تلاعب الحكومة الفلبينية بقضية شعب مورو المسلم المظلوم!


تعد قضية شعب مورو المسلم في جنوب الفلبين من القضايا الإسلامية التي تجاهلها العالم الإسلامي؛ مم يهيئ للحكومة الفلبينية التلاعب بها، فعاني الشعب بأجمعه أنواعًا من الظلم والإبادة وغيرهما، والذي كان آخره الحرب الضارية في الوقت الراهن في مناطق شاسعة للمسلمين بـ\"منداناو\"، وذلك بعد فشل المفاوضة بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية التي تمثل كبرى حركات مسلحة إسلامية في المنطقة، والتي كان من المفترض أن تتم مراسم التوقيع النهائي للاتفاق بين الجانبين بماليزيا في الخامس من شهر أغسطس من العام الجاري.

إن مفاوضات السلام بين الجانبين بدأت منذ عام 1997م وبالفعل توصلا إلى بنود مبرمة تمثل مبدأ أساسيًّا في الاتفاقيات اللاحقة يوصل الجانبين إلى حلٍّ عادلٍ نهائي سلمي، وكانت من بين البنود المبرمة ألا يتقيد الدستور الفلبيني لنزاع مسلح بين الجانبين منذ أربعة عقود ثم وضع على حيز التنفيذ ليعلن الجانبان الهدنة في عام 1998م إلا أن الخروقات من قبل الحكومية تكررت ففي عام 2000م فوجئت الجبهة الإسلامية بحرب شاملة تبناها رئيس الفلبيني المخلوع جوزيف إسترادا ضدها؛ مما أدَّت إلى انهيار المفاوضات وسيطرة القوات المسلحة الفلبينية على معسكر أبي بكر الصديق أكبر معاقل الجبهة وباقي معسكراتها.

وبصفة الجبهة الإسلامية حركة مقاومة تعتمد دائمًا على أسلوب الكر والفر فلجأت إليها من جديد وتخلت عن باقي المعسكرات فسرعان ما أعلنت الحكومة وقف إطلاق النار بعد خسران فادحة؛ حيث سقط نحو ألفي قتيل في صفوفها خلال أشهر وتدمير عددٍ كبيرٍ من عتادها الحربية وتأثيرها سلبيًّا في اقتصاديتها بينما استشهد حوالي 150 من مقاتلي الجبهة الإسلامية
ثم عاد الجانبان إلى طاولة المفاوضات بعد إصرار الحكومة عليها وقبول شرط من الجبهة الإسلامية بأن تكون المفاوضات خارج البلاد مع مشاركة طرف ثالث، وواصل بالفعل الجانبان المسار نحو عملية السلام.

ثم في صبيحة الحادي عشر من فبراير سنة 2003م توترت غائمة السحاب من جديد بعد هجمات من القوات المسلحة الفلبينية نتيجة حرب شاملة أعلنتها الرئيسة الفلبينية غلوريا أرويو ضد الجبهة الإسلامية ببوليوك (كوتاواتو الشمالية) وكان الزعيم الشهيد الشيخ سلامات هاشم (تغمده الله بواسع رحمته) يلقي خطبة العيد الأضحى المبارك إذ قصفوا بالصواريخ والمدافع الثقيلة، واستمرت خلال الأشهر التالية وسقطت من خلالها عدد كبير من القتلى في صفوف الجيش الحكومي وعشرات من الشهداء في الجبهة الإسلامية. ثم عادت الجبهة الإسلامية إلى طاولة المفاوضات استجابة لإصرار ماليزي بعد إقناع رئيسة الفلبين على الأخير بضرورة عودة الجبهة إلى مائدة المفاوضات، فجددت الجبهة الإسلامية تأكيد جديتها حول إنهاء القضية سلميًّا بعد عقود من الحرب الدامية.

