تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 5 من 5

الموضوع: الدِّفَاعُ عَنْ حَدِيْثِ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» والرد على السيوطي

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    61

    افتراضي الدِّفَاعُ عَنْ حَدِيْثِ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» والرد على السيوطي

    [SIZE="6"]
    الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه وسلم. أما بعد :
    فقد وقفت على رسالة هزيلة للسيوطي - عفا الله عنا وعنه - وسمها بـ " مسالك الحنفا في والدي المصطفى " ، خلص فيها إلى أن والدي ناجيان وليسا في النار، وقد انبرى له من المعاصرين الدكتور الفاضل أحمد بن صالح الزهراني - حفظه الله - وبين وهاء حججه في كتاب سماه "نقض مسالك السيوطي في والدي المصطفى " فجزاه الله خيرا، لكن الدكتور لم يعط مبحث الرد على السيوطي في تضعيف حديث "إن أبي وأباك في النار" حقَّه؛ صحيح أنه صحح الحديث، لكنه لم يحقق بعض الروايات التي أوردها السيوطي لضرب ومعارضة حديث مسلم كحديث: "إذا مررت بقبر كافر ، فبشره بالنار" بما ستراه في أثناء البحث إن شاء الله تعالى. فأسأل الله العون والتوفيق.
    كتبه
    أبو فاطمة فواز الشمري
    الكويت - الصباحية
    ______________________________ ______________________
    قال السيوطي(1) - عفا الله عنه - : " فإن قلت بقيت عقدة واحدة وهي ما رواه مسلم عن أنس أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي؟ قال: "في النار" فلما قفى دعاه فقال: "إن أبي وأباك في النار"، وحديث مسلم وأبي داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم استأذن في الاستغفار لأمه فلم يؤذن له. فاحلل هذه العقدة. قلت على الرأس والعين: الجواب أن هذه اللفظة وهي قوله أن أبي وأباك في النار لم يتفق على ذكرها الرواة وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وهي الطريق التي رواه مسلم منها وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار، ولكن قال له إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار.
    وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلم بأمر البتة وهو أثبت من حيث الرواية فإن معمر اثبت من حماد فإن حمادا تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئا ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت قال الحاكم في المدخل ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة؟ وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت".
    قلت: حديثُ أنس بن مالك – رضي الله عنه – الذي أخرجه مسلم في صحيحه؛ والذي أشار السيوطيُّ إلى ضعف رواية "إن أبي وأباك في النار" فيه؛ بحجة أن معمراً قد خالف حماد بن سلمة، وأن معمراً أثبت من حماد، هذا كلامٌ باطلٌ لا يصح معه تضعيفُ حديث مسلم، وبرهان ذلك ما يلي:
    قال الإمام مسلم – رحمه الله – في "صحيحه" (1/163): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِى شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: « فِى النَّارِ ». فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ فَقَالَ: « إِنَّ أَبِى وَأَبَاكَ فِى النَّارِ ».
    أخرجه مسلم في "صحيحه" (1/163)، وأبو داود في "سننه" (5/235-ط. عوامة) – ومن طريقه الجورقانيُّ في "الأباطيل والمناكير" (1/386) - ، وأحمد في "المسند" (19/228) و(21/332)، وأبو عوانة في "المستخرج" (1/93)، وابن حبان في "صحيحه" (578-الإحسان)، وابن منده في "الإيمان" (3/117)، وأبو يعلى في "مسنده" (6/229)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (7/190)، وفي "دلائل النبوة" (1/191) من طرق، عن حماد بن سلمة به.
