هجوم على كتاب أزهري ينتقد "العلمانيين الأوائل"

صبحي مجاهد




د.إلهام شاهين تعتبر الهجوم على الكتاب يستهدف دور الأزهر
القاهرة- واجهت مؤلفة كتاب يدرس بجامعة الأزهر هجوما حادا من صحف حكومية ومستقلة بسب تسليط كتابها الضوء على وقائع دخول العلمانية إلى مصر، وكشفه عن أن عددا من المفكرين والزعماء السياسيين الذي تبنوا العلمانية تعاونوا مع الاحتلال في نشرها فضلا عن وجود مآخذ عدة على سلوكيات عدد منهم.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه مهاجمو كتاب "العلمانية في مصر وأشهر معاركها" أنه يشوه قادة وطنين يوصفون بـ"رموز" العلمانية أو "العلمانيين الأول" بمصر، قالت مؤلفته الدكتورة إلهام شاهين أستاذ العقيدة والفلسفة بالأزهر في تصريحات لـ"إسلام أون لاين": إن الكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه تستند إلى معلومات موثقة وأجازها كبار أساتذة الأزهر.

واعتبرت أن الهجوم على الكتاب يأتي في إطار هجوم جهات علمانية على الأزهر بهدف تقزيم دوره.

طالع أيضا:
باحثون غربيون: الدين يخترق العلمانية بأوروبا

ورصدت الدكتورة إلهام شاهين في كتابها الذي يدرس الجزء الأول منه على طالبات كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر، تاريخ دخول العلمانية لمصر مع الحملة الفرنسية عام 1798 ثم مع الاحتلال الإنجليزي (1882-1954).
وتناول الكتاب من وصفهم بأبرز الرموز التي ساعدت الاحتلال الإنجليزي في نهاية القرن الـ19 وأوائل القرن العشرين على نشر فكرة العلمانية، مثل أحمد لطفي السيد وسعد زغلول ومصطفى فهمي وعبد العزيز فهمي.

لكن الكتاب وضع المفكر سلامة موسى في مقدمة هذه الرموز حيث ذكر أن موسى بعد أن ذهب إلى لندن للدراسة عاد وقد "اتخذ لنفسه مذهبا بشريا وعلما لا دينيا، وأخذ يدعو للاشتراكية والقومية، وشيوعية النساء وتحررها".

وعد الكتاب المفكر لطفي السيد في قائمة رموز العلمانية، معتبرا أنه رفع شعار "مصر للمصريين" لمحاربة الإسلام وليس الاحتلال، بل كشف الكتاب بالوثائق عن "تعاونه مع الاحتلال" البريطاني، بجانب تبنيه العديد من الدعوات لنشر الفكر العلماني أهمها "السعي لتحرير المرأة ، وإشاعة الاختلاط".

ثم تعرض الكتاب بالنقد لأحد أهم الرموز المصرية وهو الزعيم السياسي سعد زغلول، حيث وصفه بأنه "بدأ حياته وأنهاها بالصداقة مع الإنجليز، ونفذ كثير من مخططاتهم للعلمنة في مجال التعليم عندما كان يشغل منصب وزير المعارف".

وقال: "إن سعد زغلول تمكنت منه رذيلتان، الأولى لعب القمار فكانت سببا في شقائه، فأضاع بها ثروة زوجته، والرذيلة الثانية حب الزعامة والتسلط".

واعتبرت المؤلفة أيضا أن العلمانية نفذت للمجتمع المصري عن طريق الصراعات السياسية والفكرية والاجتماعية التي كان يموج بها المجتمع المصري في النصف الأخير من القرن الـ19 والنصف الأول من القرن العشرين.

وحول الموقف الشرعي من العلمانية شدد الكتاب على "ضرورة رفض العلمانية لأنها تعني طرح شريعة الله ورفض أحكامه وأن الدعوة إليها معناها الإلحاد والمروق من الإسلام".

انتقادات لاذعة

في المقابل واجه الكتاب انتقادات شديدة، حيث اعتبرت جريدة "روزاليوسف" المملوكة للدولة أنه يشوه صورة زعيم الأمة سعد زغلول.

