الدعوةُ السَّلَفِيَّةُ
بَيْنَ حَقائِقِ (الحَصَافَة) وَطَرائِقِ (الصَّحَافَة) !
خِلالَ أَيَّامٍ قَلِيلَةٍ : رَأَيْتُ لِعَدَدٍ مِن كُتّابِ (الصَّحافَةِ) –بِكَثْرَةٍ!– اهتِماماً كبيراً في الكلام حول (الدعوةِ السلفِيَّةِ) ، وَمَنْهَجِهَا –جَهْلاً أو عِلْماً– ، ما بين مادحٍ وقادحٍ ، وما بين مُستَبشِرٍ خيراً وَمُتَأَبِّطٍ شَرّاً! بَل ما بَيْنَ كذبٍ وَصِدْقٍ –فَوَا أَسَفِي الشَّدِيد-!!
وفي طَيِّ ذلك –كُلِّهِ- ذِكْرُ أوصافٍ وتقسيماتٍ للدعوةِ السلفيَّةِ ليست ذاتَ صِلَةٍ بماضٍ ولا حاضرٍ ، وأستبعدُ أن يكونَ (المستقبل) مُدْنِياً لها بسببٍ !
فَمِنْ واصِفٍ للسّلفيَّةِ بـِ (الرجعية!) ، ومِن مُطَوِّرٍ للوصفِ ذاتِهِ إلى (الماضويّةِ !) ، ومِن مُقَسِّمٍ لها إلى (الإصلاحِيةِ) و(التقليديةِ) ، ومِن مُغَيِّرٍ إلى (العلميةِ) و(الجهاديةِ) !!!
ومِن مُفَرِّطٍ مُدَّعٍ لانْقِطاعِ السَّلفيَّةِ عن الحاضِرِ ، وعدم استفادَتِها مِنْ مُسْتَجَدَّاتهِ وأسبابِهِ وأبوابِهِ ، ومِن مُتَفائِلٍ مُفْرِطٍ (!) بِأَنَّ الزَّمانَ القادِمَ هو الزَّمانُ السَلَفِيُّ !
ولم يُفاجِئْني شيءٌ مِنْ ذلك –كُلِّهِ- ؛ فَجُلُّ-إنْ لم يكُنْ (كُلُّ)- هذهِ الاتهاماتِ والتَّقسيماتِ : قَدِيمَةٌ مُتَكَرِّرَةٌ مُجْتَرَّةٌ ، وجاهِزَةٌ- مُعَلَّبَةً وطازجةً !- تُقَدَّمُ للراغِبينَ (!) بِحَسَبِ الأهواءِ ! وتَنَوُّعِ المذاقاتِ !! وباختِلافِ السِّياساتِ!!!
وإنَّما الذي فاجَأَنِي –حَقَّاً- خَبَرٌ تُنُوقِلَ ، لا مَقالٌ كُتِبَ، أو مَقُولَةٌ تُدُووِلَتْ ! وهو خَبَرُ أنَّ (مَشايِخَ السَّلَفِيِّينَ ) ، أو (جماعةَ السَّلَفِيِّينَ )- هكذا !- في غَزَّةَ- قَتَلُوا وفَجَّرُوا، ثُمَّ هَدَّدُوا بالتَّدميرِ و.. و...!!
وجميعُ العُقَلاءِ –مِن ذَوِي (الحَصَافَةِ) وَالإنِْصَاف- يَعلَمونَ –يقيناً- أنَّ مِثْلَ هذهِ التَّوصيفاتِ لهؤلاءِ الفاعِلينَ لا تَخرُجُ حَقِيقَتُها عن حالَيْنِ :
الأَوَّل: انتِحالُ الفاعِلينَ –أنفُسِهِم-لهذه النٍّسْبَةِ (السلفيَّةِ) ؛ إمْعاناً في التَّضليلِ ، وإغراقاً في التَّغريرِ.