    وقال الجورقاني عقب إخراجه الحديث: "هذا حديث صحيح". قلت: الحديث صحيح
    وأما قوله: "وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار، ولكن قال له إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار. وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلم بأمر البتة وهو أثبت من حيث الرواية فإن معمر اثبت من حماد فإن حمادا تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئا ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت قال الحاكم في المدخل ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة؟ وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت". فالرد عليه من وجهين:
    الأول: أنني بحثت في المصادر التي بين يدي؛ فلم أجد، مخالفة معمر بن راشد لحماد بن سلمة، فلعل السيوطي وقف عليها في مصدر غير مطبوع(2).
    الثاني: سلَّمنا جدلاً أن مخالفة معمر لحماد؛ كلاهما عن ثابت البُناني موجودةٌ، فإن دعواه أن معمراً أثبتُ من حماد في ثابت البُناني أمرٌ يبعث العجب، فإن الحديثيَّ المبتدئ في طلب علم الحديث يعرف أن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت، فكيف بالسيوطي الذي ألف كتاب "تدريب الراوي" الذي صار من الكتب المعتمدة عند المتأخرين والمعاصرين، وكذا ألف "الفية الحديث"؟! والذي كان آيةً في الحفظ؟! أهو الجهل؟! لا أعتقد، أم الهوى؟! الله أعلم.
    ولا بأس أن أذكر أقوال بعض أهل العلم التي تدلل على أن حماد بن سلمة أثبت الناس في ثابت البُناني، وأن معمر بن راشد ضعيف في ثابت.
    قال الإمام يحيى بن معين: "من خالف حماد بن سلمة في ثابت، فالقول قول حماد"(2). وقال أبو بكر ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: "أثبت الناس في ثابت حماد بن سلمة". وقال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله –: "حماد بن سلمة أثبت في ثابت من معمر". وقال الإمام علي ابن المديني: "لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد". وقال يحيى بن معين: "ومعمر عن ثابت ضعيف". وقال: "وحديث معمر عن ثابت،و عن عاصم ابن أبي النجود، وعن هشام بن عروة، وهذا الضرب مضطرب كثير الأوهام"(3). وقال العقيلي(4): "أنكرُ الناس حديثًا عن ثابت : معمرُ بن راشد".
    قال الحافظ الخطيب البغدادي(5): "قال محمد بن بشار – بندار - : "حفاظ الدنيا أربعة: أبو زرعة بالري،
    ومسلم بنيسابور، والدارمي بسمرقند، والبخاري ببخارى." "
    وهذا الحديث لم يذكره الإمام الدارقطني – رحمه الله – في كتابه "الإلزامات والتتبع"، بل مازال الحفاظُ من أهل العلم يتقبلون هذا الحديث بصدر رحب وتسليم تام طالما عهدناه من أهل الحديث. فهذا الإمام البيهقي – عليه رحمة الله تعالى – يُخرّج الحديث كما في "السنن الكبرى" ويقول قبل تخريجه (7/190): "وأبواه – صلى الله عليه وسلم – كانا مُشْركَيْن بدليل ..." ثم ساق الحديث بإسناده. وقال النووي – رحمه الله – (6) "فيه أن من مات على الكفر فهو في النار، ولا تنفعه قرابة المقربين. وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار."
    بل إنه تنكَّب إدخالَ الحديث في كتابه "الجامع الصغير" الذي حَشَدَ فيه كلَّ ما هبَّ ودبَّ(7). لكن صدق الإمام المعلمي – رحمه الله تعالى- حينما قال(8): "كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وُفّق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية. والله المستعان".
