الأدلة التي ذكرها الشيخ حمود التويجرى في تحريم تصوير الوجه أو الرأس من الأحاديث الشريفة وأقوال الصحابة وكلام أهل اللغة .
إطلاق اسم الصورة على الوجه أو الرأس وحده في كلام النبي صلى الله عليه وسلم
الحديث الأول :
عن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تضرب الصورة ) يعني الوجه . رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم .
وقال البخاري في صحيحه ( باب الوسم والعلم في الصورة ) : حدثنا عبيد الله بن موسى عن حنظلة عن سالم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كره أن تُعْلم الصورة ، وقال ابن عمر رضي الله عنهما : ( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تضرب ) . تابعه قتيبة قال : حدثنا العنقزي عن حنظلة وقال : « تضرب الصورة » .
قوله : أن تُعْلم الصورة أي يجعل في الوجه علامة من كي أو وسم . قال الحافظ ابن حجر في ( فتح الباري ) : والمراد بالصورة الوجه . قال : وقد أخرج الإسماعيلي الحديث من طريق وكيع عن حنظلة بلفظ : ( أن تضرب وجوه البهائم ) ، ومن وجه آخر عنه ( أن تضرب الصورة ) . يعني الوجه . وأخرجه أيضًا من طريق محمد بن بكر البرساني وإسحاق بن سليمان الرازي كلاهما عن حنظلة قال : سمعت سالما يسأل عن العلم في الصورة فقال : كان ابن عمر رضي الله عنهما يكره أن تعلم الصورة وبلغنا ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تضرب الصورة ) . يعني بالصورة الوجه . انتهى .
-------------------------
الحديث الثاني :
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورهمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ » .
رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجه ، وقال الترمذي : هذا حديث صحيح .
والمراد بالصور في هذا الحديث الوجوه خاصة لما في الصحيحين عن أبي حازم عن سهل ابن سعد رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « لَيَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي سَبْعُونَ أَوْ سَبْعُ مِائَةِ أَلْفٍ لا يَدْرِي أَبُو حَازِمٍ أَيُّهُمَا قَالَ مُتَمَاسِكُونَ آخِذٌ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لا يَدْخُلُ أَوَّلُهُمْ حَتَّى يَدْخُلَ آخِرُهُمْ وُجُوهُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ » . وروى الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال – فذكر الحديث وفيه - : « فتنجو أول زمرة وجوههم كالقمر ليلة البدر سبعون ألفًا لا يحاسبون » الحديث .
وروى الإمام أحمد أيضاً عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أُعطيتُ سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب وجوههم كالقمر ليلة البدر » .
ففي هذه الأحاديث بيان المراد بالصور في حديث أبي هريرة رضي الله عنه وأنها الوجوه خاصة .
-------------------------
الحديث الثالث :
وعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صُورَةُ وُجُوهِهِمْ عَلَى مِثْلِ صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ » .
الحديث رواه الإمام أحمد والترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح . وهذا لفظ أحمد .
وفي هذا الحديث ، والذي قبله ، تشبيه صورة الزمرة الأولى من أهل الجنة بصورة القمر . ومن المعلوم أن القمر ليس فيه إلاّ صورة الوجه وحده فدل هذا على أن الوجه وحده يسمى صورة فيحرم تصويره سواء كان مفردًا بالتصوير أو كان معه جسم أو بعض جسم .
-------------------------
الحديث الرابع :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو يصف يوسف حين رآه في السماء الثالثة ليلة الإسراء قال : « رأيت رجلاً صورته كصورة القمر ليلة البدر ، فقلت : يا جبريل من هذا ؟ قال : هو أخوك يوسف » .
رواه الحاكم في مستدركه ، وفيه إطلاق اسم الصورة على الوجه لأنه هو الذي يشبه صورة القمر .
-------------------------
الحديث الخامس:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « أَمَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ أَوْ أَلا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ .
رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأهل السنن ، وهذا لفظ البخاري . والمراد بالصورة في هذا الحديث الوجه لما في رواية لمسلم : « أن يجعل الله وجهه وجه حمار » . ففي هذه الرواية بيان المراد بالصورة في الرواية الأولى .
-------------------------
الحديث السادس :
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا سَجَدَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ وَبِكَ آمَنْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ فَأَحْسَنَ صُورَتَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ » .
رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي والدارقطني . وهذا لفظ النسائي .
-------------------------
الحديث السابع :
: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ نَاسًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « نَعَمْ » . الحديث بطوله وفيه : « حَتَّى إِذَا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ بِأَشَدَّ مُنَاشَدَةً لِلَّهِ فِي اسْتِقْصَاءِ الْحَقِّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ لِلَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِإِخْوَانِهِمْ الَّذِينَ فِي النَّارِ يَقُولُونَ رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا وَيُصَلُّونَ وَيَحُجُّونَ فَيُقَالُ لَهُمْ أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَتُحَرَّمُ صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ » .
الحديث متفق عليه وهذا لفظ مسلم .
