بسم الله الرحمن الرحيم
أخي المسلم القارئ ،
إليك هذه الفوائد التي انتقيتها لك من كتاب ( صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة ) تأليف الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف حفظه الله.
سائلا الله أن ينفعك وإياي بها !


الْبَشْبَشَةُ أو الْبَشَاشَةُ
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ لله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالحديث الصحيح.
الدليل :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه ؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر ؛ إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم)). رواه : ابن ماجه واللفظ له (صحيح سنن ابن ماجه/652) ، وأحمد في ((المسند)) (8332) ، والطيالسي (2334) ، والحاكم (1/213) ، وقال : ((على شرط الشيخين)) ، ووافقه الذهبي والألباني في ((صحيح الترغيب)) (325) والشيخ مقبل الوادعي في ((الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين)) (2/322/رقم 1268) ، ورواه ابن خزيمة (1503) ، وابن قتيبة في ((غريب الحديث)) (1/160) ، وفي ((مسند أحمد)) (8051) ؛ بلفظ : ((لا يتوضأ أحدكم فيحسن الوضوء)) ، وصحح إسناده أحمد شاكر.
قال ابن قتيبة في ((غريب الحديث)) (1/160) : ((قوله : يتبشبش، هو من البشاشة ، وهو (يتفعَّل))).اهـ.
قال أبو يعلى الفراء في ((إبطال التأويلات)) (1/243) تعقيباً على كلام ابن قتيبة : ((فحمل الخبر على ظاهره ، ولم يتأوله)).
وقال قبل ذلك بعد أن تكلم عن إثبات صفة الفرح لله تعالى : (( 000 وكذلك القول في البشبشة ؛ لأن معناه يقارب معنى الفرح ، والعرب تقول : رأيت لفلان بشاشة وهشاشة وفرحاً ، ويقولون : فلان هش بش فرح ، إذا كان منطلقاً ، فيجوز إطلاق ذلك كما جاز إطلاق الفرح)). اهـ.


السُّكُوُتُ
... يوصف ربنا عَزَّ وجَلَّ بالسُّكوت كما يليق به سبحانه ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } .وهذا ثابتٌ بالسنة الصحيحة ، وهي صفةٌ فعليَّةٌ اختيارية متعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى.
الدليل :
... 1- حديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً : (( ما أحلَّ الله في كتابه
فهو الحلال ، وما حَرَّم فهو الحرام ، وما سكت عنه فهو عَفْوٌ، فاقبلوا من الله عافيته000)).الحديث . رواه الحاكم (2/375) ، وصححه ، ووافقه الذهبي ، والحديث حسن من أجل رجاء بن حَيْوه في سنده ، وقد حسَّن إسناده الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/171) ، ورواه البزار (1481-مختصر الزوائد) ، وقال : ((إسناده صالح))اهـ.ويشهد له ما بعده.
2- حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه : ((الحلال ما أحلَّ الله في كتابه ، والحرام ما حرَّم الله في كتابه ، وما سكت عنه ؛ فهو مما عفا لكم)). رواه : الترمذي ، وابن ماجه ، والحاكم ، وغيرهم ؛ كلهم من طريق سيف بن هارون ، وهو ضعيف. وانظر : ((غاية المرام))(2) ، و ((مختصر مستدرك الحافظ)) تحقيق الأخ الفاضل سعد الحميد (872).
قال شيخ الإسلام في ((مجموع الفتاوى)) (6/178) : ((قال شيخ الإسلام (يعني : أبا إسماعيل الأنصاري) : فطار لتلك الفتنة (يعني : التي وقعت بين الإمام أبي بكر بن خزيمة وأصحابه) ذاك الإمام أبو بكر ، فلم يزل يصيح بتشويهها ، ويصنف في ردها ، كأنه منذر جيش ، حتى دون في الدفاتر ، وتمكن في السرائر ، ولقن في الكتاتيب ، ونقش في المحاريب : إنَّ الله متكلم ، إن شاء تكلم ، وإن شاء سكت ؛ فجزى الله ذاك الإمام وأولئك النفر الغر عن نصرة دينه ، وتوقير نبيه خيراً ، قلت : في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((الحلال ما أحل الله في كتابه ، والحرام ما حرَّم الله في كتابه ، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه)). رواه أبو داود ، وفي حديث أبي ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ((إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها ، وحدد حدوداً فلا تعتدوها ، وحرم محارم فلا تنتهكوها ، وسكت عن أشياء رحمة لكم من غير نسيان فلا تسألوا عنها))
ويقول الفقهاء في دلالة المنطوق والمسكوت ، وهو ما نطق به الشارع - وهو الله ورسوله - وما سكت عنه : تارة تكون دلالة السكوت أولى بالحكم من المنطوق ، وهو مفهوم الموافقة ، وتارة تخالفه ، وهو مفهوم المخالفة ، وتارة تشبهه ، وهو القياس المحض.