وطالبت في مقال لها مؤخرا تحت عنوان "زعيم الأمة بين رذيلتين" رئيس جامعة الأزهر أن يقرأ الكتاب ليقرر بنفسه "هل يناسب طالبات الأزهر؟".

وفي عدد آخر في مايو الماضي وتحت عنوان: "هل قرأ رئيس جامعة الأزهر كتاب د. إلهام شاهين؟" اعتبرت الجريدة ذاتها أن الدكتورة في كتابها "الكارثة" شوهت صورة سلامة موسى "أحد رواد التنوير في الثقافة العربية".

وفي الإطار ذاته وجهت الكاتبة الروائية الدكتور لاميس جابر سهام النقد للكتاب في مقال نشرته صحيفة "المصري اليوم" المستقلة بتاريخ 31 مايو الماضي تحت عنوان: "هذا الكتاب يدرس في جامعة الأزهر".

واعتبرت لاميس –مؤلفة مسلسل "الملك فاروق" الذي عرض في رمضان الماضي- أن الكتاب له "خطورة شديدة على تراث الوطن وتاريخه وزعمائه الشرفاء، والخطورة الأهم تقع على عقول الشباب، الذي يجبر على دراسة صفحات من العبث في جامعة الأزهر"، مطالبة رئيس الجامعة بمنع دراسة الكتاب.

المؤلفة ترد

وردا على الانتقادات، قالت الدكتورة إلهام: "إن الكتاب ليس مجرد مؤلف عادي، وإنما هو رسالة علمية لدرجة الدكتوراه، ونوقشت وتمت إجازتها من قبل لجنة علمية مشكلة من كبار الأساتذة بالأزهر".

وأشارت إلى أن "اللجنة أعطت الرسالة أعلى درجة علمية وهي مرتبة الشرف الأولى وأوصت بطبع الرسالة على نفقة الجامعة وتداولها بين جامعات مصر والعالم".

المؤلفة أشارت أيضا إلى أن: "كل المعلومات الموجود بالكتاب موثقة من مصادرها الأصلية.. فما ذكر عن سعد زغلول (بخصوص لعبه القمار) مأخوذ من مذكراته التي كتبها بخط يده ونشرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب، وهي هيئة حكومية مسئولة عن نشر الفكر والثقافة".

وقالت: "إذا كان هناك من لا يريد نشر تلك المعلومات فالأجدر أن تكون الدولة نفسها، لكن طالما أجازت نشرها فهذا يقتضي الانتفاع بها".

أما ما يتعلق بلطفي السيد فقالت إنه: "مأخوذ من مذكراته، ومؤلفاته، ومن (الجريدة) وهي الصحيفة التي كان يشرف على تحريرها".

وأوضحت أن ما ذكر أيضا عن سلامة موسى مأخوذ عن مؤلفاته ومذكراته و"المجلة الجديدة" التي كان يشرف عليها، وهي الطريقة ذاتها التي تم التعامل بها مع ما ذكر عن طه حسين الذي اعتبره الكتاب رمزا للعلمانية.

وقالت: "إن كتابي هذا رسالة علمية لابد أن تحتوي على كل الجوانب المذكورة حول الشخصية بأمانة وتأتي في سياق النقد"، مشيرة إلى هذه ليست المرة الأولى التي تنشر فيها تلك المعلومات.

وشددت على أن "الفكر العلماني متغلغل داخل مجتمعنا منذ دخول الاحتلال الفرنسي أولا ثم الإنجليزي ثانيا، وعدم الحديث عنه من باب دفن الرءوس في الرمال". ولذلك اعتبرت أنه من الضروري "ذكر الأحداث كاملة لأنها تتكرر في بلادنا".

واختتمت الدكتورة إلهام قائلة: "إن الكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه نوقشت في عام 2000 وتم نشرها في 2001 وتم تداولها من 2001 إلى 2008، ونشرت كثير من الجرائد عرضا لها من قبل، لكن ما يحدث الآن من هجوم على الكتاب يأتي في إطار الهجوم على الأزهر ورموزه والسعي للنيل من دوره".