هـذه إضافة أخرى :
-------------
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ خَيَّاطٍ خَاطَ لِلنَّصَارَى سَيْرَ حَرِيرٍ فِيهِ صَلِيبُ ذَهَبٍ . فَهَلْ عَلَيْهِ إثْمٌ فِي خِيَاطَتِهِ ؟ وَهَلْ تَكُونُ أُجْرَتُهُ حَلَالًا أَمْ لَا ؟ .
الْجَوَابُ
فَأَجَابَ : نَعَمْ إذَا أَعَانَ الرَّجُلُ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ آثِمًا ؛ لِأَنَّهُ أَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَلِهَذَا لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَة َ إلَيْهِ وَبَائِعَهَا وَمُشْتَرِيَهَا وَسَاقِيَهَا وَشَارِبَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا .
وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ كَالْعَاصِرِ وَالْحَامِلِ وَالسَّاقِي إنَّمَا هُمْ يُعَاوِنُونَ عَلَى شُرْبِهَا ؛ وَلِهَذَا يُنْهَى عَنْ بَيْعِ السِّلَاحِ لِمَنْ يُقَاتِلُ بِهِ قِتَالًا مُحَرَّمًا كَقِتَالِ الْمُسْلِمِينَ وَالْقَتَّالِ فِي الْفِتْنَةِ فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الْإِعَانَةِ عَلَى الْمَعَاصِي فَكَيْفَ بِالْإِعَانَةِ عَلَى الْكُفْرِ وَشَعَائِرِ الْكُفْرِ .
وَالصَّلِيبُ لَا يَجُوزُ عَمَلُهُ بِأُجْرَةِ وَلَا غَيْرِ أُجْرَةٍ وَلَا بَيْعُهُ صَلِيبًا كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَصْنَامِ وَلَا عَمَلُهَا ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةَ وَالْخِنْزِيرَ وَالْأَصْنَامَ " .
وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ وَأَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى فِي الْبَيْتِ صُورَةً إلَّا قَضَبَهُ .
فَصَانِعُ الصَّلِيبِ مَلْعُونٌ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَمَنْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ عَيْنٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ نَفْعٍ اسْتَوْفَاهُ مِثْلَ أُجْرَةِ حَمَّالِ الْخَمْرِ وَأُجْرَةِ صَانِعِ الصَّلِيبِ وَأُجْرَةِ الْبَغِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا وَلْيَتُبْ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ الْمُحَرَّمِ وَتَكُونُ صَدَقَتُهُ بِالْعِوَضِ كَفَّارَةً لِمَا فَعَلَهُ ؛ فَإِنَّ هَذَا الْعِوَضَ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ عِوَضٌ خَبِيثٌ وَلَا يُعَادُ إلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى الْعِوَضَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ مَنْ نَصَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ . كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَد فِي مِثْلِ حَامِلِ الْخَمْرِ وَنَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ .) إهـ مجموع الفتاوى .
وواضح جداً أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يحكم بالردة على صانع الصليب بل أعتبر فعله محرم يجب عليه التوبة .
وهذا يتفق مع ما قدمنا من ضرورة التفريق بين الحكم على الفعل وحكم على الفاعل .. والله تعالى أعلم .
جَزاكُم الله خَيراً,
تَنْبِيهٌ: بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مُرادِ شَيخِ الإسْلامِ مِنَ هذه الفَتوى, فَليس في الاقتصار على النصِّ على الإثم نفيٌ لكونِهِ كفراً. فالحكمُ بالكُفرِ أمرٌ زائدٌ عَلى الحُكْمِ بالإثم. وهذا مُنْتشِرٌ في كلام شَيخِ الإسْلامِ وغيرِه. فَليسَ الأمرُ (وواضح جداً أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يحكم بالردة على صانع الصليب) كَما تَفَضَّلْتُم وَقُلْتُم.
وَفَّقَكُم اللهُ
أخي الكريم أبو داوود القاهري وفقك الله تعالى :
ولعلك لم تنتبه إلى قولي في أخر المشاركة السابقة فقد قلت : ( وهذا يتفق مع ما قدمنا من ضرورة التفريق بين الحكم على الفعل وحكم على الفاعل .. والله تعالى أعلم ) إهـ
فالشاهد من النقل السابق أن شيخ الإسلام رحمه الله لم يحكم بالردة على ذلك الصانع بظاهر تلك الإعانة .. ولو كان يرى أن الفاعل يكفر بظاهر تلك الإعانة لأمر بأن يستتاب من كفره بل غاية ما قال : ( .. فَصَانِعُ الصَّلِيبِ مَلْعُونٌ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَمَنْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ عَيْنٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ نَفْعٍ اسْتَوْفَاهُ مِثْلَ أُجْرَةِ حَمَّالِ الْخَمْرِ وَأُجْرَةِ صَانِعِ الصَّلِيبِ وَأُجْرَةِ الْبَغِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا وَلْيَتُبْ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ الْمُحَرَّمِ وَتَكُونُ صَدَقَتُهُ بِالْعِوَضِ كَفَّارَةً لِمَا فَعَلَهُ ) إهـ
فتـأمل يرحمك الله كيف جعل التصدق بالعوض هو كفارة ذلك العمل المحرم ومعلوم إن هذا لا يكون كفارة لأفعال الردة بل يطالب المرتد أن يجدد إسلامه مرة أخرى .. والله أعلم .
بارك الله بكم