    فإذا كان الأمرُ كذلك، فاعلم أن قوله: " وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار، ولكن قال له إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار" مردودٌ؛ وهذه الرواياتُ التي ذكرها منكرةٌ، لمخالفة معمر حماداً في ثابت وقول حماد مقدَّم ، كما تقدَّم من أقوال الجهابذة النقاد.
    قال السيوطي(9): "ثم وجدنا الحديث ورد من حديث سعد بن أبي وقاص بمثل لفظ رواية معمر عن ثابت عن أنس فأخرج البزار والطبراني والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن أعرابيا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم أين أبي قال في النار قال فأين أبوك قال حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار. وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين الاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره. وقد زاد الطبراني والبيهقي في آخره قال فاسلم الأعرابي بعد فقال لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار".
    قلت: ظاهر صنيع السيوطي يدل على أنه يقصد أن حديث: " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار" جاء عن معمر عن ثابت عن أنس، وجاء عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه. أما الأول فقد عرفتَ نكارته، وأما الثاني فأقول وأسأل الله التوفيق والسداد:
    قال الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" (1/145/326): حدثنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن أبي نعيم الواسطي، ثنا إبراهيم بن سعد، عن الزهري عن عامر بن سعد، عن أبيه (سعد ابن أبي وقاص) – رضي الله عنه – قال : جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال: إن أبي كان يصل الرحم وكان وكان فأين هو ؟ قال : "في النار"، فكأن الأعرابي وجد من ذلك فقال: يا رسول الله فأين أبوك ؟ قال : "حيث ما مررت بقبر كافر فبشره بالنار" قال : "فأسلم الأعرابي بعد فقال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه و سلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار".
    أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/145/326)، - ومن طريقه أبونعيم في "معرفة الصحابة" (1/139) -، والبزار في "مسنده" (1/64-65-كشف)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم:596- مع عجالة الراغب المتمني)، - ومن طريقه الضياءُ المقدسيُّ في "الأحاديث المختارة" (3/204) -، والدارقطني في "الغرائب الأفراد" (1/128-أطرافه)، والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/191-192)، وقاضي المارستان في "مشيخته" (رقم: 254) من طرق عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري به. هكذا موصولاً.
    قال البزار – رحمه الله - : "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا سعد ، ولا علم رواه عن إبراهيم بن سعد إلا يزيد بن هارون"، وقال الدارقطني – رحمه الله - : "تفرد به إبراهيم بن سعد عن الزهري عنه".
    وصححه الضياء المقدسي – رحمه الله – وصححه العلامة الألباني(10).
    قلت: لكنه معلول! فكان ماذا؟ أُعلَّ بالإرسال، فقد اخْتُلفَ فيه على الزهري:
    - فرواه الطبراني في "المعجم الكبير" (1/145/326)، وأبو نعيم في "المعرفة" (1/139)، من طريق محمد بن أبي نعيم الواسطي، والبزار في "مسنده" (1/64-65-كشف)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (رقم:596)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (3/204) من طريق زيد بن أخزم، ومحمد بن عثمان بن مخلد (وروايته عند البزار فقط) قالا: ثنا يزيد بن هارون، والدارقطني في "العلل" (4/334) من طريق الوليد بن عطاء بن الأغر، والبيهقي في "دلائل النبوة" (1/191-192) من طريق أبي نعيم الفضل بن دُكَيْن.
