نفاق المثقفين ..!
بقلم سلطان الجميري
هذا النوع من النفاق يمارسه بعض المثقفين الليبراليين والاسلاميين معاً دون تفريق .. !
بعض مثقفينا الغير كرام يعيدونا الى القرن العاشر الهجري وتحديداً الى الصوفي ” الشعراني ” وقواعده العجيبة في النفاق تجاه الحاكم . فقد كان الشعراني يحذر المظلوم من الدعاء على الحاكم الظالم مبرراً ذلك بقوله :إن ظلمه لم يصدرفى الحقيقة إلا عن حال المظلوم ، وأن الحاكم الظالم إنما هو مسلط على الناس بحسب أعمال الناس ،فالظالم حكمه حكم السوط الذى يضرب به ، وليس الذنب ذنب السوط ولكن ذنب الواقع فى الأثم واستحق عليه عقوبة الله!!
وكان يقول :” أخذ علينا العهود أن ندور مع أهل زماننا وننخدع لهم .. ونتلون لهم كما يتلونون لنا..وأن نأمر اخواننا بأن يدوروا مع الزمان وأهله كيف داروا .. “.
ومن الأمور التي قعدها ايضاً وبالغ في الاسفاف حين كان يوصي الناس بقوله” وإذا حبس الحاكم مظلوما فينبغى الكف عن زيارته وارسال الاطعمة له حتى لايغضب أولو الأمر وأيضا لأن المحبوس كلما ضاقت عليه كلما قصرت مدة حبسه “!!
ويتشابه بعض مثقفينا مع الشعرانى في مسألة أن نفاق الحاكم يكون طيلة فترة حكمه وسلطانه فان عزل من سلطانه فلا تعظيم ولانفاق لأن التعظيم حقيقة انما هو للرتب لا للذوات !! يختلفون معه بأنهم يتناقلون هذه اللوثة ويورثوها للناس ..!
استطيع ان اتفهم تواجد شاعر شحاذ .. وعامي كذاب .. ومتزلف منافق .. هؤلاء موجودون في كل زمن ..!
لكنني لا استسيغ ولا اقبل ان ارى رجلاً يحدثنا عن المباديء والعقل والانسان .. والحرية وجمالها .. ثم يكتب مقالاً فيه من التزلف والكذب مايدفعك لأن تقترح عليه ان يجعل عنوان مقاله “عمر بن عبدالعزيز ” !
كيف يعلمنا الحرية مالايعيشها في داخله .. وكيف نفهم الثبات من المتأرجح ..!
في زماننا البائس اصبحت ” فقرة النفاق” امر حتمي وضروري لأي محفل من المحافل الرسمية في البلاد .. فبسبب وبدون سبب لابد أن يتواجد شعراء البلاط .. ولابد ان تكتب كلامات الإطراء والكذب والخداع .. واكثر من يعلم هذا هو الشخص المكتوبه لأجله .. !
هذه العادة السيئة ساهمنا جميعاً في جعلها الطريق الوحيد للترقية ومعيار للتمايز الاجتماعي .. حتى تصور الناس ان حقوقهم لا تأتي دون قصيدة .. وان حاجاتهم لاتقضى دون تزلف وكذب ..!
المشكلة حين يصبح لدى الناس شعور ان هذا النفاق “واجب” مهني .. ومن ادبيات العمل ! سنين وايام حتى تحول الاشمئزاز تجاه هذا النفاق الى تلذذ وصنعة يتفاوت الناس في اتقانها .. !
عند هذه النقطه ننحدر جميعاً .. وتنحدر المفاهيم الانسانية .. تنحدر القيم .. ويصبح موضوع انتشال الناس امراً في غاية الصعوبة لإن النفوس اعتادت الوضاعه .. وتعايش الناس مع هذه المفاهيم الجديدة برضا تام .. كأمر بديهي وجزء من التركيبة الثقافية .. وأصبح المنكر لها في موضع ” الجاني ” الذي يعمل مايخالف ” الأدب والذوق العام ” !
هل هناك مشكلة ان يتربى الناس على القول للمحسن ” احسنت “ فقط ! وكلاماً معقولاً في حدود دون الملحقات الكاذبه المزيفة !! “احسنت” تكفي بقدر العمل !
في مجتمعنا لم يعد شرطا ان يمارس النفاق لأجل لمال والجاه فقط .النفاق عند بعض المثقفين يبقى لاعباً مهما للأزمات المستقبلية.. ورصيداً لليوم” الأسود” .. ! هذا النوع من النفاق يمارسه بعض المثقفين الليبراليين والاسلاميين معاً دون تفريق .. !