فثبت بالسنة والإجماع أنَّ الله يوصف بالسكوت ، لكن السكوت يكون تارة عن التكلم وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه)) اهـ

الشَّخْص
يجوز إطلاق لفظة (شخص) على الله عَزَّ وجَلَّ ، وقد وردت هذه اللفظة في صحيح السنة.
من ذلك ما رواه مسلم (1499) من حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه ؛ قال : لو رأيت رجلاً مع امرأتي ؛ لضربته بالسيف غير مصفح عنه. فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ((أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه ، والله أغير مني ، من أجل غيرة الله حَرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، ولا شخص أغير من الله ، ولا شخص أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك ؛ بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله ، من أجل ذلك ؛ وعد الله الجنة)).
ورواه البخاري (7416) بلفظ : ((لا أحد)) ، لكنه قال : ((وقال عبيد الله بن
عمرو بن عبد الملك (أحد رواة الحديث) : لا شخص أغير من الله)).
وقال البخاري (7416) : ((باب : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا شخص أغير من الله)).
وقال ابن أبي عاصم في ((السنة))(1/225) : باب : ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك)).
وقال أبو يعلى الفراء في ((إبطال التأويلات)) (ص 164) في فصل عنونه المحقق بقوله : ((إثبات صفة الشخص والغيرة لربنا جل شأنه)) ؛ قال بعد ذكر حديث مسلم السابق :
((اعلم أنَّ الكلام في هذا الخبر في فصلين : أحدهما : إطلاق صفة الغيرة عليه.والثاني : في إطلاق الشخص.
أما الغيرة 000 وأما لفظ الشخص فرأيت بعض أصحاب الحديث يذهب إلى جواز إطلاقه ، ووجهه أنَّ قوله : ((لا شخص)) نفي من إثبات ، وذلك يقتضي الجنس ؛ كقولك : لا رجل أكرم من زيد ؛ يقتضي أنَّ زيداً يقع عليه اسم رجل، كذلك قوله : ((لا شخص أغير من الله)) ؛ يقتضي أنه سبحانه يقع عليه هذا الاسم)).اهـ.
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله في ((شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/335) : ((قال (أي : البخاري) : باب : قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((لا شخص أغير من الله)). الغيرة بفتح الغين 000 والشخص : هو ما شخص وبان عن غيره ، ومقصد البخاري أنَّ هذين الاسمين يطلقان على الله تعالى وصفاً له ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبتهما لله ، وهو أعلم الخلق بالله تعالى)).اهـ.
وتعقيباً على قول عبيد الله القواريري : ((ليس حديثٌ أشدَّ على الجهمية من هذا الحديث (يعني : حديث مسلم))) ؛ قال حفظه الله (1/338) :
((وبهذا يتبين خطأ ابن بطال في قوله : ((أجمعت الأمة على أنَّ الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص ؛ لأن التوقيف لم يرد به))اهـ. ذكره الحافظ.وهذه مجازفة ، ودعوى عارية من الدليل ؛ فأين هذا الإجماع المزعوم؟! ومن قاله سوى المتأثرين ببدع أهل الكلام ؛ كالخطاب ، وابن فورك ، وابن بطال ؛ عفا الله عنا وعنهم؟!
وقوله : ((لأن التوقيف لم يرد به)) : يبطله ما تقدم من ذكر ثبوت هذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرق صحيحة لا مطعن فيها ، وإذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وجب العمل به والقول بموجبه ، سواء كان في مسائل الاعتقاد أو في العمليات ، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم إطلاق هذا الاسم - أعني : الشخص - على الله تعالى ، فيجب اتباعه في ذلك على من يؤمن بأنه رسول الله ، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم بربه وبما يجب له وما يمتنع عليه تعالى من غيره من سائر البشر.