    أربعتهم (الواسطي ويزيد بن هارون والأغر والفضل بن دكين) عن إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن عامر بن سعد عن أبيه به موصولاً.
    - ورواه ابن ماجه في "السنن" (رقم: 1573): من طريق محمد بن إسماعيل البَخْتَري، ثنا يزيد بن هارون، إبراهيم بن سعد، عن الزهري، عن سالم، عن أبيه به، قال: فذكره بلفظه موصولاً.
    قلت: روايةٌ محمد بن إسماعيل هذه شاذةٌ، لمخالفته زَيْدَ بْنَ أَخْزَم – وهو ثقة حافظ – و محمدَ بْنَ عثمان بن مخلد – وهو صدوق كما قال أبو حاتم – (11). فالظاهر أن محمداً رواها على الجادة فأخطأ.
    ومنه تعلم أن قولَ البوصيري في "زوائد ابن ماجه": "إسناده صحيح" غيرُ صحيح.
    - وخالف إبراهيمَ بْنَ سَعْد معمرُ بْنُ راشد، فرواه عن الزهري مرسلاً.
    أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (رقم: 19687): عن معمر، عن الزهري قال : جاء أعرابي ... فذكره بلفظه. مرسلاً.
    قلت: والصحيح هو المرسل، فإن معمراً يعد من أوثق الناس في الزهري. قال الدوري عن ابن معين: "أثبت الناس في الزهري مالك ومعمر ثم عد جماعة". وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: "معمر أثبت في الزهري من ابن عيينة"، وقال عثمان الدارمي: "قلت لابن معين: معمر أحب اليك في الزهري أو ابن عيينة أو صالح بن كيسان أو يونس فقال في كل ذلك معمر"(12).
    فلا شك في تقديم روايته على رواية إبراهيم بن سعد الذي قال فيه صالح جزرة: "حديثه عن الزهري ليس بذاك لأنه كان صغيرا حين سمع من الزهري". وقال الذهبي: "ليس هو في الزهري بذاك التثبت"(13).
    وَقَدْ رَجَّحَ المُرْسَلَ الإمامُ أبو حاتم الرَّازيُّ، وصوَّبه الإمامُ الدارقطنيُّ.
    قال الإمام ابن أبي حاتم: " وسَأَلْتُ أَبِي عَنْ حَدِيثٍ ؛ رَوَاهُ يَزِيدُ بْنُ هَارُون ، وَمُحَمَّد بْنُ مُوسى بنِ أَبِي نُعيم الواسطي ، عَن إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْد ، عَن الزهري ، عن عَامرِ بْنِ سَعْد ، عن أَبيه ، قَالَ : جَاءَ أَعْرَابِيٌّ
    إلى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : أَيْنَ أَبِي ؟ قَالَ : في النار قال: فأين أبوك قال : "حيث مررت بقبر كافر فبشره بالنار".
    فقال : كذا رواه يزيد ، وابن أبي نعيم ، ولا أعلم أحدًا يجاوز به الزهري غيرهما ، إنما يروونه عن الزهري ، قال : جاء أعرابي إلى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، والمرسل أشبه"(14).
    وسئل الدارقطنيُّ عن حديث عامر بن سعد عن سعد قال رجل يا رسول الله إن أبي كان يحمل الكل ويفعل ويفعل في الجاهلية قال هو في النار فقال: "يرويه محمد بن أبي نعيم والوليد بن عطاء بن الأغر عن إبراهيم بن وغيره يرويه عن إبراهيم بن سعد عن الزهري مرسلاً وهو الصواب"(15).
    وكذا ممن رجَّح المرسلَ من المعاصرين الشَّيخُ أبو إسحاق الحوينيُّ(16) وفقه الله. فعلى هذا تكون الروايةَ المرسلةَ هي المحفوظةُ، وأما المرفوعُ فمنكرٌ. فالحديث ضعيف لأنه مرسل.
    إذا عرفت هذا تبين لك أن قول السيوطي عقبه: " وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين الاعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره" ساقطٌ لا عبرةَ به.
    أما أخونا الشيخ الفاضل أحمد بن صالح الزهراني، فلم يكتشف علة الحديث، فصحح المرفوع وردَّ قول الدارقطني بتصويب المرسل فقال: "فالذي يظهر أن إبراهيم رواه مرة مرسلاً ومرة مسنداً"(17)
    قلت: وهذا خطأٌ ظاهرٌ بما بينَّاه من ترجيح المرسل(18).
    استدراك:
    قول البزار: "وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا سعد ، ولا علم رواه عن إبراهيم بن سعد إلا يزيد بن هارون".
