بسم الله الرحمن الرحيم
الكرام الفضلاء / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
هذا الموضوع يهمني كثيرا , فأريد التفصيل الممل في هذه المسألة , فلا تبخلوا علينا بالإفادة العلمية أو الإحالة على كتب السلف في هذا الموضوع .
بوركتم
بسم الله الرحمن الرحيم
الكرام الفضلاء / السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...
هذا الموضوع يهمني كثيرا , فأريد التفصيل الممل في هذه المسألة , فلا تبخلوا علينا بالإفادة العلمية أو الإحالة على كتب السلف في هذا الموضوع .
بوركتم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. الكلام عن المفاضلة بين العزلة والخلطة نسبيٌّ..
لا يُقال إنَّ أحدهما أفضل مطلقًا، ولكن هذا له حالٌ يفضل بها على الآخر، وكذا الآخر له حال يفضل بها على الأول. هذا من جهةٍ.
ومن جهةٍ أخرى إنَّ أحدهما يفضل الآخر من جهة الشَّخص العامل به، فبعض النَّاس لا يصلحه إلَّا العزلة (النسبيَّة)، وبعض الناس لا يصلح له إلَّا الخلطة (النسبية).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
جاء في الموسوعة الكويتية في مادة عزلة :
حُكْمُ الْعُزْلَةِ :
ذَهَبَ الْعُلَمَاءُ إِلَى أَنَّ أَفْضَلِيَّةَ الْعُزْلَةِ عِنْدَ ظُهُورِ الْفِتَنِ وَفَسَادِ النَّاسِ ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الإِْنْسَانُ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى إِزَالَةِ الْفِتْنَةِ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ السَّعْيُ فِي إِزَالَتِهَا بِحَسَبِ الْحَال وَالإِْمْكَانِ ، وَأَمَّا فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْفِتْنَةِ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَ الْعُزْلَةِ وَالاِخْتِلاَطِ : قَال النَّوَوِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ الاِخْتِلاَطَ بِالنَّاسِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُهُ - أَيْ مِنْ شُهُودِ خَيْرِهِمْ دُونَ شَرِّهِمْ ، وَسَلاَمَتِهِمْ مِنْ شَرِّهِ - هُوَ الْمُخْتَارُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَائِرُ الأَْنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِمْ ، وَكَذَلِكَ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْيَارِهِمْ ، وَهُوَ مَذْهَبُ أَكْثَرِ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ ، وَبِهِ قَال الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ .
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَفْضَلِيَّةِ الْمُخَالَطَةِ : بِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمَرَ بِالاِجْتِمَاعِ ، وَحَضَّ عَلَيْهِ ، وَنَهَى عَنِ الاِفْتِرَاقِ وَحَذَّرَ مِنْهُ ، فَقَال تَعَالَى ذِكْرُهُ : { وَاعْتَصِمُوا بِحَبْل اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } وَأَعْظَمُ الْمِنَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي جَمْعِ الْكَلِمَةِ وَتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ مِنْهُمْ فَقَال عَزَّ وَجَل : { وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَْرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ } .
وَقَال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ }
وَاحْتَجُّوا بِأَحَادِيثَ نَبَوِيَّةٍ مِنْهَا : قَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ ، خَيْرٌ مِنَ الْمُؤْمِنَ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُمْ وَلاَ يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ .
وَقَالُوا : إِنَّ الْمُخَالَطَةَ فِيهَا اكْتِسَابُ الْفَوَائِدِ ، وَشُهُودُ شَعَائِرِ الإِْسْلاَمِ ، وَتَكْثِيرُ سَوَادِ الْمُسْلِمِينَ ، وَإِيصَال الْخَيْرِ إِلَيْهِمْ وَلَوْ بِعِيَادَةِ الْمَرْضَى ، وَتَشْيِيعِ الْجَنَائِزِ ، وَإِفْشَاءُ السَّلاَمِ ، وَالأَْمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، وَإِعَانَةُ الْمُحْتَاجِ ، وَحُضُورُ جَمَاعَاتِهِمْ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ كُل أَحَدٍ .
وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ وَالْعَيْنِيُّ عَنْ قَوْمٍ : تَفْضِيل الْعُزْلَةِ ، لِمَا فِيهَا مِنَ السَّلاَمَةِ الْمُحَقَّقَةِ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِوَظَائِفِ الْعِبَادَةِ الَّتِي تَلْزَمُهُ وَمَا يُكَلَّفُ بِهِ ، قَال الْكِرْمَانِيُّ : الْمُخْتَارُ فِي عَصْرِنَا تَفْضِيل الاِنْعِزَال لِنُدْرَةِ خُلُوِّ الْمَحَافِل عَنِ الْمَعَاصِي .
وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { وَأَعْتَزِلُكُم ْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا } وَبِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا قَال : يَا رَسُول اللَّهِ مَا النَّجَاةُ ؟ قَال : أَمْسِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ .
وَذَهَبَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ حُكْمَ الْعُزْلَةِ وَالْمُخَالَطَة ِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ الأَْشْخَاصِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ أَحَدُ الأَْمْرَيْنِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَرَجَّحُ فِي حَقِّهِ أَحَدُهُمَا وَنَقَل ابْنُ حَجَرٍ عَنِ الْخَطَّابِيِّ : أَنَّ الْعُزْلَةَ وَالاِخْتِلاَطَ يَخْتَلِفَانِ بِاخْتِلاَفِ مُتَعَلِّقَاتِه ِمَا ، فَتُحْمَل الأَْدِلَّةُ الْوَارِدَةُ فِي الْحَضِّ عَلَى الاِجْتِمَاعِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِطَاعَةِ الأَْئِمَّةِ وَأُمُورِ الدِّينِ ، وَعَكْسُهَا فِي عَكْسِهِ ، وَأَمَّا الاِجْتِمَاعُ وَالاِفْتِرَاقُ بِالأَْبْدَانِ ، فَمَنْ عَرَفَ الاِكْتِفَاءَ بِنَفْسِهِ فِي حَقِّ مَعَاشِهِ وَمُحَافَظَةِ دِينِهِ ، فَالأَْوْلَى لَهُ الاِنْكِفَافُ عَنْ مُخَالَطَةِ النَّاسِ بِشَرْطِ أَنْ يُحَافِظَ عَلَى الْجَمَاعَةِ وَالسَّلاَمِ وَالرَّدِّ وَحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْعِيَادَةِ وَشُهُودِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَالْمَطْلُوبُ إِنَّمَا هُوَ تَرْكُ فُضُول الصُّحْبَةِ ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ شُغْل الْبَال وَتَضْيِيعِ الْوَقْتِ عَنِ الْمُهِمَّاتِ وَيُجْعَل الاِجْتِمَاعُ بِمَنْزِلَةِ الاِحْتِيَاجِ إِلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ ، فَيَقْتَصِرُ مِنْهُ عَلَى مَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ فَهُوَ رُوحُ الْبَدَنِ وَالْقَلْبِ .
قَال الْغَزَالِيُّ : إِنْ وَجَدْتَ جَلِيسًا يُذَكِّرُكَ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَسِيرَتُهُ فَالْزَمْهُ وَلاَ تُفَارِقْهُ ، وَاغْتَنِمْهُ وَلاَ تَسْتَحْقِرْهُ ، فَإِنَّهَا غَنِيمَةُ الْمُؤْمِنِ وَضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ ، وَتَحَقَّقَ أَنَّ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ خَيْرٌ مِنَ الْوَحْدَةِ ، وَأَنَّ الْوَحْدَةَ خَيْرٌ مِنَ الْجَلِيسِ السُّوءِ.
آدَابُ الْعُزْلَةِ :
4 - يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ - إِذَا آثَرَ الْعُزْلَةَ - أَنْ يَعْتَقِدَ بِاعْتِزَالِهِ عَنِ الْخَلْقِ سَلاَمَةَ النَّاسِ مِنْ شَرِّهِ ، وَلاَ يَقْصِدَ سَلاَمَتَهُ مِنْ شَرِّ الْخَلْقِ ، فَإِنَّ الأَْوَّل نَتِيجَةُ اسْتِصْغَارِ نَفْسِهِ ، وَالثَّانِيَ شُهُودُ مَزِيَّتِهِ عَلَى الْخَلْقِ ، وَمَنِ اسْتَصْغَرَ نَفْسَهُ فَهُوَ مُتَوَاضِعٌ وَمَنْ رَأَى لِنَفْسِهِ مَزِيَّةً عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ مُتَكَبِّرٌ ، وَأَنْ يَكُونَ خَالِيًا مِنْ جَمِيعِ الأَْذْكَارِ إِلاَّ ذِكْرَ رَبِّهِ ، خَالِيًا مِنْ جَمِيعِ الإِْرَادَاتِ إِلاَّ رِضَا رَبِّهِ ، وَخَالِيًا مِنْ مُطَالَبَةِ النَّفْسِ مِنْ جَمِيعِ الأَْسْبَابِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَإِنَّ خَلْوَتَهُ تُوقِعُهُ فِي فِتْنَةٍ أَوْ بَلِيَّةٍ . وَأَنْ يَتْرُكَ الْخِصَال الْمَذْمُومَةَ ؛ لأَِنَّ الْعُزْلَةَ الْحَقِيقِيَّةَ هِيَ اعْتِزَال الْخِصَال الْمَذْمُومَةِ ، فَالتَّأْثِيرُ لِتَبْدِيل الصِّفَاتِ لاَ لِلتَّنَائِي عَنِ الأَْوْطَانِ ، وَأَنْ يَأْكُل الْحَلاَل ، وَيَقْنَعَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الْمَعِيشَةِ ، وَيَصْبِرَ عَلَى مَا يَلْقَاهُ مِنْ أَذَى الْجِيرَانِ ، وَيَسُدَّ سَمْعَهُ عَنِ الإِْصْغَاءِ إِلَى مَا يُقَال فِيهِ مِنْ ثَنَاءٍ عَلَيْهِ بِالْعُزْلَةِ .
