بسم الله الرحمن الرحيم
" ضوابط الإعلان الإشهاري "
بقلم : فضيلة الشيخ د. محمد علي فركوس - حفظه الله -
السـؤال :
ممَّا لا يخفى أنَّ الإعلام التجاري - في إطار المنافسة التجارية - قد أضحى في عصرنا الحالي وسيلةً أساسيةً للتعريف بالسِّلع والبضائع والخدمات ، والسؤال الذي يفرض نفسه : ما حكم تصميم الإعلانات الإشهارية ؟ وكذا عرض اللوحات الإشهارية في مختلف الأماكن والمحطَّات في الطرقات والقطارات والحافلات وغيرها ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
الجـواب :
الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين ، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين ، أمّا بعد :
فالإعلاناتُ الإشهاريةُ سواء كانت تجاريةً أو غيرَ تجاريةٍ تدخل في قسم المعاملات والعادات ، والأصل فيها الإباحة والجواز ما لم يقترن بها محظورٌ شرعيٌّ ينقل الحكمَ إلى المنع ، ويمكن أن يحافظ الإعلان الإشهاري على حكم الإباحة والحِلِّ إذا ما انضبط بجُملةٍ من الشروط تظهر على الوجه التالي :
الأول :
أن يكون الإعلان الإشهاري مباحًا في حَدِّ ذاته ، خاليًا من الدِّعايات المبتذلة التي تنافي الأحكام الشرعيةَ ، والأخلاق والقِيَمَ الإسلاميةَ وآدابَها ، فلا يجوز تصميم الإعلانات التي تحتوي على الصور المثيرة للغرائز والشهوات ، كعرض جسد المرأة بما فيها من العُري والتبرج والفتنة ، وعموم الأفلام الماجنة والمثيرة ، ولا للنوادي الليلية والحفلات المنكرة ، وكتب أهل الفساد والفجور والضلال ، ولا يجوز الترويج للخمر والدخان والمخدِّرات وغيرها ، ولا لنوادي القِمار والرهان سواء كان رياضيًّا أو غيرَ رياضي ، ويجب تجنُّبَها سواء كانت مصحوبةً بموسيقى أو خاليةً منها .
فالحاصل : أنَّ كُلَّ وسيلةٍ أبطلها الشرعُ وذمَّها لفسادها وإفسادها للدِّين والخُلق فهي محرَّمة ، والتعاون عليها محرَّمٌ بنصِّ قوله - تعالى - : ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ﴾ [ المائدة : 2 ] .
الثاني :
أن يتحرَّى المعلِنُ الصدقَ والأمانةَ في عرض السلع والخدمات ، فلا يصوِّر الأمر على غير حقيقته بالكذب وإخفاء العيوب ، أو بالمبالغة في حجم المنتوج المراد تصميم إعلانه ونشره ، أو تضخيم محاسنه للمستهلك أو الزبون ، فالواجب أن يكون الإعلان مطابقًا لحقيقة ما يعرضه من السلع والمنتوجات والخدمات على وجه الصدق والأمانة ، لوجوب التحلِّي بالصدق وهو سبب البركة ، وحرمة الكذب وكتمان العيوب ، لأنه عِلة الكساد والمَحْقِ ، قال - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - : « المُتَبَايِعَان ِ بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا » (١) .
الثالث :
ومن هذا القبيل لا يجوز إشاعةُ إعلانٍ إشهاريٍّ فيه غِشٌّ وخِداع ، ولا تهويل ما فيه مكرٌ وتزوير ، ولا إيهام ما فيه تدليس لقوله - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - : « مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ، وَالمَكْرُ وَالخِدَاعُ فِي النَّارِ » (٢) ، ولقوله - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - : « المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ، وَلاَ يَحِلُّ لمِسُلْمٍ إِذَا بَاعَ مِنْ أَخِيهِ بَيْعًا فِيهِ عَيْبٌ أَنْ لاَ يُبَيِّنَهُ » (٣) ، ولقوله - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - : « مَنْ أَشَارَ عَلَى أَخِيهِ بِأَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّ الرُّشْدَ فِي غَيْرِهِ فَقَدْ خَانَهُ » (٤) .