وتقدم أنَّ الشخص في اللغة : ما شخص وارتفع وظهر ؛ قال في ((اللسان)) : ((الشخص كل جسم له ارتفاع وظهور)) ، والله تعالى أظهر من كل شيء وأعظم وأكبر، وليس في إطلاق الشخص عليه محذورٌ على أصل أهل السنة الذين يتقيدون بما قاله الله ورسوله))اهـ.
- الصِّفَةُ
يجوز إطلاق هذه اللفظة وإضافتها إلى الله تعالى ، فتقول : صفة الله ، وصفة الرحمن ، ومن صفاته وأوصافه كذا 000 ونحو ذلك ، وهذا ثابت بمفهوم القرآن ومنطوق السنة.
الدليل من الكتاب :
1- قوله تعالى : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون } [الصافات :180]
وسيأتي توجيه ابن حجر للآية.
الدليل من السنة :
حديث عائشة رضي الله عنها ؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته ، فيختم بـ { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } ، فلما رجعوا ؛ ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ((سلوه : لأي شيء يصنع ذلك؟)). فسألوه ، فقال : لأنها صفة الرحمن ، وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((أخبروه أن الله يحبه)) رواه : البخاري (7375) ، ومسلم (813)
وقد بوَّب البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد من ((صحيحه)) : ((باب : قول الله تعالى : { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ، { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون } { وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ } ، ومن حلف بعزة الله وصفاته)).
وقال : ((باب : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ } ؛ فسمى الله تعالى نفسه شيئاً ، وسمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً ، وهو صفةٌ من صفاته)) اهـ.
ومن طالع كتب السلف رحمهم الله ؛ كـ ((كتاب التوحيد)) لابن خزيمة ، و((كتاب التوحيد)) لابن منده ، و ((رد الدارمي على المريسي)) ، وغيرهم ؛ وجد أنهم يستخدمون ذلك كثيراً.
وأنكر ابن حزم إطلاق الصفة ، ورد عليه الحافظ في ((الفتح)) (13/356) ؛ فقال : ((وفي حديث الباب حجة لمن أثبت أن لله صفةً ، وهو قول الجمهور ، وشذَّ ابن حزم ، فقال : هذه لفظة اصطلح عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم ، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه ، فإن اعترضوا بحديث الباب ؛ فهو من أفراد سعيد بن أبي هلال ، وفيه ضعف. قال : وعلى تقدير صحته ؛ فـ { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } صفة الرحمن كما جاء في هذا الحديث ، ولا يزاد عليه ؛ بخلاف الصفة التي يطلقونها ؛ فإنها في لغة العرب لا تطلق إلا على جوهرٍ أو عَرَضٍ. كذا قال! وسعيد متفق على الاحتجاج به ؛ فلا يلتفت إليه في تضعيفه ، وكلامه الأخير مردود باتفاق الجميع على إثبات الأسماء الحسنى ، قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا } .وقال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر : { لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى } ، والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات ، ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته ؛ لأنه إذا ثبت أنه حي مثلاً ؛ فقد وُصف بصفة زائدة على الذات ، وهي صفة الحياة ، ولولا ذلك ؛ لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط ، وقد قال سبحانه وتعالى : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون } ، فنَزَّه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص ، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع)).اهـ.
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في ((شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/63) بعد إيراده جملة من آيات وأحاديث الصفات ، منها حديث عائشة ؛ قال :
((وقال الله تعالى : { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون } ، وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته ، فثبت بهذه النصوص وغيرها كثير أن لله صفات ، وأن كل اسم تسمى الله به يدل على الصفة ؛ لأن الأسماء مشتقة من الصفات)).

الْعَزْمُ
صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالسنة الصحيحة .
الدليل :
حديث أم سلمة رضي الله عنه في ((صحيح مسلم)) (918-5) ؛ قالت : (( 000 فلما توفي أبو سلمة ؛ قلت : من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ! ثم عَزَمَ الله لي ، فقلتها )). قالت : (( فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم)) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (16/303) : ((وهل يجوز وصفه بالعَزْم؟ فيه قولان : أحدهما : المنع ؛ كقول القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى ، والثاني : الجواز ، وهو أصح ؛ فقد قرأ جماعة من السلف : { فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } ؛ بالضم ، وفي الحديث الصحيح من حديث أم سلمة : ((ثم عَزَمَ الله لي)) ، وكذلك في خطبة مسلم : ((فعَزَمَ لي)) ))اهـ . ....
