يا ناق سيري عنقاً فسيحاً = = إلى سليمان فنستريحـا
(من شواهد اللغة المشهورة)
يقول الشيخ العلامة محمد ابن عثيمين - رحمه الله - "العلم بحور زاخرة" ، وكثير من طلبة العلم - ولا أعفي نفسي - يمضي وقتاً طويلاً من عمره في طلب العلم ، ولكن عن أي علم نتكلم ، وأي علم نقصد ؟ يحضرني كلام الخليفة الراشد علي رضي الله عنه ((العلم نقطة كثرها الجاهلون)) ، والدرس المستفاد من هذه المقولة البليغة أن العلم في ماهيته وكينونته شيء واحد فهو دائرة واحدة تتسع عرضاً وعمقاً ، والتنوع بداخلها ، وهذا هو العلم الرصين ، فهي نقطة واحدة تتسع عرضاً وعمقاً فتصير دائرة ، وهذه هي طبيعة العلم الواحد الذي يرتبط بعضه ببعض ، وقوله "كثرها الجاهلون" يوميء إلى كثرة الدوائر أو قل كثرة النقاط التي قد لاتتسع أية واحدة منها ، لأن الغرض الاستكثار والتكاثر ، فتكون الرحلة العلمية للإنسان عبارة عن نقاط كثيرة مبعثرة ، لم يتسع منها إلا القليل إن اتسع شيء أصلاً لأن الهم منصب على تكثير النقاط. ايه ، نعم..العلم نقطة ، ما أبلغها من عبارة ، اجعل نقطة انطلاقك نقطة ، ثم وسعها ، وعمّقها ، بمزيد من العلم ، ولكن أي علم مرة أخرى ؟ الجواب: العلم النافع ، المحتاج إليه ، الذي يعاب على العالم الجهل به والغفلة عنه ، الذي لا يسع العالم المجتهد إلا أن يعلمه ، هذا هو العلم الذي تناقله الأئمة خلفاً عن سلف ، ولكن ما آفة بعض طلبة العلم ؟ آفته الانحراف عن الجادة في كل مرة ، طلباً لملح العلم النادرة ، وغريب الفوائد - مع أنها فوائد - ، ووحشي المعرفة ! إن صح التعبير ، هذا الدافع مهلك وممتع في آن معاً ، وهذا مصدر خطورته ، لأنه يستهلك محطات من مرحلة الطلب كان من الأنفع جعلها للمهم من العلم ، وهو كثير أيضاً ولكنه محدود في الجملة يسع كل جاد مخلص في الطلب أن يحيط به إن شاء الله ...لماذا ؟ لأن العلم "نقطة"
.
قال ابن القيم - رحمه الله - في الصواعق المرسلة (2 / 448-449) :
((السبب الخامس: الإغراب على النفوس بما لم تكن عارفة به من المعاني الغريب ، التي إذا ظفر الذهن بإدراكها ناله من جنس لذة الظفر بالصيد الوحشي الذي لم يكن يطمع فيه ، وهذا شأن النفوس فإنها موكلة بكل غريب تستحسنه وتؤثره وتنافس فيه حتى إذا كثر ورخص وناله المثرى والمقل زهدت فيه مع كونه أنفع لها وخيراً لها ، ولكن لرخصه وكثرة الشركاء فيه وتطلّب ما تتميز به عن غيرها للذة والاختصاص...))