وَلْيَكُنْ لَهُ أَهْلٌ صَالِحَةٌ ، أَوْ جَلِيسٌ صَالِحٌ لِتَسْتَرِيحَ نَفْسُهُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ سَاعَةً مِنْ كَدِّ الْمُوَاظَبَةِ ، فَفِيهِ عَوْنٌ عَلَى بَقِيَّةِ السَّاعَاتِ .
وَلْيَكُنْ كَثِيرَ الذِّكْرِ لِلْمَوْتِ وَوَحْدَةِ الْقَبْرِ.
وَلْيَلْزَمِ الْقَصْدَ فِي حَالَتَيِ الْعُزْلَةِ وَالْخُلْطَةِ ؛ لأَِنَّ الإِْغْرَاقَ فِي كُل شَيْءٍ مَذْمُومٌ وَخَيْرُ الأُْمُورِ أَوْسَطُهَا ، وَالْحَسَنَةُ بَيْنَ السَّيِّئَتَيْن ِ .
قَال الْخَطَّابِيُّ : وَالطَّرِيقَةُ الْمُثْلَى فِي هَذَا الْبَابِ أَلاَّ تَمْتَنِعَ مِنْ حَقٍّ يَلْزَمُكَ لِلنَّاسِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبُوكَ بِهِ ، وَأَلاَّ تَنْهَمِكَ لَهُمْ فِي بَاطِلٍ لاَ يَجِبُ عَلَيْكَ وَإِنْ دَعَوْكَ إِلَيْهِ ، فَإِنَّ مَنِ اشْتَغَل بِمَا لاَ يَعْنِيهِ فَاتَهُ مَا يَعْنِيهِ ، وَمَنِ انْحَل فِي الْبَاطِل جَمَدَ عَنِ الْحَقِّ ، فَكُنْ مَعَ النَّاسِ فِي الْخَيْرِ ، وَكُنْ بِمَعْزِلٍ عَنْهُمْ فِي الشَّرِّ ، وَتَوَخَّ أَنْ تَكُونَ فِيهِمْ شَاهِدًا كَغَائِبٍ وَعَالِمًا كَجَاهِلٍ .
كَيْفِيَّةُ الاِعْتِزَال :
5 - الاِعْتِزَال عَنِ النَّاسِ يَكُونُ مَرَّةً فِي الْجِبَال وَالشِّعَابِ ، وَمَرَّةً فِي السَّوَاحِل وَالرِّبَاطِ ، وَمَرَّةً فِي الْبُيُوتِ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْخَبَرِ : إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ فَأَخْفِ مَكَانَكَ ، وَكُفَّ لِسَانَكَ وَلَمْ يَخُصَّ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ .
وَقَدْ جَعَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ الْعُزْلَةَ ، اعْتِزَال الشَّرِّ وَأَهْلِهِ بِقَلْبِكَ وَعَمَلِكَ إِنْ كُنْتَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ . قَال ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي تَفْسِيرِ الْعُزْلَةِ : أَنْ تَكُونَ مَعَ الْقَوْمِ ، فَإِذَا خَاضُوا فِي ذِكْرِ اللَّهِ فَخُضْ مَعَهُمْ ، وَإِنْ خَاضُوا فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَاسْكُتْ .
وَقَال الْقُرْطُبِيُّ : أَحْوَال النَّاسِ فِي هَذَا الْبَابِ تَخْتَلِفُ فَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى سُكْنَى الْكُهُوفِ وَالْغِيرَانِ فِي الْجِبَال ، وَهِيَ أَرْفَعُ الأَْحْوَال ؛ لأَِنَّهَا الْحَالَةُ الَّتِي اخْتَارَهَا اللَّهُ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بِدَايَةِ أَمْرِهِ وَنَصَّ عَلَيْهَا فِي كِتَابِهِ مُخْبِرًا عَنِ الْفِتْيَةِ فَقَال : { وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوه ُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ } ، وَرُبَّ رَجُلٍ تَكُونُ الْعُزْلَةُ لَهُ فِي بَيْتِهِ أَخَفَّ عَلَيْهِ وَأَسْهَل ، وَقَدِ اعْتَزَل رِجَالٌ مِنْ أَهْل بَدْرٍ فَلَزِمُوا بُيُوتَهُمْ بَعْدَ قَتْل عُثْمَانَ ، فَلَمْ يَخْرُجُوا إِلاَّ إِلَى قُبُورِهِمْ ، وَرُبَّ رَجُلٍ مُتَوَسِّطٍ بَيْنَهُمَا فَيَكُونُ لَهُ مِنَ الْقُوَّةِ مَا يَصْبِرُ بِهَا عَلَى مُخَالَطَةِ النَّاسِ
وَأَذَاهُمْ ، فَهُوَ مَعَهُمْ فِي الظَّاهِرِ وَمُخَالِفٌ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ .
فَوَائِدُ الْعُزْلَةِ :
6 - قَدْ يَكُونُ لِلْعُزْلَةِ فَوَائِدُ مِنْهَا :
أ - التَّفَرُّغُ لِلْعِبَادَةِ وَالْفِكْرِ ، وَالاِسْتِئْنَا سِ بِمُنَاجَاةِ اللَّهِ تَعَالَى .
ب - التَّخَلُّصُ بِالْعُزْلَةِ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي يَتَعَرَّضُ الإِْنْسَانُ لَهَا غَالِبًا بِالْمُخَالَطَة ِ ، وَيَسْلَمُ مِنْهَا فِي الْخَلْوَةِ ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ : الْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ ، وَالرِّيَاءُ ، وَالسُّكُوتُ عَنِ الأَْمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، وَمُسَارَقَةِ الطَّبْعِ مِنَ الأَْخْلاَقِ الرَّدِيئَةِ ، وَالأَْعْمَال الْخَبِيثَةِ الَّتِي يُوجِبُهَا الْحِرْصُ عَلَى الدُّنْيَا .
ج - الْخَلاَصُ مِنَ الْفِتَنِ وَالْخُصُومَاتِ ، وَصِيَانَةُ الدِّينِ وَالنَّفْسِ عَنِ الْخَوْضِ فِيهَا وَالتَّعَرُّضِ لأَِخْطَارِهَا .
د - الْخَلاَصُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ .
هـ - السَّلاَمَةُ مِنْ آفَاتِ النَّظَرِ إِلَى زِينَةِ الدُّنْيَا وَزَهْرَتِهَا وَالاِسْتِحْسَا نُ لِمَا ذَمَّهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ زُخْرُفِهَا وَعَابَهُ مِنْ زَبْرَجِ غُرُورِهَا .
و - السَّلاَمَةُ مِنَ التَّبَذُّل لِعَوَامِّ النَّاسِ وَحَوَاشِيهِمْ وَالتَّصَوُّنُ عَنْ ذِلَّةِ الاِمْتِهَانِ مِنْهُمْ .
آفَاتُ الْعُزْلَةِ :
7 - قَال الْغَزَالِيُّ : اعْلَمْ أَنَّ مِنَ الْمَقَاصِدِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيّ َةِ مَا يُسْتَفَادُ بِالاِسْتِعَانَ ةِ بِالْغَيْرِ وَلاَ يَحْصُل ذَلِكَ إِلاَّ بِالْمُخَالَطَة ِ ، فَكُل مَا يُسْتَفَادُ مِنَ الْمُخَالَطَةِ يَفُوتُ بِالْعُزْلَةِ وَفَوَاتُهُ مِنْ آفَاتِ الْعُزْلَةِ .
من أقدم المصنَّفات في ذلك "الاعتصام بالعزلة للخطَّابي"، وهو مطبوع.
وهنا مخطوطة الكتاب:
http://majles.alukah.net/showthread....564#post169564