قلت : والعَزْمُ في حق المخلوقين عقد القلب على إمضاء الأمر ، ولا نقول في حق الله : كيف؟ بل نثبته على وجه يليق بجلاله وعظمته ، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ } . ومعناه في اللغة : الجد وإرادة الفعل .

النِّسْيَانُ (بمعنى الترك)
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب :
1- قوله تعالى : { نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ } [التوبة : 67].
2- وقوله : { فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا } [الأعراف:51]
3- و قوله : { فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ } [السجدة : 14].
4- و قوله : { وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } [الجاثية : 34].
الدليل من السنة :
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رؤية الله يوم القيامة ، وفيه : أنَّ الله يلقى العبد ، فيقول : أفظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول : لا. فيقول - أي : الله عَزَّ وجَلَّ - فإني أنساك كما نسيتني 000)). رواه مسلم (2968).
قال الإمام أحمد في : ((الرد على الزنادقة والجهمية)) (ص 21) : ((أما قوله : { فَالْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا } ؛ يقول : نترككم في النار ؛ { كما نَسيتُمْ } ؛ كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا)).اهـ.
وقال ابن فارس في ((مجمل اللغة)) (ص 866) : ((النِّسْيان : الترك ، قال الله جَلَّ وعَزَّ : { نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ } )) اهـ.
وقال الطبري في تفسير قوله تعالى { نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ } : (( معناه : تركوا الله أن يطيعوه ويتبعوا أمره ، فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته ، وقد دللنا فيما مضى على أنَّ معنى النسيان : الترك ، بشواهده فأغنى ذلك عن إعادته ههنا ))
وسُئِل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في ((مجموع فتاوى ورسائل)) (3/54-56/رقم 354) السؤال التالي : هل يوصف الله تعالى بالنِّسْيَان ؟.
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : ((للنِّسْيَان معنيان :
أحدهما : الذهول عن شيء معلوم ؛ مثل قوله تعالى : { رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا } )) -وضرب مجموعة من الأمثلة لذلك- ثم قال : ((وعلى هذا؛ فلا يجوز وصف الله بالنِّسْيَان بهذا المعنى على كل حال.
والمعنى الثاني للنِّسْيَان : الترك عن علم وعمد ؛ مثل قوله تعالى : { فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ 000 } الآية ، ومثل قوله تعالى : { وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } ؛ على أحد القولين ، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في أقسام أهل الخيل : ((ورجل ربطها تغنياً وتعففاً ، ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها ؛ فهي له كذلك ستر)). وهذا المعنى من النِّسْيَان ثابت لله تعالى عَزَّ وجَلَّ ؛ قال الله تعالى : { فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ } ، وقال تعالى في المنافقين : { نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } . وفي ((صحيح مسلم)) في (كتاب الزهد والرقائق) عن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال : قالوا : يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ (فذكر الحديث ، وفيه : ((أنَّ الله تعالى يلقى العبد ، فيقول : أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول : لا. فيقول : فإني أنساك كما نسيتني)).
وتركُه سبحانه للشيء صفةً من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته ؛ قال الله تعالى : { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ } ، وقال تعالى : { وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ } ، وقال: { وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً } والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه.
وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين ، وإن شاركه في أصل المعنى ؛ كما هو معلوم عند أهل السنة)).

الْمَلَلُ
ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم :((عليكم بما تطيقون، فوالله ؛ لا يمل الله حتى تملوا)). رواه البخاري (43) ، ومسلم (785)
وفي رواية لمسلم : ((فوالله ؛ لا يسأم الله حتى تسأموا)).
قال أبو إسحاق الحربي في ((غريب الحديث)) (1/338) : ( (قوله : ((لا يَمَلُّ الله حتى تملوا)) : أخبرنا سلمة عن الفراء ؛ يقال : مللت أمَلُّ : ضجرت، وقال أبو زيد : ملَّ يَمَلُّ ملالة ، وأمللته إملالاً ، فكأنَّ المعنى لا يملُّ من ثواب أعمالكم حتى تملُّوا من العمل))اهـ.