وفي السادس من فبراير سنة 2004م صرح الحاج مراد إبراهيم- رئيس جبهة تحرير مورو الإسلامية- في حوار له أجري مع مراسل \"الجزيرة\" صهيب جاشم ردًّا على تساؤل تباطؤ المفاوضة قائلاً: \"إن أهم عامل في أي مفاوضات هو إخلاص الجانبين في الوصول إلى التسوية بينهما، وبالنسبة لنا نحن نشعر بأن الحكومة الفلبينية تفتقد الإخلاص في التعامل مع مشكلة مورو ومبدئيًّا تعتبر الحكومة الفلبينية المفاوضات أحيانًا كجزءٍ من جهود مكافحة التمرد التي تستهدف القضاء على نضال شعب مورو، نحن نشعر بأنهم غير راغبين حقًّا في الوصول إلى حلٍّ جذري للمشكلة، ولهذا وخلال حالات كثيرة ونحن نتفاوض تهاجمنا القوات الفلبينية للضغط علينا، ولهذا تبدو المفاوضات امتدادًا لمعركة \"منداناو\" يحاولون من خلالها المناورة وعندما لا ينجحون يلجئون لقوة الجيش، وهذه طالما هي المشكلة، ولهذا نسعى دائمًا بدفع طرف ثالث كوسيط من أجل الضغط على الحكومة الفلبينية.

ثم أكد الحاج مراد إبراهيم قائلاً: \"نحن نترقب استمرار عملية السلام لأننا نشعر أنه إذا أدركت الحكومة الفلبينية والمجتمع المسلم ضرورة حل المشكلة فإنه من خلال العملية السلمية فقط يمكننا تحقيق شيء ينفع شعب مورو ونحن نأمل مواصلة المحادثات، كما أننا نأمل أن تظهر الحكومة الفلبينية رغبةً وإخلاصًا أكبر في عملية السلام, نحن أيضًا نتطلع إلى منظمة المؤتمر الإسلامي، كما نتطلع إلى الدول الإسلامية لتلعب دورًا أكثر أهمية وللوصول إلى تسوية سياسية عادلة وحقيقية ودائمة للصراع بشكل يتقبله شعب مورو، ولكن كما قلت لا نستطيع أن نستبعد بشكلٍ كلي المواجهات المسلحة؛ لأنه ما لم تحل المشكلة نهائيًّا فإنه لا يمكننا القول بأنه لن تحصل هناك مواجهات\".

وبعد ذلك التباطؤ من قبل الحكومة وجدية الجبهة الإسلامية رغم الخروقات من قبل طرف آخر سالف الذكر هل من الإنصاف أن نحمل الجبهة المسئولية عما دارت في الوقت الراهن، وهو قتل الأبرياء من الأطفال والعجائز وتشريد مئات الآلاف من المدنيين بحجة أنه مسئول عن نزع فتيل الحرب؟ أم أن ذلك تلاعب دون مبرر نشأ من انعدام الأخلاق؟ وهل من المنطق أن يكون دفاع المسلمين عن أنفسهم جرَّاء الحروب ضد حقهم مبررًا لتسليح المدنيين- إن صحَّ التعبير- المستوطنين إحياءً على منظمة \"إلاجا\" التي لطخت أيديها بدماء عشرات الآلاف من المسلمين المدنيين الأبرياء لتكون المذابح الجماعية التي ترتكب على رؤوس الأشهاد شرعية؟ أم أن ذلك اعتراف لهم على وحشية التي كانوا ولا يزالون عليها؟ أو اعتراف لهم على أن جميع مدنهم في الجنوب الآن مبنية على أنقاض جالية إسلامية؟ وكل ذلك إن يكن واردًا فإنه راجع إلى نسيان عالم إسلامي على هذه القضية المنسية.

وبالفعل توصَّل الطرفان إلى ما يوصل إلى الغاية أطلق عليه بمذكرةِ المشروع حول ممتلكات التاريخية في 28 من شهر يوليو من العام الجاري بالعاصمة الماليزية ووقع بينهما بالتوقيع الأوَّلي من قبل كبيري المفاوضين من الطرفين وبحضور الوسيط الماليزي داتوك عثمان عبد الرزاق؛ تمهيدًا على عقد مراسم التوقيع عليها في الخامس من شهر أغسطس من العام الجاري فتدخلت أثناءه المحكمة العليا الفلبينية بإيقافه بدعوى مقدمة من السياسيين المسيحيين المستوطنين في بعض المناطق التي تشمل عليه الاتفاق، وهو توسيع الحكم الذاتي الذي تتمتع به الأقلية المسلمة سياسية واقتصادية واجتماعية متهمين بعدم دستوريته وعدم عقد استطلاع رأي من أهالي المناطق المذكورة، وبالرغم من أنه قد نصت بنود الاتفاق بأن استطلاع الرأي يعقبه سنة من تاريخ ذلك التوقيع المقرر.