الثاني: خَلْعُ خُصُومِ الدعوةِ السَّلَفِيَّةِ (الحَقَّةِ) عَلى أولئكَ الفاعِلينَ الوَصْفَ بـ (السَّلَفِيَّةِ) ؛ طَمَعاً في بعثَرَةِ الأَوراقِ ، وخَلْطِ الحقائِقِ، وبخاصَّةٍ أنَّ (الجميعَ) يَعلَمُ أنَّ الدعوةَ السَّلَفِيَّةَ ليست تنظيماً حزبِيًّا ،ولا حَرَكَةً مُؤَطَّرةً ، فَضْلاً عَن أنْ تَكُونَ جَمَاعَةً سياسيةً مُهَدَّفةً ؛وإنَّما هي دعوةٌ عِلمِيَّةٌ هادئةٌ هادِيَةٌ.
ولستُ أَكتُبُ في هذا السياقِ- مُدافِعاً عن أَحَدٍ بِعَينِهِ ، ولا مُتَكَلِّماً باسْمِ غيري ، وَلا مُصادِراً رأيَ سِوايَ ؛ وإنَّما أكتُبُ بَياناً حَقًّا خالِصاً لِمَا أعرِفُهُ عن هذه الدعوةِ –يقيناً- منذ نحو ثلاثين عاماً-عِشْتُها طالبَ عِلمٍ – تحصيلاً ، ودعوةً ، وَكِتابةً – مع شُيوخِ هذه الدعوةِ ، وأعلامِها الكِبارِ، وبخاصَّةٍ شَيخَنا العَلاَّمَةَ الإمامَ محمد ناصر الدِّينِ الألباني- رحمهُ اللهُ- .
إن الدعوةَ السَّلَفِيَّةَ قائمةٌ –جَذْراً وفرعاً- على تأصيل الأمنِ والإيمانِ؛ كما قال الله – تعالى-: ( الذينَ آمَنوا ولَمْ يَلْبِسوا إيمانَهُمْ بظُلمٍ أولئك لَهُمُ الأَمْنُ وهُم مُهتَدون):
فهي دعوةٌ تَعلَمُ حقيقةَ قيمةِ دمِ المُسلمِ عند ربِّهِ ، وأنَّهُ أعظَمُ عندهُ –سبحانه وتعالى- مِنْ بيتِهِ المُحرَّمِ ؛ فلا تُبيحُهُ ، ولا تَهدُرُهُ ، ولا تتهاونُ في قليلٍ منه أو كثيرٍ.
وهي دعوةٌ تَعرفُ لِوَلِيِّ الأَمرِالمسلمِ حَقَّهُ وحُقُوقَهُ- ضمنَ طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولهِ- ؛ مِنْ غيرِ غُلُوٍّ ولا تَقصيرٍ ، ومِنْ غيرِ نِفاقٍ ولا تَبَدُّلِ وُجُوهٍ – حقَّاً شَرعيَّاً ، وولاءً دينِيَّاً- .
وهي دعوةٌ تَنْأَى بنفسِها –عَدلاً لا جَوْراً، وحَقَّاً لا جُبْناً- عن الدخولِ في لُعبةِ السياسةِ وَمُعْتَرَكِ السَّاسَةِ- اللَّذَيْنِ قد يكون للوُلوجِ فيهِما أوَّلٌ ، ولا يكونُ لَهُ آخرٌ-؛ في الوقتِ الذي تَحرِصُ فيهِ الحِرْصَ كُلَّهُ –عِلماً وعَمَلاً- على مصلحةِ الأُمَّةِ-عموماً-، والوطنِ -خصوصاً- بما لا يتعارضُ مع الشرعِ الحكيمِ ، ومقاصدهِ العَلِيَّةِ.
وهذا – كُلُّهُ- مُقَدِّماتٍ ونتائجَ –هو (السياسةُ الشرعيةُ) التي دعا إليها أئمَّةُ هذه الدعوةِ السَّلَفِيَّةِ عبرَ العصورِ؛ منذ عهد شيخِ الإسلامِ ابنِ تيميةَ- قبلَ ثمانيةِ قرونٍ-إلى وقتنا الحاضر، وبتوجيهاتِ مشايخِها الأكابر ...