    قلت: بل توبع يزيد؛ تابعه محمد بن أبي نعيم الواسطي والفضل بن دكين والوليد بن الأغر.
    ثم قال السيوطي: "وقد أخرج ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم وكان فأين هو قال في النار قال فكأنه وجد من ذلك فقال يا رسول الله فأين أبوك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مررت بقبر مشرك فبشره بالنار قال فأسلم الأعرابي بعد قال لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار".
    قلت: تقدَّم الجواب عنه، وأن الصحيح فيه أنه حديثٌ شاذٌ. فأغنى الإعادة هنا.
    ثم قال السيوطي: " ثم رأيت طريقا أخرى للحديث مثل لفظ رواية معمر وأزيد وضوحا وذلك أنه صرح فيه بأن السائل أراد أن يسأل عن أبيه صلى الله عليه وسلم فعدل عن ذلك تجملا وتأدبا. فأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن لقيط بن عامر أنه خرج وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق فقال قدمنا المدينة لانسلاخ رجب فصلينا معه صلاة الغداة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيبا فذكر الحديث إلى أن قال فقلت يا رسول الله هل أحد ممن مضى منا في جاهلية من خير فقال رجل من عرض قريش أن أباك المنتفق في النار فكأنه وقع حر بين جلد وجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل فقلت وأهلك يا رسول الله فقال ما أتيت عليه من قبل قرشي أو عامري مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشرك بما يسوءك. هذه رواية لا إشكال فيها وهي أوضح الروايات وأبينها".
    قلت: الحديث الذي أشار السيوطيُّ هو:
    قال الحاكم في "المستدرك على الصحيحين" (4/605): أخبرنا أبو بكر أحمد بن كامل بن خلف القاضي، ثنا محمد بن سعد العوفي، ثنا يعقوب بن عيسى، ثنا عبد الرحمن بن المغيرة، عن عبد الرحمن بن عياش، عن دلهم بن الأسود عن عبد الله بن حاجب بن عامر عن أبيه عن عمه لقيط بن عامر: فذكره
    وفيه قصة.
    قال الحاكم: "هذا حديث جامع في الباب صحيح الإسناد كلهم مدنيون ولم يخرجاه" وتعقبه الذهبي بقوله: "محمد بن سعد ضعيف".
    قلت: بل هذا إسنادٌ ضعيفٌ جداً مُسَلْسَلٌ بالضُّعَفَاءِ والمَجَاهيلِ.
    محمد بن سعد العوفي قال فيه الخطيب: "كان ليناً في الحديث"(19). ويعقوب بن عيسى قال فيه أبو زرعة: "واهي الحديث"، وقال في موضع آخر: "منكر الحديث"(20)، وقال ابن معين: "أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي، يعني تركوا حديثَه "(21). ودلهم بن الأسود قال الذهب: عداده في التابعين لا يُعرف"(22). وعبد الله بن حاجب لا يُعرف. قاله الذهبي(23).
    فهل يستقيم معه إحتجاج السيوطي به؟! اللهم لا.
    الخلاصة:
    بَعْدَ كُلِّ هَذِهِ الْدِّرَاسِةِ الْوَافِيَةِ – أَحْسَبُهَا كَذَلِكَ – لِمَا أَوْرَدَهُ السِّيُّوطِيُّ مِنْ شُبَهٍ لِضَرْبِ حَدِيْثِ مُسْلِمٍ "إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ"، يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَضْعِيْفَهُ لِلْحَدِيْثِ ضَرْبٌ مِنَ الْتَّخَرُّصِ وَالْرَّجْمِ بِالْغَيْبِ، وَلا تَعْوِيْلَ عَلَى تَضْعِيْفِهِ لِلْحَدِيْثِ بِهَذِهِ الحُجَجِ الغَوْغَائِيَّة ِ الْمَشُوبَةِ بِنَوْعِ عَاطِفَةٍ غَيْرِ مُنْضَبِطَةٍ بِضَوَابِطِ الشَّرْعِ الحَنِيْفِ. فَالْحَدِيْثُ صَحِيْحٌ لاَ إِشْكَالَ فِيْهِ (24). ثُّمَّ بَدَأَ يُوْرِدُ أَحَادِيْثَ أَرَادَ بِهَا مُضَادَّةَ حَدِيْثِ مُسْلِمٍ الْصَّحِيْحِ؛ وَأَنَّى لَهُ ذَلِكَ؟! فَكُلُّ مَا أَوْرَدَهُ ضَعِيْفٌ وَاهٍ لاَ مُسْتَمْسَكَ لَهُ فِيْهَا أَلْبَتَّةَ.
    وَصَلَّى الله عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدِ وَ عَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.

