السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أتيتكم بقصة ثالثة فأين الفوائد من القصتين السابقتين ؟؟؟؟
هذه قصة مجادلة المأمون لأحد النصارى ـ وكان أسلم ثم ارتد ـ
لما دخل عليه المرتد الخراساني وقد كان حمله معه من خراسان حتى وافى به العراق ، قال له المأمون : لأن أستحييك بحق أحب إلي من أن أقتلك بحق ، ولان أقبلك بالبراءة أحب إلي من أن أدفعك بالتهمة ، قد كنت مسلما بعد أن كنت نصرانيا ، وكنت فيها أتنخ وأيامك أطول ، فاستوحشت مما كنت به آنِساً ثم لم تلبث أن رجعت عنا نافرا ، فخبرنا عن الشيء الذي أوحشك من الشيء الذي صار آنس لك من إلفك القديم وأنسك الأول ، فإن وجدت عندنا دواء دائك تعالجت به ، والمريض من الأطباء يحتاج إلى المشاورة ، وإن أخطأك الشفاء ونبا عن دائك الدواء ، كنت قد أعذرت ولم ترجع على نفسك بلائمة ، فان قتلناك بحكم الشريعة ، أو ترجع أنت في نفسك إلى الاستبصار والثقة ، وتعلم أنك لم تقصر في اجتهاد ، ولم تفرط في الدخول في باب الحزم .
قال المرتد : أوحشني كثرة ما رأيت من الاختلاف فيكم !
قال المأمون : لنا اختلافان :
أحدهما كالاختلاف في الأذان وتكبير الجنائز والاختلاف في التشهد وصلاة الأعياد وتكبير التشريق ووجوه القراءات واختلاف وجوه الفتيا وما أشبه ذلك ، وليس هذا باختلاف إنما هو تخيير وتوسعة ، وتخفيف من المحنة ، فمن أذن مثنى وأقام مثنى لم يؤثم ، ومن أذن مثنى وأقام فرادى لم يحوَّب لا يتعايرون ولا يتعايبون ، أنت ترى ذلك عيانا وتشهد عليه بتاتا .
و الاختلاف الآخر كنحو اختلافنا في تأويل الآية من كتابنا ، وتأويل الحديث عن نبينا ، مع إجماعنا على أصل التنزيل ، واتفاقنا على عين الخبر ، فإن كان الذي أوحشك هذا حتى أنكرت من أجله هذا الكتاب ، فقد ينبغي أن يكون اللفظ بجميع التوراة والإنجيل متفقاً على تأويله ، كما يكون متفقا على تنزيله ، ولا يكون بين جميع النصارى واليهود اختلاف في شيء من التأويلات ، وينبغي لك أن لا ترجع إلا إلى لغة لا اختلاف في تأويل ألفاظها ، ولو شاء الله أن ينزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل ، ولكنا لم نر شيئا من الدين والدنيا دفع إلينا على الكفاية ، ولو كان الأمر كذلك لسقطت البلوى والمحنة ، وذهبت المسابقة والمنافسة ، ولم يكن تفاضل ، وليس على هذا بنى الله الدنيا .
قال المرتد : أشهد أن الله واحد لا ند له ولا ولد ، وأن المسيح عبده ، وأن محمدا صادق ، وأنك أمير المؤمنين حقا .
فأقبل المأمون على أصحابه فقال : فروا عليه عرضه ، ولا تبروه في يومه ريثما يعتق إسلامه ؛ كيلا يقول عدوه إنه أسلم رغبة ، ولا تنسوا بعد نصيبكم من بره وتأنيسه ونصرته والعائدة عليه.