قل : أبله بله ، لا أبله بلهاء .
* كتبت بحثا عن هذا اللحن منذ نحو شهرين ، جاء فيه :
قال صلى الله عليه وسلم : أكثر أهل الجنة البله( ) .
هكذا ورد في الحديث الشريف جمع (أبله) على بله ، لا على (بلهاء) كما هو الشائع لحنا على ألسنة الناس وذلك أن صيغة فعلاء لا يجمع عليها إلا ما كان مفرده على وزن فعيل نحو عليم وعلماء وكبير وكبراء وسفيه وسفهاء وبخيل و بخلاء وعظيم وعظماء وبئيس وبؤساء إلخ. قال العدناني :" أما البؤساء فهي جمع بئيس "( ).
قلت : لأن (فعيلاً) إذا جاء وصفا لمذكر عاقل يجمع على فعلاء، قال ابن مالك( ) :
ولكريم وبخيل فعلا كذا لما ضاهاهما قد جعلا
قال ابن عقيل عند شرح هذا البيت : " من أمثلة جمع الكثرة فعلاء ، وهو مقيس في فعيل بمعنى فاعل صفة لمذكر عاقل غير مضاعف ولامعتل ، نحو ظريف وظرفاء وكريم وكرماء وبخيل وبخلاء" ( ).
ويعد لاحنا من جعل فعلاء جمعا مطردا لغير فعيل كفاعل وأفعل ومفعل بل هو مطرد في فعيل فقط أما في فاعل فلا ينقاس إلا إذا دل على غريزة أو سجية أو ما يشبههما في الدوام والبقاء ( ) ، ومما لحنت فيه العامة فجمعته على فعلاء وهو ليس منه لفظ أبله ، قالوا في جمعه بلهاء ، قال الدكتور مصطفى جواد : " ويجمع الأبله على بله أي على وزن فعل ولم يسمع فيه غير ذلك " ( ). وقال في موضع آخر : " أبله يجمع على بله لا على بلهاء " ( ).
ومما التبس على الناس فجمعوه على وزن يشبه فعلاء وهو لا يجمع هذا الجمع لفظ مدير جمعوه على مدراء ظنا منهم أن ذلك صواب ، مع أنهم بهذا الجمع قد وقعوا في وهمين اثنين :
أولهما : أن مدراء وزنها مفلاء لا فعلاء . اعتلت عينها فحذفت عند الجمع فصار وزنها مفلاء .
ثانيهما : أن مديرا وزنها مُفِعْلاً صفة لمذكر عاقل فيجب أن تجمع جمع مذكر سالما على مديرين لا جمع تكسير على مدراء ، ولذا يلحن من يقولَُُُُ : (مدراء) بل الصواب أن يقول (مديرون) ( ، على وزن (مُفعلون)؛ لأن (مديراً) اسم فاعل من الثلاثي الأجوف المزيد بهمزة في أوله، فماضيه (أدار) من أربعة أحرف ، ومضارعه (يدير)، قال عبدالله بن عمر( ) رضي الله عنهما:
يديرونني عن سالم وأديرهم .
واسم الفاعل (مدير) فهو صفة لمذكر عاقل خالية من تاء التأنيث ليست من باب (أفعل فعلاء ) ولا من باب (فعلان فعلى) ولا مما يستوي فيه المذكر والمؤنث، ولا صفة مشبهة باسم الفاعل كعظيم وكريم اللذين يجمعان على عظماء وكرماء على وزن (فعلاء)؛ لذا وجب أن يجمع جمع مذكر سالما على (مديرين)، كما يجمع (مجيد) على (مجيدين)، و (مريد) على (مريدين) و(مقيل) على (مقيلين)، قال العدناني : " ويجمعون مديرا على مدراء والصواب مديرون لأن من شروط جمع الصفة على فعلاء[كذا]( )، أن تكون صفة لمذكر عاقل على وزن فعيل بمعنى فاعل صحيحة اللام غير مضاعفة دالة على سجية مدح أو ذم كنبيه ونبهاء ولئيم ولؤماء، أما مدير فهي على وزن مُفِعْل لا على وزن فعيل" ( ) . قلت : ما ذهب إليه هو الصواب الذي لا عدول عنه؛ إذ هي قاعدة صرفية لا خلاف فيها، وليست من المسائل اللغوية التي قد ترد بلغتين، ولا من المسائل النحوية التي قد يختلف فيها البصريون والكوفيون، ولهذا لا تجد هذه المسألة واردة في كتب الأقدمين، وإنما تعرض لها فئة قليلة من المعاصرين لمعاصرتهم للحن فيها.
وفي ظني أن علة عدولهم عن الصواب في هذا الحرف ، هو ظنهم أن الياء في (مدير) زائدة كزيادتها في عظيم وكريم، وليس الأمر كذلك، بل الياء في (مدير) أصلية إذ هي عين الكلمة والحرف الأول فيها - وهو الميم حرف- زائد لا أصلي ، على عكس كلمة (عظيم) التي الياء فيها زائدة والحرف الأول فيها -وهو العين - أصلي لا زائد . وإليك موازنة بين كلمتي (مدير وعظيم ).
مدير عظيم
-اسم فاعل من فعل ثلاثي متعد مزيد بحرف وهو الهمزة المحذوفة فماضيه أدار من أربعة أحرف .
-أول حروفه الميم وهو حرف زائد.
-ياؤه أصلية .
-يجمع جمع مذكر سالما فقط. -صفة مشبهة من فعل ثلاثي لازم مجرد . فماضيه عظيم من ثلاثة أحرف .
-أول حروفه العين وهو حرف أصلي .
-ياؤه زائدة .
-يجمع جمع مذكر سالما وجمع تكسير.
فخلاصة هذا المبحث أنه لايجوز جمع أبله على بلهاء بل يجب أن يجمع على بله وكذا لايجوز جمع مدير على مدراء بل يجب جمعه على مديرين وأن من قال : بؤساء ، فقد أصاب ولم يلحن ؛ لأن مفرده بائس وبئيس، وفعلاء مطرد في فعيل كما تقدم . والله أعلم .