بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
سُئِلَ صَاحِبُ الفَضِيْلَةِ العَلاَّمَةُ عَبدُ الرَّحْمَنِ بْنُ نَاصِرٍ البَرَّاك ـ سَلَّمَهُ اللَّـهُ تَعَالَى ـ :
عبارة: "العقل هو أصل السمع"، فهذه العبارة وإن كانت قد جاءت من أصحاب علم الكلام، كأمثال الرازي، إلا أنَّ لها معنى صحيحاً من حيث الدلالة على السمع.. ما توجيهكم لهذا؟.
فأجاب ـ رَفَعَ اللَّـهُ قَدرهُ ـ :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
الأدلة نوعان، عقلية وسمعية :
الأدلة العقلية ما فطر الله عليه عباده من الأحكام، وما تدرك دلالته بالعقل من الأدلة الكونية والشرعية.
وأما الأدلة السمعية فهي النصوص الشرعية من الآيات والأحاديث، وما تفرَّع عنها.
ولا ريب أن النبوة مصدر الأدلة السمعية قد ثبتت بأنواع من الأدلة العقلية، ومنها ما يسمى بالمعجزات من خوارق العادات، وهي البراهين والبيانات.
وأعظم دليل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم هذا القرآن، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم -كما جاء عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: « ما من الأنبياء من نبي إلا قد أعطى من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كما الذي أوتيت وحياً أوحيَّ إلى فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة » ، فبان بهذا أن قول القائل "العقل أصل النقل".
بمعنى أن النبوة وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم عرف بالعقل؛ صحيح.
ولم يكن اعتراض أهل السنة على المتكلمين في صحة هذه المقالة، ولكن كان اعتراضهم على قولهم: (إذا تعارض العقل والنقل قُدِّم العقل).
فقولهم إن العقل أصل النقل كلمة حق أريد بها باطل، وكقول المشركين لتكذيبهم للرسل ﴿ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾ [ الأنعام : 148 ] فقول المتكلمين، إذا تعارض العقل والنقل قدُِّم العقل؛ كلام باطل؛ فإن العقل الصريح لا ينافي النقل الصحيح.
وقد ألَّف ابن تيمية كتابه العظيم (درء تعارض العقل والنقل) لإبطال هذه المقولة، وقرر في ذلك الكتاب أن أي تعارض يدعى بين العقل والنقل فإنه راجع إما إلى فساد العقل، أو ضعف النقل.
فكل ما صح عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فليس في العقل الصريح ما يعارضه البتة.
فالعقل إما أن يكون شاهداً بما جاء به النقل، وموافقاً له، وإما ألا يدل على معارضة ولا موافقة.. ولهذا قيل: إنّ الرسل لا يخبرون بمحالات العقول، لكن قد يخبرون بما لا تدرك العقول نفيه ولا إثباته.. وإذ قد ثبت السمع بدلالة العقل فيجب التسليم لما جاء بالسمع.
وبهذا التسليم يحصل الانقياد لموجب العقل والسمع جميعاً.
قال الله تعالى: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء:65].