قال الشيخ - رحمه الله - : (الأحكام التي تكون مصلحة في كل زمان ومكان كالتوحيد وأصول الإيمان وأصول العبادات ومكارم الأخلاق من الصدق والعفاف والكرم والشجاعة ونحو ذلك فلا يمكن نسخ الأمر بها وكذلك لا يمكن نسخ النهي عما هو قبيح في كل زمان ومكان كالشرك والكفر ومساوئ الأخلاق من الكذب والفجور والبخل والجبن ونحو ذلك ، إذ الشرائع كلها لمصالح العباد ودفع المفاسد عنهم ) .
تضمن كلام الشيخ جملة من الأحكام التي لا يدخلها النسخ ، وسوف نفصل الكلام عن جزئيات الكلام .
1- النسخ في مكارم الأخلاق ومساوئها :
قال المرداوي في "التحبير" (6 / 3109) : (وأما ما قبح وحسن لذاته كمعرفة الله تعالى ، وتحريم الكفر ، والظلم ، والكذب ، والقبائح العقلية ، وشكر المنعم ، فهل يجوز نسخ وجوبه وتحريمه أم لا ؟ فمن نفى الحسن والقبح ، ورعاية الحكمة في أفعاله يجوز نسخ ذلك ومن أثبت ذلك منع النسخ ، ذكره الآمدي وغيره ؛ لأن المقتضى للحسن والقبح حينئذ صفات وأحكام لا تتغير بتغير الشرائع فامتنع النسخ لاستحالة الأمر بالقبيح ، والنهي عن الحسن . وأما من نفى ذلك - وهو الصحيح - فإنه يجوز نسخ هذه الأمور لقول الله تعالى : (يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ ) ( )، وقوله تعالى : (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)( )) .
والأقوى جواز النسخ لما يقبل التغير .
فمثلا الكذب قبيح ، ولكن قد يبيحه الشرع لغرض المكلف من جلب مصلحة أو درء مفسدة .
قال ابن حجر في " فتح الباري" (5 / 300) : (واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل وهو مختف عنده فله أن ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم) .
وقال ابن حزم في " مراتب الإجماع" (ص/ 156) : (واتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة . واتفقوا على تحريم الكذب في غير الحرب وغير مداراة الرجل امرأته وإصلاح بين اثنين ودفع مظلمة) .
قال ابن حجر في " فتح الباري" (6 / 159) : ( قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة( ) لكن التعريض أولى وقال بن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى) .