وقد رواه الإمام أحمد وابن ماجه وفي روايتهما قال : « فَيَقُولُ اذْهَبُوا فَأَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ فَيَأْتُونَهُمْ فَيَعْرِفُونَهُ مْ بِصُوَرِهِمْ لا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ . ورواه النسائي دون قوله : « لا تَأْكُلُ النَّارُ صُوَرَهُمْ » .
والمراد بالصورة في هذا الحديث الوجوه والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد ومسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « إِنَّ قَوْمًا يُخْرَجُونَ مِنْ النَّارِ يَحْتَرِقُونَ فِيهَا إِلا دَارَاتِ وُجُوهِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ .
ويدل على ذلك أيضًا ما جاء في حديث الشفاعة الطويل ، ففيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنْ الْقَضَاءِ بَيْنَ العِبَادِ وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ النَّارِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِمَّنْ كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ أَمَرَ الْمَلائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوهُمْ فَيَعْرِفُونَهُ مْ بِعَلامَةِ آثَارِ السُّجُودِ ، حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى النَّارِ أَنْ تَأْكُلَ مِنْ ابْنِ آدَمَ أَثَرَ السُّجُودِ » . الحديث رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه النسائي وابن ماجه مختصرًا .
وما ذكر في هذا الحديث من تحريم أثر السجود على النار معناه تحريم دارات الوجوه من العصاة المؤمنين على النار ، كما تقدم التصريح به في حديث جابر ، رضي الله عنه .
وَدَارَات الوجوه هي الصور المحرمة على النار كما تقدم ذلك في حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . -------------------------
وفي هذه الأحاديث دليل على أن تصوير الوجوه داخل في عموم النهي عن صناعة الصور واتخاذها لإطلاق اسم الصورة على الوجه في حديث ابن عمر وما ذكر بعده من الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم
إطلاق اسم الصورة على الوجه في كلام الصحابة ، رضي الله عنهم
فقد رواه الإمام أحمد من حديث سالم بن عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر ، رضي الله عنهما ، أنه كان يكره العلم في الصورة . وقال : « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه » . إسناده صحيح على شرط مسلم . وقد رواه البخاري في صحيحه والإسماعيلي بنحوه وتقدم ذكره قريبًا .
وروى الإمام أحمد ومسلم والبخاري في الأدب المفرد من حديث هلال بن يساف ، قال : كنا نبيع البز في دار سويد بن مقرن ، فخرجت جارية فقالت لرجل شيئًا ، فلطمها ذلك الرجل ، فقال له سويد بن مقرن : ألطمت وجهها ؟ لقد رأيتني سابع سبعة وما لنا إلا خادم ، فلطمها بعضنا ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتقها . هذا لفظ البخاري . وفي رواية لمسلم أن سويد بن مقرن قال للذي لطم وجه الخادم : عجز عليك إلا حر وجهها .
ورواه أبو داود بمثله . ورواه الإمام أحمد بنحوه . وفي رواية لمسلم عن سويد بن مقرن أن جارية له لطمها إنسان فقال له سويد : أما علمت أن الصورة محرمة . ورواه البخاري في الأدب المفرد بنحوه والمراد بالصورة الوجه ويدل على ذلك قوله في الرواية الأولى : عجز عليك إلا حُرّ وجهها . وأشار سويد بن مقرن رضي الله عنه بقوله : أما عملت أن الصورة محرمة . إلى ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه » . رواه الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والبخاري في الأدب المفرد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
إطلاق اسم الصورة على الوجه في كلام أهل اللغة :
فقال ابن الأثير في « النهاية » ، وتبعه ابن منظور في « لسان العرب » : وفي حديث ابن مقرن أما علمت أن الصورة محرمة : أراد بالصورة الوجه وتحريمها المنع من الضرب واللطم على الوجه ، ومنه الحديث : كره أن تعلم الصورة أي يجعل في الوجه كي أو سمة . وقال مرتضى الحسيني في « تاج العروس » : والصورة الوجه . ثم ذكر ما ذكره ابن الأثير وابن منظور .
وأما إطلاق اسم الصورة على الوجه في عرف الناس فهو من المعلوم عند الخاصة والعامة فكل عاقل من الكبار والصغار إذا رأى صور وجوه الذين يعرفهم قال : هذه صورة فلان وهذه صورة فلان لا يشك في ذلك .
ومما ذكرته من الأحاديث الصحيحة في إطلاق اسم الصورة على الوجه وحده ، وما قاله ابن عمر وسويد بن مقرن رضي الله عنهما ، في ذلك وما قاله أهل اللغة في ذلك وما هو شائع في العرف عند الناس من إطلاق اسم الصورة على الوجه وحده يعلم أن تصوير الوجه حرام وكبيرة من الكبائر وسواء كان مفردًا بالتصوير أو كان معه جسم أو بعض جسم ، وكذلك اتخاذ ما فيه صورة الوجه إلا فيما يداس ويمتهن كالبساط والوسادة ونحوهما .