هل يجب أن ترخي المرأة ثيابها؟


من المسائل التي تثير اختلافا بين العاملين في حقل الدعوة الإسلامية مسألة الثوب سواء تقصيره للرجال أو إطالته للنساء فحينما أرشد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الرجال بتقصير الثوب لاعتبارات كثيرة ليس المجال لسردها وتحليلها وإنما نكتفي بالإشارة إلى مسألة ثوب المرأة وهل إطالته واجبة ام مستحبة أم مباحة فقد تساءلت أمنا أم سلمة في دهشة خوفا من أن يكون الحكم عاما يشمل النساء فعَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرْ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَكَيْفَ يَصْنَعْنَ النِّسَاءُ بِذُيُولِهِنَّ قَالَ يُرْخِينَ شِبْرًا فَقَالَتْ إِذًا تَنْكَشِفُ أَقْدَامُهُنَّ قَالَ فَيُرْخِينَهُ ذِرَاعًا لَا يَزِدْنَ عَلَيْهِ) التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
فهل علّة إطالة ثوب المرأة معلومة أم مجهولة؟ هل مراعاة ملابسات ورود الحديث مهمة في الفهم أم لا اعتبار لها؟ هل كانت النساء يومئذ يلبسن أحذية تستر أقدامهن أم لا؟ فبالإجابة على هذه التساؤلات تتضح الصورة ونقترب من الفهم الصحيح للنصوص الشرعية .
وللتذكير فإنّه قد وجدت في تاريخنا الإسلامي منذ عهد النبوة وما بعدها في خير القرون مدرستان مازالتا قائمتان ،المدرسة النصية التي تعتمد أساسا على النصوص وغالبا ما يكون الفهم الظاهري هو المقدم والمعتمد ،والمدرسة المقاصدية التي ترى أن النصوص لا تفهم في معزل عن مقاصد الشريعة ، بل لا بد أن تفسر في ظلالها مع معرفة أسباب ورودها وملابساتها بالإضافة إلى فنون أخرى معروفة عند علماء الحديث وأصول الفقه،لهذا نجد الاختلاف قائم في موضوع لباس المرأة وهل إطالة الذيل حتى يجرجر وراء المرأة بما يصاحبه من التصاق للأوساخ به حينا والإحراج أثناء زحمة السير في بعض المدن حينا أخر هو السنة وهو المطلوب؟ أي واجب أو سنة أم المقصود من حديث المصطفى هو ستر العورة قدر الإمكان فإذا توفر في زمان أو مكان البديل لمسألة جرّ الثوب كان مقبولا وربما إذا أزال الحرج كان مستحبا فالحذاء صار سمة المرأة المعاصرة فلا ترى مسلمة تؤثر المشي حافية اقتداء بالصحابيات وهكذا يكون حجابها أنيقا جميلا فلا يجرجر فيعيق سيرها ويحرج غيرها ولا يجعل الأوساخ في طرفه السفلي سببا في تقزز أصحاب الذوق الجمالي والحريصين عن النظافة خصوصا لما تحلّ ضيفة على أهل بيت متحضرين فتلطخ زرابيهم الجميلة وأرائكم الوفيرة

الإسلام دين الجمال والنظافة فمتى كان الحرص على الأوساخ لغير ضرورة هو سمة الإسلام؟ كلنا نعرف جواب النبي صلى الله عليه وسلم عن سؤال صحابي شاب محبّ للجمال والأناقة في اللباس عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ( لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ قَالَ رَجُلٌ إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً قَالَ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) مسلم . وفي رواية قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا وَرَأْسِي دَهِينًا وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا وَذَكَرَ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ عِلَاقَةَ سَوْطِهِ أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لَا ذَاكَ الْجَمَالُ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ ) أحمد . وفي رواية الطبراني (..فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بني عَامِرٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنَا أَنَّكَ شَدَّدْتَ فِي لُبْسِ الْحَرِيرِ وَالذَّهَبِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنِّي لأُحِبُّ الْجَمَالَ حَتَّى مِنْ حِبِّي الْجَمَالَ لَوْ جَعَلْتُ خِرَازَ سَوْطِي هَذَا مِنْ جِلْدِ نَمِرٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، وَإِنَّمَا الْكِبْرُ مَنْ جَهِلِ الْحَقَّ، وَغَمَصَ النَّاسَ بِعَيْنِهِ). و عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ : (سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ : (مَنْ سَحَبَ ثِيَابَهُ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ ، فَقَالَ أَبُو رَيْحَانَةَ : وَاللَّهِ ، لَقَدْ أَمْرَضَنِي مَا حَدَّثْتَنَا بِهِ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّ الْجَمَالَ حَتَّى إِنِّي لأَجْعَلُهُ فِي شِرَاكِ نَعْلِي ، وَعَلاقِ سَوْطِي ، أَفَمِنَ الْكِبَرِ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، وَيُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ ، وَلَكِنَّ الْكِبْرُ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ ، وَغَمَصَ النَّاسَ ) الطبراني
فهذه النصوص تدل صراحة على حرص الإسلام على الجمال والأناقة والنظافة فمتى سترت المرأة رجليها بجورب أو حذاء فلا يلزمها إطالة ذيل حجابها بل يستحب ألا يجرجر وليصل إلى الكعبين أو أكثر بقليل والله اعلم وأحكم فالمسألة مطروحة للمناقشة والحق أحق أن يتبع