كتبه غالب الساقي المشرف على موقع روضة السلفيين www.salafien.com
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم اختيار جنس المولود
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور من أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أما بعد :
قال الأستاذ الدكتور عبد الله بن حمد الغطميل :
(( فمع التقدمِ المذهلِ في شتى العلومِ برزت في هذا العصرِ مسألةُ اختيارِ جنسِ الجنينِ، وتوصيفها بشكل مختصر ومبسط أن علماءَ الطبِ قد توصلوا إلى سببِ الإذكارِ والإيناثِ في جنينِ الإنسان، وتوصيفُه أن بويضةَ المرأةِ تحملُ صبغة (x) وماءُ الرجلِ يحملُ صبغتين (x) و (y) فإذا لُقحت بويضةُ المرأةِ بحيوان منوي(x) خُلق المولودُ أنثى. و إذا لقحت بحيوان منوي (y) خُلق المولودُ ذكرا.
ولما توصلوا إلى هذا السببِ وعرفوه انتقلوا إلى مرحلة ثانية، وهي دعوى قدرتُهم على اختيارِ جنس الجنين، وذلك عن طريقِ التخصيب الداخلي أو الخارجي بإحدى صبغتي الرجل (x) و(y)، فمن يرغبُ في ذكر يُخصب له بالصبغة (y)، ومن يرغبُ في أنثى يُخصب له بالصبغةِ (x)، وقالوا إن نسبةَ نجاحِ التخصيبِ والعلوقِ (25%) فإذا تم التخصيبُ والعلوقُ كانت نسبةُ النجاحِ (99%)، وقالوا إن هذا لا ينافي الإرادةَ الإلهيةَ، بل هو من جملةِ الأسبابِ، وقد انقسمَ الفقهاءُ المعاصرون في ذلك على قولين:أحدُهما يمنعُ ذلك, والآخرُ يجيزُه (( انتهى .
هل الشرع يدل على أن الإنسان لا يمكن أن يتوصل إلى معرفة جنس الجنين
يمكن لشخص أن يحتج بأن الإنسان لا يمكن أن يتوصل إلى معرفة جنس الجنين وهو في بطن أمه فضلا عن اختياره بقوله تعالى: (( إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير )) [34: لقمان ]
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ « مَفَاتِيحُ الْغَيْبِ خَمْسٌ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ اللَّهُ لاَ يَعْلَمُ مَا فِى غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ مَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى يَأْتِى الْمَطَرُ أَحَدٌ إِلاَّ اللَّهُ ، وَلاَ تَدْرِى نَفْسٌ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ، وَلاَ يَعْلَمُ مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ إِلاَّ اللَّهُ » رواه البخاري .
ولكن إن ثبت في الواقع معرفة جنس الجنين أو معرفة أسباب من خلالها يستطيع الإنسان أن يختار جنس الجنين فلا يمكن أن يكون معنى هذه هذه الآية الكريمة والحديث الشريف نفي ذلك لئن الشرع لا يمكن أن ينفي وقوع شيء يقع في الحقيقة فما جواب العلماء على الاسشكال الواقع لبعض الناس من هذه النصوص أنقل فتوى اللجنة الدائمة وفتوى ابن عثيمين في ذلك :
فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
السؤال الخامس من الفتوى رقم ( 4910 ) :
س5: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: سورة لقمان الآية 34 إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ من ضمن الآية الكريمة أن الله يقول: سورة لقمان الآية 34 وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ لقد صار بيني وبين أحد الأصدقاء نقاش كبير حول هذه الآية، فلقد قال لي: إن العلم الحديث والأطباء قد توصلوا لمعرفة ما في رحم المرأة هل هو ذكر أم أنثى بواسطة الأشعة، وقلت له: الله سبحانه يقول: سورة لقمان الآية 34 وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ هل معنى الآية: أن العلم لم يكتشف ما في الأرحام أم إن الآية تفسيرها غير ذلك؟
ج5: ثبت في الأحاديث الصحيحة أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، وأنها المذكورة في الآية المسؤول عنها، من ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح البخاري تفسير القرآن (4499),صحيح مسلم الإيمان (10),سنن النسائي الإيمان وشرائعه (4991),سنن ابن ماجه الفتن (4044),مسند أحمد بن حنبل (2/426). مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : سورة لقمان الآية 34 إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ وفي رواية له عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحيح البخاري التوحيد (6944),مسند أحمد بن حنبل (2/24). مفاتيح