الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبعد: قرأت كلاما جميلا للإمام إبن القيم رحمه الله في كتاب بعنوان"قل إنظروا" وهو جمع فوائد من كتابي إبن القيم رحمه الله وهو"شفاء العليل" و"مفتاح دار السعادة" وهو جمع وترتيب الأخ صالح الشامي وفقه الله, وفي ثنايا هذا الكتاب قرأت موضوعا يتعلق بخلق الحياء وأثره في الحياة الدنيا وجميل آثاره في الدار الآخرة, يقول الإمام إبن القيم رحمه الله(( تأمل هذا الخلق الذي خص"بضم الخاء" به الإنسان دون جميع الحيوان, وهو خلق الحياء الذي هو من أفضل الأخلاق وأجلها, وأعظمها قدرا, وأكثرها نفعا, بل هو خاصة الإنسانية, فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة, كما أنه ليس معه من الخير شئ , ولولا هذا الخلق لم يقر الضيف, ولم يوف بالوعد, ولم تؤد أمانة, ولم يقض لأحد حاجة, ولا تحرى الرجل الجميل فآثره والقبيح فتجنبه, ولا ستر له عورة, ولا امتنع من فاحشة, وكثير من الناس لولا الحياء الذي فيه لم يؤد شيئا من الأمور المفترضة عليه, ولم يرع لمخلوق حقا ولم يصل له رحما, ولا بر له والدا, فإن الباعث على هذه الأفعال إما ديني _وهو رجاء عاقبتها الحميدة , وإما دنيوي علوي_وهو حياء فاعلها من الخلق , وقد تبين أنه لولا الحياء إما من الخالق أو من الخلائق لم يفعلها صاحبها, وفي الترمذي برقم(2458) وغيره مرفوعا:( استحيوا من الله حق الحياء) قالوا: وما حق الحياء؟ قال:(أن تحفظ الرأس وما حوى, والبطن وما وعى, وتذكر المقابر والبلى) وقال صلى الله عليه وسلم:(إذا لم تستح فاصنع ما شئت) رواه البخاري رحمه الله برقم(3483), وتتمة للفائدة يقول الإمام إبن القيم رحمه الله في شرح هذا الحديث(وعندي أن هذا الكلام صورته صورة الطلب, ومعناه معنى الخبر,وهو في قوة قولهم: من لا يستحي صنع ما يشتهي! فليس بإذن ولا هو مجرد تهديد, وإنما هو في معنى الخبر, والمعنى: أن الرادع عن القبيح إنما هو الحياء, فمن لم يستح فإنه يصنع ما شاء)) والكلام عن خلق الحياء متشعب وكثير, ونسأل أن يرزقنا خلق الحياء ويوفقنا لما يحبه ويرضاه إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وسلم.