أصل الصلاة ثلاثة أشياء : أولها « خضوع القلب » :
وأصل الصلاة ثلاثة أشياء :
أن يخضع القلب عند ملاحظة جلال اللّه وعظمته ، ويعبر اللسان عن تلك العظمة ، وذلك الخضوع أفصح عبارة .
وأن يؤدب الجوارح حسب ذلك الخضوع قال القائل :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا
ثانيها : « المناجاة » :
ومن الأفعال التعظيمية أن يقوم بين يديه مناجيا ، ويقبل عليه مواجهاً .
وأشد من ذلك أن يستشعر ذلة وعزة ربه ، فينكس رأسه إذ من الأمر المجبول في قاطبة البشر والبهائم أن رفع العنق آية التيه والتكبر ، وتنكيسه آية الخضوع والإخبات ، وهو قوله تعالى : { فظلت أعناقهم لها خاضعين } .
ثالثها : « تعفير الوجه » :
وأشد من ذلك أن يعفر وجهه الذي هو أشرف أعضائه ومجمع حواسه بين يديه ، فتلك التعظيمات الثلاث الفعلية شائعة في طوائف البشر لا يزالون يفعلونها في صلواتهم وعند ملوكهم وأمرائهم .
وأحسن الصلاة ما كان جامعا بين الأوضاع الثلاثة مترقيا من الأدنى إلى الأعلى ؛ ليحصل الترقي في استشعار الخضوع والتذلل ، وفي الترقي من الفائدة ما ليس في أفراد التعظيم الأقصى ، ولا في الانحطاط من الأعلى إلى الأدنى .
الصلاة أم الأعمال المقربة إلى اللّه :
وإنما جعلت الصلاة أم الأعمال المقربة دون الفكر في عظمة اللّه ، ودون الذكر الدائم ؛ لأن الفكر الصحيح فيها لا يتأتى إلا من قوم عالية نفوسهم ، وقليل ما هم ، وسوى أولئك لو خاضوا فيه تبلدوا ، وأبطلوا رأس مالهم فضلا عن فائدة أخرى ، والذكر بدون أن يشرحه ويعضده عمل تعظيمي يعمله بجوارحه ، ويعنو في آدابها . لقلقة خالية عن الفائدة في حق الأكثرين .
الصلاة فكر مصروف تلقاء عظمة اللّه :
أما الصلاة فهي المعجون المركب من الفكر المصروف تلقاء عظمة اللّه بالقصد الثاني ، والالتفات التبعي المتأتي من كل واحد ، ولا حجر لصاحب استعداد الخوض في لجة الشهود أن يخوض ، بل ذلك منبه له أتم تنبيه ، ومن الأدعية المبينة إخلاص عمله للّه وتوجيه وجهه تلقاء اللّه وقصر الاستعانة في اللّه ، ومن أفعال تعظيمية كالسجود والركوع يصير كل واحد عضد الآخر ومكمله والمنبه عليه ، فصارت نافعة لعامة الناس وخاصتهم ، ترياقاً قوي الإثر ليكون لكل إنسان منه ما استوجبه أصل استعد اده .
والصلاة معراج المؤمن معدة للتجليات الأخروية ، وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم : « إنكم سترون ربكم فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا » ،
وسبب عظيم لمحبة اللّه ورحمته وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم : « أعني على نفسك بكثرة السجود » ، وحكايته تعالى عن أهل النار : { ولم نك من المصلين } . وإذا تمكنت من العبد كفرت عنه خطاياه : { إن الحسنات يذهبن السيئات } . ولا شيء أنفع من سوء المعرفة منها لاسيما إذا فعلت أفعالها وأقوالها على حضور القلب والنية الصالحة ، وإذا جعلت رسماً مشهوراً نفعت من غوائل الرسوم نفعاً بيناً ، وصارت شعارا للمسلم يتميز به من الكافر ، وهو قوله صلى اللّه عليه وسلم : « العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة ، فمن تركها فقد كفر » ، ولا شيء في تمرين النفس على انقياد الطبيعة للعقل وجريانها في حكمه مثل الصلاة واللّه أعلم .