وأتساءل أين هذا الحق المقرر وهو استطلاع الرأي للمسلمين عندما قسموا محافظة كوتاواتو (وسط منداناو) إلى خمس محافظات في الثمانينيات تمهيدًا على احتلالها من قبل المستوطنين؟!!
وبالفعل اندلعت معارك ضارية إثر ذلك الإيقاف من المحكمة العليا بين الجانبين في مناطق شاسعة جرَّاء هجوم ميليشيات حكومية بدعوى قيام الثأر ضد المسلمين بحجة احتلال قوات الجبهة مناطق المستوطنين مع أن الحق أن ذلك المقاتلين من الجبهة أنفسهم من أهل المنطقة التي تدَّعي هؤلاء، ذلك الهجوم مورس رغم وجود فريق مراقبة السلام الدولي وغيره من منظمات غير حكومية، فلا خيار أمام مقاتلي الجبهة الإسلامية سوى المقاومة دفاعًا عن أنفسهم.

هذه الحقيقة رفضت الحكومة تحمل مسئوليتها عنه بل قامت بقلب الحقائق ولصق التهمة ضد بعض مقاتلي الجبهة بالانشقاق وأعلنت أن الهجوم القائم ليس ضد الجبهة نفسها بل على المنشقين منها وأنه لا يتوقف رغم حلول شهر رمضان المبارك ثم اكتفت بالإعلان عن تخفيفها، وهكذا قام الإعلام ولم يقعد في نشر هذه الأكاذيب فلا ألوم بعض وكالات الأنباء الدولية بمتابعة الأحداث على هذا النهج حيث ينحصر دورهم في النشر والأخذ عما يرونه من الشاهد العيان.

لكن الجبهة الإسلامية لم تغير موقفها الحل السلمي لنزاع مسلح دامية والتزامها حتى في الوقت الراهن رغم الخروقات وعدم جدية الحكومة، ففي الثامن عشر من سبتمبر من العام الجاري أكد مراد إبراهيم في حوار له أجري مع مراسل الجزيرة بيرونكا فدروزا قائلا \" ما زلنا نعتقد بأن أحسن الخيارات هو العودة في عملية السلام.. نحن لا نريد بأن يكون هناك عراق آخر أو أفغانستان أخرى فى جنوب آسيا، ولابد أن ننشأ السلام في الميدان ...\".

وبالفعل واصلت الحكومة الفلبينية عملياتها العسكرية ضد الجبهة الإسلامية رغم حلول شهر رمضان المبارك، أدت إلى تشريد نحو نصف مليون مدني بناء على آخر تقرير من منظمة الصليب الأحمر, يقضون صيامهم في ملاجئ لا يتوفر لديهم المتطلبات اللازمة في الحياة، وقد أفادت بعض منظمات غير حكومية أن القوات الحكومية تقوم بعرقلة توصيل المساعدات الإنسانية إلى مراكز اللاجئين بل وتقوم بمصادرة المواد الغذائية للمار المسلم من خلال نقاط التفتيش للجيش في حين تتدفق المساعدات إلى مراكز ملاجئ النصارى المستوطنين.

وأسوأ من ذلك ممارسة جريمة القتل من قبل القوات المسلحة الفلبينية بقتل الأطفال والنساء والعجائز الأبرياء فقد قامت الطائرة الحربية التابعة لها بقصف صاروخي ببلدية داتو فيانج في الثامن من رمضان المبارك من العام الجاري وأدى إلى مقتل ستة كلهم من الأطفال وامرأة حامل وأقرت قيادة الجيش الحكومي بمسئوليتها عنه، وفي الثاني عشر من رمضان من العام قاموا بهجوم المصلين أثناء أداء فريضة الجمعة في محافظة سَارَانجْغَانِي ؛ مما أدى إلى عدم إتمام الصلاة والقتل ووقوع الجرحى.

هذه الجرائم التي تمارس في حق المسلمين، ألا يستحق لكل مسلم أن يناصر في سبيل إعلانه على أنحاء المعمورة؟ إذا لم تستطع فبالقلب فإنه أضعف الإيمان؟ فلا تنسوا إخوانكم من صالح دعائكم أن يفرج عليهم من كل هذه الهموم والمحن ﴿;[وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيد] \" البروج 8\".