى الزيادة فيها أن ما بعدها معمول لما قبلها . )).
والعلمـاء وإن نبهوا إلى مـعنى الزيادة مـعنىً وإعـراباً فالأوْلى اجتناب مثل هذه الألفـاظ عند إعراب كتاب الله عـزوجل ؛ لأنّ هذا مِما لا يليق به ، قال ابن هشام في الإعراب عن قواعد الإعراب لابن: (( وينبغي أن يَجتنب الْمعرِب أن يقول في حرفٍ من كتاب الله : إنه زائد ؛ لأنه يسبق إلى الأذهان أنّ الزائدَ هـو الذي لَم يُؤتَ لِمعنىً ؛ بل لا معنى له أصلاً ، وكلام الله i منزه عن ذلك . . . )).
إذا عُـلِـمَ هـذا بان أن الأوْلَى أن يُقـالَ في ( مِـن ) الـزائدة وأشباهها : صلة أو توكيداً كما هو مذهب الْمتقدمين؛ لأنه لا يتبار منهما معنى الزيادة لا معنى لها .
حرره طالب في 18/05/1430