بعض الاسلاميين يمارس هذا النوع الردىء من المجاملات ليقدم للسلطان شهادة “براءة” من اي مطامع سياسية واشارة الى الموافقة وعدم الاعتراض .. كل مافي مخيلته ان يبقى طليقاً يمارس مشروعه “الخيري” كما يعتقد ! وكأن الحرية ليست حقا مشروعا لاتسأل ولا تستجدى من احد بل اصبحت تتطلب من خلال التزلف والنفاق !
الليبرالي اسوأ حالا من الاسلامي ..ففي الجانب الديني ينادي بالحرية والتجرد .. وينبذ الوصاية والكهنوتية..! وفي الجانب السياسي وعند سدة السلطان يتحول الى عبد لا يفعل فقط ما يؤمر ..! بل يفعل مالم يخطر حتى على بال سيده ! لايمكن ان يفوت موقفا يحتمل المنافقه والكذب الا ويكون حاضراً ومساهماً .. هكذا تقوده نفسه دون اشارة من احد .. ! فهو ليبراعبدي .. لم يعرف ماينادي به حتى! لذا كان حقاً ان نعلم انه لايوجد لدينا ليبرالية حقيقية في السعودية ..!
وحين يعترك الاسلامي مع الليبرالي يآتي المفهوم النجس الذي تحدثنا عنه .. حين يحاول كل طرف ان يستمر في معركته مع ملازمة التذكير بين الفينه والأخرى ان السلطة ” تدعم ” مايدعو اليه .. ! بل يصل الامر احيانا الى ” خسة ” من احد الاطراف فيستعدي احدهما السلطه ضد الأخر ويحاول توريطه .. !
ليس هناك اي اشكال ان يكون هناك اعتراك فكري داخل المجتمع..ربما يكون حراكاً شديداً .. لكنه يظل صحياً .. المشكلة حين نقترب من منطقة السلطة نبدأ ننافق ونجامل .. فتسقط كل المبادىء والقيم التي نحارب لأجلها …!
ربما يشترك بعض افراد “السلطة ” في الصفات التي نشتم بها “الأخر” ..لكن ولأنها السلطة ..تأتي الاستثناءات ..! والتبريرات .. والالتفاتات …!
المثقف المنافق” المتمجد ” كما يسميه الكواكبي في طبيعة الاستبداد .. سواء كان اسلاميا او ليبرالياً لن يبني لنا مشروعاً ولن يشفي المجتمع من علاته على العكس .. المثقف اصبح ازمه ومرض يحتاج الى علاج ..!واصبح لدينا بيئة ملوثه متناقضه تؤثر سلباً على بقية افراد المجتمع…
هذي الحالة المرضية تجعلنا في بيئة تحاول ان تصحح كل شيء ..لكنها تبتعد عن الإصلاح في الجانب السياسي والذي هو جزء مهم في العملية الإصلاحية الشاملة .. !
الاحداث الامنية التي حدث في البلد في السنوات الاخيرة عقدت الموضوع بشكل كبير … واصبح الاقتراب من “السياسية” والنقد تهمة تجعل من صاحبها اما “ارهابي ” او ” مأجورا من السفارات ” .. وقد يكون الامر لا هذا ولا ذاك .. !
امتحان اخر .. ” الوطنية ” و” المواطنة “.. المثقف متهم في وطنيته حتى يثبت خلاف ذلك ..! والإثبات اختير له طريق واحد ” المنافقة ” و” الإطراء” .. واقل مايقبل في اثبات صدقك ان تبتعد عن ” النقد ” و”الحديث عن الاخطاء ” !
لاتكن ارهابياً ولاتحرض احداً على ذلك ..وفي نفس الوقت لاتكن منافقاً ولا تكتب ولاتقل ما انت تعلم كذبه وعدم صحته .. !
لن تكون وطنياً في نظر البعض اذا لم تصفق كل ثانيتين اثناء قراءة الامير الشاعر لقصيدته .. عليك انت تصفق فقط فهمت ام لم تفهم .. !! ربما تكون قاصراً عن استيعاب الكلام البليغ .. !! المهم صفق لا تتصفق .. !
وفي انتمائك نظر لو شاركت في احتفال مدرسي دون ان تكتب للطلاب مقدمة عن دور الامير في اكتشاف ثقب الأوزون (!!) ..
هل هذا يافضلاء مايريده الوطن .. !
