بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
لابد لطالب العلم إذا كان يريد الوصول الى المراتب المنيفة في العلم والدرجات العالية في الفهم والجري في مضمار أهل الاجتهاد المطلق وعدم الرضا بما دون الغاية
لابد لمن أراد ذلك وسعى له ووضعه هدفا لحياته التي يعيش
أن يقدم لذة العلم وحفظه ودرسه وحل مشكلاته والغوص على معانيه الدقيقة وأسراره العويصة على لذة ملاقاة الإخوان والسرور بقربهم والأنس بوصلهم ووصالهم
وقد فهم سلفنا هذا المعنى وضربوا لنا فيه الأمثال رحمهم الله
وقد رأيتنا _ نحن طلبة العلم _في هذا الزمان غفلنا عن هذا المعنى وأهملناه...
فما أكثر زياراتنا وارتباطاتنا....
وما أكثر معارف الواحد منا وأصحابه يكاد يكون أفراد الحي بأكمله من أصحابه وإخوانه....
وبالجملة من عظمت لذة العلم في قلبه واشتدت قدمها على باقي اللذات
ولا يكفي في تحقيق هذا علو الهمة في الطلب بل لابد من الإخلاص فيه لأن البعد عن الإخوان والخلوة بالعلم وكتبه غربة ولا يصبر على الاغتراب إلا المخلص
قال عبد الله مارأيت أصبر على الوحدة من أبي _ يعني أحمد _ وقد كان بِشر يخرج إلى هذا وإلى هذا أو نحو ما قال
قال بعضهم:
لمحبرة تجالسني نهــــاري ******* أحب إلىّ من أنس الصديق
ورزمة كاغد في البيت عندي ******* أحب إلىّ من عدل الدقيق
ولطمة عالم في الخـــد مني******* ألذ لدىّ من شرب الرحيق
وبعث أحمد بن شجاع غلامه لابن الأعرابي يسأله المجيء إليه فعاد إليه وقال قد سألته فقال عندي قوم من الأعراب فإذا قضيت أربي معهم أتيت قال الغلام ولم أر عنده أحدا إلا أن بين يديه كتبا ينظر فيها ثم ما شعرنا حتى جاء فقال له أحمد بن شجاع يا أبا عبد الله تخلفت عنا وحرمتنا الأنس بك فقال ابن الأعرابي منشدا:
لنا جلساء ما نمل حديثهـــم ****** ألبّاء مأمونون غيبا ومشهدا
يفيدوننا من علمهم علم ما مضى****** وعقلا وتأديبا ورأيا مسددا
بلا فتنة تخشى ولا سوء عشـرة ******* ولا نتقي منهم لسانا ولا يدا
فإن قلت أموات فما أنت كاذبا ****** وإن قلت أحياء فبست مفندا
وقال بعضهم:
العلم آنس صاحـب ****** أخلو به في وحدتي
فإذا اهتممت فسلوتي ****** وإذا خلوت فلذتي
وكان عبدالله بن عبدالله بن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز لا يجالس الناس وينزل مقبرة فكان لا يكاد يرى إلا وفي يده دفتر
فسئل عن ذلك فقال _ واسمعوا إخواني لما قال نسأل الله ألا يمقتنا _ :
" لم أر قط أوعظ من قبر ولا أمتع من دفتر ولاأسلم من وحده"
وفي المدارك لعياض رحمه الله :
جاء صديق لأبي عمر أحمد بن عبد الملك الإشبيلي في عيد زائرا له فجلس وأبطأ عليه أبو عمر فأوصى إليه صديقه فخرج وهو ينظر في كتاب فلم يشعر بصديقه حتى عثر فيه ....
خمسة عشر عاما معتزلنا في الطلب لا يعرف إلا اثنين أو ثلاثة من أهل المسجد الذي يصلي فيه كذا قرأت في ترجمته
نسأل الله العفو والعافية
والله أعلم