السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
إخواني الكرام،
تنص بعض كتب المستشرقين أن لفظة "القلم" ليست عربية. فهي في نظرهم مشتقة من لفظة (καλαμος) (كلموس)الإغريقية ،ومنها اشتقت الكلمة باللاتينية Calamus ثم انحدرت إلى الفرنسية مثلاً، ولذلك نُقلت "سورة القلم" في بعض تفاسير القرآن بالفرنسية بcalame.
والمعادلة في نظرهم بسيطة وهي أن الكلمات التي لها علاقة بالكتابة والقراءة ليست ذات أصل عربي.
فالقرطاس و القلم والتسبيح كلمات مستمدة من السريانية أو العبرانية أو الإغريقية. إلا أني لم أجد لفظة القلم منصوصاً عليها عند علماء المسلمين كأبي منصور الجواليقي والجلال السيوطي.
وعند قراءتي لخزانة الأدب لعبد القادر البغدادي مرّ علي ذكر لفظة التقليم وذلك أن البغدادي زعم أن أول من عُرف عنه أنه كنى عن شدة البأس بالأظفار المقلّمة هو أوس بن حجر في قوله:
لعمرك إنا والأحاليف هؤلا******* في غمرة أظفارها لم تقلّم
وتبعه زهير بقوله:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف******* به لبد أظفاره لم تقلّم
ثم تبعه نابغة ذبيان بقوله :
وبنو قعين لا محالة أنهم******* أتوك غير مقلّمي الأظفار
وتساءلت عندها : هل اللفظ الغير العربي يَشتق منه عربُ الجاهلية أفعالاًوأسماءً؟
وقبل يومين،كنت أطالع في كتاب الجاسوس على القاموس للشدياق، وأثار انتباهي مسألة طرحها، لها علاقة بموضوعنا وكذلك بموضوع بُحث كثيراً في هذا المنتدى المبارك وفي ملتقى أهل الحديث أعني موضوع المجاز.
ذلك أن الشدياق انتقد ما سماه خلالاً في القواميس العربية القديمة وهو كون أصحاب القواميس عند شرحهم لمفردات، قد يبدأون بالمجاز قبل الحقيقة. وضرب مثالاً لذلك فقال:
"مثال ذلك لفظة كتَب فإن الجوهري ابتدأ هذه المادة بقوله الكتاب معروف وصاحب القاموس بقوله كتبه كتْباً وكِتاباً خطَّه، ومِثله صاحب المصباح والزمخشري، مع أن أصل الكتْب في اللغة للسقاء أي خرَزه بسَيرَين."
ثم قال،وهو والذي يهمنا ههنا :"وإنما قلت أن أصل الكتْب للسقاء لأن العرب عرفت السقاء واحتاجت إليه قبل أن تعرف الكتابة."
ولا أريد- إخواني الكرام- أن أتكلم عن موضوع الكلمات الأعجمية في القرآن فإن ذلك موضوع معروف وناله علماء المسلمين بالبحث قديماً وحديثاً، وإنما أردت التنبيه فقط إلى أن لفظة القلم لم ينص عليها- فيما أعلم -علماء المسلمين على كونها كلمة ذات أصل أعجمي.
وظهر لي أن معادلة المستشرقين فيها مغالطة ظاهرة ذلك أنها تعتمد على التاريخ. فلما كانت الديانتان اليهودية والمسيحية سبقتا الدين الإسلامي، فلابدّ إذن أن يستمد المسلمون الأوائل الكلمات "العلمية" من المجتمعات التي سبقتهم. وهذا في نظري تخمين محض لأن العرب لم يكونوا كلهم أهل شرك بل كان فيهم من أهل كتاب كنصارى نجران وتغلب. وعليه فإن لفظة القلم عربية وأقل ما يقال فيها إنها مشتركة بين اللغات.
هذا ما ظهر لي والله تعالى أعلم.