بعد وفاة الملك فهد رحمه الله طلب من احد المذيعين ان يقدم برنامجاً تسجيلياً كنت اعده.. فمكث في الاستديو ساعات يحاول (التظاهر) بالبكاء .. وفي كل مره يعيد المخرج التسجيل لأن ملامحه لم تكن حزينه كما يجب !!
ياعالم .. لماذا النفاق والخداع .. اذا لم تشعر بالبكاء فلا تبكي .. لن يقبض عليك لأنك لم تبكي ..! ولن تعين في مجلس الشورى بعد النواح المستأجر ..!
وفي المقابل .. اذا لم تفرح بقرار ومرسوم ملكي فلا تقل ان الشارع السعودي لم ينم من الفرحه … اشياء لم يطلبها منك احد .. ياسعادة الزائد عن حاجة المجتمع !
لاداعي لإن نرخص عقولنا .. وانفسنا ..اذا جامل الشيخ يوماً وقال كلاماً حسناً في “امير” فليست فتوى في الحث على المبادرة بالنفاق كل ماحانت الفرصة ..!
كن طبيعياً .. لاتكلف نفسك مايحط من قدرك وقيمتك التي شرفك الله بها ..!! للأسف اصبح ” النفاق” ثقافة يسارع اليها حتى المثقفين .. !
بعد مداخلة الامير سلطان بن فهد في استديو التحليل الرياضي واساءته للحاضرين ..كنت اعتقد ان يتم تجاهل الموضوع من بعض الكتاب الذين اعرف انهم لن يتجرأوا ويقيموا الموقف بشجاعة.. فضلاً أن يعلنوها صراحة : اخطآ ولد بن فهد امام الجميع .. !!
تفاجآت اليوم التالي وانا اقرآ مقالات تثني وتطري على المداخلة .. فهذا كاتب يشرح لنا مواطن الحكمة في حديث الامير ..وآخر يحدثنا عن غيرة المسلم الحقيقية والوطنية الناصعة !
تأملوا ..الى اي درجات النفاق ينحط هؤلاء المتمجدون .. ! انه خراب وتدمير لمعنى”الإنسان ” !
لا تكتب حقاً اذا لم تستطع ..فهذا خيارك وقد يتفهم الناس ملابسات الصمت .. لكن لا ترينا في نفسك قبح النفاق !
عرض عليً احد” الأخيار” مقالة يريد كتابتها في أحد “الأمراء” لم تطلب منه ولم يمتحنه احد بها ..هكذا من تلقاء نفسه تواردت اليه الفكرة .. واصابته عدوى نفاق الطيبين .. ربما وجد متسعاً من الوقت للكتابة عن شيء ينفعه يوماً حين يجره لسانه بالخطآ للمناطق السياسية المحظوره ..!
كتب اخونا ما يكتبه احدنا في الزاهد “بشر الحافي” او الامام “سفيان الثورى “.. ولم يترك فضيلة تقدم بها الخلافاء الراشدين الا كساها هذا الامير !!
ما اوهن الخلق حين يختاروا عبودية غير الله ..وخوفا مما سواه ..!
اخونا الطيب يعلم في قرارة نفسه ان كل سطر كتبه في المقال كذب في كذب .. ! ومع ذلك حاول ان يمارس ادب ” المهنة ” ..!
ماحملك ياصديقي .. ! اغسل نفسك وروحك من هذه الادران .. هذه ” وساخات الدنيا ” .. !
موقف آخير.. احد الاصدقاء وهو اعلامي مشهور لا أشك في نيته ولا في طيبة قلبه ..عهدته حراً يقول مايعتقده دون التفاف صدمت مؤخراً وانا اشاهده يتحدث عن احد الأمراء بنفاق ممجوج قبيح ..بالغ في الثناء والوصف … بالغ مسكين حتى ازرى بحاله امام الشاشه وانقص من عقله واسقط نفسه من عيني وترحمت عليه وعلى ثقافته وافكاره .. ! اصابته العدوى .. شافاه الله .. ونقى عقله من لمعات البشوت المغريه ..!
ليته قال كلام معقولاً وباختصار لإنه ليس موضوعه الذي كان يتحدث فيه .. لكن مره اخرى رأيت كيف يكون النفاق ” مخلوقاً” قبيحاً ..!
هذه الاصناف من البشر تحط من قيمة الإنسان وقدره .. ليس لها علاقة بالدين …ولا بالقيمة الاجتماعية ، لها علاقة بالجنس البشري والتركيبة النفسية للناس .. هي طباع لكنها طباع معدية .. !
” المتمجدون ” هؤلاء.. لا يعول عليهم اصلاح .. هم انفسهم ” عطب” يحتاج الى اصلاح ..