    وكتبه
    أَبُوْ فَاطِمَةَ فَوَّز الشَّمِّرِيُّ
    الحواشــــي:
    ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــ
    (1) رسالة "مسالك الحنفا في والدي المصطفى" للسيوطي عفا الله عنا وعنه (2/226-ضمن الحاوي للفتاوي).
    (2) انظر: "كتاب "نقض مسالك السيوطي" (ص223) للدكتور الفاضل أحمد بن صالح الزهراني.
    (3) انظر هذه الأقوال في "تهذيب الكمال" للمزي (7/262-264)، وفي "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر (1/483،481)،(4/126).
    (4) "الضعفاء" (2/291).
    (5) "تذكرة الحفاظ" للإمام الذهبي – رحمه الله – (2/589)، و"سير أعلام النبلاء" له (12/564،432)، وانظر: "مكانة الصحيحين" (ص33-41) لشيخنا الدكتور عبد العزيز بن ندى العتيبي – حفظه الله - .
    (6) انظر: "شرح مسلم" للنووي (2/76-ط. عالم الكتب).
    (7) انظر: "السلسلة الصحيحة" (6/182).
    (8) كما في تعليقه على "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للإمام الشوكاني (ص322)، استفدته من كلام الإمام المحدث الألباني – رحمه الله – في "السلسة الصحيحة" (6/181).
    (9) "الحاوي للفتاوي" (2/226).
    (10) انظر: "السلسلة الصحيحة" (18).
    (11) انظر: لترجمة محمد بن إسماعيل "تهذيب التهذيب" (3/512)، ولترجمة زيد بن أخزم "تقريب التهذيب" (2126)، ولترجمة محمد بن مخلد "الجرح والتعديل" (7/190)، وقد ذكره (أي: ابن مخلد) ابنُ حبان في "الثقات" (9/118).
    (12) انظر: "تهذيب التهذيب" (4/125).
    (13) انظر: "تهذيب التهذيب" (1/66). و"تهذيب الكمال" (1/94)، و"من تكلم فيه وهو موثق" للذهبي (الورقة: 1).
    (14) "علل الأحاديث" (5/692-693-بعناية الحميّد والجريسي) لابن أبي حاتم .
    (15) "العلل" (4/334).
    (16) رسالة "الفتاوى الحديثية" له (أسئلة عام 1421هـ). فائدة: أَثْنى العَلاَّمةُ الأَلْبَانيُّ على أبي إسْحَاقَ الحُوينيِّ، فقد قال رحمه الله في "السلسلة الصحيحة" (7/1676-1677): "وأنا أعترف له بالفضل في هذا العلم" انتهى بتصرف يسير.
    (17) انظر: كتابه "نقض مسالك السيوطي" (ص228).
    (18) قال الشيخ سليم الهلالي – وفقه الله – في تحقيقه لـ"عمل اليوم والليلة" لابن السُنيّ (2/674) – بعد أن صحح الحديث – "وخالف إبراهيمَ بنَ سعد معمرُ بْنُ راشد، فرواه عن الزهري به مرسلا: أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (10/454/12687). قلت (القائل: الشيخ سليم): والوصل زيادة يجب قبولها وإبراهيم بن سعد ثقة حجة؛ كما في "التقريب"، فتارة كان يرويه الزهري هكذا وتارة هكذا فلا تعارض بينهما، والله أعلم" انتهى كلامه.
    قلت: وهذا كلامٌ فيه نظرٌ؛ وهو ناشيءٌ عن الاعتماد على "التقريب" في نقل حال إبراهيم بن سعد، فلو وسَّع دائرةَ البحث عن حاله؛ لعلم ما قاله الأئمة كصالح جزرة والذهبي – كما سبق نقلُه عنهم – بأن حديثه عن الزهري ليس بذاك التثبت، فمعمرٌ من أثبت الناس في الزهري، فكيف سوَّى بين رواية إبراهيم ومعمر في الزهري وقد علمتَ حالهما عنه؟! فقوله بأنه يجبُ قبولُ زيادة الوصل (أي: رواية إبراهيم بن سعد) أمرٌ تأباه قواعد الصنعة. والله أعلم.
    (19) "تاريخ بغداد" (3/269) للخطيب البغدادي.
    (20) انظر: "العلل" (الترجمة: 2533) لابن أبي حاتم، و"سؤالات البرذعي" (449)، و "تهذيب المزي" (32/370).
    (21) "تهذيب المزي" (32/370)، و"تهذيب التهذيب" (4/447).
    (22) "ميزان الإعتدال" للذهبي (2/28).
    (23) "ميزان الإعتدال" للذهبي (2/405). وانظر: "نقض المسالك" (ص233-234) للدكتور الزهراني.
    (24) إذا عرفت هذا؛ فمن عجب لصنيع حسين أسد الداراني – هداه الله – محقق مسند أبي يعلى حيث أنه صحح حديث مسلم؛وهذا حق، لكن بعد أن نقل قول النووي المتقدم في أن والدي النبي صلى الله عليه وسلم في النار، عقَّب فقال (6/229): "وانظر: "الفتح الرباني" للبنا الساعاتي (8/163-171)، فلما رجعت إلى المصدر المشار إليه، وجدت الساعاتي يذكر تضعيف السيوطي ولم يتعقب حسين أسد السيوطيَّ بشيء ألبتة. فأقول: تُصحح الحديث ثم تحيل إلى مصدر يضعفه؟! ما هذا التناقض؟ ولماذا هذه الإحالة الباطلة؟ أم أن وراء الأكمة ما وراها؟ الله أعلم. والعجب كذلك من صنيع الشيخ علي حسن الحلبي – هداه الله – حين أورد الحديث في كتابه "دراسات علمية في صحيح مسلم" (ص36) مثالاً للأحاديث التي ضعفها العلماء في البخاري أو مسلم حيث قال: "أعله السيوطي في "التعظيم والمنة" (ص179)" وهذه جناية على الحديث وعلى مسلم نفسه، ولكنني لن أرد بل سأترك الرد لشيخ الشيخ علي وهو العلامة الإمام المجدد أبو عبد الرحمن الألباني غفر الله له ورحمه، حيث قال كما في "السلسلة الصحيحة" (6/182): " و من جموحه (أي: السيوطي) في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث الترجمة إعراضاً مطلقاً ، و لم يشر إليه أدنى إشارة ، بل إنه قد اشتط به القلم وغلا ، فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة ! و هو يعلم أنه من أئمة المسلمين و ثقاتهم ، و أن روايتَه عن ثابت صحيحةٌ" "ا.هـ.[/[/right]size]