قلت : وهذا ليس تأويلاً ، بل تفسير الحديث على ظاهره ؛ لأنَّ الذين أوَّلُوه كالنووي في ((رياض الصالحين)) (باب الاقتصاد في العبادة) ، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (فصل ما جاء في المِلال) ؛ قالوا : معنى لا يَمَلُّ الله ؛ أي : لا يقطع ثوابه ، أو أنه كناية عن تناهي حق الله عليكم في الطاعة.
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم في ((الفتاوى والرسائل)) (1/209) : (( ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا)) : من نصوص الصفات ، وهذا على وجه يليق بالباري ، لا نقص فيه ؛ كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر)).
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في ((مجموعة دروس وفتاوى الحرم)) (1/152) : هل نستطيع أن نثبت صفة الملل والهرولة لله تعالى ؟ فأجاب: ((جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا)).
فمن العلماء من قال : إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله ، لكن ؛ ملل الله ليس كملل المخلوق ؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص ؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء ، أما ملل الله ؛ فهو كمال وليس فيه نقص ، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً.
ومن العلماء من يقول : إنَّ قوله : ((لا يَمَلُّ حتى تملوا)) ؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل ؛ فإنَّ الله يجازيك عليه ؛ فاعمل ما بدا لك ؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل ، وعلى هذا ، فيكون المراد بالملل لازم الملل.
ومنهم من قال : إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً ؛ لأنَّ قول القائل : لا أقوم حتى تقوم ؛ لا يستلزم قيام الثاني ، وهذا أيضاً : ((لا يمل حتى تملوا)) ؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله عَزَّ وجَلَّ.
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره ، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل ؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق))اهـ.

الْمُمَاحَلَةُ وَ الْمِحَالُ
من صفات الله الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالكتاب العزيز.
الدليل :
قوله تعالى : { وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } [الرعد :13]
نقل الأزهري في ((تهذيب اللغة))(5/95) قول القتيبي في قول الله جَلَّ وعَزَّ : { وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } ؛ أي : شديد الكيد والمَكْر ، وقول سفيان الثوري : { شَدِيدُ الْمِحَالِ } ؛ قال : شديد الانتقام . وقول أبي عبيد : { الْمِحَالِ } : الكيد والمَكْر. وقول الفراء : { الْمِحَالِ } : المُمَاحلة. وغيرها من الأقوال .
وفي ((الصحاح)) : (( (المُمَاحلة) : المماكرة والمكايدة ))اهـ.
وقال الخطابي في ((غريب الحديث)) (3/152) : { الْمِحَالِ } : الكيد ، ومنه قول الله تعالى : { وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } ))اهـ.
وقد استشهد شيخ الإسلام بهذه الآية في ((الواسطية)) (ص 122) لإثبات هذه الصفة مع الآيات التي فيها صفة المَكْر والكيد.
وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية : ((وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى : { وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ } )).
وقال الشيخ زيد بن فياض في ((الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية)) (ص 114) : ((وفي هذه الآيات إثبات وصف الله بالمَكْر والكيد والمُمَاحلة ، وهذه صفات فعلية تثبت لله كما يليق بجلاله وعظمته ، قوله : { وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ } ؛ أي : الأخذ بشدة وقوة ، والمِحَال والمُمَاحلة المماكرة والمغالبة)). اهـ.
وبنحوه قال الشيخ عبد العزيز السلمان في ((الكواشف الجلية))(ص266)


الْمَنُّ وَ الْمِنَّةُ
صفةٌ فعلِيَّةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسُّنَّة ، و(المَنَّان) من أسماء الله الثابتة بالحديث الصحيح.
الدليل من الكتاب :
1- قوله تعالى : { لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ } [آل عمران : 164].
2- وقوله : { وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } [إبراهيم : 11]
الدليل من السُّنَّة :
1- حديث أنس رضي الله عنه : ((اللهم أسألك بأنَّ لك الحمد ، لا إله إلا أنت ، المنَّان ، بديع السماوات والأرض …)). حديث صحيح رواه : الأربعة ، والحاكم ، وصححه ووافقه الذهبي ، وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (1325). انظر تخريجه في صفة (الحَنَان).
2- حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : ((… إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه ، فقال : ما أجلسكم؟قالوا : جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا …)). رواه مسلم (2701).