الرابع :
أن لا ينعكس إعلانه الإشهاري سلبًا على غيره من التجار ، بحيث يحدث ضررًا بمنتوجاتهم وسلعهم بالتحقير لأصنافها ، والتهوين لأوصافها ، والذمِّ لحسنها ، كل ذلك لتحقيق مصالحه المادية على حساب مصالح غيره من التجار ، لقوله - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - : « لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارٍ » (٥) ، ولقوله - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - : « لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ » (٦) .
الخامس :
أن يجتنب التغرير بالمستهلكين عن طريق استغلال التشابه في الاسم التجاري أو في العلامة التجارية سواء وقع التشابه في التسمية موافقة ، أو تعمده بسوء نيته ، ليبتغي من ورائها إيهام المستهلكين والزبائن بأنها هي البضائع المشهورة في الأسواق ، أو المماثلة لها في الجودة والإتقان ليقع المستهلك فريسة التضليل والإيهام ، وهو مخالف لقوله - صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم - : « الدِّينُ النَّصِيحَةُ ، قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ : للهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ وَلأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ » (٧) الحديث .
السادس :
أن يحرص على أن يكون عقد الإعلان الإشهاري مستوفى شروط عقد الإجارة ، ومن جملتها : العلم بثمن الإجارة ، ومُدَّتها بين المتعاقدين ، وأن يكون محلّ الإجارة منتفعًا به ، ومقدور التسليم مع خلو العقد من الجهالة والغرر .
هذا ما بان لي من ضوابط الإعلان الإشهاري قصد المحافظة على سلامة أصلِ الإباحة والجواز .
والعلمُ عند اللهِ - تعالى - ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين ، وسَلَّم تسليمًا .
الجزائر في : 26 شعبان 1429ﻫ
الموافق ﻟ : 27 أوت 2008م
--------------------
١- أخرجه البخاري في « صحيحه » كتاب البيوع ،باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا : (1973) ، ومسلم في « صحيحه » كتاب البيوع ، باب الصدق في البيع والبيان : (3858) ، من حديث حكيم بن حزام - رضي الله عنه - .
٢- أخرجه ابن حبان في « صحيحه » كتاب البر والإحسان ، باب الصحبة والمجالسة : (567) ، من حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - . والحديث صححه الألباني في « السلسلة الصحيحة » : (1058) .
٣- أخرجه ابن ماجه في « صحيحه » كتاب التجارات ، باب من باع عيبا فليبينه : (2246) ، والحاكم في « المستدرك » : (2152) ، من حديث عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، وأخرجه أحمد في « مسنده » : (15583) ، من حديث واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه - . والحديث حسّنه الحافظ ابن حجر في « فتح الباري » : (4/364) ، وصححه الألباني في « صحيح الجامع » : (6705) .
٤- أخرجه أبو داود في « سننه » كتاب العلم ، باب التوقي في الفتيا : (3657) ، والحاكم في « المستدرك » : (350)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - . والحديث حسّنه الألباني في « صحيح الجامع » : (6068) .
٥- أخرجه ابن ماجه في « سننه » كتاب الأحكام ، باب من بنى في حقه ما يضر بجاره : (2340) ، وأحمد في « مسنده » : (23462) ، من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - . والحديث صححه الألباني في « إرواء الغليل » : (896) .
٦- أخرجه البخاري في « صحيحه » كتاب الإيمان ، باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه : (13) ، ومسلم في « صحيحه » كتاب الإيمان ، باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير : (170) ، من حديث أنس - رضي الله عنه - .
٧- أخرجه مسلم في « صحيحه » كتاب الإيمان ، باب بيان أن الدين النصيحة : (205) ، وأبو داود في « سننه » كتاب الأدب ، باب في النصيحة : (4946) ، والترمذي في « سننه » كتاب البر والصلة ، باب ما جاء في النصيحة : (1926) ، والنسائي في « سننه » ، كتاب البيعة ، باب النصيحة للإمام : (4214) ، وأحمد في مسنده : (17403) ، من حديث تميم الداري - رضي الله عنه - .
المصدر :
مجلة " الإصلاح " ( العدد 11 ، رمضان / شوال 1429ﻫ ، ص 64 - 66 )
http://ferkous.com/rep/Bi149.php