بسم الله الرحمن الرحيم..
عن الأعمش بن أبي الضحى عن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقال: يا أيها الناس، من علم شيئا فليقل به، ومن لم يعلم فليقل: الله أعلم، فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم قال الله -عز وجل- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِي نَ .
خرّجه الشيخان
ولما جاء رجل من أقاصي الآفاق يسأل الإمام مالكاً أجابه عن أربع مسائل وقال في ست وثلاثين(!) :لا أدري..! فشقّ ذلك على الرجل كأنه إنما رجع بخفّي حنين..وقال:ماذا أقول للناس؟!
قل: يقول مالك لا أدري، قل: يقول مالك لا أدري، قل: يقول مالك لا أدري...!
"لا أدري" ذات سرٍ عجيب..يحسبها أنصاف المتعلمين شعار الجهل..
فلا تكاد تسمعها منهم قط..وتلوكها ألسنة العلماء الربانيين
بأيسر ما أنت سامع,,
فتلفظها كما الروح الطيّبة تخرج
من جسم الوليّ أو كالماء
ينساب من في السقاء..
وإليك بيان ذلك..بكلمات يسيرات..
-لا أدري, لا تصدر في الغالب إلا عن متواضع..عرف قدر نفسه وقدر ربّه..فذلّ وخشع..ولم يستعل عنها
-وهي فرعٌ يدل على زخارة العلم , لأن من كان من شأنه أنه يدري في كل أمر , فإنما أوتي من قبل جهله بحقيقة سعة العلم,,فلم يجاوز مد بصره طول ذراعه..ودونه الأفق الرحيب
-وهي اقتفاء للسنة النبوية..كما مرّ في كلام فقيه الصحابة الثبت عبد الله بن مسعود رضي الله عنه"وما أنا من المتكلّفين"
-وهي تشي بالصبر..لأنه لم يجزع أن كان لايدري من بعد طول معالجة للعلم..
-وهي رد العلم إلى العليم الخبير..فهذه الخشية..وكما قال الإمام أحمد:أصل العلم الخشية(أخذها من قول الله تعالى"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
-وهي من الشجاعة ولاريب..فإن الجريء في الحق ,لايضيره أن يقول ذلك..بل يبالغ في توكيدها كما فعل النجمُ مالك
-وهي دالّة على سلوك صاحبها سبيل متين العلم لا فضوله , ذلك أن الله يقول"ولا تقف ما ليس لك به علم" , فمن فقا ماليس له به علم وطلب معرفة ذلك ليكون من أهل "أدري" في كل شيء
لاشك سيرتد طرفه خاسئا وهو حسير..دون أن يحصّل إلا الريب وإن أو همه العُجب..عكس ذلك
-وهي حاثّة صاحبها على لزوم الدعاء البديع اللطيف "رب زني علما"..وأنّى لمن كان يظن نفسه يدري -وهو لا يدري- أن يتفطن لهذا الدعاء والمواظبة عليه والإلحاح في المسألة..من طلب عون الله وتسديده والفتح عليه
أخيرا..
وهل العالم الرباني..إلا المتصف بما سبق؟