في خضم الحرب العدوانية الظالمة والبربرية ضد اخواننا في غزة انبرى سؤال ردده الالاف من المسلمين : ابن علماء المسلمين مما يحدث وما دورهم..اردت التذكير بمقالة كتبها احد طلاب العلم ثم لقى ربه - فيما نحسب والله حسيبه- شهيدا في ميادين الجهاد والقتال.

[الشيخ: صالح عبد السيد]


{يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}.

استفتح درسه بهذه الآية وثنى بموطن المحبة ... إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص.

واستفاض في بيان صفة ذلك البنيان الذي وجبت محبة الله لأهله ... المقاتلين في سبيل الله .. واشتد غضب الشيخ ورفع صوته وكأنه منذر جيش .. ولوح بكلتا يديه ذات اليمين وذات الشمال .. وقلب صفحات التاريخ وجال هنا وهناك يضرب الأمثال لعل القوم يفقهون ما يقول.

ولكن مع كل ذلك البيان كأن القوم لم يفقهوا بعد .. فمن القوم من يرفع يده مستفسرا عن معنى قوله تعالى؛ {يقاتلون في سبيله}؟

فابتسم الشيخ قائلا؛ معنى الآية .. يقاتلون في سبيله فالقتال هو القتال .. وفي سبيل الله ما كان لإعلاء كلمته .. واستشهد بالحديث ... من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله.

قال السائل؛ فكيف يكون أمر القتال عندما يكون الحال على ما ترى ... لبنات مبعثرة كما تراها هنا وهناك .. وفي كل شبر من الأرض فتنة بل فتن ... والذين كفروا بعضهم أولياء بعض .. وينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله .. وليطفئوا نور الله بأفواههم ... فما لكم لا تقاتلون في سبيل الله.

فتفصد جبين الشيخ عرقا .. وتمتم الشيخ فأبهم ولم يفصح..

فقال السائل؛ شيخنا الفاضل .. هلا كتبت لنا شيئا يكون لنا نبراسا على الطريق تحيا به الأجيال .. وتهتدي به قوافل السائرين في سبيل الله لإعلاء كلمة الله؟

قال الشيخ؛ قد كتبت شيئا في ذلك .. في رسالة .. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

قال السائل؛ شيخنا الفاضل نريد أن تكتب لنا شيئا جديدا يوافق ما نعيشه في يومنا هذا..

قال الشيخ؛ ناولني رقعة ... وأخرج الشيخ قلمه ونزع غطاءه.

فقال السائل؛ هذه الرقعة يا شيخ عن يمينك وعن شمالك ومن أمامك ومن خلفك .. ابتداء من مسجد قباء الذي أسس على التقوى من أول يوم إلى حيث حملتك قدماك شرقا وغربا ... شمالا أو جنوبا .. حيث كانت بلاد الإسلام وحيث كانت كلمة الله هي العليا .. وحيث كانت تخفق راية التوحيد .. وحيث كان الدين ما شرع العليم الحكيم لا ما شرعه الأرباب والشركاء .. وحيث كانت الجزية تضرب على أعداء الله فيعطونها عن يد وهم صاغرون.

ثم استطرد السائل قائلا؛ شيخنا الفاضل؛

إن مداد قلمك لا يتناسب وهذه الرقعة الواسعة حيث الجبال الشاهقة والأودية السحيقة .. وحيث الجنان الخضراء والصحاري القاحلة .. وحيث نداء الأقصى يدوي في الآفاق .. ولبنات مسجد بابري تتناثر تحت معاول الحقد الوثني على التوحيد وأهله في ارض الهند .. وحيث ضجة النواقيس في مساجد قرطبة وغرناطة .. وحيث أحفاد بن مسلمة وابن عتيك ينعمون بالأمن في ارض الجزيرة في حماية أحفاد ابن الأشرف وابن أبي الحقيق لان الاستعانة بهم وهم أهل نصح للإسلام والمسلمين جائزة بلا خلاف .. وان سئمت شيخنا زدتك ... ولكني أحسبك لبيبا وفي الإشارة كفاية.

شيخنا الفاضل؛
إلى متى ستظل تتردد على العيادات الخاصة والعامة لقياس ضغط الدم وانخفاضه؟ .. والى متى ستظل في صراع مع البعوض …ينغص عليك راحتك ويقطع عليك نومك … متسللا إليك تحت جنح الظلام لينهل ويمتص من دماءك كما يمتص أعداؤنا خيرات بلادنا؟

إلى متى شيخنا .. ستظل دماؤكم وقفا على البعوض .. وتظل أمتكم محرومة من خيرها وبركتها؟ .. إلى متى شيخنا … نقول ما لا نفقه .. ونفقه ما لا نفعل .. ونفعل ما لا ينبغي لنا فعله؟

شيخنا ... قطرات من نجيعك لا من مدادك ... قطرات تسيل من كلم في سبيل الله تضع لنا بها أساسا للبنيان المرصوص .. وينتعش بها جسر امتنا النازف .. وتتربى على أريجها الزكي أجيال امتنا التي غرقت في أوحال سيل الحبر التجاري .. وأصمتها ضوضاء الأقوال الممقوتة التي لأفعال لأهلها.

إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا

ولكن حسن القول خالفه العمل

شيخنا الفاضل؛
هناك موطن الأسوة الحسنة ... وهناك موطئ يغيظ الكفار وان بعدت الشقة وغلب الظن بعدم انقلاب المؤمنين إلى أهليهم أبدا ... لان هناك تبايعا على الموت واستجابة لله والرسول من بعد إصابة القرح .. فقم شيخنا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

نعم شيخنا ... في غيابك عن المسجد سيسأل الطفل أمه ... أمي أين ذهب الشيخ؟ ولماذا ذهب؟ ومتي سيعود؟ وسيتحول البيت إلى مدرسة للإجابة على تساؤلات أطفالنا .. وحينها فقط سيعلم أطفالنا أن لنا أعداء .. وسيعلمون طبيعة المعركة بيننا وبينهم .. وسيعلمون أن من أمتهم رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر .. وسيعلمون أن أرحام نساء الإسلام لم تعقم أن تلد مصعبا .. ومعاذا وأبيا ... لكل زمان وفي كل زمان .. وسيعيش أطفالنا بعد هذا كله على أمل أن يؤذن لهم ليلتحقوا بالشيخ ليتعلموا من الشيخ ويقاتلوا معه.

نعم شيخنا ... سيسأل الناس عن سبب غيابك عن المسجد ... فإن قيل إن الشيخ قد نفر إلى الثغور .. فيكون ذلك الجواب خطبة بليغة تتقاصر دونها كلماتك وانفعالاتك ...

نعم شيخنا ... سيجتمع الناس من حولك ولكنك لست على منبرك ولا أنت في مسجدك .. وكأنك لم تستعد للقاءهم ... فها هو الغبار يغطي جسدك أشعث الرأس .. تخضب بردتك دماؤك.

انهم حول سريرك في مستشفى المجاهدين ... انهم لا يريدون منك أن تتكلم ... انهم يخافون عليك .. وفي النظر إلى جرحك النازف موعظة وعبرة ... فان قلت ما من مكلوم يكلم في سبيل الله .. كان جوابهم على ذلك أن فاضت العيون .. وأجهش بالبكاء من لم يتمالك نفسه ... وينتهي موعد الزيارة .. ولم ينته بكاء الناس وشوقهم إلى الجلوس معك.

شيخنا الفاضل؛
ها هو المستشفى قد تحول هو الثاني لوجودك فيه إلى مدرسة ومسجد.. وبعد ذلك شيخنا الفاضل؛ سيتبعك الناس إلى ثغرك عندما يعلمون انك التحقت بالثغر لحاجة المجاهدين ولم تلتئم جراحك بعد .. تعيد إلى أذهانهم .. وتحي في قلوبهم صورة الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح ..

فهناك شيخنا ... ستفتح القلوب قيد العيون لترى القدوة .. وتنتفع بالموقف .. ويسلك طريق السؤال .. عن العلم .. عن الشيخ .. عن الثغر .. طريقا تلتمس فيه علمـا يسهل الله لها به طريقا إلى الجنة.

هناك شيخنا سيراك الناس تعدل الصفوف .. وتسوى بينها وتبوئ المؤمنين مقاعد للقتال .. فان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص .. وستقول كلمات معدودة تذكر فيها بتقوى الله وما النصر إلا من عنده .. وان هذا الموقف قد وقفه الأنبياء.

{كأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين}.

فتوصيهم بالصبر وانه ما كان لأحد أن يتخلف عن هذا الموقف ولا يرغب بنفسه عن نفس خير الخلق صلوات ربي وسلامه عليه ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ثم تذكرهم في كلمات قليلة بالأجر الذي يكتبه المولى عز وجل لمن يطأ موطئا يغيظ فيه الكافرين .. وعند ذلك سيعلم الناس سر نفيرك إلى الثغور .. وعندها سيسبق الأب ابنه إلى الثغر طالبا للأجر والرضوان .. وسيقول لك؛ يا شيخ ادع الله أن يلحق أبناءنا بنا .. فإنا قد علمنا أن الجنة تحت ظلال السيوف ... وإننا لفي نعمة لو علمها الملوك لجالدونا عليها بالسيوف.

وسترفع الأم كفيها إلى السماء تستنزل النصر وتدعو للمجاهدين لان فلذة كبدها منهم وفيهم .. وستفيض دموع الضعفاء والمرضى والذين لا يجدون ما ينفقون إن بقوا مع الخوالف من النساء والصبيان.

شيخنا الفاضل؛
سيراك الناس تقصر بهم الصلاة .. وتقصر . وتغير هيئات الصلاة بحسب الظروف ... وعندها فقط سيعلمون أن للخوف صلاة .. كما إن للأمن هيئة صلاة ... فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة.

سيراك الناس لا تصلي على القتلى ولا تغسلهم .. وتدفنهم في ثيابهم ... فتذكر لهم موجز أحكام الشهيد .. وتذكرهم بفضل الشهادة وما أعده الله للشهداء من الأجر .. فتفيض العيون طلبا لرضى ربها وطمعا في أن تكون ممن اتخذهم الله عنده شهداء..

ياله من صف - شيخنا الفاضل - كأنه في التحامه وتماسكه بنيان مرصوص.. يبكي أخرهم حزنا لتخلفه عن أولهم ... ويبكي أولهم شوقا لرضى وجوار ربه.

ياله من موكب مهيب.. إنها قافلة البكاءين السائرين في سبيل الله والى الله لتأوي أرواحها إلى قناديل معلقة بالعرش في حواصل طير خضر تمرح في الجنة حيث تشاء.

فجد شيخنا بنفسك لتكون حجر الأساس .. فان لم يك هذا موطن الحب .. فيا ترى أين هو؟ فإياك شيخنا ومواطن المقت..

ولا خير في قول يقال ومنطق

عذب بحد السيف غير مؤيد