الرد على تعليل الألبانى وتضعيفه للقصة .
لقد أعل الألبانى سند هذه القصة بثلاثة إعلالات باطلة هي :
الإعلال الأول : أنه ادعى أن أحمد بن شبيب اختلف عليه فى القصة لأن حديث الضرير روي
عنه بدونها .
قلنا : هذا إعلال باطل ومردود لأن القصة والحديث ليسا متلازمين ولأن القصة ليست جزءا
من الحديث وقد رويت بدونه كما روي بدونها , ومردود أيضا لأن يعقوب بن سفيان الذى
روى القصة عن شبيب ثقة حافظ حجة ثبت والنكتة التى ننبهكم عليها هي لو أننا افترضنا جدلا
أن القصة زيادة فى الحديث فهي على الأقل زيادة من ثقة حافظ ثبت مع أننا كما قدمنا نجزم أن
القصة والحديث لاتلازم بينهما , وإعلال الألبانى مردود أيضا بأن أحمد بن شبيب ثقة محتج به
فى الصحيح وقد تابعه ابن وهب على رواية القصة عن شبيب عند الطبراني وأبى نعيم وهي
متابعة بينت أن القصة محفوظة عن شبيب وعلى هذا فرواية يعقوب بن سفيان للقصة عن أحمد
بن شبيب لامطعن فيه كما لامطعن فى رواية أحمد وابن وهب للقصة عن شبيب .
الإعلال الثاني :
يرى الألبانى أن هنالك ثقات رووا حديث الضرير ولم يذكروا هذه القصة فهي إذن زيادة شاذة
منكرة حسب مايرى الألباني .
قلنا : هذا التصور مردود بما تقدم من عدم التلازم بين القصة وأصل الحديث وعدم اتحاد
مخرجهما من كل الوجوه , كما أن الألبانى تعسف فى اعتبارها شاذة مادامت زيادة من ثقة ثبت
حافظ .
الإعلال الثالث : الأبانى ادعى لزوم شرطين متلازمين اشترطهما فى صحة حديث شبيب
أحدهما أن يكون الحديث من رواية ابنه أحمد عنه , وثانيهما أن يكون من روايته هو عن يونس
بن يزيد الأيلى , وهذان الشرطان لم يسبق إليهما الألبانى ـ حسب علمنا ـ وقد صنع لهما خمسة
أسس نعتبرها واهية وهي كالتالي :
الأساس الأول : قول ابن المديني عن شبيب : ( كان يختلف فى تجارة إلى مصر وكتابه
صحيح ) .
قلنا : هذا الأساس غير مسلم له لأن كلام ابن المدينى عن شبيب لايحتمل ماذهب إليه الألباني
فابن المديني جزم بتوثيق شبيب وجزم بصحة كتابه ولاتعارض بين الإثنين , قال ابن المديني:
( شبيب بن سعيد بصري ثقة كان يختلف فى تجارة إلى مصر وكتابه صحيح قد كتبته عن ابنه
أحمد ) هـ وبناء على هذا الكلام فإن ثقة شبيب على إطلاقها وما قام به الألباني من محاولة
قصرها على الكتاب لاوجه له .
الأساس الثاني : قول أبى حاتم عن شبيب : ( كان عنده كتب يونس بن يزيد ) .
قلنا : هذا الأساس غير مسلم أيضا لأن ابن أبى حاتم لم يطعن فى حفظ شبيب ولافى ثقته وإنما
ذكر أن كتب يونس بن يزيد كانت عنده وقد توارد ابن أبى حاتم مع ابن المديني على توثيقه
فقال ابن أبى حاتم : ( كان عنده كتب يونس بن يزيد , وهو صالح الحديث لابأس به )هـ .
وهذا توثيق جيد من ابن أبى حاتم المعروف بتشدده فى الجرح , كما أن عندنا تحفظا على ماقام
به الألبانى حيث اقتصر على نقل كلام ابن المدينى وابن أبى حاتم فلم يذكر ألفاظ التوثيق وقام
ببناء جرحه المزعوم على ذلك الكلام الناقص .
الأساس الثالث : كلام ابن عدي المتقدم فى شبيب , والذى بناه على أساسالأحاديث التى ذكر أن شبيبا أخطأ فيها , وهذا الكلام مردود لأن ابن عدي إنماظن أن شبيبا أخطأ فيها ولم يثبت ذلك عنه , ولأنه ليس من شروط الثقةأن لايخطئ وهذه أمثلة على ذلك :ـ يحي بن زكرياء قال عنه ابن معين : ( لاأعلمه أخطأ إلا فى حديث واحد )قال ابن حجر : ( هذه منزلة عظيمة لهذا الرجل ) .ـ أبو نعيم الفضل بن دكين قال الإمام أحمد فى مدحه والثناء عليه : ( مارأيتأحفظ من وكيع , وكفاك بعبد الرحمن إتقانا , وما رأيت أشد تثبتا فى الرجال منيحي , وأبو نعيم أقل الأربعة خطأ ) .انظر كيف جعل هؤلاء العلماء الخطأ منزلة عظيمة لهؤلاء الحفاظ .الأساس الرابع : قول الذهبي عن شبيب : ( صدوق يغرب ) .الرد عليه : الإغراب لاترد به أحاديث الثقات أحرى إذا اقترن بالتوثيقوهذه أمثلة على ذلك :ـ زهير بن محمد التميمي قال عنه أبو حاتم : فى حفظه بعض سوء.وقال عنه ابن عبر البر : ضعيف عند الجميع .وقال عنه ابن حجر : ( ثقة يغرب ) .ورغم ماذكروا عنه من سوء الحفظ والإغراب وغيره فإن ذلك لم يمنع أحدامن أصحاب الكتب الستة من الإحتجاج به , حيث ذكر ابن حجر عن الذهبيأن الجماعة احنجوا به .ـ مغيرة بن عبد الرحمن الحزامي ضعفه ابن عدي والنسائي وقال ابن حجر :" ثقة يغرب "هـ . ومع ذلك فقد اعتمده الجماعة .