الغيب خمس ثم قرأ: سورة لقمان الآية 34 إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ رواه الإمام أحمد عنه وعن ابن مسعود بمعناه، وروي من طرق أخرى تؤيد ما دلت عليه الآية، ومعنى الآية: أن الله تعالى استأثر بعلم الساعة فلا يجليها لوقتها إلا هو، فلا يعلمها لميقاتها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقد أعلمهم الله بأماراتها، ولا يعلم متى ينزل الغيث ولا في أي مكان ينزل إلا الله، وقد يعرف ذلك أهل الخبرة عند وجود الأمارات وانعقاد الأسباب علما تقريبيا إجماليا يشوبه شيء من التخمين وقد يتخلف، واختص سبحانه أيضا بعلم ما في الأرحام تفصيلا من جهة تخلقه وعدم تخلقه ونموه وبقائه لتمام مدته وسقوطه قبلها حيا أو ميتا وسلامته وما قد يطرأ عليه من آفات دون أن يكسب علمه بذلك من غيره أو يتوقف على أسباب أو تجارب، بل يعلم ما سيكون عليه قبل أن يكون وقبل أن تكون الأسباب فإن لمقدر الأسباب وموجدها علما لا يتخلف ولا يختلف عنه الواقع وهو الله سبحانه، وقد يطلع المخلوق على شيء من أحوال ما في الأرحام من ذكورة أو أنوثة أو سلامة أو إصابته بآفة أو قرب ولادة أو توقع سقوط الحمل قبل التمام لكن ذلك بتوفيق من الله إلى أسباب ذلك من كشف بأشعة لا من نفسه ولا بدون أسباب ذلك بعد ما يأمر الله الملك بتصوير الجنين، ولا يكون شاملا لكل أحوال ما في الرحم، بل إجمالا في بعضه مع احتمال الخطأ أحيانا، ولا تدري نفس ماذا تكسب غدا من شؤون دينها ودنياها، فهذا أيضا مما استأثر الله بعلمه تفصيلا، وقد يتوقع الناس كسبا أو خسارة على وجه الإجمال مما يبعث أملا وإقداما على السعي أو خوفا وإحجاما بناء على أمارات وظروف محيطة بهم فكل هذا لا يسمى علما، وكذا لا تدري نفس بأي أرض تموت في بر أو بحر في بلدها أو بلد آخر، إنما يعلم تفصيل ذلك الله وحده فإنه سبحانه له كمال العلم والإحاطة بجميع الشؤون علنها وغيبها ظاهرها وباطنها.
وجملة القول: إن علم الله من نفسه غير مكتسب من غيره ولا متوقف على أسباب وتجارب، وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يشوب علمه غموض ولا يتخلف، وأنه عام شامل لجميع
الكائنات تفصيلا جليلها ودقيقها بخلاف غيره سبحانه، والله المستعان.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتوى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله
في مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين - (ج 1 / ص 35) ما يلي :
( 23 ) سئل فضيلة الشيخ : كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته، وقوله تعالى : ( ويعلم ما في الأرحام ) وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلي الله عليه وسلم عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية وما جاء عن قتادة رحمه الله ؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى : ( ما في الأرحام ) ؟
فأجاب بقوله : قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريحُ القرآنِ الكريم مع الواقع أبداً، وأنه إذا ظهر في الواقعِ ما ظاهرُه المعارضة، فإما أن يكون الواقعُ مجردَ دعوى لا حقيقةَ له، وإما أن يكون القرآنُ الكريم غيرَ صريح في معارضته، لأن صريحَ القرآن الكريم وحقيقةَ الواقع كلاهما قطعي، ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً .
فإذا تبين ذلك فقد قيل : إنهم الآن توصلوا بواسطةِ الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام، والعلمِ بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام، وإن كان صدقاً فإنه لا يعارضُ الآية، حيث إن الآيةَ تدل على أمر غيبي هو متعلَق علمِ الله تعالى في هذه الأمور الخمسة، والأمورُ الغيبيةُ في حالِِ الجنينِ هي : مقدارُ مدتهِ في بطنِ أمه، وحياتهِ، وعملهِ، ورزقهِ، وشقاوتهِ أو سعادتهِ، وكونه ذكراً أم أنثى، قبل أن يخلَّق، أما بعد أن يخلق، فليس العلم بذكورته أو أنوثته من علم الغيب، لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة، إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة، التي لو أزيلت لتبين أمره، ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى . وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة، وكذلك لم تأت السنة بذلك.
وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي، صلي الله عليه وسلم عما تلد امرأته، فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً رحمه الله من التابعين.
وأما تفسير قتادة رحمه الله فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يخلق، أما بعد أن يخلَّق فقد يعلمه غيره.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان: وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه . أ.هـ.
وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله تعالى: ( ما في الأرحام) . فنقول : إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع، وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص، أو الإجماع، أو القياس، أو الحس، أو العقل وكلامهم في ذلك معروف.
وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته.
والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريحَ القرآن الكريم، وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى، أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم، ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة.
والناس في هذه المسألة طرفان ووسط:
فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح، وأنكر خلافَه من كل أمر واقع متيقن، فجلب بذلك الطعن إلى نفسه في قصوره أو تقصيره، أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن.
وطرف أعرض عما دل عليه القرآن الكريم وأخذ بالأمور المادية المحضة، فكان بذلك من الملحدين.
وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع، وعلموا أنَّ كلاًّ منهما حق، ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان، فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول، وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم، وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.وفقنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك، وجعلنا هداة مهتدين، وقادة مصلحين، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت، وإليه أنيب)). انتهى كلامه .
ومما يدل على أن اختيار جنس الجنين له أسباب حسية يمكن للبشر أن يتوصل إليها ويعمل بها ما جاء في صحيح مسلم عن ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ كُنْتُ قَائِمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَجَاءَ حَبْرٌ مِنْ أَحْبَارِ الْيَهُودِ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مُحَمَّدُ. فَدَفَعْتُهُ دَفْعَةً كَادَ يُصْرَعُ مِنْهَا فَقَالَ لِمَ تَدْفَعُنِى فَقُلْتُ أَلاَ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَقَالَ الْيَهُودِىُّ إِنَّمَا نَدْعُوهُ بِاسْمِهِ الَّذِى سَمَّاهُ بِهِ أَهْلُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « إِنَّ اسْمِى مُحَمَّدٌ الَّذِى سَمَّانِى بِهِ أَهْلِى ». فَقَالَ الْيَهُودِىُّ جِئْتُ أَسْأَلُكَ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « أَيَنْفَعُكَ شَىْءٌ إِنْ حَدَّثْتُكَ ». قَالَ أَسْمَعُ بِأُذُنَىَّ فَنَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِعُودٍ مَعَهُ. فَقَالَ « سَلْ ». فَقَالَ الْيَهُودِىُّ أَيْنَ يَكُونُ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « هُمْ فِى الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ ». قَالَ فَمَنْ أَوَّلُ النَّاسِ إِجَازَةً قَالَ « فُقَرَاءُ الْمُهَاجِرِينَ ». قَالَ الْيَهُودِىُّ فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ قَالَ « زِيَادَةُ كَبِدِ النُّونِ » قَالَ فَمَا غِذَاؤُهُمْ عَلَى إِثْرِهَا قَالَ « يُنْحَرُ لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِى كَانَ يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا ».
قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ قَالَ « مِنْ عَيْنٍ فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً ». قَالَ صَدَقْتَ. قَالَ وَجِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنْ شَىْءٍ لاَ يَعْلَمُهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ إِلاَّ نَبِىٌّ أَوْ رَجُلٌ أَوْ رَجُلاَنِ. قَالَ « يَنْفَعُكَ إِنْ حَدَّثْتُكَ ». قَالَ أَسْمَعُ بِأُذُنَىَّ.
قَالَ جِئْتُ أَسْأَلُكَ عَنِ الْوَلَدِ قَالَ « مَاءُ الرَّجُلِ أَبْيَضُ وَمَاءُ الْمَرْأَةِ أَصْفَرُ فَإِذَا اجْتَمَعَا فَعَلاَ مَنِىُّ الرَّجُلِ مَنِىَّ الْمَرْأَةِ أَذْكَرَا بِإِذْنِ اللَّهِ وَإِذَا عَلاَ مَنِىُّ الْمَرْأَةِ مَنِىَّ الرَّجُلِ آنَثَا بِإِذْنِ اللَّهِ ». قَالَ الْيَهُودِىُّ لَقَدْ صَدَقْتَ وَإِنَّكَ لَنَبِىٌّ ثُمَّ انْصَرَفَ فَذَهَبَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « لَقَدْ سَأَلَنِى هَذَا عَنِ الَّذِى سَأَلَنِى عَنْهُ وَمَا لِى عِلْمٌ بِشَىْءٍ مِنْهُ حَتَّى أَتَانِىَ اللَّهُ بِهِ ».
فإذا عرفنا أنه يمكن للإنسان أن يتوصل من خلال التجارب العلمية الحسية إلى القدرة على اختيار جنس الجنين بإذن الله فعلينا أن نعرف ما هو الأصل في اختيار جنس الجنين هل هو التحريم أم الحل .
الأصل في السعي إلى تحديد جنس الجنين
اختلف العلماء المعاصرون في الأصل في تحديد جنس الجنين هل هو الجواز أو التحريم والأرجح أنه الجواز للأدلة التالية :
1- أن الأصل في الأشياء هو الإباحة .
2- دعاء إبراهيم وزكريا أن يرزقهما الله ولدا ذكرا .
حكم اختيار جنس الجنين
بعد أن عرفنا أن معرفة جنس الجنين والقدرة على تحديده بإذن الله أمر لا يخالف العقيدة وما هو إلا اكتشاف لسنة من سنن الله الكونية وهو من الأسباب التي خلقها الله وقدرها ولا يكون تأثيرها إلا بإذن الله وأن الأصل في اختيار جنس الجنين هو الإباحة نود أن نعرف مدى جواز اللجوء إلى الطب الحديث واختيار جنس الجنين بالأسباب الحسية التي هدى الله إليها الأطباء في هذا العصر
إن العلماء المعاصرين مختلفون في هذه المسألة فمنهم من رأى المنع مطلقا ومنهم من أجاز في بعض الصور النادرة ومنهم من أجاز بضوابط .
قرار المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي
بشأن موضوع: اختيار جنس الجنين
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ؛ نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته التاسعة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 22ـ27/شوال/1428هـ التي يوافقها 3ـ8/نوفمبر/2007م قد نظر في موضوع: ( اختيار جنس الجنين ) ، وبعد الاستماع للبحوث المقدمة، وعرض أهل الاختصاص، والمناقشات المستفيضة.
فإن المجمع يؤكد على أن الأصلَ في المسلم التسليمُ بقضاءِ الله وقدره، والرضى بما يرزقه الله؛ من ولد ، ذكراً كان أو أنثى، ويحمد الله تعالى على ذلك، فالخيرة فيما يختاره الباري جل وعلا، ولقد جاء في القرآن الكريم ذمُ فعلِ أهلِ الجاهلية من عدم التسليم والرضى بالمولود إذا كان أنثى قال تعالى : ( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ )، ولا بأس أن يرغب المرء في الولد ذكراً كان أو أنثى، بدليل أن القرآنَ الكريم أشار إلى دعاء بعض الأنبياء بأن يرزقهم الولدَ الذكرَ، وعلى ضوء ذلك قرر المجمع ما يلي:
أولاً: يجوز اختيارُ جنس الجنين بالطرق الطبعية؛ كالنظام الغذائي، والغسول الكيميائي، وتوقيت الجماع بتحري وقت الإباضة؛ لكونها أسباباً مباحة لا محذور فيها.
ثانياً: لا يجوز أيُ تدخل طبي لاختيار جنس الجنين، إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية، التي تصيب الذكورَ دون الإناث، أو بالعكس، فيجوز حينئذٍ التدخل، بالضوابط الشرعية المقررة، على أن يكون ذلك بقرار من لجنة طبية مختصة، لا يقل عدد أعضائها عن ثلاثة من الأطباء العدول، تقدم تقريراً طبياً بالإجماع يؤكد أن حالة المريضة تستدعي أن يكون هناك تدخل طبي حتى لا يصاب الجنين بالمرض الوراثي ومن ثم يُعرض هذا التقريرُ على جهةِ الإفتاء المختصة لإصدار ما تراه في ذلك.
