لا شك أن الدنيا هي ضرة الآخرة، إلا لبعض الموفقين الذين جعلوها مزرعة للآخرة، فحبها رأس كل الخطايا، وأس كل البلايا والرزايا.
فيا سعادة من طلق الدنيا وزهد فيها، وهم العقلاء الفطنون، ويا شقاء من عشعش حبها في قلبه، وتعلق بها، ورحم الله القائل:
إن لله عبــاداً فطنـاً طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا أنها ليست لحي وطنــاً
جعلوها لجة واتخـذوا صالح الأعمال فيها سفناً
لقد بين رسول هذه الأمة أن فتنتها في المال، فقد روى الترمذي رحمه الله وصححه كذلك الألباني10: "لكل أمة فتنة، وإن فتنة أمتي المال".
وصوَّر خطورة حب المرء للمال والشرف، وإفساده للدِّين، تصويراً بشعاً تقشعر منه النفوس وتشمئز منه القلوب، حيث قال: "ما ذئبان جائعان أرسلا في حظيرة غنم بأفسد لها من حب المال والشرف لدين المرء".11
ولهذا قيل: آخر ما يخرج من قلوب الصِّدِّيقين حب الجاه والرئاسة.
آثار حب الدنيا وإيثارها على الآخرة كثيرة، منها ما هو ظاهر ومنها ما هو خفي، من ذلك إقدام المرء أوإحجامه على أي عمل من الأعمال يكون رهيناً بمقدار ما يجلبه ذلك عليه من مصالح ومقاصد دنيوية، وفي ذلك من الضرر ما الله ما به عليم.
ومعلوم من دين الله ضرورة أن الحذر والخوف والحرص من الصفات المذمومة، وأن الإقدام لا يباعد من رزق ولا يقرب من أجل.