قال الراغب الأصفهاني في ((المفردات)) : ((المِنَّة : النعمة الثقيلة ، ويقال ذلك على وجهين : أحدهما : أن يكون ذلك بالفعل ، فيقال : منَّ فلان على فلان : إذا أثقله بالنعمة ، وعلى ذلك قوله : { لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ } [آل عمران :164] ، { كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ } [النساء :94] { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ } [الصافات : 114]، { يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ } [إبراهيم : 11] ، { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا } [القصص : 5] وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى. والثاني : أن يكون ذلك بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس ؛ إلا عند كفران النعمة))اهـ.
وقال في ((القاموس المحيط)) ((منَّ عليه منَّاً : أنعم واصطنع عنده صنيعة ومِنَّة … والمنَّان من أسماء الله تعالى ؛ أي : المعطي ابتداءً)).

الْمَوْجُوُدُ
يُخْبَر عن الله عَزَّ وجَلَّ بأنه موجود ، وليس الموجود من أسمائه تعالى.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (6/142) : ((ويفرق بين دعائه والإخبار عنه ، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى ، وأما الإخبار عنه ؛ فلا يكون باسم سيء ، لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيء ، وإن لم يحكم بحسنه ؛ مثل : شيء وذات وموجود)).
وانظر كلامه في (القِدَم) كما في ((مجموع الفتاوى)) (9/300).
وقال في ((دقائق التفسير)) (5/110) في معرض رده على المتكلمين : ((فصار أهل السُّنَّة يصفونه بالوجود وكمال الوجود ، وأولئك يصفونه بعدم كمال الوجود ، أو بعدم الوجود بالكلية ؛ فهم ممثلة معطلة ؛ ممثلة في العقل والشرع ، معطلة في العقل والشرع))اهـ.
وقال ابن القيم في ((بدائع الفوائد)) (1/162) : ((…ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيّاً ؛ كالقديم ، والشيء ، والموجود…)).
وفي ((فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)) (3/138/فتوى رقم 6245) سئلت اللجنة السؤال التالي :
س : لم أجد في أسماء الله وصفاته اسم الموجود ، وإنما وجدت اسم الواجد، وعلمت في اللغة أنَّ الموجود على وزن مفعول ، ولابد أن يكون لكل موجود موجِد كما أنَّ لكل مفعول فاعل ، ومحال أن يوجد لله موجِد . ورأيت أنَّ الواجِد يشبه اسم الخالِق ، والموجود يشبه اسم المخلوق ، وكما أنَّ لكل موجود موجِد ؛ فلكل مخلوق خالق ؛ فهل لي بعد ذلك أن أصف الله بأنه موجود؟.
وقد أجابت اللجنة بتوقيع كل من الشيخ : عبد العزيز بن باز ، عبدالرزاق عفيفي ، عبدالله بن غديان ، عبدالله بن قعود.
((الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على رسوله وآله ، وصحبه وبعد :
ج : وجود الله معلوم من الدين بالضرورة ، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء ، حتى المشركين ، لا ينازع في ذلك إلا مُلْحِد دهري ، ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجِد ؛ لأنَّ الوجود نوعان :
الأول : وجود ذاتي ، وهو ما كان وجوده ثابتاً له في نفسه ، لا مكسوباً له من غيره ، وهذا هو وجود الله سبحانه وصفاته ؛ فإنَّ وجوده لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم ، { هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }
الثاني : وجود حادث ، وهو ما كان حادثاً بعد عدم ، فهذا الذي لابد له من موجد يوجده وخالق يحدثه ، وهو الله سبحانه ، قال تعالى : { اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ - لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ } ، وقال تعالى : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ - أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ } .
وعلى هذا يوصف الله تعالى بأنه موجود ، ويخبر عنه بذلك في الكلام ، فيقال : الله موجود ، وليس الوجود اسماً ، بل صفة. وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ))اهـ.
قلت : الأولى أن يُقال : حي ؛ بدل : موجود. انظر : القاعدة الرابعة. أما قول السائل : إنه وجد الواجِد من أسماء الله تعالى ؛ فهذا غير صحيح ، ولم يثبت في كتاب ولا سنة. والله أعلم.
انتقاء غالب الساقي المشرف على موقع روضة السلفيين www.salafien.com