إنَّ الدعوةَ السَّلَفِيَّةَ وهي تستَمِدُّ أسبابَ وجودها ، وعواملَ استمرارها مِنَ الإسلامِ النَّقِيِّ ، ومصادره الأصليةِ- دون اعتقادِ احتكارِ الحقِّ لِنَفْسِهَا دون غيرها – لَتُثْبِتُ مِن خلالِ مَواقِفِها الجادَّةِ ، وحقائقها الثابتةِ أنَّ مسارَها البيانِيَّ لم يتَذَبذَب ، وأنَّ نقاءَ فِطرتها وَصَفاءَ طَريقِها لم يتلوَّن أو يتكدَّر ، وأنَّها كانت –ولا تزال- مُتَخَندقةً في مصافِّ مصلحةِ الأمّةِ والوطنِ – ضمن أصولِ الشرعِ – ضِدَّ جميعِ الانحرافاتِ المُوَجِّهَةِ حِرابَها نحوها ؛سواءً أكانت مِنَ العدُوِّ الخارجيّ المعادي –بِوَقاحة- لِرَبّ العالَمِين ، أو من العَدُوِّ الداخليّ المُنْتَسِبَ لِهَذا الدّين ، وَالمُتَكَلِّم بِاسْمِ الإِسلامِ والمسلمين ، في الوقتِ الذي يُمارِسُ فيه أشنعَ الأفعالِ ، وأبشعَ الخِلالِ؛ كأولئك (التكفيريينَ): الذين شَوَّهوا -بِسَفَهِهِم وجهلِهِم- حَقائِقَ الإسلام ، وَدَقائِقَ الشَّرْع ، أو كهؤلاء (الصفوِيِّين) : الذين يَجِدُّونَ وَيَجْتَهِدُونَ في تصديرِ ثورَتِهِم الفارسِيَّةِ الرافِضِيَّةِ الدّخيلةِ ؛ ليوصِلوها إلى بلاد الشام- وبخاصَّةٍ منها قَلْبَهَا النّابِضَ بلدَنا السُّنِّيَّ الطَّيِّب (الأُرْدُنّ)- تحت شعاراتٍ جَذَّابَةٍ: ظاهرُها فيه الرحمةُ ، وباطنُها مِن قِبَلِهَا العذاب...
والكُلُّ يشهدُ- والله خيرُ الشاهدينَ- وَهَذا مِن فَضْلِ اللهِ وَتَوْفِيقِهِ وَحْدَه- أنَّه لم يَقِف أَحَدٌ –بِقُوَّةٍ وَثَبَاتٍ- في وجهِ هذهِ الأفكارِ ، ودُعاتِها الكِثَار: بِقَدْرِ ما وَقَفَ حَمَلَةُ هذه الدعوة السَّلَفِيَّةِ النَّقِيَّةِ ؛ لا تَأَثُّراً بتقَلُّباتٍ سياسيّةٍ! أو تأثيراً على حملاتٍ انتخابيةٍ!! وإنما مِن منطلقاتٍ شرعيةٍ، وأُسسٍ عَقَديَّةٍ ؛ ثَبَتَت ورسخت، واتَّضَحت وصَفَت-فلم تتغَيَّر ، ولم تتبدَّل-؛ لا نَبْتَغِي بِذَلِكَ إِلاَّ رضا اللهِ –عَزَّ وَجَلّ-، والحَفَاظَ عَلى عَقِيدَتِنا الصَّحِيحَةِ السَّلَفِيَّة، نَقِيَّةً بَهِيَّة...
فَلْيَكْتُب مَن شاءَ ما شاءَ –بِإِمْلاءٍ (!) أو إِنْشَاء!-؛ فَالأَمْرُ كَما قَال اللهُ
-سُبْحانَهُ-: {بَلِ الإِنْسَانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَة وَلَوْ أَلْقَى مَعاذِيرَه} ، وَالحقُّ أَبْلَج، وَالباطِلُ لَجْلَج...
وَلْيَتَّقِ اللهَ –تعالى- أولئك الذين يعرفون الحقَّ ، ويَحرِفونَ عنه ، ويَخْلِطونَ أوراقَهُ، وكذلك أولئك الخائضونَ بغيرِ عِلمٍ ولا هدىً ، الجاعلونَ حركةَ أقلامِهِم بحسبِ اتجاهِ إعلامِهِم! و {إِنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا}...
وَحَسْبُنَا اللهُ ونِعمَ الوكيل، وهو بِكُلِّ جميلٍ كفيل.
[شبكة الأصالة]