  2. #2

    افتراضي رد: الدِّفَاعُ عَنْ حَدِيْثِ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» والرد على السيوطي

    جزاك الله خيرا وبارك فيك
    أظن أن الأخ أحمد الأقطش حفظه الله
    ذكر علة في حديث (أبي وأباك في النار) لاتحضرني الآن لعله يفيدنا بها

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Nov 2006
    المشاركات
    2,092

    افتراضي رد: الدِّفَاعُ عَنْ حَدِيْثِ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» والرد على السيوطي

    أخي عبدالرحمن:
    المعذرة؛ عندك وعند الأخ الأقطش تجاسرٌ -إن لم يكن تهوُّرًا- في نقد أحاديث الصحيحين، مع قصورٍ في الإمكانات العلمية -وهذا الأخير واقع فينا جميعًا-، فرحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.

  4. #4

    افتراضي رد: الدِّفَاعُ عَنْ حَدِيْثِ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» والرد على السيوطي

    جزاك الله خيرا
    يا محمد بن عبد الله
    أسأل الله أن لا يزيغ قلوبنا عن الحق وأن لا يوقعنا في الضلال وأن يلهمنا الصواب
    ومن نحن حتى ننتقد أحاديث الصحيحين
    وإنما يعلم الله أن كل ما أطرحه أحيانا حول أحاديث فيهما ما أطرحه إلا للمدارسة وإبداء ما لعله خفي
    وفي الغالب يكون ما أتكلم عنه قد تكلم فيه المتقدمون أو أشاروا إلى شيء من ذلك
    وكما قلت والله إن الإمكانات لقاصرة
    فمن أنا ومن البخاري مثلا والله ثم والله ثم والله إنه لفرق كما بين السماء والأرض
    إن لم أقل مابين الجنة والنار
    .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    61

    افتراضي رد: الدِّفَاعُ عَنْ حَدِيْثِ: «إِنَّ أَبِي وَأَبَاكَ فِي النَّارِ» والرد على السيوطي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرحمن بن شيخنا مشاهدة المشاركة
    جزاك الله خيرا وبارك فيك
    أظن أن الأخ أحمد الأقطش حفظه الله
    ذكر علة في حديث (أبي وأباك في النار) لاتحضرني الآن لعله يفيدنا بها
    هذا التخريج المتواضع من بواكير ما تطفلتُ به على الحديث وأهله -فليس لي في الحديث إلا ما يربو عن السنة بقليل-، على ما فيه من هنَّات وفيه أمور تحتاج إلى ترتيب وتشذيب وتهذيب؛ لكن الحكم على حديث مسلم هو الصواب الذي لا ميل عنه بإذن الله جلَّ وعزَّ. والحديث قد مرَّ على بوابتي الإمامين الدارقطني وابن عمار الشهيد -رحمهما الله- فلم يعترضوا عليه بشيء، حتى أتى بعض الصوفية الدراويش، وتبعهم بعض عاطفيي أهل السنة فضعفوه بلا شيء -على التحقيق-.
    فلا يُستدرك على الدارقطني وابن عمار بكلام المعاصرين فضلاً عن الأخ الأقطش -وفقه الله-.
    ألم تر أن السيف ينقص قدره ... ............................!!
    والله أعلم.
    شيخنا أبا عبدالله بارك الله فيك ونفعَ.

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •