حسن مفتي
زوار السفارات

نسبت هذه العبارة إلى الأمير نايف وزير الداخلية وطار بها الركبان في الأفاق ما بين مؤيدٍ ومعارضٍ، ولم تعجب هذه العبارة العشرات ممن ينسبون أنفسهم للثقافة والأدب من المتطفلين على موائد الإعلام والشاشات الملونة، فتراشقوا مع خصومهم إبان وأثناء المعارك التي احتدمت، والمواجهات التي استعرت، في حين تبرأت طائفة ممن نالتهم سهام الاتهام من السفارات والغرب والسياسة، بل والحي الدبلوماسي في مدينة الرياض برمته !

ومرت الأيام وبضعة أشهرٍ وأطلت رؤوس القوم ثانيةً – كما تطل الأفعى من جحرها - على استحياء مرةً أخرى، فكتب صاحب إحدى الزوايا الغريبة - ذات البعد الطريف السخيف - في صحافتنا العتيقة مقالةً عن زوار السفارات، وقال : إن هذا اللقب ألصق زوراً بكل من احتاج إلى تأشيرةٍ سياحيةٍ أو تعليميةٍ أو طبيةٍ، أو تأشيرةٍ خاصةٍ بتعميده في كنيسة وستمنستر في بريطانيا ! قبل أن يتبسم في حبورٍ بسمةً تفوق بسمة صورته في تلك الصحيفة بالشنب المحلوق واللحية المنتوفة الناسخة لوجهه صورةً طبق الأصل من قفاه البليد، بقوله : ويسري هذا اللقب أيضاً على كل من تقصد سفارتي كوستاريكا وموزنبيق وبوركينا فاسو ! يعني الرجال عامل فيها خفيف العقل ّ أقصد خفيف الظل .

ضحكت كثيراً من خاطرته التي يستعاض بها هذه الأيام عن حل الأحاجي وتمضية الوقت، وتقليب صفحاتٍ حاضرةٍ غائبةٍ من أخبار الحمقى والمغفلين لأبي الفرج قدس الله روحه، لأن صاحبنا لا يزور السفارات عادةً لا ليلاً ولا نهاراً، وأنا أزكيه شخصياً من هذه التهمة الخطرة، لا لطهارته معاذ الله، بل لأن الله جل وعلا أسقط عنه قلم التكليف منذ عقودٍ ! ولو رأيتم صورته في تلك الصحيفة لأدركتم سر الابتسامة المشخصة لمرض دارون، ومتلازمة طويل واهبل !

غير أنه يحوم حول الحمى، فيستضاف في الحرة، القناة الأمريكية سيئة السمعة، ويثني على أوباما - في مقالةٍ سابقةٍ - لأن قناته ( يعدوت أحرنوت ) شرفت بتصريحاته الخطرة، عن علاقة الإدارة الجديدة مع العالم الإسلامي ! ( ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار )

وكنت قد سألت أحد أساتذتي في الكلية، عطفاً على قوله لنا في إحدى المحاضرات : بأن دعوةً شخصيةً وجهت له من قبل السفارة الأمريكية، وأنه رفض إجابة تلك الدعوة، فقلت له عفواً : هل إجابة دعوة أولئك تعد تهمةً ؟! فأجابني بأن وقته لا يسمح بقبول الدعوات، وإنه لا يرى غضاضةً من إجابة الدعوة إلخ ...

من وجهة نظري الشخصية، ليس عيباً أن يزور أولئك المهرجين - وغيرهم من المفتونين وأصحاب المصالح - السفارات ما دامت الدولة قبلت بالتمثيل الدبلوماسي لتلك الدول على أرضها، وليس عيباً أن يتم استقبال مسؤولٍ ما في السفارة للصالح العام، فالمسؤول الأمريكي أو الإسرائيلي لا ينزل عادةً لمستوى أولئك السفهاء كي يجندهم، بل يوجه لهم عادةً قهوجي السفارة وزبال السفارة لإعطائهم الأوامر والتعليمات، فذلك قدرهم عند أسيادهم الغربيين .

وتحضرني في هذا قصة متسول شهيرٍ من متسولي تأشيرة علاجٍ لبلاد عمه سام، حينما سقطت زوجته – شافها الله وهداها - بجلطةٍ في الدماغ أثناء تغطيتها لإحدى المهرجانات المحلية، وتأخر عليه أسياده من موظفي السفارة الأمريكية في التأشيرة، فكتب عريضة شحاذة – تقطر ذلاً - لعمه الأمريكي يقدم فيها نفسه على أنه تنويريي خط 220 وأنه ساهم في مكافحة الإرهاب والبعوض وحمى الوادي المتصدع وحمى الظنك ! ويعلم الله أنه ما كافح وما فعل شيئاً، وإنما تربع على إدارة قناة من القنوات المحلية مع زوجته - التي لولا مرضها، لأطلت علينا من خلال أحوال الطقس أيضاً ! - واستولى عليها كأنها إرث عائلي خالص له !

ولم تقف مهزلة شحاذة فيزا العلاج عند هذا الحد، بل قام صديق له بتوفير الدعم اللوجستي فكتب تزكية له أمام سعادة السفير الأمريكي، يدور محورها على قول الناظم : وتكفى تكفى لا تنساني، يا مستر جون تراني ناخيك، واعلم يا جون أن مقادير الله تقدر على كل إنسان !

حينما دُشنت حركة الدفاع عن الحقوق الشرعية في التسعينات على ثرى المملكة، كنت أستمع للقسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية، فقال تقرير من التقارير البريطانية : اجتمع مع القنصل الأمريكي لتعريفه بأهداف اللجنة، وبعيداً عن صدق ما قيل من كذبه، وبعيداً كل البعد عن اللجنة وأهدافها وما قيل فيها وعنها وما صدر حيالها، قلت لنفسي عطفاً على الخبر :إصلاح تحت ظلال الحراب الأمريكية لا يعد إصلاحاً، بل عمالة سافرة ينأى بها الأحرار والشرفاء، في حين لم ولن ينأى بها عملاء السفارات الأمريكية من أصحاب البدل والشنبات المملوطة، تمهيداً لنمص الحواجب ونتف الرموش بمشيئة الله تعالى، وإن تدثروا بالعلم السعودي الأخضر محتفين بالدلة والفنجان وسعف النخيل !

حسن مفتي
كاتب سعودي