الأساس الخامس : قول ابن حجر عن شبيب : ( أخرج البخاري من رواية ابنه عنه عن يونس أحاديث
ولم يخرج من روايته عن غير يونس ولامن رواية ابن وهب عنه شيئا ) هـ
قلنا : مع أن ابن حجر لم يتطرق لجميع مرويات شبيب وإنما اقتصر على ما أخرجه البخاري منها فقد
ظن الألباني أن كلام ابن حجر يتطرق لجميع الأحاديث التى رواها شبيب وأنه يدل على أن حديث شبيب
لايكون صحيحا إلا بشرطين متلازمين أحدهما أن يكون من رواية أحمد بن شبيب عن شبيب , والثاني
أن يكون من رواية شبيب عن يونس بن يزيد وهذا الظن نرده بهذه الأمور :
الأمر الأول : أن مافهمه الألباني من كلام ابن حجر باطل لأنه مناف لقول ابن حجر نفسه عن شبيب
: " لابأس بحديثه من رواية ابنه أحمد عنه لا من رواية ابن وهب " هـ . فقد أطلق ابن حجر فى
جودة رواية أحمد بن شبيب عن أبيه ولم يقيدها برواية شبيب عن يونس ولاعن غير يونس خلافا لما
توهمه الألباني .
الأمر الثاني : أن ما فهمه الألباي من كلام ابن حجر باطل لوجود أحاديث لاينطبق عليهما الشرطان
اللذان اشترطهما الألباني فهذا حديث صحيح لم يروه أحمد بن شبيب عن شبيب وإنما رواه ابن وهب عن
شبيب وكذلك لم يروه شبيب عن يونس وإنما رواه عن روح بن القاسم وهو الحديث الذى رواه ابن وهب
عن شبيب عن روح بن القاسم عن أبي عقيل عن سابق بن ناجية عن أبى سلام عن خادم النبي صلى
الله عليه وسلم : من قال حين يصبح وحين يمسي رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه
وسلم نبيا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة " هـ
الأمر الثالث : أن كذلك مافهمه الألبانى أيضا من كلام ابن حجر باطل لأن حديث الضرير " الأعمى "
صحيح بإعتراف الألباني نفسه وليس هو من رواية شبيب عن يونس شأنه فى ذلك شأن هذه القصة
التى رواها أحمد بن شبيب عن أبيه عن روح بن القاسم عن أبى جعفر الخطمي عن أبى أمامة رضي
الله عنه , ورجال هذا السند احتج بهم البخاري فى صحيحه بإستثناء أبى جعفر الخطمي الذى هو ثقة
عند الجميع كما قال الحافظ ابن عبد البر .
وعلى العموم ـ حسب ما يقتضيه المقام ـ فإن أقل ما يمكن استنتاجه مما زعمه الألباني من كلام ابن
حجر أن الألباني شديد التعصب ضد شبيب وقد قاده ذلك التعصب الأعمى إلى ترجيح رواية عون بن
عمارة البصري على رواية شبيب فقال : ( إن رواية عون لحديث الضريرعن روح بن القاسم أولى من
رواية شبيب له عنه لوافقتها لرواية شعبة وحماد بن سلمة ) هـ وهذا الترجيح باطل ومردود بهذه
الأمور الثلاثة :
الأمر الأول : أن شبيبا ثقة محتج به فى الصحيح بخلاف عون بن عمارة فإنه منكر الحديث متفق على
ضعفه ذكره ابن عدي وابن حبان وابن الجوزي والعقيلي والذهبي فى " ضعفائهم " , وقال عنه البخاري
: ( تعرف منه وتنكر ) وقال البزار : " لين الحديث " وقال أبو داود وابن أبى حاتم وابن الجوزي والبيهقي
والهيثمى وابن حجر : " ضعيف " وقال أبو زرعة وأبو حاتم وأبو نعيم والحاكم : " منكر الحديث " وقال
البوصيري : " متفق على ضعفه " .
الأمر الثاني : أن رواية عون لهذا الحديث مخالفة فى السند والمتن أشد المخالفة لزواية شعبة وحماد
بن سلمة وسائر من روى هذا الحديث , وبيان ذلك هو كالتالي :
ـ أما مخالفتها فى السند فهي أن الطبراني ذكر فى " كتاب الدعاء " أن عونا روى الحديث عن روح بن
القاسم عن محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه , ومن المعلوم أن جميع من روى هذا الحديث
غير عون هذا , رووه عن طريق أبى أمامة وعمارة بن خزيمة بن ثابت كلاهما عن عثمان بن حنيف رضي
الله عنه .
ـ أما مخالفتها فى المتن فهي أن عونا ذكر فى روايته عند الحاكم : أن الأعمى قال للنبي صلى الله عليه
وسلم : " علمنى دعاء أدعو به يرد الله علي بصري " . وهذه المقولة لم ترد فى شيئ من روايات
الحديث .
الأمر الثالث : أن الحفاظ رجحوا رواية شبيب على رواية عون , فالطبراني صرح بأن عونا وهم فى هذا
الحديث وهما فاحشا وأن الصواب حديث شبيب , وصرح الحاكم وأقره الذهبي : بأن القول فى هذا
الحديث قول شبيب وأنه ثقة مأمون , واستشهد ابن حبان برواية عون لهذا الحديث على وهمه
وخطئه .
بارك الله فيكم وجزاكم خير الجزاء