ثالثاً: ضرورة إيجاد جهات للرقابة المباشرة والدقيقة على المستشفياتِ والمراكزِ الطبية؛ التي تمارس مثلَ هذه العملياتِ في الدول الإسلامية، لتمنعَ أيَ مخالفة لمضمون هذا القرار. وعلى الجهات المختصة في الدول الإسلامية إصدارُ الأنظمةِ والتعليمات في ذلك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه. انتهى .
هذا ما رآه المجمع الفقهي في هذه المسألة وهو عدم الجواز إلا في حال الضرورة العلاجية في الأمراض الوراثية .
ومن العلماء المعاصرين من يجيز التدخل الطبي لاختيار أحد الجنسين إذا كان ذلك بالضوابط التالية :
الأول : أن لا يكون ذلك سياسة عامة للدولة ولكن يكون أمرا فرديا حتى لا يؤدي ذلك إلى الخلل في التوازن بين الإناث والذكور .
الثاني : أن يكون ذلك للحاجة كأن يكون الشخص قد أنجب مجموعة من أحد الجنسين دون الجنس الآخر أو بسبب مرض وراثي أما من غير حاجة فلا يجوز فمن فعل ذلك ابتداء من أول زواجه أو مع إنجابه لكلا الجنسين فلا يجوز .
(( الثالث: اتخاذ الضمانات اللازمة والتدابير الصارمة لمنع أي احتمال لاختلاط المياه المفضي إلى اختلاط الأنساب.
الرابع: التأكيد على حفظ العورات وصيانتها من الهتك، وذلك من خلال قصر الكشف على موضع الحاجة قدرًا وزمانًا، وأن يكون من الموافق في الجنس درء للفتنة ومنعًا لأسبابها.
الخامس: المراقبة الدائمة من الجهات ذات العلاقة لنسب المواليد وملاحظة الاختلال في النسب واتخاذ الإجراءات المناسبة من القوانين والتنظيمات لمنعه وتوقيه .
السادس: أن يكون تحديد جنس الجنين بتراضي الوالدين: الأب والأم. لأن لكل واحد منهما حقًا في الولد فإن اختلفا. فالأصل بقاء الأمر على حاله دون تدخل في التحديد درءًا لمفسدة الشقاق.
السابع: اعتقاد أن هذه الوسائل ما هي إلا أسباب وذرائع لإدراك المطلوب لاتستقل بالفعل ولا تخرج عن تقدير الله وإذنه، فلله الأمر من قبل ومن بعد ( يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ، أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير ) )) [ رؤية شرعية في تحديد جنس الجنين ] لخالد المصلح .
أما من يرى التحريم فدليله ما في هذه العملية من مفاسد جمة لا تقابل المصلحة المترتبة عليها ولا ضرورة في حرمان الوالدين من جنس من الجنسين تستدعي منهم ارتكاب كل هذه المخاطر . من كشف العورة المغلظة واحتمال اختلاط الأنساب وكثرة النفقات وتعرض الجنين للأمراض والخطر وامتهان الإنسان والاختلال في التوازن الطبيعي بين الجنسين وأننا لو أبحنا ذلك بضوابط فإن هذه الضوابط في الواقع لن تطبق لقلة الثقة من الأطباء وعدم قدرة جل الناس على تمييز الثقة من غيره منهم وأنه يغلب على الظن أن الناحية المادية هي التي ستكون الغالبة في مثل هذه المسألة على الناحية الدينية والخلقية لا سيما في هذا الزمان فلم لا يرضى الإنسان بما قسم الله له ويترك الأمر لله ويجتهد في الدعاء ويأخذ بالأسباب الأخرى التي لا تشتمل على هذه المحاذير . وقد يجعل الله في الأنثى من البركة والخير ما لا يوجد في ذكور كثيرين وقد كان لنبينا صلى الله عليه وسلم البنات دون البنين فإنهم ماتوا في الصغر وكذلك لوط عليه السلام فمن رزق بالإناث دون الذكور فليتذكر ذلك وأن الله تعالى قال في شأن الزوجات (( فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا )) . وقال صلى الله عليه وسلم :
(( لا تكرهوا البنات فإنهن المؤنسات الغاليات )) انظر السلسلة الصحيحة رقم ( 3206 )
وبذلك يظهر ضعف رأي من رأى الجواز وإن جعل له تلك الضوابط والله تعالى أعلم .