والفسق لغة: الخروج عن الشيء، أو القصد، وهو الخروج عن الطاعة، والفسق: الفجور.
وأما المقصود بالفسق اصطلاحًا:فقد تنوعت عبارات العلماء في ذلك، ومنها:
يقول ابن عطية:'الفسق في عرف الاستعمال الشرعي: الخروج من طاعة الله ـ عز وجل ـ فقد يقع على من خرج بكفر، وعلى من خرج بعصيان' [ تفسير ابن عطية 1/155]. وكذا قال القرطبي[تفسير القرطبي 1/245].
وقال الألوسي:'الفسق شرعًا: خروج العقلاء عن الطاعة، فيشمل الكفر ودونه من الكبيرة والصغيرة، واختص في العرف والاستعمال بارتكاب الكبيرة، فلا يطلق على ارتكاب الآخرين إلا نادرًا بقرينة'[ تفسير الألوسي 1/210].
أقسام الفسق وإطلاقاته: الفسق له عدة أقسام باعتبارات مختلفة، فهو ينقسم إلى:
فسق يخرج عن الإسلام.
وفسق لا يخرج عن الإسلام، قال محمد بن نصر المروزي رحمه الله:'والفسق فسقان: فسق ينقل عن الملة، وفسق لا ينقل عن الملة، فيسمى الكافر فاسقًا، والفاسق من المسلمين فاسقًا'.
وفسق الكفر هو المذكور في غالب آيات القرآن الكريم، وكما قال ابن الوزير:'قد ورد في السمع ما يدل على أن الفاسق في زمان النبي، صلى الله عليه وسلم، يطلق على الكافر كثيرًا، كقوله تعالى:} إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[67]{. [سورة التوبة] وقوله تعالى: }وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ[99]{. [سورة البقرة]... وذكر آيات كثيرة ثم قال:'فهذه الآيات دالة على أن الفاسق في العرف الأول يطلق على الكافر، ويسبق إلى الفهم'[ العواصم والقواصم 2/160، 161 ـ باختصار].
أقسام الفسق الذي لا يخرج من الملة:
الفسق الذي لا يخرج من الملة يمكن تقسيمه إلى فسق الاعتقاد، وفسق العمل.
ومثال فسق الاعتقاد ها هنا: ما قاله ابن القيم :'فسق أهل البدع الذين يؤمنون بالله ورسوله واليوم الآخر، ويحرمون ما حرم الله، ويوجبون ما أوجب الله، ولكن ينفون كثيرًا مما أثبت الله ورسوله، جهلاً وتأويلاً، وتقليدًا للشيوخ، ويثبتون ما لم يثبته الله ورسوله ...'[ مدارج السالكين 1/362].
فالفسق أعم من البدعة، حيث يطلق الفسق على البدعة وغيرها؛ ولذا قال ابن الصلاح:'كل مبتدع فاسق، وليس كل فاسق مبتدعًا'[ فتاوى ابن الصلاح ص28 [ضمن مجموعة الرسائل المنيرية جـ4].].
وأما فسق العمل فأمثلته كثيرة: وإطلاقاته متعددة، كما جاء ذلك في النصوص الشرعية، وآثار أهل العلم، ولعل ما يضبط ذلك ما قاله النووي رحمه الله:'وأما الفسق فيحصل بارتكاب الكبيرة، أو الإصرار على الصغيرة'[ فتاوى النووي ص261].
فأما ضابط الكبيرة: فأصح الأقوال أن الكبيرة: هي ما فيها حد في الدنيا، أو وعيد خاص في الآخرة، كالوعيد بالنار، والغضب، واللعنة، وأن الصغيرة ما ليس له حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة.
وهذا المأثور عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وابن عيينة، وأحمد بن حنبل، وأبي عبيد القاسم بن سلام [مجموع فتاوى ابن تيمية 11/ 650، وشرح الطحاوية 2/526، وأضواء البيان للشنقيطي 7/199].
جملة من النصوص والآثار من الاطلاقات على هذا الفسق العملي:
فيسمى القاذف فسقًا، كما جاء في قوله تعالى: }وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[4]{ [سورة النور].
ويطلق على الكاذب فاسقًا، كما في قوله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ[6]{ [سورة الحجرات].
وتسمى محظورات الإحرام فسوقًا، حيث يقول تعالى: }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ...[197]{ [سورة البقرة] فالفسوق ها هنا محظورات الإحرام كما اختاره ابن جرير وغيره.
ويعد التنابز بالألقاب فسوقًا، كما في قوله تعالى: } وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ...[11]{ [سورة الحجرات].
من رسالة:'الفسق- معناه وأقسامه'